الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده: أظبي كَانَ أمك أم حمَار على أَنه يجوز فِي بَاب كَانَ الْإِخْبَار عَن النكرَة بالمعرفة كَمَا فِي هَذَا المصراع. وَهُوَ عجز وصدره: فَإنَّك لَا تبالي بعد حول وَتقدم شَرحه هُنَاكَ فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعِشْرين بعد الْخَمْسمِائَةِ.)
-
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)
(فليت كفافاً كَانَ خبرك كُله
…
وشرك عني مَا ارتوى المَاء مرتوي)
على أَنه يجوز أَن يكون كفافاً اسْم لَيْت وَجُمْلَة كَانَ: خَبَرهَا وَاسْمهَا الضَّمِير الْمُسْتَتر فِيهَا الرَّاجِع إِلَى كفاف وخبرها خيرك بِالنّصب فَيكون اسْم كَانَ أَيْضا نكرَة كاسم لَيْت لكَونه رَاجعا إِلَى كفاف.
وَهَذَا كَمَا قدمه فِي بَاب النكرَة والمعرفة وَفِي بَاب كَانَ: أَن الضَّمِير الْعَائِد إِلَى نكرَة نكرَة. وَهَذَا مَذْهَب بعض النَّحْوِيين. وَعند الْجُمْهُور معرفَة مُطلقًا.
وَقد تكلم على هَذَا الْبَيْت أَبُو عَليّ فِي تَذكرته وتلميذه أَبُو طَالب الْعَبْدي وَابْن الشجري فِي مجلسين من أَمَالِيهِ ولخص مِنْهَا ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ وَأَبُو حَيَّان فِي تَذكرته وَغَيرهم.
وَلم يذكر
أحد مِنْهُم رِوَايَة نصب خيرك إِلَّا صَاحب اللّبَاب قَالَ فِيمَا علقه عَلَيْهِ: ذكر عبد القاهر فِي هَذَا الْبَيْت وَجها آخر يُخرجهُ عَمَّا نَحن فِيهِ من إِضْمَار الشَّأْن: أَن كفافاً اسْم لَيْت وَفِي كَانَ ضَمِيره وخيرك مَنْصُوب بالخبرية. وَكَذَا شرك على معنى: فليت شَيْئا مكفوفاً كَانَ هُوَ خيرك كُله وشرك. انْتهى.
وَأفَاد فائدتين: إِحْدَاهمَا: أَن قَوْله: وشرك مَنْصُوب فِي رِوَايَة نصب خيرك وَالثَّانيَِة: أَن كفافاً مصدر مؤول باسم الْمَفْعُول على تَقْدِير مَوْصُوف.
وَفِي مسَائِل الْخلاف لِابْنِ الْأَنْبَارِي مَا يُشِير إِلَى رِوَايَة النصب أَيْضا وَلَكِن
الْمَعْنى عَلَيْهَا يكون على الْقلب كَمَا يشْهد بِهِ الذَّوْق السَّلِيم. وعَلى هَذِه الرِّوَايَة يكون عني مُتَعَلقا بِمَحْذُوف على أَنه حَال من شَرّ أَي: حَال كَونه مُنْفَصِلا عني.
وَلَا يجوز أَن يتَعَلَّق بالضمير فِي كَانَ الْعَائِد على كفاف كَمَا ذكرُوا أَن الظّرْف يتَعَلَّق بالضمير فِي قَوْله:
(وَمَا الْحَرْب إِلَّا مَا علمْتُم وذقتم
…
وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ المرجم)
وَلَا بكفاف الْمَذْكُور أَيْضا لِأَن الْمُبْتَدَأ لَا يعْمل بعد مُضِيّ خَبره وَيكون مرتوي فَاعل ارتوى)
وَالْمَاء: مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض وَمَا: مَصْدَرِيَّة ظرفية أَي: مُدَّة دوَام المرتوي بِالْمَاءِ.
وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَإِن رُوِيَ بِرَفْعِهِ أَي: بِرَفْع خيرك فاسم لَيْت ضمير شَأْن مَحْذُوف.
وَهَذَا على مَا تقدم مِنْهُ قَرِيبا من أَن أَسمَاء هَذِه الْحُرُوف لَا يجوز حذفهَا فِي الشّعْر إِلَّا إِذا كَانَت ضمائر الشَّأْن. وَهُوَ مَذْهَب صَاحب اللّبَاب قَالَ: وَلَا يحذف اسْمهَا إِلَّا إِذا كَانَ ضمير الشَّأْن.
