المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الشاهد التاسع والعشرون بعد الثمانمائة) - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي - جـ ١٠

[عبد القادر البغدادي]

فهرس الكتاب

- ‌(الشَّاهِد الْوَاحِد بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْعَاشِر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثمانمانة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بعد الثنمانمائة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

الفصل: ‌(الشاهد التاسع والعشرون بعد الثمانمائة)

بقْعَة لَا لِأَن أَلفه للتأنيث كَمَا تقدم. فَهَذَا خبط مِنْهُ وتخليط فِي تَقْرِير الْمَسْأَلَة عِنْد الْفَرِيقَيْنِ.

رَابِعهَا: لَا يَصح وصف الْمعرفَة بالنكرة.

خَامِسهَا: لَا وَجه لإضافة الْمعرفَة إِلَى النكرَة.

وَمن هَذَا الْبَيْت إِلَى آخر القصيدة خَمْسَة وَعِشْرُونَ بَيْتا كلهَا فِي وصف القطا.

ومزاحم الْعقيلِيّ شَاعِر إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتِّينَ بعد الأربعمائة.

وَأنْشد بعده

(الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

وَهُوَ من شَوَاهِد س:

(وَلَقَد أَرَانِي للرماح درية

من عَن يَمِيني مرّة وأمامي)

على أَن عَن فِيهِ اسْم بِمَعْنى جَانب لدُخُول حرف الْجَرّ عَلَيْهَا. وَاسْتشْكل هَذَا بِأَن الْكَلِمَة إِنَّمَا تعد حرفا واسماً إِذا اتَّحد أصل معنييهما والجانب لَيْسَ بِمَعْنى الْمُجَاوزَة.

ص: 158

وَأجِيب بِأَن الزَّمَخْشَرِيّ بَين فِي مفصله أَن معنى: جلس عَن يَمِينه أَنه جلس متراخياً عَن بدنه فِي الْمَكَان الَّذِي بحيال يَمِينه. فَمَعْنَى جَلَست عَن يَمِينه: جَلَست من جَانب يَمِينه وَمَوْضِع متجاوز عَن بدنه فِي الْمَكَان الَّذِي بحيال يَمِينه. فَيكون المُرَاد بالجانب الْجِهَة الْمُجَاوزَة لبدنه لَا مُطلق الْجِهَة فيتحد أصل معنى عَن.

قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: اسمية عَن متعينة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع: أَحدهَا: أَن تدخل عَلَيْهَا من وَهُوَ كثير. وَمن الدَّاخِلَة على عَن زَائِدَة عِنْد ابْن مَالك ولابتداء الْغَايَة عِنْد غَيره.

قَالُوا: فَإِذا قيل: قعدت عَن يَمِينه فَالْمَعْنى فِي جَانب يَمِينه وَذَلِكَ مُحْتَمل للملاصقة ولخلافها. فَإِن جِئْت بِمن تعين كَون الْقعُود ملاصقاً لأوّل النَّاحِيَة.

وَالثَّانِي: أَن تدخل عَلَيْهَا على وَذَلِكَ نَادِر وَالْمَحْفُوظ مِنْهُ بَيت وَاحِد وَهُوَ قَوْله:

(على عَن يَمِيني مرت الطير سنحاً

وَكَيف سنوح وَالْيَمِين قطيع)

وَالثَّالِث: أَن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى وَاحِد قَالَه الْأَخْفَش كَقَوْل امْرِئ)

(دع عَنْك نهباً صِيحَ فِي حجراته

وَلَكِن حَدِيثا مَا حَدِيث الرَّوَاحِل)

ص: 159

وَذَلِكَ لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى تعدِي فعل الْمُضمر الْمُتَّصِل إِلَى ضَمِيره الْمُتَّصِل. وَتقدم الْجَواب عَنهُ. وَمِمَّا يدل على أَنَّهَا لَيست هُنَا اسْما أَنَّهَا لَا يَصح حُلُول الْجَانِب محلهَا. انْتهى.

وَالْبَيْت من أَبْيَات أَرْبَعَة أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة لقطري بن الْفُجَاءَة وَهِي:

(لَا يركنن أحد إِلَى الإحجام

يَوْم الوغى متخوفاً لحمام)

فَلَقَد أَرَانِي للرماح دريةً

...

...

... . . الْبَيْت

(حَتَّى خضبت بِمَا تحدر من دمي

أكناف سرجي أَو عنان لجامي)

(ثمَّ انصرفت وَقد أصبت وَلم أصب

جذع البصيرة قارح الْإِقْدَام)

قَوْله: لَا يركنن أحد

إِلَخ لَا: ناهية وركن إِلَى الشَّيْء: مَال إِلَيْهِ.

والإحجام بِتَقْدِيم الْمُهْملَة: التَّأَخُّر والنكوص. والمتخوف: الْخَائِف شَيْئا بعد شَيْء. وَالْحمام بسكر الْمُهْملَة: الْمَوْت.

وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ شرَّاح الألفية شَاهدا لمجيء الْحَال من النكرَة لوقوعها بعد النَّهْي.

-

وَأرَانِي: أعلمني ولكونه من أَفعَال الْقُلُوب صَحَّ أَن يَقع فَاعله ومفعوله لمسمىً وَاحِد. ودرية: مَفْعُوله الثَّانِي.

