الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)
وَهُوَ من شَوَاهِد س:
(وَكنت أرى زيدا كَمَا قيل سيداً
…
إِذا إِنَّه عبد الْقَفَا واللهازم)
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: سَمِعت رجلا من الْعَرَب ينشد هَذَا الْبَيْت كَمَا أخْبرك بِهِ أَي: بِالْكَسْرِ فحال إِذا هَاهُنَا كحالها إِذا قلت: هُوَ عبد الْقَفَا واللهازم. وَإِنَّمَا جَاءَت إِن هُنَا لِأَن هَذَا الْمَعْنى أردْت كَمَا أردْت فِي حَتَّى معنى حَتَّى هُوَ منطلق.
وَلَو قلت: مَرَرْت فَإِذا أَنه عبد تُرِيدُ فَإِذا الْعُبُودِيَّة واللؤم كَأَنَّك قلت: مَرَرْت فَإِذا أمره الْعُبُودِيَّة واللؤم ثمَّ وضعت إِن فِي هَذَا الْموضع جَازَ. انْتهى.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي جَوَاز فتح إِن وَكسرهَا بعد إِذا. الْكسر على نِيَّة وُقُوع الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر بعد إِذا وَالتَّقْدِير: إِذا هُوَ عبد الْقَفَا. وَالْفَتْح على تَأْوِيل الْمصدر مُبْتَدأ والإخبار عَنهُ بإذا.
انْتهى.
والإخبار بإذا مَبْنِيّ على كَونهَا اسْما وَلَيْسَ الْإِخْبَار بهَا وَاجِبا عِنْد الْقَائِل بِهِ. قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد كَمَا قَالَ ابْن يعِيش: من يرى أَن ذَا ظرف صَحَّ تقديرها خَبرا وَلم يقدر محذوفاً أَي: فبالحضرة الْعُبُودِيَّة.
وَصَحَّ
تقديرها مُتَعَلقَة بِخَير مَحْذُوف أَي: فبالحضرة الْعُبُودِيَّة مَوْجُودَة. وَإِن قيل: إِنَّهَا حرف وَجب دَعْوَى الْحَذف. انْتهى.
وَإِذا عِنْد الشَّارِح الْمُحَقق حرف كَمَا قَرَّرَهُ فِي بَاب الْمُبْتَدَأ وَبَاب الظروف وَلِهَذَا قدر الْخَبَر.
وَكَذَا هِيَ حرف عِنْد السيرافي إِلَّا أَنه جعل الْمَحْذُوف الْمُبْتَدَأ قَالَ: وَإِذا فتحت قدر مَا بعْدهَا الْمصدر أَي: فَإِذا أمره الْعُبُودِيَّة وَذَاكَ أَن أَن
الْمَفْتُوحَة مقدرَة بِالْمَصْدَرِ وَإِذا حرف لَا عَامل لَهَا لِأَنَّهَا دخلت لِمَعْنى المفاجأة وَهِي فِي معنى حُرُوف الْعَطف. انْتهى.
وَقد فرق ابْن يعِيش معنى الْكسر عَن معنى الْفَتْح قَالَ: إِذا فتحت أردْت الْمصدر وكأنك قلت: فَإِذا الْعُبُودِيَّة واللؤم كَأَنَّهُ رأى فعل العَبْد. وَإِذا كسرت كَأَنَّهُ قد رَآهُ نَفسه عبدا.)
وَقَوله: وَكنت أرى بِضَم الْهمزَة بِمَعْنى أَظن مُتَعَدٍّ إِلَى ثَلَاثَة مفاعيل: أَولهَا: نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ ضمير الْمُتَكَلّم وَثَانِيها: زيد وَثَالِثهَا: سيد.
وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: أَي عبد قَفاهُ بِرَفْع عبد منوناً أَشَارَ بِهَذَا التَّفْسِير إِلَى أَن عبد الْقَفَا من إِضَافَة الصّفة المشبهة إِلَى فاعلها.
وَقصد بِهِ الرَّد على صَاحب المقتبس فِي زَعمه أَن الْقَفَا مقحم ثمَّ فسر كَون قَفاهُ عبدا باللئيم لِأَنَّهُ حَاصِل الْمَعْنى. واللَّئِيم: المهين والدنئ النَّفس والشحيح وَنَحْو ذَلِك لِأَن اللؤم ضد الْكَرم وَلِهَذَا يُضَاف اللؤم إِلَى الْقَفَا كَمَا يشاف الْكَرم إِلَى الْوَجْه فَيُقَال: لئيم الْقَفَا وكريم الْوَجْه.