وَكَذَا قَالَ ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ على هَذَا الْبَيْت.
وَجوز غَيرهم أَن يكون الْمَحْذُوف ضمير الْمُخَاطب. قَالَ ابْن الشجري فِي الْمجْلس الأول وَهُوَ الْمجْلس الثَّامِن وَالْعشْرُونَ وَتَبعهُ ابْن هِشَام: إِن اسْم لَيْت ضمير مَحْذُوف. وَحذف هَذَا النَّحْو مِمَّا فَإِن شِئْت قدرته ضمير الشَّأْن والْحَدِيث وَإِن شِئْت قدرته ضمير الْمُخَاطب. وكفافاً مَعْنَاهُ كافاً وَهُوَ خبر كَانَ وخيرك اسْمهَا وَالْجُمْلَة خبر اسْم لَيْت.
وَالتَّقْدِير على الأول فليته كَانَ خيرك كفافاً وَلَا يحْتَاج إِلَى الضَّمِير الرابط لِأَن الْجُمْلَة نَفسهَا هِيَ الشَّأْن. وعَلى التَّقْدِير الثَّانِي: فليتك كَانَ كفافاً خيرك والعائد على اسْم لَيْت الْكَاف من خيرك. وَمثله فِي حذف الضَّمِير على التَّقْدِيرَيْنِ قَول الآخر:
(فليت دفعت الْهم عني سَاعَة
…
فبتنا على مَا خيلت ناعمي بَال)
أَرَادَ: فليته أَو فليتك. انْتهى.
وَظَاهر كَلَام هَؤُلَاءِ أَنه لَا يجوز جعل كفافاً اسْم لَيْت مَعَ رِوَايَة الرّفْع. وَهُوَ مُسلم إِن كَانَت كَانَ تَامَّة.
قَالَ ابْن الشجري وَتَبعهُ ابْن هِشَام: فَإِن قلت: هَل يجوز أَن ينصب بليت وَتجْعَل كَانَ مستغنية بمرفوعها بِمَعْنى حدث وَوَقع ويخبر بِالْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ كَانَ وفاعلها عَن كفاف.
فَالْجَوَاب: أَن ذَلِك لَا يَصح لخلو الْجُمْلَة عَن عَائِد. فَلَو قلت: لَيْت زيدا قَامَ عَمْرو لم يجز لعدم ضمير فِي اللَّفْظ وَفِي التَّقْدِير.
فَإِن قلت: إِلَيْهِ أَو مَعَه أَو نَحْو ذَلِك صَحَّ الْكَلَام. انْتهى.
وَأما إِن كَانَت نَاقِصَة فَجَائِز. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: يَصح جعل كفافاً اسْم لَيْت وخيرك اسْم كَانَ وتضمر الْخَبَر عَائِدًا على كفافاً وَالتَّقْدِير:
كَأَنَّهُ خيرك. وَنَظِيره أحد قولي سِيبَوَيْهٍ فِي: إِن أفضلهم كَانَ زيد.
وَمنع الْفَارِسِي من هَذَا فِي التَّذْكِرَة وَقَالَ: لقبح الِابْتِدَاء بالنكرة وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بعده فِي الْجُمْلَة ذكر)
يعود عَلَيْهِ وَلَا هُوَ هِيَ. وَيَا لَهَا من غَفلَة من إِمَام حبر. وإضمار خبر كَانَ لَا يُحْصى وحذفه كحذف سَائِر الضمائر إِذا كَانَ فِي حكم الْمَوْجُود مثل إِن زيدا ضرب عَمْرو وَإِن كَانَ ضَعِيفا.
فَأَما نصب هَذِه الْحُرُوف الْمُنْكَرَات فَلَا ينْحَصر. انْتهى.
وَقد تبع ابْن الْحَاجِب أَبَا عَليّ فَقَالَ فِي أَمَالِيهِ: وَلَا يَسْتَقِيم أَن يكون كفافاً اسْما لليت لِأَنَّهُ نكرَة: فَلَا يصلح وَلَو صلح لم يستقم الْمَعْنى لِأَن قَوْله: كَانَ خيرك وَمَا بعده لَا يصلح خَبرا. انْتهى.