قَالَ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ: الدريئة بِالْهَمْز: الْحلقَة الَّتِي يَرْمِي فِيهَا المتعلم

ص: 160

ويطعن. والدرية بِلَا همز: النَّاقة الَّتِي ترسل مَعَ الْوَحْش لتأنس بهَا ثمَّ يسْتَتر بهَا ويرمى الْوَحْش. انْتهى.

وَقَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ بعد إنشاد هَذِه الأبيات الْأَرْبَعَة: الدريئة مَهْمُوزَة: الْحلقَة الَّتِي يتَعَلَّم عَلَيْهَا الطعْن وَهِي فعلية بِمَعْنى مفعولة. من درأت أَي: دفعت. والدرية غير المهموز: دَابَّة أَو جمل يسْتَتر بِهِ الصَّائِد فَيَرْمِي الصَّيْد. وَهُوَ من دَريت أَي: ختلت.

قَالَ الشَّاعِر:

(فَإِن كنت لَا أَدْرِي الظباء فإنني

أدس لَهَا تَحت التُّرَاب الدواهيا)

وَبَنوهُ على وزن خديعة إِذْ كَانَ فِي مَعْنَاهَا. انْتهى.

قَالَ شارحها أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: هَذَا الْبَيْت لعبد الله بن مُحَمَّد بن عباد الْخَولَانِيّ قَالَه الْهَمدَانِي فِي كتاب الإكليل. وكنى بالظباء عَن النِّسَاء.

والصيادون يدفنون للوحش فِي طرقها إِلَى المَاء حدائد أشباه الكلاليب فَإِذا جَازَت عَلَيْهَا)

قطعت قَوَائِمهَا. انْتهى.

قَالَ شرَّاح الحماسة: وَيُمكن حمل الْبَيْت عَلَيْهِمَا. فَالْمُرَاد على الأول: أَن الطعْن يَقع فِيهِ كَمَا يَقع فِي تِلْكَ الْحلقَة وعَلى الثَّانِي: أَنه يصير ستْرَة لغيره من الطعْن كَمَا تكون تِلْكَ الدَّابَّة ستْرَة

وَإِنَّمَا اقْتصر على الْيَمين والأمام أَي: القدام لِأَنَّهُ يعلم أَن الْيَسَار فِي ذَلِك كاليمين. وَأما الظّهْر فَإِن الْفَارِس لَا يُمكن مِنْهُ أحدا. وَمن على قَول ابْن مَالك زَائِدَة ومتعلقة بِمَحْذُوف على قَول غَيره. أَي: تَأتِينِي من هَذِه الْجِهَات.

وَقَوله: حَتَّى خضبت

إِلَخ أكناف السرج: جوانبه جمع كنف بِفتْحَتَيْنِ. وعنان اللجام: سيره الَّذِي تمسك بِهِ الدَّابَّة. وأو للتقسيم وَقَالَ

ص: 161

القالي فِي أَمَالِيهِ: أَرَادَ وعنان لجامي.

وَالْمعْنَى: انتصبت للرماح حَتَّى خضبت بِمَا سَالَ من دمي جَوَانِب السرج وعنان فرسي وَذَلِكَ على حسب مواقع الطعْن فالعنان لما سَالَ من أعاليه وجوانب السرج لما سَالَ من أسافله.

وَقيل: إِنَّمَا أَرَادَ دم من قَتله فأضافه إِلَى نَفسه لِأَنَّهُ أراقه.

وَقَوله: وَقد أصبت وَلم أصب الأول بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وَالثَّانِي للْمَفْعُول وجذع وقارح: حالان.

والجذع بِفَتْح الْجِيم والذال الْمُعْجَمَة: الشَّاب الْحَدث والقارح: المنتهي فِي السن.

قَالَ الْخَطِيب: هما مثلان وأصلهما فِي الْخَيل وَذَوَات الحوافر. وَذَلِكَ أَن الْمهْر يركب بعد حول سياسة ورياضة فَإِذا بلغ حَوْلَيْنِ فَهُوَ جذع فَحِينَئِذٍ يَسْتَغْنِي عَن الرياضة.

يَقُول: أَنا جذع البصيرة لَا أحتاج إِلَى تَهْذِيب كَمَا لَا يحْتَاج الْجذع إِلَى الرياضة وإقدامي قارح أَي: قد بلغ النِّهَايَة كَمَا أَن القروح نِهَايَة سنّ الْفرس.

وَهَذَا مَا ذكره الشُّرَّاح. وَمَعْنَاهُ كَمَا ذكره أَبُو الْعَلَاء المعري أَنه يُرِيد أَنه لم يزل شجاعاً فإقدامه قارح لِأَنَّهُ قديم.

-

وَيَعْنِي بجذع البصيرة أَنه كَانَ فِيمَا سلف لَا يرى رَأْي الْخَوَارِج ثمَّ تبصر فِي آخر أمره فَعلم أَنهم على لَاحق فبصيرته جَذَعَة أَي: محدثة. وَذَلِكَ أَنه كَانَ خارجياً سلم عَلَيْهِ بالخلافة ثَلَاث عشرَة سنة. انْتهى.

وَقَالَ القالي: أَي وَأَنا على بصيرتي الأولى. وقارح الْإِقْدَام أَي: متناه فِي الْإِقْدَام.

وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرحها قَالَ النمري: يُرِيد ثمَّ انصرفت وَقد قتلت وَلم أقتل بعد أَن خضبت سرجي ولجامي. يُرِيد أَن الْأَجَل حرز فَلَا يركنن أحد إِلَى الْجُبْن خوف الْمَوْت.)

