الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب ضرب فَهُوَ أَسِير وَذَاكَ آسر. وَهُوَ وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)
وَهُوَ من شَوَاهِد س:
(فَلَا أرى بعلاً وَلَا حلائلا
…
كه وَلَا كهن إِلَّا حاظلا)
على أَن الْكَاف قد تدخل أَيْضا على الضَّمِير الْمَجْرُور فِي ضَرُورَة الشّعْر.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب مَا لَا يكون فِيهِ الْإِضْمَار من حُرُوف الْجَرّ: وَذَلِكَ الْكَاف الَّتِي فِي: أَنْت كزيد وَحَتَّى ومذ. وَذَلِكَ أَنهم استغنوا بقَوْلهمْ: مثلي وشبهي عَنهُ فأسقطوه.
-
واستغنوا عَن الْإِضْمَار فِي حَتَّى بقَوْلهمْ: دَعه حَتَّى يَوْم كَذَا وَكَذَا وبقولهم: دَعه حَتَّى ذَاك.
وبالإضمار فِي إِلَى قَوْلهم: دَعه إِلَيْهِ لِأَن الْمَعْنى وَاحِد.
كَمَا استغنوا بمثلي وبمثله عَن كي وكه. واستغنوا عَن الْإِضْمَار فِي مذ بقَوْلهمْ: مذ ذَاك لِأَن ذَاك اسْم مُبْهَم وَإِنَّمَا يذكر حِين يظنّ أَنَّك قد عرفت مَا يَعْنِي. إِلَّا أَن الشُّعَرَاء إِذا اضطروا أضمروا فِي الْكَاف فيجرونها على الْقيَاس.
قَالَ العجاج: وَقَالَ:
(فَلَا ترى بعلاً وَلَا حلائلا
…
كه وَلَا كهن إِلَّا حاظلا)
شبهوه بقوله: لَهُ ولهن. وَلَو اضْطر شَاعِر فأضاف الْكَاف إِلَى نَفسه قَالَ: كي. وكي خطأ من قبل أَنه لَيْسَ من حرف يفتح قبل يَاء الْإِضَافَة. انْتهى.
قَالَ النّحاس: هَذَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ قَبِيح. وَالْعلَّة لَهُ أَن الْإِضْمَار يرد الشَّيْء إِلَى أَصله. فالكاف فِي مَوضِع مثل فَإِذا أضمرت مَا بعْدهَا وَجب أَن تَأتي بِمثل. وَأَبُو الْعَبَّاس فِيمَا حكى لنا عَليّ بن سُلَيْمَان يُجِيز الْإِضْمَار فِي هَذَا على الْقيَاس لِأَن الْمُضمر عقيب الْمظهر وَقد نطقت بِهِ الْعَرَب.
وَقد ذكرنَا قبل مَا ذكره بعض النَّحْوِيين من إجازتهم: أَنا كَأَنْت وكإياك ورد أبي الْعَبَّاس لذَلِك. انْتهى كَلَامه. وَقَالَ ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضَّرُورَة: وَمِنْه أيسْتَعْمل الْحَرْف للضَّرُورَة اسْتِعْمَالا لَا يجوز مثله فِي الْكَلَام نَحْو قَول العجاج: وَأم أوعال كها أَو أقربا
فجر بِالْكَاف الضَّمِير الْمُتَّصِل. وَحكمهَا فِي سَعَة الْكَلَام أَن لَا تجر إِلَّا الظَّاهِر أَو الضَّمِير الْمُنْفَصِل لجريانه مجْرى الظَّاهِر فَيُقَال: مَا أَنا كَأَنْت وَلَا أَنْت كأنا.)
-
حكى الْكسَائي عَن بعض الْعَرَب أَنه قيل لَهُ: من تَعدونَ الصعلوك فِيكُم فَقَالَ: هُوَ الْغَدَاة كأنا. لكنه لما اضْطر أبدلها من حكمهَا حكم مَا هِيَ فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ مثل فَجَعلهَا تجر الضَّمِير الْمُتَّصِل كَمَا تجر الضَّمِير الْمُنْفَصِل كَمَا يجره مثل.