وَقَول الشَّارِح: وَقَوله خيرك وشرك اسْم كَانَ وكفافاً خَبَرهَا وَلم يثن لكَونه مصدرا فِي الأَصْل.
مثله لِابْنِ الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ قَالَ: كفافاً خبر عَن
الْخَيْر وَالشَّر مَعًا أَي: لَيْت خيرك وشرك بِالنِّسْبَةِ إِلَيّ لَا يفضل أَحدهمَا عَن الآخر لِأَن الكفاف هُوَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ فضل.
يُرِيد: إِن شرك زَائِد على خيرك فَأَنا أَتَمَنَّى لَو كَانَ غير زَائِد. انْتهى.
وَفِيه رد على ابْن الشجري فِي زَعمه أَن كفافاً إِنَّمَا هُوَ خبر خيرك وَخبر شرك مَحْذُوف مَدْلُول وَقَالَ فِي الْمجْلس الثَّانِي وَهُوَ الْمجْلس السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ: وَمن روى: وشرك رَفعه بالْعَطْف على خيرك فَدخل فِي حيّز كَانَ فَغير أبي عَليّ يقدر خبر كَانَ الْمُضمر محذوفاً دلّ عَلَيْهِ خبر كَانَ الْمظهر وَيقدر الْمَحْذُوف بِلَفْظ الْمَذْكُور وَهُوَ الْقيَاس. وَنَظِير ذَلِك قَوْله:
…
(نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا
…
عنْدك رَاض والرأي مُخْتَلف)
أَرَادَ: نَحن بِمَا عندنَا راضون. انْتهى.
وَتَبعهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي.
وتنبه الدماميني من كَلَام الشَّارِح فَقَالَ مُعْتَرضًا عَلَيْهِ: لَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّقْدِير فَإِن كفافاً يَصح كَونه خَبرا عَنْهُمَا إِذْ هُوَ صَالح للإخبار عَن الِاثْنَيْنِ وَغَيرهمَا.
وَقَول الشَّارِح: وعني مُتَعَلق بكفافاً لِأَنَّهُ خبر كَانَ فَهُوَ مُتَأَخّر فِي التَّقْدِير إِلَى جنبه وَالْمعْنَى عَلَيْهِ.
-
وَقَوله: وَالْمَاء على هَذَا الْوَجْه مَنْصُوب على وَجه أَن يكون كفافاً خَبرا عَنْهُمَا. أَي: وَيكون مرتوي فَاعل ارتوى وَهُوَ مُطَاوع أرويته ورويته من المَاء فارتوى مِنْهُ وتروى.
يُقَال: رُوِيَ من المَاء بِكَسْر الْوَاو إِذا شبع مِنْهُ يرْوى بِفَتْحِهَا رياً وَالِاسْم الرّيّ بِالْكَسْرِ فَهُوَ رَيَّان وَالْمَرْأَة ريا كغضبان وغضبى. ويعدى بِالْهَمْزَةِ والتضعيف كَمَا تقدم. كَذَا فِي الْمِصْبَاح.
وَقَالَ ابْن الشجري: ارتوى بِمَعْنى رُوِيَ جَاءَ افتعل بِمَعْنى فعل كَقَوْلِهِم: رقي وارتقى. وَمثله)
من الصَّحِيح خطف واختطف. انْتهى.
وَنصب المَاء بِنَزْع الْخَافِض. قَالَ ابْن الشجري: يُقَال: ارتويت مِنْهُ أَو بِهِ.
وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِح بقوله: أَي: مَا ارتوى من المَاء مرتو. وَالْمرَاد من هَذَا التَّأْبِيد كَقَوْلِه تَعَالَى: خَالِدين فِيهَا مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض الْآيَة.
قَالَ ابْن الشجري: وَأما نصب المَاء فبتقدير حذف الْجَار أَي: مَا ارتوى من المَاء أَو بِالْمَاءِ. وَحذف الْجَار وإيصال الْفِعْل إِلَى الْمَجْرُور بِهِ مِمَّا كثر اسْتِعْمَاله فِي الْقُرْآن وَالشعر. فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى: وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا أَرَادَ من قومه. وَمن حذف الْبَاء قَوْله تَعَالَى: إِنَّمَا ذَلِكُم الشَّيْطَان يخوف أولياءه أَي: يخوفكم بأوليائه فَلذَلِك قَالَ: فَلَا تخافوهم.