وَقَوله: جذع البصيرة يُرِيد استبصاره الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي أول الْأَمر لم ينْتَقل عَنهُ لما ناله من الْجِرَاحَات وَلم يضعف فِيهِ

ص: 162

قارح الْإِقْدَام أَي: قد بلغ إقدامه النِّهَايَة.

وَقَالَ قوم: إِنَّمَا يُرِيد بقوله: وَلم أصب لم ألف على هَذِه الْحَال وَلَكِنِّي قارح البصيرة جذع الْإِقْدَام أَي: رَأْيه رَأْي شيخ وإقدامه إقدام غُلَام.

وَيكون البصيرة على هَذَا الرَّأْي وَالتَّدْبِير كالاستبصار فِي الْأَمر وَهُوَ الأعرف فِي كَلَام الْعَرَب فَإِن البصيرة للقلب كالبصر للعين.

وَالْحجّة لهَذَا الْمَذْهَب: قَوْله وَلم أصب وَهُوَ قد قَالَ قبل هَذَا: حَتَّى خضبت بِمَا تحدر من دمي والإصابة قد تكون فِيمَا دون النَّفس وَهُوَ الْأَكْثَر. انْتهى.

وَبعد هَذِه الْأَرْبَعَة بيتان لم يوردهما أَبُو تَمام وهما:

(متعرضاً للْمَوْت أضْرب معلما

بهم الحروب مشهر الْإِعْلَام)

(أَدْعُو الكماة إِلَى النزال وَلَا أرى

نحر الْكَرِيم على القنا بِحرَام)

وقطري هُوَ رَأس الْخَوَارِج كَانَ أحد الْأَبْطَال الْمَذْكُورين خرج فِي مُدَّة

ابْن الزبير وَبَقِي يُقَاتل ويستظهر بضع عشرَة سنة وَسلم عَلَيْهِ بإمرة الْمُؤمنِينَ. وجهز عَلَيْهِ الْحجَّاج جَيْشًا بعد جَيش وَهُوَ يستظهر عَلَيْهِم ويكسرهم. وتغلب على نواحي فَارس وَغَيرهَا. وَوَقَائعه مَشْهُورَة.

وَقد ذكر الْمبرد كثيرا من أخباره فِي الْكَامِل. وَكَانَ مَعَ شجاعته من البلغاء وَله شعر جيد.

وَكَانَ آخر أمره أَن الْحجَّاج ندب لَهُ سُفْيَان بن الْأَبْرَد فِي جَيش كثيف وَاجْتمعَ مَعَه إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث فِي جَيش لأهل الْكُوفَة فَأَقْبَلَا فِي طلب قطري فأدركوه فِي شعب من شعاب طبرستان فقاتلوه فَتفرق عَنهُ أَصْحَابه وَسقط عَن دَابَّته فتدهده إِلَى أَسْفَل الشّعب.

وَأَتَاهُ علج من أهل الْبَلَد

ص: 163

فحدر عَلَيْهِ حجرا من فَوْقه فَأصَاب وركه فأوهنه وَصَاح بِالنَّاسِ فَأَقْبَلُوا نَحوه وَجَاء نفر من أهل الْكُوفَة فَقَتَلُوهُ وَأَرْسلُوا رَأْيه إِلَى الْحجَّاج فسيره إِلَى عبد الْملك وقطري بِفَتْح الْقَاف والطاء وَتَشْديد الْيَاء قَالَ الْجَوْهَرِي: وقطري بن فجاءة الْمَازِني زعم بَعضهم أَن أصل الِاسْم مَأْخُوذ من قطري النِّعَال.

قَالَ الصّلاح الصَّفَدِي فِي حَاشِيَته على الصِّحَاح قلت: بل هُوَ مَنْسُوب إِلَى قطر بِالسَّيْفِ على مَا ذكره بَعضهم. انْتهى.

أَقُول: السَّيْف بِكَسْر السِّين: سَاحل الْبَحْر قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: قطر)

بِفَتْح أَوله وثانيه بعده رَاء مُهْملَة: مَوضِع بَين الْبَحْرين وعمان تنْسب إِلَيْهِ الْإِبِل الْجِيَاد وَهِي اكثر بِلَاد الْبَحْرين حمراً.

والفجاءة بِضَم الْفَاء وَالْمدّ قَالَ صَاحب الصِّحَاح: فاجأه الْأَمر مفاجأة وفجئاً وَكَذَلِكَ فجئه الْأَمر وفجأه الْأَمر بِالْكَسْرِ وَالنّصب فجاءة بِالضَّمِّ وَالْمدّ. وَمِنْه قطري بن فجاءة الْمَازِني.

قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي: اخْتلف فِي اسْم الْفُجَاءَة فَقيل:

اسْمه جَعونَة وَقيل: مَازِن بن يزِيد بن زِيَاد بن حنثر بن كابية بن حرقوص بن مَازِن بن مَالك بن عَمْرو بن تَمِيم.

وَسمي الْفُجَاءَة لِأَنَّهُ غَابَ دهراً بِالْيمن ثمَّ جَاءَهُم فجاءة. انْتهى.

وَجزم صَاحب الجمهرة أَن اسْمه جَعونَة بن مَازِن فَجعل مازناً وَالِد جَعونَة لَا وَالِد قطري.

وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين وَبعد الْوَاو نون. وحنثر الْمَشْهُور

ص: 164

أَنه حبتر بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون قَالَ الْأَمِير الْحَافِظ أَبُو نصر عَليّ بن مَاكُولَا فِي إكماله: وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: قطري بن الْفُجَاءَة وَرفع فِي نسبه إِلَى حنثر بن كابية بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون بعْدهَا ثاء مُعْجمَة بِثَلَاث. ويروى حبتر وَالصَّوَاب بالنُّون والمثلثة. وَالله أعلم.

وكابية بموحدة بعْدهَا مثناة تحتية. وحرقوص بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَالْقَاف.

وَأنْشد بعده:

(باتت تنوش الْحَوْض نوشاً من علا

نوشاً بِهِ تقطع أجواز الفلا)

على أَن علا الاسمية لَا تلْزم الْإِضَافَة كَمَا هُنَا بِخِلَاف عَن فَإِنَّهَا تلزمها.

-

قَالَ أَبُو عَليّ فِي تَذكرته: بجوز أَن يكون علا مَبْنِيا معرفَة وَيجوز أَن يكون معرباً نكرَة. فَإِن كَانَ مَبْنِيا كَانَت الْألف منقلبة عَن الْوَاو لتحركها بالضمة. وَإِن كَانَ معرباً كَانَت منقلبة عَن الْوَاو لتحركها بِالْجَرِّ.

فَإِن قيل: لَا يكون إِلَّا مَبْنِيا لِأَنَّهُ معرفَة لتقدم الْحَوْض وَالْمعْنَى: من علا الْحَوْض. قيل: قد قَالَ الله تَعَالَى: لله الْأَمر من قبل وَمن بعد فهما نكرتان وَإِن كَانَ ذكر الْغَلَبَة قد تقدم وَكَانَ مَعْلُوما إِذْ معنى الْكَلَام من قبل الْغَلَبَة وَمن بعْدهَا. انْتهى.

وعَلى هَذَا يقْرَأ قَول الشَّارِح الْمُحَقق أَي: من فَوق بِضَم الْقَاف وَكسرهَا منونة.

وَقد أخل ابْن جني فِي شرح تصريف الْمَازِني فِي النَّقْل عَن أبي عَليّ فَإِنَّهُ قَالَ: قد كَانَ أَبُو عَليّ يَقُول فِي علا من هَذَا الرجز أَن الْألف فِي علا منقلبة

ص: 165

عَن الْوَاو لِأَنَّهُ من عَلَوْت وَأَن الْكَلِمَة فِي)

مَوضِع مَبْنِيّ نَحْو: قبل وَبعد لِأَنَّهُ يُرِيد نوشاً من علاهُ. فَلَمَّا اقتطع الْمُضَاف من الْمُضَاف إِلَيْهِ وَجب بِنَاء الْكَلِمَة على الضَّم نَحْو: قبل وَبعد فَلَمَّا وَقعت الْوَاو مَضْمُومَة وَقبلهَا فَتْحة قلبت ألفا. وَهَذَا مَذْهَب حسن. انْتهى.

فَللَّه در الشَّارِح الْمُحَقق حَيْثُ لم يُقيد. لَكِن أنْشدهُ الشَّارِح فِي أول حُرُوف الْجَرّ على أَن عَلامَة علا فِيهِ مَبْنِيّ على الضَّم لحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَإِرَادَة مَعْنَاهُ.

وَأوردهُ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ على أَنه يُقَال: من علو بِسُكُون اللَّام وَكسر الْوَاو مَعَ التَّنْوِين وعلو بِضَم الْوَاو وعلو بِفَتْحِهَا وَمن علونا بِضَم الْعين وَكسر الْوَاو وَمن عل وَمن عَال وَمن علا. وَأنْشد الْبَيْتَيْنِ.

وَقَالَ: من قَالَ: من علا جعله مثل قفاً وعال مثل فَاعل وعل مثل عَم وَمن معال مثل مفاعل بِضَم الْمِيم وَمن علو مثل قبل وَبعد وَمن علو مثل لَيْت. انْتهى.

وَتقدم شَرحه بأبسط مِمَّا هُنَا فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالسبْعين بعد السبعمائة.

وَأنْشد بعده يضحكن عَن كَالْبردِ المنهم على أَن الْكَاف يتَعَيَّن اسميتها إِذا انجرت كَمَا هُنَا. فالكاف اسْم بِمَعْنى مثل

ص: 166

صفة مَوْصُوف مَحْذُوف أَي: عَن ثغر مثل الْبرد. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَاخْتلفُوا هَل تكون اسْما فِي الْكَلَام أَو يخْتَص ذَلِك بضرورة الشّعْر فَذهب الْأَخْفَش والفارسي فِي ظَاهر قَوْله وتبعهما ابْن مَالك أَنَّهَا تكون اسْما فِي الْكَلَام وَقد كثر جرها بِالْبَاء وعَلى وَعَن وأضيف إِلَيْهَا وَأسْندَ فاعلة ومبتدأة ومفعولة. لَكِن كل هَذَا فِي الشّعْر. وَذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أَن اسْتِعْمَالهَا اسْما إِنَّمَا يجوز فِي ضَرُورَة الشّعْر. انْتهى.

وَمِثَال جرها بِالْبَاء قَول امْرِئ الْقَيْس يصف فرسا:

(ورحنا بكابن المَاء يجنب وَسطنَا

تصوب فِيهِ الْعين طوراً وترتقي)

وَابْن المَاء: طَائِر يُقَال لَهُ: الغرنيق شبه الْفرس بِهِ فِي سرعته وسهولة مَشْيه. ويجنب: يُقَاد.

