المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الشاهد الخمسون بعد الثمانمائة) - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي - جـ ١٠

[عبد القادر البغدادي]

فهرس الكتاب

- ‌(الشَّاهِد الْوَاحِد بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْعَاشِر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثمانمانة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بعد الثنمانمائة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

الفصل: ‌(الشاهد الخمسون بعد الثمانمائة)

وَأنْشد بعده

(الشَّاهِد الْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:

(وَلَقَد طعنت أَبَا عُيَيْنَة طعنةً

جرمت فَزَارَة بعْدهَا أَن يغضبوا)

على أَن سِيبَوَيْهٍ قَالَ: جرم فِي الْبَيْت: فعل مَاض بِمَعْنى حق وفَزَارَة: فَاعل وأَن وَقَالَ الْفراء: بل الرِّوَايَة بِنصب فَزَارَة أَي: كسبت الطعنة فَزَارَة الْغَضَب أَي: جرمت لَهُم الْغَضَب. هَذَا كَلَام الشَّارِح وَلَيْسَ فِي كَلَام سِيبَوَيْهٍ مَا نَقله عَنهُ وَهَذَا نَصه: وَأما قَوْله تَعَالَى: لَا جرم أَن لَهُم النَّار وَأَنَّهُمْ مفرطون فَإِن جرم عملت لِأَنَّهَا فعل وَمَعْنَاهَا: لقد حق أَن لَهُم النَّار وَلَقَد اسْتحق أَن لَهُم النَّار.

وَقَول الْمُفَسّرين: مَعْنَاهَا حَقًا أَن لَهُم النَّار يدلك على أَنَّهَا بِمَنْزِلَة هَذَا الْفِعْل إِذا مثلت.

-

فجرم بعد لَا عملت فِي أَن عَملهَا فِي قَول الْفَزارِيّ:

(وَلَقَد طعنت أَبَا عُيَيْنَة طعنةً

جرمت فَزَارَة بعْدهَا أَن يغضبوا)

أَي: أحقت فَزَارَة.

وَزعم الْخَلِيل أَن جرم إِنَّمَا تكون جَوَابا لما قبلهَا من الْكَلَام يَقُول الرجل: كَانَ كَذَا وَكَذَا فَتَقول: لَا جرم أَنهم سيندمون وَأَنه سَيكون كَذَا وَكَذَا. انْتهى كَلَامه.

فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَن فَزَارَة: فَاعل وَأَن يغضبوا: بدل وَإِنَّمَا أورد الْبَيْت تأييداً لكَون جرم فِي الْآيَة وَنَحْوهَا فِي الأَصْل فعلا يرفع الْفَاعِل وفاعلها فِي الْبَيْت

ص: 283

ضمير الطعنة وَلَا يُرِيد أَن فَزَارَة مَرْفُوع بهَا وَإِلَّا لما كَانَ لقَوْله: أحقت فَزَارَة وَجه. وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ ليفرق بَين مَا فِي الْآيَة وَبَين مَا فِي الْبَيْت فَأفَاد أَنَّهَا فِي الْبَيْت متعدية وَلذَا قَالَ أحقت بِالْألف.

قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس: وَعِنْدِي عَن أبي الْحسن فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ: أَي: أحقت فَزَارَة بِالْألف.

انْتهى.

وَقَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي قَوْله: جرمت فَزَارَة وَمَعْنَاهُ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ حقتها للغضب.

وَغَيره يزْعم أَن معنى: جرمت فَزَارَة أَن يغضبوا أكسبتهم الْغَضَب من قَوْله عز وجل: لَا يجرمنكم شنآن قوم. وَيُقَال: حققته أَن يفعل بِمَعْنى أحققته. وحققته أَي: جعلته حَقِيقا بِفِعْلِهِ. انْتهى.

وَكَأن رِوَايَته فِي الْكتاب: أَي: حقت فَزَارَة بِلَا ألف. وحقت متعدية كَمَا بَينهَا.)

وَيدل لما قُلْنَا أَيْضا قَول ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب قَالَ: قَوْله: جرمت فَزَارَة بعْدهَا أَن يغضبوا أَي: كسبت فَزَارَة الْغَضَب عَلَيْك. وَقَول

الْفراء: وَلَيْسَ قَول من قَالَ: حق لفزارة الْغَضَب بِشَيْء ردا مِنْهُ على سِيبَوَيْهٍ والخليل لِأَن مَعْنَاهُ عِنْدهمَا: أحقت فَزَارَة الْغَضَب.