ثمَّ فسر الشَّارِح جِهَة كَونه لئيماً بصفعان وَهُوَ من يُمكن من صفع قَفاهُ ليَأْخُذ شَيْئا. وَلَا قَالَ الْجَوْهَرِي: الصفع كلمة مولدة وَالرجل صفعان. انْتهى.
وَلم يتَعَرَّض لَهُ ابْن بري وَلَا الصَّفَدِي بِشَيْء. ورد عَلَيْهِ الفيومي فِي الْمِصْبَاح قَالَ: صفعه صفعاً.
والصفعة: الْمرة وَهُوَ أَن يبسط الرجل كَفه فبضرب بهَا قفا إِنْسَان أَو بدنه. فَإِذا قبض كَفه ثمَّ ضربه فَلَيْسَ بصفع بل يُقَال: ضربه بِجمع كَفه. قَالَه الْأَزْهَرِي وَغَيره. وَرجل صفعان لمن يفعل بِهِ ذَلِك. وَلَا عِبْرَة بقول من
جعل هَذِه الْكَلِمَة مولدة مَعَ شهرتها فِي كتب الْأَئِمَّة. انْتهى.
وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: واللهزمتان: عظمان
…
إِلَخ اللهزمة بِكَسْر اللَّام وَالزَّاي وَسُكُون الْهَاء. والناتئ: اسْم فَاعل من نتأ الشَّيْء بِالْهَمْز ينتأ بِفتْحَتَيْنِ نتوءاً إِذا خرج من مَوْضِعه وارتفع من غير أَن يبين.
وَيجوز تَخْفيف الْفِعْل كَمَا يُخَفف قَرَأَ فَهُوَ نات مَنْقُوص. واللحي بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة: عظم الحنك وَهُوَ الَّذِي يثبت عَلَيْهِ الْأَسْنَان.
وَقَوله: جَمعهمَا الشَّاعِر بِمَا حولهما يُرِيد أَن لكل حَيَوَان لهزمتين لَا غير فالجمع على تَأْوِيل جب مذاكير فلَان بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْبَاء.
قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: جببته جبا من بَاب قتل: قطعته وَمِنْه جببته فَهُوَ مجبوب بَين الْجبَاب بِالْكَسْرِ إِذا استؤصلت مذاكيره.
وَمَا ذكره الشَّارِح من تَفْسِير اللهزمتين هُوَ كَلَام صَاحب الصِّحَاح وَقَالَ بعده: وَيُقَال هما مضغتان علبتان تحتهما. والمضغة اللَّحْم سمي بهَا لِأَنَّهَا مِقْدَار مَا يمضغ.)
والعلبة بِالْمُوَحَّدَةِ من غلب اللَّحْم بِكَسْر اللَّام واستعلب إِذا غلظ. وَرُوِيَ أَيْضا: عليتان بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة الْمُشَدّدَة.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد: اللهازم: عروق فِي الْقَفَا. وَالصَّحِيح مَا قَالَه الْجَوْهَرِي.
قَالَ الأعلم: وَمعنى عبد الْقَفَا واللهازم أَن من بنظرهما يتَبَيَّن عبوديته ولؤمه لِأَن الْقَفَا مَوضِع الصفع واللهزمة مَوضِع اللكز وَهُوَ بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْكَاف وَآخره زاء مُعْجمَة: مصدر لكزه لكزاً من بَاب قتل إِذا ضربه بِجمع كَفه بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْمِيم. يُقَال: ضربه بِجمع كَفه أَي: مَقْبُوضَة.
وَالْمعْنَى: كنت أَظن زيدا سيداً شريفاً كَمَا قيل فِيهِ إِنَّه سيد فَظهر انه لئيم وَكَانَ مَا قيل فِيهِ بَاطِلا.
-
وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لَا يعرف قَائِل كل بَيت مِنْهَا. وَالله اعْلَم.
وانشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد س:
(إِنِّي إِذا خفيت نَار لمرملة
…
ألفى بأرفع تل رَافعا نَارِي)
(ذَاك وَإِنِّي على جاري لذُو حدب
…
أحنو عَلَيْهِ بِمَا يحنى على الْجَار)
على أَن إِن فِي هَذَا الْبَيْت لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْكسر.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: تَقول ذَاك وَأَن لَك عِنْدِي مَا أَحْبَبْت. وَقَالَ عز وجل: وذلكم وَأَن الله موهن كيد الْكَافرين وَقَالَ جلّ ثَنَاؤُهُ: ذَلِكُم فذقوه وَأَن
للْكَافِرِينَ عَذَاب النَّار. وَذَلِكَ لِأَنَّهَا شركت ذَلِك فِيمَا حمل عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ: الْأَمر ذَلِك وَأَن الله.
وَلَو جَاءَت مُبتَدأَة لجازت يدلك على ذَلِك قَوْله تَعَالَى: ذَلِك وَمن عاقب
بِمثل مَا عُوقِبَ بِهِ وَلَيْسَ مَحْمُولا على مَا حمل عَلَيْهِ ذَلِك فَكَذَلِك يجوز أَن تكون إِن مُنْقَطِعَة من ذَلِك.
قَالَ الْأَحْوَص:
(عودت قومِي إِذا مَا الضَّيْف نبهني
…
عقر العشار على عسري وإيساري)
إِنِّي إِذا خفيت نَار لمرملة
…
... إِلَى آخر الشّعْر فَهَذَا لَا يكون إِلَّا مستأنفاً غير مَحْمُول على مَا حمل عَلَيْهِ ذَاك. فَهَذَا أَيْضا يُقَوي ابْتِدَاء إِن فِي الأول. انْتهى.)
قَالَ النّحاس: إِنَّمَا لم يجز فِي إِن هَاهُنَا إِلَّا الْكسر لِأَن بعْدهَا اللَّام كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِن رَبهم بهم يَوْمئِذٍ لخبير.
وَقَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي كسر إِن لدُخُول لَام التَّأْكِيد وَلَو لم تدخل لفتحت حملا على مَا قبلهَا. انْتهى.
وَلما كَانَ سِيبَوَيْهٍ فِيهِ بعض خَفَاء لخصه الشَّارِح الْمُحَقق وأوضحه. وَذَلِكَ أَن مُحَصل كَلَام سِيبَوَيْهٍ جَوَاز الْوَجْهَيْنِ فِي إِن الْمَذْكُورَة وَقد جَاءَ على الْفَتْح وَهُوَ أحد الجائزين من قَوْله تَعَالَى: ذَلِكُم وَأَن الله موهن كيد الْكَافرين وَقَوله تَعَالَى: ذَلِكُم فذقوه وَأَن للْكَافِرِينَ عَذَاب النَّار.
فاسم الْإِشَارَة فِي الْآيَة الأولى خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف التَّقْدِير: الْأَمر ذَلِكُم وَأَن مَعَ معموليها فِي تَأْوِيل مصدر مَرْفُوع مَعْطُوف على ذَلِك وَقد شاركته أَن مَعَ معموليها فِي الخبرية للمبتدأ الْمُقدر.
وَهَذَا معنى قَول سِيبَوَيْهٍ: وَذَلِكَ لِأَنَّهَا شركت ذَلِك فِيمَا حمل عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ: الْأَمر ذَلِك وَأَن الله.
-
قَالَ الْبَيْضَاوِيّ: ذَلِكُم إِشَارَة إِلَى الْبلَاء الْحسن أَو الْقَتْل أَو الرَّمْي وَمحله الرّفْع: أَي: الْمَقْصُود أَو الْأَمر ذَلِكُم. وَقَوله تَعَالَى: وَأَن الله
…
إِلَخ مَعْطُوف عَلَيْهِ أَي: الْمَقْصُود إبلاء الْمُؤمنِينَ وتوهين وَهَذَا يكون من عطف الْمُفْردَات. وَأما قَول الشَّارِح الْمُحَقق: أَي: الْأَمر ذَلِكُم وَالْأَمر أَيْضا أَن الله موهن فتكرير الْمُبْتَدَأ للإيضاح لَا أَنه من عطف الْجمل.
ثمَّ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَلَو جَاءَت مُبتَدأَة لجازت. . إِلَخ يُرِيد: لَو جَاءَت إِن بعد اسْم الْإِشَارَة مَكْسُورَة كَمَا تكسر فِي ابْتِدَاء الْكَلَام لجازت. وَهَذَا الْوَجْه الثَّانِي من الجائزين وَقد جَاءَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: هَذَا ذكر وَإِن لِلْمُتقين لحسن مآب وَقَوله تَعَالَى: هَذَا وَإِن للطاغين لشر مآب فَذَلِك فِي الأولى وَهَذَا فِي الثَّالِثَة خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: الْأَمر ذَلِك وَالْأَمر هَذَا.