وتصوب: تنحدر. وترتقي: ترْتَفع. يُرِيد أَن عين النَّاظر إِلَيْهِ تصعد فِيهِ النّظر وتصوبه إعجاباً بِهِ. وَمِثَال جرها بعلى قَول ذِي الرمة:

(أَبيت على مي كئيباً وبعلها

على كالنقا من عالج يتبطح))

وَمِثَال وُقُوعهَا فاعلة الْبَيْت الْآتِي. وَمِثَال وُقُوعهَا مُبتَدأَة قَول الْكُمَيْت: أَي: علينا مثل النهاء. وَمِثَال وُقُوعهَا مفعولة قَول النَّابِغَة:

ص: 167

(لَا يبرمون إِذا مَا الْأُفق جلله

برد الشتَاء من الإمحال كالأدم)

فالكاف مفعول جلله. وَمِثَال وُقُوعهَا مُضَافا إِلَيْهَا قَوْله:

(تيم الْقلب حب كالبدر لَا بل

فاق حسنا من تيم الْقلب حبا)

وَالْبَيْت الْآتِي وَهُوَ: فصيروا مثل كعصف مَأْكُول وَبَقِي عَلَيْهِ جرها بِالْكَاف وَسَيَأْتِي. وَمِثَال جرها بعن الْبَيْت الشَّاهِد. وَقَبله:

(وَلَا تلمني الْيَوْم يَا ابْن عمي

عِنْد أبي الصَّهْبَاء أقْصَى همي)

(بيض ثَلَاث كنعاج جم

يضحكن عَن كَالْبردِ المنهم)

تَحت عرانين أنوف شم أَبُو الصَّهْبَاء: كنية رجل. والهم بِالْفَتْح الهمة بِالْكَسْرِ: أول الْعَزْم وَهُوَ الْإِرَادَة وَقد يُطلق على الْعَزْم الْقوي فَيُقَال: لَهُ همة عالية.

قَالَ ابْن فَارس: الْهم: مَا هَمَمْت بِهِ إِذا أردته وَلم تَفْعَلهُ.

وبيض بِالرَّفْع: إِمَّا بدل من أقْصَى همي وَإِمَّا خبر لمبتدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ وَالْجُمْلَة جَوَاب سُؤال مُقَدّر. وَقيل: بيض بِالْجَرِّ بدل من همي

وَلَا وَجه لَهُ. وَقيل بيض ثَلَاث: مُبْتَدأ. وَجُمْلَة يضحكن خَبره وَقيل: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هن بيض وَقيل: مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي: مِنْهُنَّ بيض. ذكر هَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة

ص: 168

الْعَيْنِيّ تبعا لصَاحب التخمير. وَالْبيض: الحسان جمع بَيْضَاء وَهِي الْحَسْنَاء. والنعاج: جمع نعجة فِي الْمِصْبَاح: النعجة الْأُنْثَى من الضَّأْن. وَالْعرب تكنى عَن الْمَرْأَة بالنعجة. انْتهى.

وَنقل عَن أبي عبيد أَنه لَا يُقَال لغير بقر الْوَحْش نعاج. وتشبه النِّسَاء بهَا فِي الْعُيُون والأعناق.

والجم بِضَم الْجِيم: جمع جماء وَهِي الَّتِي لَا قرن لَهَا يُقَال: جمت الشَّاة جمماً من بَاب تَعب: إِذا لم يكن لَهَا قرن فالذكر أجم وَالْأُنْثَى جماء وجمعهما جم بِالضَّمِّ. وَفَائِدَة الْوَصْف بجم نفي مَا يكسبهن سماجة.

وَالْبرد: حب الْغَمَام وَهُوَ شَيْء ينزل من السَّحَاب يشبه الْحَصَى وَيُسمى حب المزن أَيْضا.)

والمنهم: الذائب.

قَالَ الْجَوْهَرِي: انهم الْبرد والشحم: ذاب. وهمه: أذابه. شبه ثغر النِّسَاء بالبرد الذائب فِي اللطافة والجلاء. والثغر أَصله المبسم وَيُطلق على الثنايا.

وَقَوله: تَحت العرانين مُتَعَلق بِمَحْذُوف على أَنه صفة ثَانِيَة للبرد. والعرانين: جمع عرنين وَهُوَ مَا والشمم: ارْتِفَاع قَصَبَة الْأنف مَعَ اسْتِوَاء أَعْلَاهُ. فَإِن كَانَ احديداب فَهُوَ القنا وَالْأنف وَالرجل أقنى وَالْأُنْثَى قنواء.

وَهَذَا الرجز للعجاج. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب.

ص: 169

وَأنْشد بعده:

(أتنتهون وَلنْ ينْهَى ذَوي شطط

كالطعن يهْلك فِيهِ الزَّيْت والفتل)

على أَنه يتَعَيَّن فِيهِ اسميتها أَيْضا إِذا طلبَهَا عَامل رفع كَمَا هُنَا فَإِنَّهَا اسْم بِمَعْنى مثل وَقعت عاملة لينهى.

وَقَوله: إِذا ارْتَفَعت مَعْطُوف على قَوْله: إِذا انجرت.

وَتقدم كَلَام ابْن السراج فِي تعين اسمية الْكَاف عِنْد الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسبْعين بعد السبعمائة.