فَأن يغضبوا على تأويلهما مفعول سقط مِنْهُ حرف الْجَرّ وَهُوَ على قَول الْفراء مفعول لَا تَقْدِير فِيهِ لحرف الْجَرّ. وكلا التَّأْويلَيْنِ صَحِيح وَجُمْلَة جرمت فَزَارَة: صفة لطعنة كَأَنَّهُ قَالَ: طعنة جازمة. انْتهى.

وَكَأَنَّهُ لم يقف على كَلَام الْفراء. وَهَذَا نَصه فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: لَا جرم أَنهم فِي الْآخِرَة هم الأخسرون من سُورَة هود قَالَ قَوْله: لَا جرم أَنهم كلمة كَانَت فِي الأَصْل وَالله أعلم بِمَنْزِلَة لَا بُد أَنَّك قَائِم

ص: 284

وَلَا محَالة أَنَّك ذَاهِب فجرت على ذَلِك وَكثر استعمالهم إِيَّاهَا حَتَّى صَارَت بِمَنْزِلَة حَقًا.

أَلا ترى أَن الْعَرَب تَقول: لَا جرم لآتينك لَا جرم لقد أَحْسَنت. وَكَذَلِكَ فَسرهَا الْمُفَسِّرُونَ بِمَعْنى الْحق وَأَصلهَا من جرمت أَي: كسبت الذَّنب. وَلَيْسَ قَول من قَالَ: إِن جرمت كَقَوْلِك: حققت أَو حققت بِشَيْء وَإِنَّمَا لبس على قَائِله قَول الشَّاعِر: وَلَقَد طعنت أَبَا عُيَيْنَة

...

. الْبَيْت فَرفعُوا فَزَارَة وَقَالُوا: نجْعَل الْفِعْل لفزارة كَأَنَّهُ بِمَنْزِلَة حق أَو حق لَهَا أَن تغْضب. وفزارة مَنْصُوبَة فِي قَول الْفراء أَي: جرمتهم الطعنة أَن يغضبوا أَي: كسبتهم.

وَمَوْضِع أَن مَرْفُوع كَقَوْل الشَّاعِر:

(أحقاً عباد الله جرْأَة محلق

عَليّ وَقد أعييت عاداً وتبعا)

ومحلق: رجل. انْتهى كَلَامه ونقلته من خطّ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ الْمُحدث الْمَشْهُور.

-

فجرم عِنْد الْفراء اسْم وَعند سِيبَوَيْهٍ فعل مَاض. وَلَيْسَ مَا رده الْفراء مَوْجُودا فِي كَلَام سِيبَوَيْهٍ حَتَّى يكون ردا على كَلَام سِيبَوَيْهٍ والخليل وَإِنَّمَا هُوَ رد على من قَالَه غير سِيبَوَيْهٍ كَأبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَأبي زيد وَيُونُس وأضرابهم.

وَيُؤَيِّدهُ أَن الشريف المرتضى نقل كَلَام الْفراء وَمَا رده فِي أَمَالِيهِ وَلم يجر لسيبويه ذكرا. قَالَ: فَأَما قَوْله لَا جرم فَقَالَ قوم: معنى جرم كسب.)

وَقَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى: لَا جرم أَن لَهُم النَّار إِن لَا رد على الْكفَّار ثمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: جرم أَن لَهُم النَّار بِمَعْنى كسب قَوْلهم أَن لَهُم النَّار.

وَقَول الشَّاعِر:

ص: 285

(نصبنا رَأسه فِي رَأس جذع

بِمَا جرمت يَدَاهُ وَمَا اعتدينا)

أَي: بِمَا كسبت. وَقَالَ آخَرُونَ: معنى جرم حق وتأولوا الْآيَة بِمَعْنى حقق قَوْلهم أَن لَهُم النَّار.

وأنشدوا: وَلَقَد طعنت أَبَا عُيَيْنَة طعنةً الْبَيْت أَرَادَ: حققت فَزَارَة. وروى الْفراء: فَزَارَة بِالنّصب على معنى كسبت الطعنة فَزَارَة الْغَضَب.