وَمن ذَلِك قَوْله:
وَإِذا الْحَرْب شمرت لم تكن كي حِين تَدْعُو الكماة فِيهَا نزال أنْشدهُ الْفراء وَقَالَ: أنشدنيه بعض أَصْحَابنَا وَلم أسمعهُ أَنا من الْعَرَب. قَالَ الْفراء: وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ: أَنا كك وَأَنت كي. وَاسْتِعْمَال هَذَا فِي حَال السعَة شذوذ لَا يلْتَفت إِلَيْهِ.
انْتهى.
وَمن دُخُولهَا على الضَّمِير قَول أبي مُحَمَّد اليزيدي اللّغَوِيّ النَّحْوِيّ أَخذ عَن أبي عَمْرو وَيُونُس وأكابر الْبَصرِيين وَكَانَ معلم الْمَأْمُون بن هَارُون الرشيد:
(شكوتم إِلَيْنَا مجانينكم
…
ونشكو إِلَيْكُم مجانيننا)
(فلولا المعافاة كُنَّا كهم
…
وَلَوْلَا الْبلَاء لكانوا كُنَّا)
وَقَالَ آخر:
(لَا تلمني فإنني كك فِيهَا
…
إننا فِي الملام مشتركان)
وَكتب بعض الْفُضَلَاء إِلَى ابْن المقفع كتابا يباريه فِي الوجازة: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. نَحن صَالِحُونَ فَكيف أَنْتُم فَكتب إِلَيْهِ ابْن المقفع: نَحن كك. وَالسَّلَام. وَبِمَا نقلنا عَن سِيبَوَيْهٍ يعرف أَن نسبه جَوَاز ذَلِك إِلَيْهِ مُطلقًا غير صَحِيح. وَمِمَّنْ نسب الْجَوَاز إِلَيْهِ مُطلقًا أَبُو حَيَّان قَالَ فِي الارتشاف وَفِي
الْوَاضِح: أجَاز سِيبَوَيْهٍ وَأَصْحَابه أَنْت كي وَأَنا كك. وَضَعفه الْكسَائي وَالْفراء وَهِشَام.
وَقَالَ فِي تَذكرته أَيْضا: وَاخْتلفُوا فِي دُخُول الْكَاف على الْيَاء وَالْكَاف فَأجَاز سِيبَوَيْهٍ وَأَصْحَابه: أَنْت كي وَأَنا كك.
وَضعف هَذَا الْكسَائي وَالْفراء
وَهِشَام وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ قَلِيل فِي كَلَام الْعَرَب. وَقَالَ الْفراء: أَنْشدني بعض أَصْحَابنَا: وَإِذا الْحَرْب شمرت لم تكن كي الْبَيْت قَالَ الْفراء: وَمَا سَمِعت أَنا هَذَا الْبَيْت من الْعَرَب. وَقَالَ هِشَام: مَا قَالَت الْعَرَب: أَنا كك)
وَأَنت كي. قَالَ: وَالْبَيْت الَّذِي ينشد فِي كي مؤلف من قَول بشار لَا يلْتَفت إِلَيْهِ.
وَقَالَ الْفراء: قد حُكيَ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ: أَنا كك وَأَنت كي. وَقَالَ الْفراء: لم تقل الْعَرَب: أَنْت كي وآثروا أَنْت كأنا وَلم يَقُولُوا: أَنا كك وآثروا أَنا كَأَنْت وَجعلُوا أَنْت وَأَنا للخفض كَمَا جعلُوا هُوَ للخفض فَقَالُوا: أَنا كَهُوَ.
وَالرَّفْع أغلب على أَنا وَأَنت وَهُوَ وَلم يصيروهن مخفوضات وَالرَّفْع أغلب عَلَيْهِنَّ إِلَّا لِأَن الكنى تجْرِي مجْرى حُرُوف الْمعَانِي فتعرف بالدلالات فَلذَلِك قَالُوا: ضربتك أَنْت ومررت بك أَنْت فَجعلُوا أَنْت للنصب والخفض وَكَذَلِكَ هُوَ وَأَنا.
قَالَ الْكسَائي: قيل لبَعض الْعَرَب: من تَعدونَ الصعلوك فِيكُم فَقَالَ: هُوَ الْغَدَاة كأنا. وَلما صلحت الْكَاف للرفع وَالنّصب والخفض فِي قيامك وضربتك وَبِك لم يستنكر كَون أَنْت مَنْصُوبًا مخفوضاً وَكَذَلِكَ أَنا وَهُوَ. انْتهى كَلَام أبي حَيَّان.