وَقد بسط عَلَيْهَا الْكَلَام ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة وَجوز اسميتها فِي الِاخْتِيَار دون الضَّرُورَة بِخِلَاف ابْن عُصْفُور فِي كتاب ابْن الضرائر. وَلَا بَأْس بإيراد كَلَامهمَا. ولنقدم الثَّانِي فَإِنَّهُ أخصر وأجمل قَالَ: وَمِنْه اسْتِعْمَال الْحَرْف اسْما للضَّرُورَة كَقَوْل الْأَعْشَى: أتنتهون الْبَيْت

(وَإنَّك لم يفخر عَلَيْك كفاخر

ضَعِيف وَلم يَغْلِبك مثل مغلب)

فَجعل الْكَاف فاعلة بيفخر. وَالدَّلِيل على أَنَّهَا فاعلة فِي الْبَيْتَيْنِ أَنه لَا بُد للْفِعْل من فَاعل فَلَا يجوز أَن يكون الْفَاعِل محذوفاً وَيكون تَقْدِيره فِي الْبَيْت الأول ناه كالطعن وَفِي الْبَيْت الثَّانِي فاخر كفاخر. لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو بعد الْحَذف أَن يُقَام الْمَجْرُور مقَامه أَو لَا يُقَام. فَإِن لم يقم مقَامه لم يجز ذَلِك لِأَن الْفَاعِل لَا يحذف من غير أَن يُقَام شَيْء مقَامه. وَإِن قدر لزم أَن يكون الْمَجْرُور فَاعِلا وَالْمَجْرُور الَّذِي

ص: 170

حرف الْجَرّ فِيهِ غير زَائِد لَا يكون فَاعِلا.

فَلَمَّا تعذر حذف الْفَاعِل على التَّقْدِيرَيْنِ لم يبْق إِلَّا أَن تكون الْكَاف هِيَ الفاعلة عوملت)

مُعَاملَة مثل لِأَن مَعْنَاهَا كمعناه. وَحكم لَهَا بِحكمِهِ بَدَلا من حكمهَا للضَّرُورَة. وَمِمَّا اسْتعْملت أَيْضا الْكَاف فِيهِ اسْما قَول ذِي الرمة: وبعله على كالنقا.

وَقَول امْرِئ الْقَيْس: ورحنا بكابن المَاء وَالدَّلِيل على أَن الْكَاف فيهمَا لَيست بِحرف جر أَن حرف الْجَرّ لَا يدْخل على حرف الْجَرّ إِلَّا أَن يَكُونَا فِي معنى وَاحِد فَيكون أَحدهمَا تَأْكِيدًا للْآخر.

فَإِن قيل: لَعَلَّ الْكَاف حرف جر وَيكون الْمَجْرُور بعلى وَالْبَاء محذوفاً. وَالتَّقْدِير: على كفل كالنقا وبفرس كَابْن المَاء فَالْجَوَاب: أَن ذَلِك لَا يسوغ لِأَنَّك إِن لم تقدر الْمَجْرُور قَائِما مقَام الْمَحْذُوف لزم من ذَلِك أَن يكون الْحَرْف الَّذِي هُوَ الْكَاف مَعَ الِاسْم الْمَجْرُور بِهِ فِي مَوضِع خفض بعلى وَالْبَاء وَذَلِكَ لَا يجوز لِأَن حُرُوف الْجَرّ إِنَّمَا تجر الْأَسْمَاء وَحدهَا فَلَمَّا تعذر أَن تكون الْكَاف حرفا على التَّقْدِيرَيْنِ لم يبْق إِلَّا أَن تكون قد جعلت اسْما. انْتهى.

-

وَقَالَ ابْن جني: إِن قَالَ قَائِل: هَل يجوز أَن تكون الْكَاف فِي كالطعن حرف جر وَتَكون صفة قَامَت مقَام الْمَوْصُوف.

وَالتَّقْدِير: وَلنْ ينْهَى ذَوي شطط شَيْء كالطعن فَيكون الْفَاعِل الْمَحْذُوف الْمَوْصُوف حذف جَائِزا كَمَا حذف الْمَوْصُوف فِي قَوْله: ودانيةً عَلَيْهِم ظلالها أَي: جنَّة دانية وكقول الآخر:

ص: 171

كَأَنَّك من جمال بني أقيش أَي: جمل من جمال بني أقيش فَالْجَوَاب: أَن حذف الْمَوْصُوف وَإِقَامَة الْوَصْف مقَامه قَبِيح وَفِي بعض الْأَمَاكِن أقبح.

فَأَما دانية فَالْوَجْه أَن يكون حَالا معطوفة على متكئين فَهَذَا لَا ضَرُورَة فِيهِ. وَأما قَوْله: كَأَنَّك من جمال فَإِنَّمَا جَازَ فِي ضَرُورَة الشّعْر.

وَلَو جَازَ لنا أَن نجد من فِي بعض الْمَوَاضِع قد جعلت اسْما لجعلناها هُنَا اسْما وَلم نحمل الْكَلَام على إِقَامَة الصّفة.

فَأَما قَوْله: وَلنْ ينْهَى ذَوي شطط كالطعن فَلَو حَملته على إِقَامَة الصّفة مقَام الْمَوْصُوف لَكَانَ أقبح من تَأَول قَوْله تَعَالَى: ودانية على حذف الْمَوْصُوف لِأَن الْكَاف فِي بَيت الْأَعْشَى هِيَ)

الفاعلة فِي الْمَعْنى ودانية إِنَّمَا هِيَ مفعول وَالْمَفْعُول قد يكون غير اسْم صَرِيح نَحْو: ظَنَنْت زيدا يقوم وَالْفَاعِل لَا يكون إِلَّا اسْما صَرِيحًا مَحْضا.