وَقَول الشَّارِح: وَقيل شرك مرتو بِتَقْدِير مرتوياً إِلَى آخِره. هَذَا قَول أبي عَليّ فِي تَذكرته فَيكون على قَوْله: كفافاً خَبرا لقَوْله: خيرك فَقَط على معنى أَنه مَا بلغ ذَلِك إِلَى أَن يكون فِيهِ كفاف كَمَا تَقول: لَيْت نَفَقَتك كفافاً أَي: ليتها مِقْدَار الْحَاجة.
تُرِيدُ أَنَّهَا انقص فَكَذَلِك هَاهُنَا وَيكون الْعَطف على الأول من عطف مُفْرد على مُفْرد شَاركهُ فِي خَبره. وعَلى قَول أبي عَليّ من عطف الْجمل أخبر عَن كل مُفْرد مِنْهُمَا بِخَبَر خَاص.
-
قَالَ ابْن الشجري: وَأما قَوْله وشرك فَمن رَفعه فبالعطف على اسْم كَانَ ومرتوي فِي رَأْي أبي عَليّ خَبره. وَكَانَ حق مرتوي أَن ينْتَصب لِأَنَّهُ مَعْطُوف على كفافاً كَمَا تَقول: كَانَ زيد جَالِسا وَبكر قَائِما تُرِيدُ: وَكَانَ بكر قَائِما فَكَأَنَّهُ قَالَ: ليتك أَو لَيْت الشَّأْن كَانَ خيرك كفافاً وَكَانَ شرك مرتوياً عني.
وأسكن يَاء مرتوي فِي مَوضِع النصب لإِقَامَة الْوَزْن كَقَوْل بشر: كفى بالنأي من أَسمَاء كَافِي وَكَانَ حَقه: كَافِيا.
وَقَالَ فِي الْمجْلس الثَّانِي: وَذهب أَبُو عَليّ على رِوَايَة رفع وشرك إِلَى أَن الْخَبَر مرتوي وَكَانَ حَقه مرتوياً وَلكنه أسكن الْيَاء لإِقَامَة الْوَزْن والقافية وَهُوَ من الضرورات المستحسنة لِأَنَّهُ رد حَالَة إِلَى حالتين.
أَعنِي أَن الشَّاعِر حمل حَالَة النصب على حَالَة الرّفْع والجر وَحسن الْإِخْبَار عَن الشَّرّ بمرتوي لِأَن الارتواء يكف الشَّارِب عَن الشّرْب فَجَاز لذَلِك تَعْلِيق عني بمرتوي. انْتهى.)
وَكلهمْ حمل تسكين مرتوي على الضَّرُورَة وَلم يذكر أحد مِنْهُم أَنه وقف على لُغَة ربيعَة فَإِن لغتهم الْوَقْف على الْمَنْصُوب الْمنون بِالسُّكُونِ.
قَالَ ابْن الْحَاجِب: وَلَا يجوز أَن يكون شرك مرتوي مُبْتَدأ وخبراً كَقَوْلِك: كَانَ زيد قَائِما وَعَمْرو منطلق لفساد الْمَعْنى لِأَنَّهُ يكون حِينَئِذٍ جملَة مُسْتَقلَّة مُنْقَطِعَة عَن التَّمَنِّي فِي الْمَعْنى مثلهَا فِي قَوْلك: لَيْت زيدا قَائِم وَعَمْرو منطلق لِأَن عَمْرو
منطلق فِي مثل ذَلِك مُثبت لَهُ الانطلاق غير دَاخل فِي حيّز التَّمَنِّي بِخِلَاف لَيْت زيدا قَائِم وعمراً منطلق.
وَإِذا ثَبت ذَلِك كَانَ جعلك وشرك مرتوي مَرْفُوعا على الِابْتِدَاء يُوجب أَن يكون مخبرا بِإِثْبَات فَيُوجب إخْبَاره بِأَن شَره منكف فَيفْسد الْمَعْنى إِذْ الْمَعْنى أَن شَره زَائِد وَأَنه يتَمَنَّى أَن لَا يكون كَذَلِك فَكيف يحمل على وَجه يثبت مَا مَقْصُود الْمُتَكَلّم نَفْيه. انْتهى.