وَقَالَ الْفراء: لَا جرم فِي الأَصْل مثل لَا بُد وَلَا محَالة ثمَّ استعملته الْعَرَب فِي معنى حَقًا وَجَاءَت فِيهِ بِجَوَاب الْأَيْمَان. انْتهى.

وَقد نقل الْجَوْهَرِي كَلَام الْفراء بِعَيْنِه فِي الصِّحَاح. الْعجب من ابْن بري فِي قَوْله تبعا لِابْنِ السَّيِّد: هَذَا رد على الْخَلِيل وسيبويه لِأَنَّهُمَا قدراه أحقت فَزَارَة الْغَضَب أَي: بِالْغَضَبِ فأسقط الْبَاء.

-

وَفِي قَول الْفراء لَا يحْتَاج إِلَى إِسْقَاط حرف الْجَرّ فِيهِ لِأَن تَقْدِيره كسبت فَزَارَة الْغَضَب عَلَيْك.

انْتهى.

وَمَا نَقله مِنْهُمَا حق لَا شُبْهَة فِيهِ. وَأما مَا وَجه التَّعَجُّب فَإِنَّهُ كَيفَ يَصح قَوْله: هَذَا رد على الْخَلِيل وسيبويه لِأَنَّهُمَا قدراه: أحقت فَزَارَة الْغَضَب مَعَ قَول الْفراء: فَرفعُوا فَزَارَة بجعله قَول سِيبَوَيْهٍ والخليل وَالَّذِي قَالَه الشَّارِح. رَأَيْته فِي تَفْسِير الزّجاج وَهُوَ مُتَأَخّر عَن الْفراء قَالَ عِنْد قَوْله تَعَالَى: لَا جرم أَن الله يعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون من سُورَة النَّحْل مَا نَصه:

ص: 286

معنى لَا جرم حق أَن الله وَوَجَب أَن الله. وَقَوله: لَا رد لفعلهم.

قَالَ الشَّاعِر: وَلَقَد طعنت أَبَا عُيَيْنَة

...

الْبَيْت الْمَعْنى: حقت فَزَارَة بِالْغَضَبِ. انْتهى.

وَقَالَ أَيْضا فِي هَذِه السُّورَة عِنْد قَوْله تَعَالَى: لَا جرم أَن لَهُم النَّار: لَا رد لقَولهم. الْمَعْنى وَالله)

أعلم: لَيْسَ ذَلِك كَمَا وصفوا جرم فعلهم هَذَا أَي: كسب. وَقيل: إِن أَن فِي مَوضِع رفع. ذكر ذَلِك قطرب. انْتهى. وقطرب تلميذ سِيبَوَيْهٍ.

وَقَول الشَّارِح رحمه الله: أَي جرمت لَهُم الْغَضَب كَقَوْلِه تَعَالَى: وَلَا يجرمنكم شنآن قوم أَي: لَا يجرمن لكم ظَاهره أَن هَذَا من كَلَام الْفراء. وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا نقلنا كَلَامه.

وَهَذِه عِبَارَته فِي آيَة الْمَائِدَة: وَقَوله: وَلَا يجرمنكم شنآن قوم أَن صدوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام أَن تَعْتَدوا قَرَأَ يحيى بن وثاب وَالْأَعْمَش: وَلَا يجرمنكم من أجرمت.

-

وَكَلَام الْعَرَب وَقِرَاءَة الْقُرَّاء يجرمنكم بِفَتْح الْيَاء جَاءَ التَّفْسِير: وَلَا يحملنكم بغض قوم.

قَالَ الْفراء: وَسمعت الْعَرَب تَقول: فلَان جريمة أَهله يُرِيدُونَ كاسب لأَهله. وَخرج يجرمهم: يكْسب لَهُم وَالْمعْنَى فيهمَا مُتَقَارب أَي: لَا يكسبنكم بغض قوم أَن تَفعلُوا شرا فَأن فِي مَوضِع نصب.

فَإِذا جعلت فِي أَن تَعْتَدوا على ذهبت إِلَى معنى لَا يحملنكم بغضهم على أَن تَعْتَدوا فَيصح طرح على كَمَا تَقول: حَملتنِي أَن أسوءك وعَلى أَن أسوءك. انْتهى كَلَامه.