فَإِن قلت: أَلَسْت تعلم أَن خبر كَأَن يجْرِي مجْرى الْفَاعِل وَقد قَالُوا: كَأَنَّك من جمال بني أقيش وَأَرَادُوا: جمل من جمال بني أقيش فَهَلا أجزت حذف الْفَاعِل وَإِقَامَة الصّفة مقَامه فِي قَول الْأَعْشَى فَالْجَوَاب: أَن بَينهمَا فرقا من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن خبر كَأَن وَإِن شبه بالفاعل فِي ارتفاعه فَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَة فَاعِلا وجعلهم خَبَرهَا فعلا يدل على أَنه لَا يبلغ قُوَّة الْفَاعِل. وَالْآخر: أَن قَوْله: كَأَنَّك من جما لبني أقيش

ص: 172

اضطررنا فِيهِ إِلَى إِقَامَة الصّفة مقَام الْمَوْصُوف وَبَيت الْأَعْشَى لم نضطر فِيهِ إِلَى ذَلِك لِأَنَّهُ قد قَامَت الدّلَالَة الْبَيِّنَة عندنَا على استعمالهم الْكَاف اسْما فِي نَحْو قَوْله: وبعلها على كالنقا فَهَذَا وَنَحْوه يشْهد بِكَوْن الْكَاف اسْما وَبَيت الْأَعْشَى أَيْضا يشْهد بِمَا قُلْنَا. ولسنا نخالف الشَّائِع المطرد إِلَى ضَرُورَة واستقباح إِلَّا بِأَمْر يَدْعُو إِلَى ذَلِك وَلَا ضَرُورَة هُنَا. فَنحْن على مَا يجب من لُزُوم الظَّاهِر ومخالفنا مُعْتَقد لما لَا قِيَاس يعضده. فقد صَحَّ بِمَا قدمنَا أَن كَاف الْجَرّ تكون مرّة اسْما وَمرَّة حرفا. فَإِذا رَأَيْتهَا فِي مَوضِع تصلح فِيهِ أَن تكون اسْما وَأَن تكون حرفا فجوز فِيهَا الْأَمريْنِ وَذَلِكَ كَقَوْلِك: زيد كعمرو فقد تصلح أَن تكون الْكَاف هُنَا اسْما كَقَوْلِك: زيد مثل عَمْرو وَيجوز أَن تكون حرفا كَقَوْلِك: زيد من الْكِرَام. فَكَمَا أَن من حرف جر وَقع خَبرا عَن الْمُبْتَدَأ كَذَلِك الْكَاف تصلح أَن تكون حرف جر.

فَإِذا قلت: أَنْت كزيد وَجعلت الْكَاف اسْما فَلَا ضمير فِيهَا كَمَا أَنَّك إِذا

قلت: أَنْت مثل زيد فَلَا ضمير فِي مثل كَمَا لَا ضمير فِي الْأَخ وَلَا الابْن إِذا قلت: أَنْت أَخُو زيد وَأَنت ابْن زيد.

هَذَا قَول أَصْحَابنَا وَإِن كَانَ قد أجَاز بعض البغداديين أَن يكون فِي هَذَا النَّحْو الَّذِي هُوَ غير مُشْتَقّ من الْفِعْل ضمير كَمَا يكون فِي الْمُشْتَقّ.

فَإِذا جعلت الْكَاف فِي: أَنْت كزيد حرفا فَفِيهَا ضمير كَمَا تَتَضَمَّن حُرُوف الْجَرّ الضَّمِير إِذا وَاعْلَم أَنه كَمَا جَازَ أَن تجْعَل هَذِه الْكَاف فاعلة فِي بَيت الْأَعْشَى وَغَيره فَكَذَلِك يجوز أَن تجْعَل)

مُبتَدأَة فَنَقُول على هَذَا: كزيد جَاءَنِي وَأَنت تُرِيدُ: مثل زيد جَاءَنِي. فَإِن أدخلت إِن على هَذَا قلت: إِن كبكر غُلَام لمُحَمد فَرفعت

ص: 173

الْغُلَام لِأَنَّهُ خبر إِن وَالْكَاف فِي مَوضِع نصب لِأَنَّهَا اسْم إِن. وَتقول: إِذا جعلت الْكَاف حرفا وخبراً مقدما: إِن كبكر أَخَاك.

وَاعْلَم أَن أَقيس الْوَجْهَيْنِ فِي أَنْت كزيد أَن تكون الْكَاف حرفا جاراً بِمَنْزِلَة الْبَاء وَاللَّام لِأَنَّهَا مَبْنِيَّة مثلهمَا وَلِأَنَّهَا أَيْضا على حرف وَاحِد وَلَا أصل لَهَا فِي الثَّلَاثَة فَهِيَ بالحروف أشبه. وَلِأَن اسْتِعْمَالهَا حرفا أَكثر من اسْتِعْمَالهَا اسْما.

هَذَا كَلَام ابْن جني وَهُوَ صَرِيح فِي جَوَاز اسميتها فِي الاختبار خلاف مَا نقل عَن سِيبَوَيْهٍ.