وَقَول الشَّارِح: وَيكون المَاء على هَذَا الْوَجْه مَرْفُوعا أَي: على وَجه جعل مرتوي خَبرا لقَوْله: وشرك.
وَقَوله: فَاعل ارتوى أَي مادام المَاء رَيَّان هَذَا أحد وَجْهَيْن فِيهِ. قَالَ ابْن الشجري: وعَلى مَذْهَب أبي عَليّ فِي كَون مرتوي خَبرا لَكَانَ رفع المَاء بتأويلين: أَحدهمَا: تَقْدِير حذف مُضَاف أَي: مَا ارتوى أهل المَاء كَمَا جَاءَ:
واسأل الْقرْيَة أَي: أهل الْقرْيَة وحَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا أَي: يضع أهل الْحَرْب أسلحتهم. وَمن كَلَامهم: صلى الْمَسْجِد أَي: أهل الْمَسْجِد. وَقد كثر حذف الْمُضَاف جدا.
وَثَانِيهمَا: مَا أجَازه بعض الْمُتَأَخِّرين وَهُوَ أَن يكون المَاء فَاعل ارتوى من غير تَقْدِير مُضَاف.
قَالَ: وَجَاز وصف المَاء بالارتواء للْمُبَالَغَة كَمَا جَازَ وَصفه بالعطش لذَلِك قَالَ المتنبي: وَجَبت هجيراً يتْرك المَاء صاديا
وَقد تكلّف بعض الْمُتَأَخِّرين نصب المَاء فِي القَوْل الَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَبُو عَليّ وَذَلِكَ على إِضْمَار فَاعل ارتوى قِيَاسا على مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ من قَوْلهم: إِذا كَانَ غَدا فأتني أَي: إِذا كَانَ مَا نَحن فِيهِ من الرخَاء أَو الْبلَاء غَدا. فَقدر مَا ارتوى النَّاس المَاء.
وَأنْشد على هَذَا قَول الشَّاعِر:
(إِذا كَانَ لَا يرضيك حَتَّى تردني
…
إِلَى قطري مَا إخالك رَاضِيا)
أَرَادَ: إِن كَانَ لَا يرضيك شأني أَو مَا أَنا عَلَيْهِ فأضمر ذَلِك للْعلم بِهِ. وَأَقُول: إِن الْإِضْمَار فِيمَا)
حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ حسن لِأَنَّهُ مَعْلُوم. وَتَقْدِير إِضْمَار النَّاس فِي قَوْله: مَا ارتوى المَاء بعيد. انْتهى.
وَلَا يخفى أَن هَذَا القَوْل تعسف من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: حذف الْفَاعِل من غير الصُّور المعدودة.
وَثَانِيهمَا: حذف الْبَاء وحرف الْجَرّ لَا يحذف إِلَّا سَمَاعا.
ثمَّ قَالَ ابْن الشجري: وَغير أبي عَليّ وَمن اعْتمد على قَوْله رووا نصب المَاء وَلم يرووا فِيهِ وَأَبُو طَالب الْعَبْدي مِنْهُم وَذَلِكَ أَنه ذكر لفظ أبي عَليّ فِي تعريب الْبَيْت ثمَّ قَالَ: وَأَنا مطَالب بفاعل ارتوى. ثمَّ مثل قَوْله مَا ارتوى المَاء مرتوي بقوله: مَا شرب أَي: أبدا. فَدلَّ كَلَامه على أَنه لم يعرف الْمَعْنى الَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَبُو عَليّ من نصب مرتوي على أَنه خبر كَانَ أَو رَفعه على أَنه خبر لَيْت.
وَالْقَوْل عِنْدِي فِيهِ أَن الِالْتِزَام بِالظَّاهِرِ على مَا ذهب إِلَيْهِ الْعَبْدي أشبه بمذاهب الْعَرَب فِيمَا يُرِيدُونَ بِهِ التأييد كَقَوْلِهِم: لَا أفعل كَذَا مَا طَار طَائِر وَلَا أُكَلِّمك مَا سمر سامر.
-
وَقد مر بِي كَلَام لأبي عَليّ ذهب عني مَكَانَهُ يتَضَمَّن تَجْوِيز رفع مرتوي بارتوى. وَأما مُنْذُ زمَان أجيل فكري وطرفي فِي تعرف الْكَلَام الَّذِي سنح لي فِيهِ كَلَامه فَلَا أَقف عَلَيْهِ. انْتهى.
