الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)
(لقد علم الْحَيّ اليمانون أنني
…
إِذا قلت أما بعد إِنِّي خطيبها)
على أَنه رُوِيَ أَنِّي الثَّانِيَة بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا.
أما الْكسر فعلى أَن جملَة: إِنِّي خطيبها: خبر أنني الْمَفْتُوحَة الْهمزَة وَلَا يجوز فتحهَا لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى الْإِخْبَار بِالْحَدَثِ عَن اسْم الْعين كَمَا تقدم قبله.
وَأما فتحهَا فعلى أَنَّهَا تَكْرِير للأولى على وَجه التَّأْكِيد وخطيبها: خبر أَن الأولى وَلَا خبر لِأَن الثَّانِيَة لِأَنَّهَا جَاءَت مُؤَكدَة للأولى فَهِيَ عينهَا كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِح فِي الْآيَة.
قَالَ شَارِح اللّبَاب: كَانَ الْقيَاس إِذا قلت: أما بعد خطيبها بِدُونِ أَنِّي ليَكُون خطيبها خبر أنني وَالْبَيْت لسحبان وَائِل.
وَرُوِيَ صَدره: وَقد علمت قيس بن عيلان أنني وقيس: قَبيلَة كَبِيرَة وَلها أنث علمت لَهُ. وَهُوَ فِي الأَصْل أَبُو قبائل شَتَّى. وَهُوَ لقب واسْمه النَّاس بالنُّون ابْن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان. وعيلان بِالْعينِ الْمُهْملَة وَلَيْسَ فِي الْعَرَب عيلان غَيره.
وَاخْتلف فِيهِ: فَقيل: عيلان لقب مُضر وَقيل: عيلان عبد لمضر فحضن النَّاس فغلب عَلَيْهِ وَنسب إِلَيْهِ وَقيل: عيلان: اسْم فرس لقيس يُضَاف إِلَيْهِ فَيُقَال: قيس عيلان كَقَوْل العجاج:
وَقيس عيلان وَمن تقيسا
وَقيل غير ذَلِك. وخطيب الْقَوْم هُوَ الْمُتَكَلّم عَنْهُم لكَونه أفْصح مِنْهُم وأبلغ مَأْخُوذ من الْخطاب وَهُوَ القَوْل الَّذِي يفهمهُ الْمُخَاطب. وَيُقَال لمن يعظ الْقَوْم: خطيب أَيْضا.
يُقَال: خطبهم وخطب عَلَيْهِم من بَاب قتل خطْبَة بِالضَّمِّ وَهِي فعلة بِمَعْنى مفعولة نَحْو: نُسْخَة بِمَعْنى مَنْسُوخَة وغرفة من مَاء بِمَعْنى مغروفة. ومصدره الخطابة وَهُوَ قِيَاس مركب من مُقَدمَات مَقْبُولَة أَو مظنونة من شخص مُعْتَقد فِيهِ وَالْغَرَض مِنْهَا ترغيب النَّاس فِيمَا يَنْفَعهُمْ معاشاً ومعاداً.
وأنني الأولى فِي تَأْوِيل مفعول سَاد مسد مفعولي علم وَإِذا ظرف لعلم.)
وَكَثِيرًا مَا تَأتي عقب الْحَمد لله وَتسَمى حِينَئِذٍ فصل الْخطاب كَأَنَّهَا فصلت بَين الْكَلَام الأول وَالثَّانِي. وَتَأْتِي عقب الْبَسْمَلَة. وَتَأْتِي ابْتِدَاء كَأَنَّهَا عقب الْفِكر والروية.
وَاخْتلف فِي أول من قَالَهَا. قَالَ الزبير بن بكار: أول من قَالَ: أما بعد كَعْب بن لؤَي كَانَ يجمعهُمْ يَوْم الْجُمُعَة ويخطبهم وَكَانَ من قَوْله: أما بعد فعطموا حرمكم وزينونه وكرموه فَإِنَّهُ يخرج مِنْهُ نَبِي كريم.
وَقيل: أول من قَالَهَا قس بن سَاعِدَة الْإِيَادِي كَانَ يجمع بنيه وَيَقُول لَهُم: أما بعد فَإِن المعى تكفيه البقلة وترويه المذقة إِلَى آخر
كَلَامه.