-
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَن دُخُول الْكَاف على ضمير الرّفْع الْمُنْفَصِل جَائِز فِي السعَة عِنْد الْكُوفِيّين. وَنقل عَنْهُم خِلَافه فِي الارتشاف قَالَ: وَفِي الْبَسِيط: وَقد
ورد أَيْضا فِي ضمير الرّفْع فِي قَوْلهم: أَنْت كأنا وَأَنا كَهُوَ. وَأنْكرهُ الْكُوفِيُّونَ. انْتهى.
وَكَيف ينكرونه وهم الَّذين نقلوه عَن الْعَرَب سَمَاعا. وَللَّه در الشَّارِح الْمُحَقق فِي قَوْله: قد تدخل فِي السعَة على الْمَرْفُوع نَحْو أَنا كَأَنْت لوُرُود السماع بِهِ. وَفِي جعله دُخُولهَا على الضَّمِير الْمَنْصُوب والمخفوض خَاصّا بالشعر لعدم ورودهما عَن الْعَرَب.
وَقد سوى أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف بَين الْمَرْفُوع والمنصوب فَقَالَ: وَقد أدخلت الْعَرَب الْكَاف على ضمير الرّفْع الْمُنْفَصِل وعَلى ضمير النصب الْمُنْفَصِل قَالَت: مَا أَنا كَأَنْت وَقَالَ: وَهَذَا غير جيد لِأَن الثَّانِي إِنَّمَا ورد فِي الشّعْر.
وَذهب ابْن مَالك فِي التسهيل إِلَى أَن دُخُولهَا على الضَّمِير الْغَائِب الْمَجْرُور قَلِيل وعَلى الْمَرْفُوع والمنصوب أقل. ونازعه شراحه فِيهِ فَقَالُوا: إِن لم يَكُونَا أَكثر من المخفوض فَيَنْبَغِي أَن يَكُونَا مساويين لَهُ.
وَالْبَيْت من أرجوزة لرؤبة بن العجاج. وَقَبله:
(تحسبه إِذا استتب دائلاً
…
كَأَنَّمَا ينحي هجاراً مائلا)
وهما فِي صوف حمَار وأتنه. وَقَوله: تحسبه بِالْخِطَابِ وَالْهَاء ضمير العير وَهُوَ الْحمار.)
-
واستتب: جد فِي عدوه حَتَّى انْقَطع. وأصل التباب الخسران والهلاك. ودائلاً حَال مُؤَكدَة لعاملها وَهُوَ من الدالان بِفَتْح الدَّال
الْمُهْملَة وَفتح الْهمزَة وَهُوَ الْعَدو.
وَجُمْلَة: كَأَنَّمَا ينحي إِلَخ مفعول ثَان لحسب وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ الْفِعْل قبلهَا. وينحي بالنُّون والحاء الْمُهْملَة: يعْتَمد.
فِي الصِّحَاح: أنحى فِي سيره أَي: اعْتمد على الْجَانِب الْأَيْسَر. هَذَا هُوَ الأَصْل ثمَّ صَار الانتحاء الِاعْتِمَاد والميل فِي كل وَجه.
والهجار بِكَسْر الْهَاء بعْدهَا جِيم: حَبل يشد بِهِ وظيف الْبَعِير. يُرِيد أَنه يعدو فِي شقّ فَكَأَنَّهُ وَقَوله: فَلَا ترى بعلاً
…
إِلَخ هُوَ بِالْخِطَابِ أَيْضا. وَترى بِمَعْنى تعلم مُتَعَدٍّ إِلَى مفعولين أَولهمَا بعلاً وَثَانِيهمَا مَا بعد إِلَّا. وَالْجَار وَالْمَجْرُور وَهُوَ كه صفة لبعل أَي: لَا ترى بعلاً كَهَذا الْحمار وَلَا حلائل كهذه الأتن إِلَّا مَانِعا لَهَا عَن أَن يقربهَا غَيره من الفحول لِأَن الْحمار يمْنَع أتنه من حمَار آخر.