وَجُمْلَة إِن معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا فِي الثَّلَاث وَهَذَا من عطف الْجمل وَلَيْسَ من الْعَطف على اسْم الْإِشَارَة حَتَّى تشاركه فِي الخبرية.
وَمثل هَذِه الْآيَات قَول الشَّاعِر: ذَاك وَإِنِّي على جاري لذُو حدب
فَذَاك: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: شأني ذَاك وأمري ذَاك. وَجُمْلَة: إِنِّي على)
جاري
…
إِلَخ معطوفة على الْجُمْلَة قبلهَا.
وَيدل على أَن هَذَا من عطف الْجمل قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْحَج: ذَلِك وَمن عاقب بِمثل مَا عُوقِبَ بِهِ ثمَّ بغي عَلَيْهِ لينصرنه الله فَقَوله: لينصرنه الله جَوَاب قسم مُقَدّر وَجُمْلَة الْقسم الْمُقدر مَعَ جَوَابه خبر من عاقب
…
إِلَخ وَجُمْلَة: من
عاقب
…
إِلَخ معطوفة على الْجُمْلَة الْمَحْذُوف مبتدؤها أَي: الْأَمر ذَلِك وَمن عاقب
…
إِلَخ. فالبيت الْمَذْكُور مثل هَذِه الْآيَة فِي الْإِعْرَاب.
وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: فالجملة القسمية عطف على الْجُمْلَة الْمُقدمَة فِيهِ مُسَامَحَة وَأَرَادَ الْجُمْلَة الَّتِي خبر مبتدئها جملَة قسمية.
ولنرجع إِلَى شرح الأبيات فَنَقُول: قَوْله: عودت قومِي
…
إِلَخ أَرَادَ بقوله: نبهني: طرقني لَيْلًا فنبهني.
وعقر: الْمَفْعُول الثَّانِي لعود ومفعوله الأول: قومِي وَهُوَ مصدر عقرت الْبَعِير من بَاب ضرب إِذا ضربت قوائمه بِالسَّيْفِ.
وَلَا يكون الْعقر فِي غير القوائم وَرُبمَا قيل: عقره إِذا نَحره. والعشار: جمع عشراء وَهِي النَّاقة الَّتِي أَتَى على حملهَا عشرَة أشهر وَمثله نِفَاس جمع نفسَاء. وَلَا ثَالِث لَهما.
والعشار عِنْد الْعَرَب أعز الْإِبِل فذبحها للضيف يكون غَايَة فِي الْجُود وَالْإِكْرَام. وَقَوله: على عسري وإيساري أَي: أعقرها على كل حَالَة سَوَاء كنت مُعسرا أَو مُوسِرًا.
والعسر: الْفقر وَهُوَ اسْم للإعسار. يُقَال: أعْسر الرجل إِذا افْتقر. والإيسار: مصدر أيسر وَقَوله: إِنِّي إِذا خفيت
…
إِلَخ ألفى جَوَاب إِذا وَجُمْلَة: إِذا خفيت
…
إِلَخ خبر إِنِّي.
قَالَ الأعلم: قَوْله أَن بِالْفَتْح مَحْمُول على الْبَدَل من الْعقر لِأَن عقر العشار
مُشْتَمل على إيقاد النَّار ودال عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: عودت قومِي أَنِّي أوقد النَّار للطارق. وَكسر إِن هَاهُنَا أَجود على الِاسْتِئْنَاف وَالْقطع. والمرملة: الْجَمَاعَة الَّتِي نفذ زَادهَا. وَرجل مرمل: لَا شَيْء لَهُ مُشْتَقّ من الرمل كَأَنَّهُ لَا يملك غَيره كَمَا يُقَال: ترب الرجل إِذا افْتقر. يُقَال: أرمل الرجل إِذا نفذ زَاده وافتقر فَهُوَ مرمل.
وَجَاء أرمل على غير قِيَاس وَالْجمع أرامل.
وأرملت الْمَرْأَة فَهِيَ أرملة للَّتِي لَا زوج لَهَا لافتقارها إِلَى من ينْفق عَلَيْهَا.)