-
وَقيل أول من قَالَهَا دَاوُد النَّبِي عليه السلام قَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَالشعْبِيّ: أما بعد هِيَ فصل الْخطاب فِي قَوْله تَعَالَى: وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَة وَفصل الْخطاب. وَالصَّحِيح أَنه دَاوُد وَإِنَّمَا قيس وَقيل فصل الْخطاب فِي الْآيَة: الْبَيِّنَة على الْمُدعى وَالْيَمِين على من أنكر وَقيل: الْفَصْل بَين الْحق وَالْبَاطِل وَقيل: الْفِقْه فِي الْقَضَاء. وسحبان أوردهُ ابْن حجر فِي الْإِصَابَة فِي قسم المخضرمين الَّذين أَسْلمُوا فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ وَلم يجتمعوا بِهِ وَهُوَ سحبان بن زفر بن إِيَاس الوائلي وَائِل باهلة. خطيب مفصح يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْبَيَان. أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَأسلم وَمَات سنة أَربع وَخمسين.
وَحكى الْأَصْمَعِي قَالَ: كَانَ إِذا خطب يسيل عرقاً وَلَا يُعِيد كلمة وَلَا يتَوَقَّف وَلَا يقْعد حَتَّى يفرغ.
وَقدم على مُعَاوِيَة وَفد من خُرَاسَان فيهم سعيد بن عُثْمَان فَطلب سحبان فَأتي بِهِ فَقَالَ: تكلم.
فَقَالَ: انْظُرُوا لي عَصا تقوم من أودي. فَقَالُوا: وَمَا تصنع بهَا وَأَنت بِحَضْرَة أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: مَا كَانَ يصنع بهَا مُوسَى وَهُوَ يُخَاطب ربه وَعَصَاهُ فِي يَده.
فَضَحِك مُعَاوِيَة وَقَالَ: هاتوا عَصَاهُ فَأَخذهَا ثمَّ قَامَ فَتكلم من صَلَاة الظّهْر إِلَى أَن قَامَت صَلَاة الْعَصْر مَا تنحنح وَلَا سعل وَلَا توقف وَلَا ابْتَدَأَ فِي معنى فَخرج مِنْهُ وَقد بَقِي عَلَيْهِ شَيْء.)
فَمَا زَالَت تِلْكَ حَالَته حَتَّى أَشَارَ مُعَاوِيَة بِيَدِهِ فَأَشَارَ إِلَيْهِ سحبان أَن لَا تقطع عَليّ كَلَامي.
فَقَالَ مُعَاوِيَة: الصَّلَاة. فَقَالَ: هِيَ أمامك وَنحن فِي صَلَاة
وتحميد ووعد ووعيد. فَقَالَ مُعَاوِيَة: أَنْت أَخطب الْعَرَب فَقَالَ سحبان: والعجم وَالْإِنْس وَالْجِنّ.
وَمِمَّا رُوِيَ من خطبه البليغة: إِن الدُّنْيَا دَار بَلَاغ وَالْآخِرَة دَار قَرَار. أَيهَا النَّاس فَخُذُوا من دَار ممركم لدار مقركم وَلَا تهتكوا أستاركم عِنْد من لَا تخفى عَلَيْهِ أسراركم وأخرجوا من الدُّنْيَا قُلُوبكُمْ قبل أَن تخرج مِنْهَا أبدانكم فَفِيهَا حييتُمْ ولغيرها خلقْتُمْ. إِن الرجل إِذا هلك قَالَ النَّاس: مَا ترك وَقَالَت الْمَلَائِكَة: مَا قدم.
قَالَ حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ فِي أَمْثَاله فِي قَوْلهم: هُوَ أبلغ من سحبان وَائِل: كَانَ من خطباء الْعَرَب وبلغائها.
وَفِي نَفسه يَقُول: لقد علم الْحَيّ اليمانون أنني الْبَيْت وَهُوَ الَّذِي يَقُول لطلْحَة الطلحات الْخُزَاعِيّ:
(يَا طلح أكْرم من مَشى
…
حسباً وَأَعْطَاهُمْ لتالد)
(مِنْك الْعَطاء فَأعْطِنِي
…
وَعلي مدحك فِي الْمشَاهد)
فَقَالَ طَلْحَة: احتكم. فَقَالَ: برذونك الْورْد وَقصر بزرنج وغلامك الخباز وَعشرَة آلَاف دِرْهَم. فَقَالَ طَلْحَة: أُفٍّ لم تَسْأَلنِي على قدري وَإِنَّمَا سَأَلت على قدرك وَقدر باهلة وَلَو سَأَلتنِي كل قصر وَعبد ودابة لأعطيتك.
ثمَّ أَمر لَهُ بِمَا سَأَلَهُ وَلم يزده شَيْئا وَقَالَ: تالله مَا رَأَيْت مَسْأَلَة مُحكم ألأم مِنْهَا.
وزرنج: مَدِينَة بسجستان مَاتَ بهَا طَلْحَة الطلحات.