وَقَالَ أَبُو حَيَّان: جعل ابْن بابشاذ مرتوي مَنْصُوبًا على الْمصدر أَي: ارتواء ورد عَلَيْهِ بِأَن اسْم الْفَاعِل فِيمَا زَاد على الثَّلَاثَة لَا يكون مصدرا وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِي اسْم الْمَفْعُول نَحْو: ضاربته مضارباً. قَالَ:
(أقَاتل حَتَّى لَا أرى لي مُقَاتِلًا
…
وأنجو إِذا لم ينج إِلَّا المكيس)
وَكَأَنَّهُ قاسه على الثلاثي نَحْو: قُم قَائِما وأ قَائِما وَقد قعد النَّاس. انْتهى.
أَقُول: تَجْوِيز هَذَا إِنَّمَا يتَصَوَّر فِي رفع المَاء وَجعل الْمَعْطُوف مشاركاً للمعطوف عَلَيْهِ فِي خَبره.
قَالَ ابْن الشجري: وَمن قَالَ: وشرك بِالنّصب حمله على لَيْت وَلَا يجوز أَن يكون مَحْمُولا على لَيْت الْمَذْكُورَة لِأَن ضمير الشَّأْن لَا يَصح الْعَطف عَلَيْهِ لَو كَانَ ملفوظاً بِهِ فَكيف وَهُوَ مَحْذُوف.
وَإِذا امْتنع حمله على لَيْت الْمَذْكُورَة حَملته على أُخْرَى مقدرَة. وَحسن ذَلِك لدلَالَة الْمَذْكُورَة عَلَيْهَا كَمَا حسن حذف كل فِيمَا أورد سِيبَوَيْهٍ من قَول الشَّاعِر:
(أكل امْرِئ تحسبين امْرأ
…
ونار توقد بِاللَّيْلِ نَارا)
أَرَادَ: وكل نَار فَكَأَنَّهُ قَالَ: وليت شرك مرتو عني.)
وَقَالَ ابْن هِشَام: يرْوى بِنصب شرك إِمَّا على أَنه اسْم لليت محذوفة وَإِمَّا على الْعَطف على اسْم لَيْت الْمَذْكُورَة إِن قدر ضمير الْمُخَاطب. انْتهى.
وَقد غفل صَاحب اللّبَاب فِيمَا علقه عَلَيْهِ عَن عدم جَوَاز الْعَطف على ضمير الشَّأْن فَقَالَ: شرك بِالنّصب عطف على اسْم لَيْت ضمير الشَّأْن.
ثمَّ قَالَ ابْن الشجري: فمرتوي فِي هَذَا التَّقْدِير على مَا يسْتَحقّهُ من إسكان يائه لكَونه خَبرا لليت. وعَلى مَذْهَب أبي عَليّ فِي كَون مرتوي خَبرا لَكَانَ أَو لليت يجوز فِي المَاء الرّفْع وَالنّصب وتقدما.
وَأَبُو طَالب الْعَبْدي لم يعرف إِلَّا نصب المَاء وَلم يتَّجه لَهُ إِلَّا إِسْنَاد ارتوى إِلَى مرتوي وَذَلِكَ انه ثمَّ قَالَ: وَأما مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو عَليّ من قَوْله: وَإِن حملت الْعَطف على
كَانَ كَانَ مرتوي فِي مَوضِع نصب. وَإِن حَملته على لَيْت نصبت قَوْله: وشرك ومرتو مَرْفُوع فَكَلَام لم يفسره رحمه الله.
ثمَّ قَالَ: وَمر بِي بعد هَذَا فِي تعليقي كَلَام الشَّيْخ أبي عَليّ أَنا حاكيه على الْوَجْه وَهُوَ أَنه أورد الْبَيْت ثمَّ قَالَ بعد إِيرَاده: لَيْت مَحْمُول على إِضْمَار الحَدِيث وكفافاً خبر كَانَ.