وَإِلَيْهِ ذهب صَاحب الْكَشَّاف أَيْضا قَالَ فِي: فأنفخ فِيهِ: إِن الضَّمِير للكاف من كَهَيئَةِ الطير أَي: فأنفخ فِي ذَلِك الشَّيْء المماثل فَيصير كَسَائِر الطُّيُور. انْتهى.

وجميعهم امْتَنعُوا فِيمَا ذَكرْنَاهُ من جعل الْكَاف حرفا تكون مَعَ مجرورها صفة لمَحْذُوف لِأَن شَرط جَوَازه أَن يكون بَعْضًا من مجرور بِمن أَو فِي نَحْو: منا ظعن وَمنا أَقَامَ. وَلم يلْتَفت أَبُو عَليّ فِي البغداديات إِلَى هَذَا الشَّرْط وخرجه على حذف

الْفَاعِل الْمَوْصُوف فَقَالَ: وَلَو قَالَ قَائِل إِن الْكَاف بِمَعْنى الْحَرْف الْجَار لم يكن مخطئاً وَيكون التَّقْدِير: وَلنْ ينْهَى ذَوي شطط شَيْء كالطعن وَنَظِيره من التَّنْزِيل: وَمن آيَاته يريكم الْبَرْق تَقْدِيره: وَمن آيَاته أَنه يريكم فِيهَا الْبَرْق فنصب الظّرْف على الاتساع نصب الْمَفْعُول بِهِ كَأَنَّهُ يريكموها الْبَرْق. مثل وَيَوْما شهدناه ثمَّ حذف الضَّمِير. وَنَظِير ذَلِك:

ص: 174

(وَمَا الدَّهْر إِلَّا تارتان فمنهما

أَمُوت وَأُخْرَى أَبْتَغِي الْعَيْش أكدح)

أَي: مِنْهُمَا تَارَة أَمُوت فِيهَا وَأُخْرَى أَبْتَغِي الْعَيْش.

وَمن هَذَا الْبَاب قَول أبي الْحسن: قَوْله تَعَالَى: أَو جاؤوكم حصرت صُدُورهمْ أَي: جاؤوكم قوما حصرت صُدُورهمْ.

فَكَذَلِك قَوْله: وَلنْ ينْهَى ذَوي شطط يحْتَمل أَن يكون على هَذَا الَّذِي وَصفنَا من حذف الْمَوْصُوف وَلَكِن يدل على كَونهَا اسْما فِي الشّعْر قَول الْقَائِل:

فصيروا مثل كعصف مَأْكُول لِأَن الِاسْم لَا يُضَاف إِلَى الْحَرْف. وَكَذَلِكَ: وصاليات ككما يؤثفين)

تدل الْكَاف الأولى على أَن الثَّانِيَة اسْم إِذْ لَا يدْخل حرف خفض على مثله انْتهى كَلَامه.

وَقد رَجَعَ عَنهُ فِي الْمسَائِل البصريات وَهَذَا نَصه: لَا تَخْلُو الْكَاف من أَن تكون اسْما أَو حرفا.

لَا يجوز أَن تكون حرفا لِأَنَّك إِن جَعلتهَا حرفا لزم أَن تجعلها صفة لمَحْذُوف كَأَنَّك قلت: شَيْء كالطعن وَالْفَاعِل لَا يحذف.

أَلا ترى إِلَى أَن قَول من قَالَ: ضَرَبَنِي وَضربت زيدا إِن الْفَاعِل مِنْهُ مَحْذُوف خطأ عندنَا.

وَكَذَلِكَ إِن جعلت الْكَاف حرفا كَانَ وَصفا وَإِذا صَار وَصفا فالموصوف مَحْذُوف.

ص: 175

وَإِذا جعلته وصف مَحْذُوف بَقِي الْفِعْل لبلا فَاعل وَذَلِكَ غير جَائِز عندنَا. فَإِذا كَانَ كَذَلِك جعلت الْكَاف نَفسهَا فاعلة وموضعها رفع كَمَا أَن موضعهَا جر فِي قَوْله: ككما يؤثفين وكما أَن موضعهَا جر فِي قَوْله:

على كالقطا الْجونِي فَإِن قلت: فَهَلا حذفت الْمَجْرُور فِي قَوْله: على كالقطا الْجونِي لِأَنَّهُ لَيْسَ بفاعل قُلْنَا: يفْسد كَمَا يفْسد حذف الْفَاعِل فَإنَّك إِذا حذفته قدرت الْكَاف وَصفا لَهُ وَإِذا كَانَت وَصفا لَهُ كَانَت حرفا وَإِذا كَانَت حرفا أدخلت حرف جر على حرف جر.

وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يجز فَمن ثمَّ لزمك أَن تحكم بِأَن الْكَاف فِي قَوْله: على كالقطا اسْم فِي مَوضِع جر بعلى كَمَا أَنَّهَا اسْم فِي مَوضِع رفع بِأَنَّهَا فاعلة فِي بَيت الْأَعْشَى. انْتهى كَلَامه.

وعَلى هَذَا مَشى فِي التَّذْكِرَة القصرية وَفِي كتاب الشّعْر. وَمن جَمِيعه تعلم أَن اسميتها عِنْده خَاصَّة بالشعر خلافًا لما نقل عَنهُ. وَمعنى الْبَيْت: لَا يمْنَع الجائرين عَن الْجور مثل طعن نَافِذ إِلَى الْجوف يغيب فِيهِ الزَّيْت مَعَ فَتِيلَة الْجراح.

وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالسبْعين بعد السبعمائة.

ص: 176