والبعل: الزَّوْج. والحلائل: جمع حَلِيلَة وَهِي الزَّوْجَة. والحاظل بِالْحَاء الْمُهْملَة والظاء الْمُعْجَمَة المشالة قَالَ الأعلم: هُوَ والعاضل سَوَاء وَهُوَ الْمَانِع.
وَقَالَ النّحاس: يُقَال: حظل أنثاه إِذا منعهَا عَن التَّزَوُّج. كَذَا فِي نُسْخَتي الَّتِي قرأتها على أبي إِسْحَاق. وَسَأَلت أَبَا الْحسن فَقَالَ: الحظلان مشْيَة فِيهَا تثاقل. وَقَوله: كه وَلَا كهن أَي: مثله وَلَا مِثْلهنَّ.
وَأعَاد الْكَاف مَعَ الْمَعْطُوف لما قَالَ جُمْهُور الْبَصرِيين: لَا يعْطف على الضَّمِير الْمَجْرُور إِلَّا بِإِعَادَة الْجَار نَحْو: مَرَرْت بك وبزيد.
وَلم يشْتَرط الْكُوفِيُّونَ وَيُونُس والأخفش ذَلِك وأجازوا فِي الْكَلَام: مَرَرْت بك وَزيد. وَعَلِيهِ جَاءَ الْبَيْت الْآتِي وَهُوَ قَوْله: كها وأقربا.
وَهَذَا إِذا كَانَ الضَّمِير الْمَجْرُور بطرِيق الْأَصَالَة وَأما إِن كَانَ بطرِيق الِاسْتِعَارَة كَأَن يستعار ضمير
قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف والتذكرة: قَالَ الْفراء: وَمن لم يقل مَرَرْت بِي وَزيد على اخْتِيَار قَالَ مُخْتَارًا: أَنْت كأنا وَزيد وَأَنا كَأَنْت وَزيد. انْتهى.
قَالَ الأعلم: الْوَقْف على كه بِالْهَاءِ لِأَنَّهُ ضمير جر مُتَّصِل بِالْكَاف اتِّصَاله بِمثل وَالْوَقْف عَلَيْهِ هُنَا كالوقف عَلَيْهِ ثمَّة. انْتهى.)
ويروى فِي بعض النّسخ من كتب النَّحْو: كَهُوَ وَلَا كهن برسم ضمة الْهَاء المشبعة واواً. وَذَلِكَ غير جيد. وَمن هُنَا قَالَ الْمرَادِي فِي شرح التسهيل: وَلَا حجَّة فِي قَوْله: كهن وَلَا كه لاحْتِمَال أَن يكون كَهُوَ وَيجْعَل هُوَ وكهن ضمير رفع منفضل بنيابة ضمير الرّفْع عَن ضمير الْجَرّ.
وَقد شرح الْعَيْنِيّ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ بِمَا لَا يظْهر مَعَه مَعْنَاهُمَا بل يزِيد الطَّالِب خبط عشواء. قَالَ: استتب: استقام. ودائلاً من الدألان وَهُوَ مشي يُقَارب فِيهِ الخطو كَأَنَّهُ مثقل من الْحمل.
والهجار: حَبل يشد فِي رسغ رجل الْبَعِير ثمَّ يشد إِلَى حقوه إِن كَانَ عرياً وَإِن كَانَ مرحولاً يشد فِي الحقب.
تَقول مِنْهُ: هجرت الْبَعِير أهجره هجراً. وهجار الْقوس: وترها. وبعلاً: زوجا. وحليلة الرجل: امْرَأَته. والحاظل: الْمَانِع من التَّزْوِيج كالعاضل بالضاد.
وَجُمْلَة لَا ترى: منفية من الْفِعْل وَالْفَاعِل وبعلاً مَفْعُوله وَلَا حلائلاً عطف عَلَيْهِ. وَقَوله كه: الْكَاف للتشبيه وَمحله النصب لِأَنَّهُ مفعول ثَان لترى وَلَا كهن عطف على كه وحاظلاً اسْتثِْنَاء من قَوْله بعلاً وَلَا حلائلاً. هَذَا كَلَامه فَتَأمل واعجب.
وترجمة رؤبة تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أول الْكتاب.