فَأَما قَوْله: وشرك عني مَا ارتوى المَاء مرتوي فَقِيَاس من أعمل الثَّانِي أَن يكون شرك مرتفعاً بالْعَطْف على كَانَ ومرتوي فِي مَوضِع نصب إِلَّا أَنه أسكن فِي الشّعْر مثل:
كفى بالنأي من أَسمَاء كَافِي وَمن أعمل الأول نصب شرك بالْعَطْف على لَيْت ومرتوي فِي مَوضِع رفع لِأَنَّهُ الْخَبَر وَمَا ارتوى المَاء فِي مَوضِع نصب ظرف يعْمل فِيهِ مرتوي. هَذَا مَا ذكره أَبُو عَليّ.
ثمَّ قَالَ الْعَبْدي: وَقد تقدّمت مطالبتي بفاعل ارتوى وَإِذا ثَبت مَا ذكرته علم أَن الْأَمر مَا قلته وَالْمعْنَى عَلَيْهِ لَا محَالة. انْتهى.
فملخص مَا تقدم: أَنه يجوز أَن يكون كفافاً اسْم لَيْت مَعَ نصب خيرك وشرك عني عِنْد عبد القاهر وَمَعَ رفعهما بِتَقْدِير خبر كَانَ ضميراً عِنْد أبي حَيَّان.
وَيجوز أَن يكون اسْم لَيْت ضمير شَأْن أَو مُخَاطب وَاسم كَانَ خيرك وشرك وكفافاً خبر كَانَ عَنْهُمَا أَو عَن أَولهمَا وَخبر الثَّانِي مَحْذُوف وعني مُتَعَلّقه وَجُمْلَة: كَانَ خيرك وشرك كفافاً عني: خبر لَيْت عِنْد الْجُمْهُور ومرتوي فَاعل ارتوى وَالْمَاء مَفْعُوله عِنْد الْجَمِيع.)
وَعند أبي عَليّ جملَة: كَانَ خيرك كفافاً خبر لَيْت وشرك عني مرتوياً معطوفان على خيرك كفافاً. وَإِن نصب شرك بِتَقْدِير لَيْت فجملة: وشرك عني مرتوي معطوفة على جملَة لَيْت الْمُتَقَدّمَة. وعني فِي الْوَجْهَيْنِ عِنْده مُتَعَلقَة بمرتوي. وَكَذَلِكَ المَاء فِي الْوَجْهَيْنِ عِنْده يجوز رَفعه ونصبه.
هَذَا تَحْرِير الْأَقْوَال فِي الْبَيْت وتمييز مَا لكل قَول عَن الآخر.
وَقد لخص ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي كَلَام ابْن الشجري فِي غير وَجهه فَإِنَّهُ لم يبين مَا يَنْبَنِي على كل قَول من الْأَقْوَال. قَالَ: فِي الْبَيْت إِشْكَال من أوجه: أَحدهَا: عدم ارتباط خبر لَيْت باسمها إِذْ الظَّاهِر أَن كفافاً اسْم لَيْت وَأَن كَانَ تَامَّة وَأَنَّهَا وفاعلها الْخَبَر وَلَا ضمير فِي هَذِه الْجُمْلَة.
وَالثَّانِي: تَعْلِيق عني بمرتو.
الثَّالِث: إِيقَاع المَاء فَاعِلا بارتوى وَإِنَّمَا يُقَال ارتوى الشَّارِب.
-
وَالْجَوَاب عَن الأول أَن كفافاً إِنَّمَا هُوَ خبر لَكَانَ مقدم عَلَيْهَا وَهُوَ بِمَعْنى كَاف وَاسم لَيْت ضمير الشَّأْن أَو الْمُخَاطب وخيرك اسْم كَانَ وَكله توكيد لَهُ وَالْجُمْلَة خبر لَيْت.
وَأما شرك فيروى بِالرَّفْع عطفا على خيرك فخبره إِمَّا مَحْذُوف تَقْدِيره كفافاً فمرتوي فَاعل بارتوى وَإِمَّا مرتوي على أَنه سكن للضَّرُورَة. ويروى بِالنّصب إِمَّا على أَنه اسْم لليت محذوفة وَإِمَّا على الْعَطف على اسْم لَيْت الْمَذْكُورَة إِن قدر ضمير الْمُخَاطب ومرتو على الْوَجْهَيْنِ مَرْفُوع خبر لليت المحذوفة أَو الْمَذْكُورَة.
وَعَن الثَّانِي: أَنه ضمن مرتو معنى كَاف لِأَن المرتوي يكف عَن الشّرْب.