وَقَالَ الْأَزْهَرِي: لَا يُقَال لَهَا أرملة إِلَّا إِذا كَانَت فقيرة فَإِن كَانَت موسرة فَلَيْسَتْ بأرملة. وَالْجمع أرامل. وألفى بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول من ألفيته إِذا وجدته مُتَعَدٍّ لمفعولين: أَحدهمَا: نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ ضمير الْمُتَكَلّم وَثَانِيهمَا: قَوْله رَافعا. والتل: مَا ارْتَفع من الأَرْض. وَإِيقَاد النَّار فِي الْأَمَاكِن الْعَالِيَة من أَخْلَاق الْكِرَام حَتَّى يَهْتَدِي الضَّيْف إِلَيْهِ فِي اللَّيْل المظلم وَيَأْتِي.
يَقُول: إِذا خفيت نَار غَيْرِي بِأَن لَا توقد فِي أَيَّام الجدب والقحط فَأَنا أوقدها فِي تِلْكَ الْأَيَّام.
وَقَوله: ذَاك إِشَارَة إِلَى عقر العشار وَإِيقَاد النَّار. فَإِن قلت: كَيفَ أُشير بِذَاكَ إِلَى اثْنَيْنِ قلت: صَحَّ لِأَنَّهُ بِتَأْوِيل مَا ذكر. وَكَذَا قَوْله: عوان بَين ذَلِك أَي: بَين الفارض وَالْبكْر. وذَاك: خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: شأني وأمري ذَاك.
وَجُمْلَة: إِنِّي لذُو حدب: معطوفة على الْجُمْلَة الْمَحْذُوف صدرها وَأوجب كسر إِن هُنَا لوُجُود اللَّام فِي الْخَبَر ولولاها لجَاز فتح إِن وَكَانَت مؤولة مَعَ معموليها بمصدر مَرْفُوع مَعْطُوف على ذَاك عطف مُفْرد على مُفْرد. والحدب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالدَّال: مصدر حدب عَلَيْهِ كفرح إِذا عطف عَلَيْهِ وأحنو خبر بعد خبر والحنو بِمَعْنى الحدب.
فِي الْمِصْبَاح: حنت الْمَرْأَة على وَلَدهَا
تحنى وتحنو حنواً: عطفت وأشفقت فَلم تتَزَوَّج بعد أَبِيهِم. وَقَوله: بِمَا يحنى بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول.
والأحوص بمهملتين شَاعِر إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخَامِس والثمانين من أَوَائِل الْكتاب.
-
وَأنْشد بعده وَهُوَ من شَوَاهِد س: أحقاً أَن أخطلكم هجاني على أَن حَقًا فِي معنى الظّرْف فَأن مَعَ معموليها مؤولة بمصدر فَاعل لثبت محذوفاً أَو فَاعل للظرف على الْخلاف فِي نَحْو: أعندك زيد أَو مُبْتَدأ مُؤخر والظرف قبله خبر.
وَإِنَّمَا قَالَ فِي معنى الظّرْف لِأَنَّهُ ظرف مجازي مُشْتَمل على الْمُحَقق كاشتمال الظّرْف على المظروف. وَالدَّلِيل على أَنه جَار مجْرى الظّرْف وُقُوعه خَبرا عَن الْمصدر دون الجثة كَمَا أَن)
ظرف الزَّمَان كَذَلِك.
قَالَ الأعلم: جَازَ وُقُوعه ظرفا وَهُوَ مصدر فِي الأَصْل لما بَين الْفِعْل وَالزَّمَان من المضارعة وَكَأَنَّهُ على حذف الْوَقْت وَإِقَامَة الْمصدر مقَامه كَمَا قَالُوا: أَتَيْتُك خفوق النَّجْم فَكَأَن تَقْدِيره: أَفِي وَقت حق. انْتهى.
وَهَذَا الْوَجْهَانِ معروفان فِي الظّرْف الْمُعْتَمد. هَذَا إِن كَانَ حَقًا مَنْصُوبًا على
الْمصدر فَأن فَاعل لَا غير تَقول: أحقاً أَنَّك ذَاهِب أَي: أَحَق ذَلِك حَقًا. فقولك: حق فعل مَاض هُوَ الناصب لَحقا وَأَن فَاعل الْمصدر أَو فَاعل الْفِعْل على الْخلاف فِيهِ والهمزة للاستفهام.