وَقد أَخذه صَاحب الْكَشَّاف وأوضحه قَالَ: جرم يجْرِي مجْرى كسب فِي تعديته إِلَى مفعول وَاحِد واثنين تَقول: جرم ذَنبا نَحْو كَسبه وجرمته ذَنبا نَحْو

ص: 287

كسبته إِيَّاه. وَيُقَال: أجرمته ذَنبا على نقل الْمُتَعَدِّي إِلَى مفعول بِالْهَمْزَةِ إِلَى مفعولين كَقَوْلِهِم: أكسبته ذَنبا.

وَعَلِيهِ قِرَاءَة عبد الله: لَا يجرمنكم بِضَم الْيَاء وَأول المفعولين على الْقِرَاءَتَيْن ضمير المخاطبين وَالثَّانِي أَن تَعْتَدوا وَأَن صدوكم بِفَتْح الْهمزَة مُتَعَلق بالشنآن بِمَعْنى الْعلَّة. والشنآن: شدَّة البغض. وَالْمعْنَى: لَا يكسبنكم بغض قوم لِأَن صدوكم الاعتداء وَلَا يحملنكم عَلَيْهِ. انْتهى.

وَقَالَ أَيْضا فِي قَوْله تَعَالَى: لَا يجرمنكم شقاقي أَن يُصِيبكُم من سُورَة هود: جرم مثل كسب فِي تعديه إِلَى مفعول وَاحِد وَإِلَى مفعولين. تَقول: جرم ذَنبا وَكَسبه. وجرمته ذَنبا وكسبته إِيَّاه.

-

قَالَ: جرمت فَزَارَة بعْدهَا أَن يغضبوا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: لَا يجرمنكم شقاقي أَن يُصِيبكُم أَي: لَا يكسبنكم شقاقي إِصَابَة الْعَذَاب.

وَكَذَا قَالَ الزّجاج فِي تَفْسِيره قَالَ: أَي: لَا يحملنكم بغضكم الْمُشْركين على ترك الْعدْل. يُقَال: أجرمني كَذَا وجرمني وجرمت وأجرمت بِمَعْنى وَاحِد. وَقيل لَا يجرمنكم: لَا يدخلنكم فِي)

الجرم كَمَا تَقول آثمته: أدخلته فِي الْإِثْم. انْتهى.

ص: 288

وَحَاصِله أَن لَا جرم فعل عِنْد سِيبَوَيْهٍ بِمَعْنى حق يطْلب فَاعِلا ومصدر عِنْد الْفراء يطْلب فَاعِلا أَيْضا. وَهَذَا عِنْدهمَا إِذا كَانَت أَن بعْدهَا وَأما فِي الْقسم نَحْو: لَا جرم لقد كَانَ كَذَا فَلَا. وَلَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ زَائِدَة إِلَّا أَنَّهَا لَزِمت جرم لِأَنَّهَا كالمثل. كَذَا قَالَ الأعلم.

وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَالْوَقْف على لَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَلَا يجوز أَن توصل بجرم لِأَنَّهَا لَيست نَفيهَا. انْتهى.

وَعند الْفراء لَا ركبت مَعَ جرم وَصَارَت بِمَعْنى لَا بُد وَلَا محَالة ثمَّ اسْتعْملت بِمَعْنى حَقًا كَمَا تقدم.

وَقَالَ أَبُو حَيَّان: وَذهب الْفراء إِلَى أَن جرم بِمَعْنى كسب ركبت مَعَ لَا وَصَارَت بِمَنْزِلَة لَا بُد.

وَلَا يقف على لَا. وَأَن بعْدهَا على تَقْدِير من كَمَا تَقول: لَا بُد أَنَّك ذَاهِب أَي: من أَنَّك ذَاهِب. هَذَا كَلَامه وَفِيه نظر.

وَأما جرم بِدُونِ لَا المتصرفة كَالَّتِي فِي الْبَيْت فَهِيَ فعل مُتَعَدٍّ عِنْد سِيبَوَيْهٍ كَمَا يظْهر من قَوْله: أَي: أحقت فَزَارَة بِالْألف.

وَعند الْفراء متعدية تَارَة إِلَى مفعولين كَقَوْلِه فِي سُورَة هود وَلَيْسَ الأول على تَقْدِير حرف الْجَرّ كَمَا أَوله الشَّارِح وَإِلَى وَاحِد تَارَة كَقَوْلِه فِي سُورَة الْمَائِدَة.