وَعَن الثَّالِث: أَنه إِمَّا على حذف مُضَاف أَي: شَارِب المَاء وَإِمَّا على جعل المَاء مرتوياً مجَازًا.
ويروى بِالنّصب على تَقْدِير من ففاعل ارتوى على هَذَا مرتو. هَذَا تلخيصه.
وَلَا يخفى أَن تضمين مرتو معنى كَاف وَرفع المَاء يختصان بقول أبي عَليّ. وَنصب المَاء مَعَ جعل مرتو فَاعِلا إِنَّمَا هُوَ على غير قَوْله كَمَا ذكرنَا.
وَالْبَيْت من قصيدة ليزِيد بن الحكم وَتَقَدَّمت مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّمَانِينَ بعد الْمِائَة.
وَأنْشد بعده)
-
فَلَو أَن واش بِالْيَمَامَةِ دَاره على أَنه حذف النصب من واش لضَرُورَة الشّعْر وَكَانَ الْقيَاس أَن يَقُول: فَلَو أَن واشياً لِأَن إِعْرَاب نَحْو القَاضِي يقدر فِي الرّفْع والجر لثقل الضمة والكسرة على الْيَاء وتلفظ بِهِ فِي النصب لخفة الفتحة. وَإِسْكَان الْيَاء ضَرُورَة.
قيل إِنَّه من أحسن الضرورات وَقد حذفت هُنَا لالتقائها سَاكِنة مَعَ سُكُون نون التَّنْوِين.
وَرُوِيَ فَلَو كَانَ واش فَهُوَ على الْقيَاس.
والمصراع من قصيدة لمَجْنُون بني عَامر وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا:
(خليلي لَا وَالله لَا أملك الَّذِي
…
قضى الله فِي ليلى وَلَا مَا قضى ليا)
(قَضَاهَا لغيري وابتلاني بحبها
…
فَهَلا بِشَيْء غير ليلى ابتلائيا)
(فَلَو كَانَ واش بِالْيَمَامَةِ دَاره
…
وداري بِأَعْلَى حَضرمَوْت اهْتَدَى ليا)
(وماذا لَهُم لَا أحسن الله حفظهم
…
من الْحَظ فِي تصريم ليلى حباليا)
وَهَذِه أشهر قصائده وَهِي طَوِيلَة جدا.
وَقَوله: قَضَاهَا لغيري الْبَيْت روى صَاحب الأغاني بِسَنَدِهِ أَن الْمَجْنُون لما قَالَه نُودي فِي اللَّيْل: أَأَنْت المتسخط لقَضَاء الله وَقدره والمعترض فِي أَحْكَامه واختلس عقله وتوحش مُنْذُ تِلْكَ والواشي: الَّذِي يزوق الْكَلَام ليفسد بَين شَخْصَيْنِ وَأَصله من وشى الثَّوْب يشيه وشياً إِذا نقشه وَحسنه.
واليمامة: اسْم بلد وَكَانَ اسْمهَا فِي الْجَاهِلِيَّة الجو بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْوَاو. واليمامة: اسْم جَارِيَة زرقاء كَانَت تبصر الرَّاكِب من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام سمي الْبَلَد باسمها لِكَثْرَة مَا كَانَ يُضَاف إِلَيْهَا فَيُقَال: جو الْيَمَامَة. وحضرموت بِفَتْح
الْمِيم وَضمّهَا مَدِينَة بِالْيمن. وَقَوله: اهْتَدَى ليا اللَّام بِمَعْنى إِلَى.
وَرُوِيَ بدله: وداري بِأَعْلَى حَضرمَوْت أَتَى ليا بتنوين حَضرمَوْت للضَّرُورَة.
وَقَوله: وماذا لَهُم اسْتِفْهَام وَالضَّمِير للوشاة وَجُمْلَة: لَا أحسن الله حفظهم: دُعَاء عَلَيْهِم. وَمن)
الْحَظ مُتَعَلق بِمَا تعلق بِهِ لَهُم. وتصريم: تقطيع وَهُوَ مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله وَهُوَ ليلى: اسْم عشيقته. وحاليا مَفْعُوله: جمع حَبل وَهُوَ مستعار للوصلة والألفة بَين شَخْصَيْنِ.
وترجمة مَجْنُون بني عَامر تقدّمت فِي الشَّاهِد التسعين بعد الْمِائَتَيْنِ.