فَإِن قلت: إِذا كَانَ حَقًا تَفْسِيرا لأما فَمن أَيْن جَاءَ الِاسْتِفْهَام حَتَّى قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: أَي: قلت: تَفْسِيرهَا بحقاً أحد قَوْلَيْنِ وَالثَّانِي: أَنَّهَا بِمَعْنى أحقاً مَعَ همزَة الِاسْتِفْهَام وَهُوَ الصَّحِيح.
-
فَإِن قلت: ظَاهر أما أَنَّهَا حرف فَكيف تكون بِمَعْنى حَقًا أَو أحقاً وَكَيف تكون أَن فِي قَوْلهم: أما أَنَّك قَائِم فَاعِلا أَو مُبْتَدأ قلت: قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ بَعضهم: هِيَ اسْم بِمَعْنى حَقًا وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ كلمتان الْهمزَة للاستفهام ومَا اسْم بِمَعْنى شَيْء حق فَالْمَعْنى أحقاً.
وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب وَمَوْضِع مَا النصب على الظَّرْفِيَّة كَمَا انتصب حَقًا على ذَلِك فِي نَحْو قَوْله: أحقاً أَن جيرتنا استقلوا وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ الصَّحِيح بِدَلِيل قَوْله: أَفِي الْحق أَنِّي مغرم بك هائم
فَأدْخل عَلَيْهَا فِي وَأَن وصلتها: مُبْتَدأ والظرف: خَبره. وَقَالَ الْمبرد: حَقًا مصدر لحق محذوفاً وَأَن وصلتها: فَاعل. انْتهى.
-
وَوجه الصَّوَاب فِي كَونهَا بِمَعْنى أحقاً: أَنَّك إِذا قلت: أما أَنَّك قَائِم فِيهِ معنى الِاسْتِفْهَام فَلَو كَانَ أما مجموعها بِمَعْنى حَقًا لزم إِمَّا أَن لَا يكون اسْتِفْهَام وَهُوَ خلاف الْمَعْنى وَإِمَّا أَن يقدر أداته دَائِما.
وَيرد أَنه لم يلفظ بِهِ مَعهَا فِي وَقت قطّ مَعَ أَن حذف الْهمزَة بِدُونِ أَن شَاذ عِنْد سِيبَوَيْهٍ ضَرُورَة عِنْد غَيره وَكلهَا بعيدَة عَن الصَّوَاب.
وَإِذا كَانَت مركبة من الْهمزَة وَمَا كَانَ كل معنى مستفاداً من لَفظه الْمَوْضُوع لَهُ. ومَا هَذِه)
نكرَة تَامَّة لَا تحْتَاج إِلَى صفة أَو صلَة عَامَّة بِمَعْنى شَيْء وَمن مَا صدقاتها حق. وَلذَلِك قَالَ: بِمَعْنى شَيْء وَذَلِكَ حق وَلم يقل ابْتِدَاء بِمَعْنى حق.
وَلَيْسَت التَّامَّة الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: إِن تبدوا الصَّدقَات فنعمل هِيَ لِأَنَّهَا بِمَعْنى الشَّيْء خلافًا لِابْنِ الملا فَإِنَّهُ زعم أَنَّهَا كَالَّتِي فِي الْآيَة وَقَالَ: أَي فَنعم شَيْئا هِيَ. فَأَخْطَأَ فِي موضِعين.
وَإِذا كَانَ مَجْمُوع أما بِمَعْنى حَقًا غير صَوَاب فَمَا الظَّن بالْقَوْل بحرفيتها قَالَ ابْن هِشَام: وَهِي حرف عِنْد ابْن خروف وَجعلهَا مَعَ أَن ومعموليها كلَاما تركب من حرف وَاسم كَمَا قَالَ الْفَارِسِي فِي: يَا زيد. انْتهى.
وَهَذَا بعيد عَن الصَّوَاب بمراحل كَمَا لَا يخفى.
وَقَول ابْن هِشَام: وَأَن وصلتها: مُبْتَدأ والظرف: خَبره هَذَا مَرْجُوح وَالرَّاجِح كَونه فَاعِلا للظرف أَو لثبت محذوفاً. وَمَا نَقله عَن الْمبرد هُوَ الْمَشْهُور.
وَزعم الْعَيْنِيّ أَن مذْهبه كَون حَقًا صفة لمصدر مَحْذُوف أَي: أهجاني أخطلكم هجواً حَقًا.