وَعَلِيهِ مَشى الزّجاج والزمخشري. وَلم يقل أحد فِيمَا رَأَيْت إِنَّهَا فعل لَازم غير قطرب.

وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَحكى الْكُوفِيُّونَ فِيهَا عَن الْعَرَب وُجُوهًا من التَّغْيِير حكى الْفراء مِنْهَا وَجْهَيْن: قَالَ فِي تَفْسِير آيَة هود: ولكثرتها فِي الْكَلَام

ص: 289

حذفت مِنْهَا الْمِيم فبنو فَزَارَة يَقُولُونَ: لَا جر أَنَّك قَائِم وتوصل من أَولهَا بذا.

أَنْشدني بعض بني كلاب:

(إِن كلاباً وَالِدي لَا ذَا جرم

لأهدرن الْيَوْم هدرا فِي النعم)

هدر الْمَعْنى ذِي الشقاشيق اللَّهُمَّ انْتهى.

قَالَ السَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ وَذكر هذَيْن الْوَجْهَيْنِ وَالشعر: الْمَعْنى: الَّذِي يدْخل الْعنَّة من الْإِبِل وَهِي الحظيرة. وَذَلِكَ أَن الْفَحْل اللَّئِيم إِذا هاج حبس حَتَّى لَا يضْرب فِي النوق الْكِرَام وَمِنْه قَول)

الْوَلِيد بن عقبَة:

(قطعت الدَّهْر كالسدم الْمَعْنى

تهدر فِي دمشق فَلَا تريم)

وَأَصله المعنن فقلبت إِحْدَى النونات يَاء. واللَّهُمَّ بِكَسْر اللَّام وَفتح الْهَاء: الَّذِي يلتهم كل شَيْء: أَي: يبتلعه.

وَقد زَاد لُغَة ثَالِثَة وَهِي لَا جرم بِضَم الْجِيم وتسكين الرَّاء مَعَ الْمِيم. انْتهى.

وَهَذِه زِيَادَة على وَنقل الْمفضل بن سَلمَة فِي كتاب الفاخر وَجْهي الْفراء وَقَالَ: وَحكى غير الْفراء لَا أَن ذَا جرم وَلَا ذُو جرم. انْتهى. وَهَذِه الْأَخِيرَة زِيَادَة على مَا ذكره الشَّارِح.

ص: 290

وَزَاد ابْن الْأَعرَابِي ذِي على مَا نَقله عَنهُ ابْن مكرم فَقَالَ: قَالَ ثَعْلَب: الْفراء وَالْكسَائِيّ يَقُولَانِ: لَا جرم تبرئة بِمَعْنى لَا بُد وَيُقَال: لَا جرم وَلَا ذَا جرم وَلَا عَن ذَا جرم وَلَا جر بِلَا مِيم. وَذَلِكَ أَنه كثر فِي الْكَلَام فحذفت الْمِيم كَمَا قَالُوا: حاش لله وَالْأَصْل: حاشا. وسو أفعل وَالْأَصْل: سَوف أفعل. انْتهى.

ولنرجع الْآن إِلَى شرح الْبَيْت فَنَقُول: قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: الْبَيْت لأبي أَسمَاء بن الضريبة وَقيل بل هُوَ لعطية بن عفيف. وَيقْرَأ طعنت بِضَم التَّاء وَهُوَ غلط وَالصَّوَاب فتحهَا لِأَن الشَّاعِر خَاطب بهَا كرزاً الْعقيلِيّ ورثاه وَكَانَ طعن أَبَا عُيَيْنَة وَهُوَ حصن بن حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ يَوْم الحاجر. وَيدل على ذَلِك قَوْله قبله:

(يَا كرز إِنَّك قد فتكت بِفَارِس

بَطل إِذا هاب الكماة وجببوا)

وجببوا بِالْجِيم وَالْبَاء الأولى مُشَدّدَة. قَالَ صَاحب الصِّحَاح: التجبيب: النفار. يُقَال: جبب فلَان فَذهب. وَقَالَ غَيره: التجبيب: الْفِرَار.

وكرز بِضَم الْكَاف.

ص: 291