وَفِي التَّذْكِرَة القصرية: قلت لأبي عَليّ: قَوْله: أحقاً أَن أخطلكم هجاني يدل على أَن حَقًا بِمَعْنى: أَفِي الْحق لِأَنَّهُ لَيْسَ يُرِيد أتحقون حَقًا أَن أخطلكم هجاني وَإِنَّمَا يُرِيد أَفِي الْحق أَي: أخبروني هَل هجاني أخطلكم وَلَيْسَ يُرِيد: أتحقون هَذَا الْخَبَر فَلم يُنكر أَبُو عَليّ هَذَا وَصَححهُ وَصَوَّبَهُ. انْتهى.
وَبِهَذَا يعلم أَنه لَيْسَ الْمَعْنى أهجاني هجواً حَقًا.
وَهَذَا نَص سِيبَوَيْهٍ وَفِيه فَوَائِد كَثِيرَة قَالَ فِي بَاب من أَبْوَاب إِن تكون أَن فِيهِ مَبْنِيَّة على مَا قبلهَا: وَذَلِكَ قَوْلك: أحقاً أَنَّك ذَاهِب وَالْحق أَنَّك ذَاهِب وَكَذَلِكَ: أأكبر ظَنك أَنَّك ذَاهِب وأجهد رَأْيك أَنَّك ذَاهِب. وَكَذَلِكَ هما فِي الْخَبَر.
وَسَأَلت الْخَلِيل رحمه الله فَقلت لَهُ: مَا مَنعهم أَن يَقُولُوا: أحقاً إِنَّك ذَاهِب على الْقلب. كَأَنَّك قلت: إِنَّك ذَاهِب حَقًا وَإنَّك ذَاهِب الْحق فَقَالَ: لِأَن إِن لَا تبتدأ فِي كل مَوضِع وَلَو جَازَ هَذَا لجَاز يَوْم الْجُمُعَة إِنَّك ذَاهِب تُرِيدُ إِنَّك ذَاهِب يَوْم الْجُمُعَة. ولقلت أَيْضا: لَا محَالة إِنَّك ذَاهِب تُرِيدُ: إِنَّك لَا محَالة ذَاهِب.
فَلَمَّا لم يجز ذَلِك حملوه على أَحَق أَنَّك ذَاهِب وأفي أكبر ظَنك أَنَّك ذَاهِب وَصَارَت أَن مَبْنِيَّة عَلَيْهِ كَمَا تبني الرحيل على غَد إِذا قلت: غَدا الرحيل. وَالدَّلِيل على ذَلِك إنشاد الْعَرَب كَمَا أَخْبَرتك. زعم يُونُس أَنه سمع الْعَرَب يَقُولُونَ فِي بَيت الْأسود بن يعفر:
أحقا بنى سلمى بن جندل
…
تهددكم اياى وسط الْمجَالِس
فَزعم الْخَلِيل أَن التهدد هُنَا بِمَنْزِلَة الرحيل بعد غَد وَأَن أَن بِمَنْزِلَتِهِ وموضعه كموضعه.
-
وَنَظِير أحقاً أَنَّك ذَاهِب من أشعار الْعَرَب قَول الْعَبْدي:
(أحقاً أَن جيرتنا استقلوا
…
فنيتنا ونيتهم فريق)
وَقَالَ عمر بن أبي ربيعَة:
(أألحق إِن دَار الربَاب تَبَاعَدت
…
أَو انبت حَبل أَن قَلْبك طَائِر)
وَقَالَ النَّابِغَة الْجَعْدِي:
(أَلا أبلغ بني خلف رَسُولا
…
أحقاً أَن أخطلكم هجاني)
فَكل هَذِه الْبيُوت سمعناها من أهل الثِّقَة هَكَذَا وَالرَّفْع فِي جَمِيع هَذَا جيد قوي. وَذَلِكَ أَنَّك إِن شِئْت قلت: أَحَق أَنَّك ذَاهِب وأأكبر ظَنك أَنَّك منطلق تجْعَل الآخر هُوَ الأول. انْتهى.
يُرِيد أَنَّك تجْعَل أَن مُبْتَدأ مُؤَخرا وَمَا قبلهَا خَبرا مقدما.
وَقد تقدم مَا يتَعَلَّق بِهِ فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتِّينَ فِي بَاب الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر. وَقَوله:
(أَلا أبلغ بني خلف رَسُولا
…
أحقاً أَن أخطلكم هجاني)
الأخطل هُنَا هُوَ الشَّاعِر الْمَشْهُور النَّصْرَانِي وَكَانَت بَينه وَبَين النَّابِغَة الْجَعْدِي الصَّحَابِيّ مهاجاة.
وَبَنُو خلف: رَهْط الأخطل من بني تغلب. وَرُوِيَ:
وجشم بِضَم الْجِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة من بني تغلب أَيْضا. قَالَ الأعلم: الرَّسُول هَاهُنَا بِمَعْنى الرسَالَة وَهُوَ مِمَّا جَاءَ على فعول كَالْوضُوءِ وَالطهُور. ونظيرها الألوك وَهِي الرسَالَة أَيْضا. انْتهى.
وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح أَبْيَات ابْن النَّاظِم: رَسُولا حَال من الْفَاعِل أَو اسْم للمصدر أَو بِمَعْنى الرسَالَة مثلهَا فِي قَوْله:
(لقد كذب الواشون مَا بحت عِنْدهم
…
بليلى وَلَا أرسلتهم برَسُول)
فَيكون مَفْعُولا ثَانِيًا. وَلَو منع مَانع مَجِيء رَسُول بِمَعْنى الرسَالَة محتجاً بِأَنَّهُم لم يستندوا فِي ذَلِك إِلَّا إِلَى هَذَا الْبَيْت وَهُوَ مُحْتَمل للوصفية على أَنه حَال لم يحسن لِأَنَّهُ يلْزم عَنهُ كَون الْحَال مُؤَكدَة لعاملها لفظا وَمعنى ومجيء فعول للْجَمَاعَة وَزِيَادَة الْبَاء فِي الْحَال.
وَهَذِه وَإِن كَانَت أموراً ثَابِتَة نَحْو: وأرسلناك للنَّاس رَسُولا وَنَحْو: فَإِنَّهُم عَدو لي وَنَحْو:
(فَمَا رجعت بخائبة ركاب
…
حَكِيم بن الْمسيب مُنْتَهَاهَا))
إِلَّا أَن اجتماعها بعيد. انْتهى.
وَقد أَخذ الْعَيْنِيّ هَذَا الْكَلَام بإخلال فِيهِ وَلم يعزه إِلَيْهِ.
وَهَذَا الْبَيْت اسْتشْهد بِهِ ابْن النَّاظِم فِي شرح الألفية على أَنه إِذا غلب الِاسْم بِالْألف وَاللَّام لم يجز نَزعهَا مِنْهُ إِلَّا فِي نِدَاء
نَحْو: يَا نَابِغَة وَيَا أخطل أَو إِضَافَة نَحْو: نَابِغَة بني ذبيان وأخطلكم فِي هَذَا الْبَيْت.
والاستفهام هُنَا للتقرير وَمَعْنَاهُ حملك الْمُخَاطب على الْإِقْرَار وَالِاعْتِرَاف بِأَمْر قد اسْتَقر عِنْده ثُبُوته أَو نَفْيه.
وَقَالَ الْعَيْنِيّ: الْهمزَة للإنكار التوبيخي فَيَقْتَضِي تحقق مَا بعْدهَا وَأَن فَاعله ملوم على ذَلِك وَكِلَاهُمَا خارجان عَن الِاسْتِفْهَام الْحَقِيقِيّ.
وَالْبَيْت من قصيدة للنابغة الْجَعْدِي هجا بهَا الأخطل وَبني سعد بن زيد مَنَاة ومدح بهَا كَعْب بن جعيل لقضائه لَهُ على بني سعد.
وَبعده:
(فلولا أَن تغلب رَهْط أُمِّي
…
وَكَعب وَهُوَ مني ذُو مَكَان)
(تراجمنا بصدر القَوْل حَتَّى
…
نصير كأننا فرسا رهان)
ومطلع القصيدة:
(وظل لنسوة النُّعْمَان منا
…
على سفوان بوم أروناني)
(فأعتقنا حليلته وَجِئْنَا
…
بِمَا قد كَانَ جمع من هجان)
وسفوان بِالتَّحْرِيكِ: اسْم مَاء. وأروناني: شَدِيد. والحليلة: الزَّوْجَة. والهجان: كرائم الْأَمْوَال وَأَشْرَفهَا.
وترجمة النَّابِغَة الْجَعْدِي تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّادِس والثمانين بعد الْمِائَة.