الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأما الْبَيْت الْخَامِس فَفِيهِ تكلّف قَبِيح وَالْأَظْهَر فِيهِ: يقلب عَيْنَيْهِ لكيما أخافه على أَنه لَو صَحَّ مَا رَوَوْهُ من هَذِه الأبيات على مُقْتَضى مَذْهَبهم فَلَا يخرج ذَلِك عَن حد الشذوذ والقلة فَلَا يكون فِيهِ حجَّة. وَالله أعلم.
هَذَا مَا أوردهُ الْأَنْبَارِي.
وأنشده بعده
(الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)
وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:
(صددت وأطولت الصدود وقلما
…
وصال على طول الصدود يَدُوم)
على أَن مَا فِي قَلما عِنْد بَعضهم زَائِدَة ووصال: فَاعل قَلما. وَهِي عِنْد سِيبَوَيْهٍ كَافَّة ووصال: مُبْتَدأ. أوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَابَيْنِ من كِتَابه الأول فِي بَاب مَا يحْتَمل الشّعْر قَالَ: إِنَّمَا الْكَلَام: وقلما يَدُوم وصال. وَالثَّانِي فِي بَاب الْحُرُوف الَّتِي لَا يَليهَا بعْدهَا إِلَّا الْفِعْل وَلَا تغير الْفِعْل عَن حَاله.
قَالَ: وَمن تِلْكَ الْحُرُوف رُبمَا وقلما وأشبههما جعلُوا رب مَعَ مَا بِمَنْزِلَة كلمة وَاحِدَة وهيؤوها ليذكر بعْدهَا الْفِعْل لأَنهم لم يكن لَهُم سَبِيل إِلَى رب يَقُول وَلَا إِلَى قل يَقُول فألحقوهما وأخلصوهما للْفِعْل.
-
وَمثل
ذَلِك: هلا وَلَوْلَا وَألا ألزموهن لَا وَجعلُوا كل وَاحِدَة مَعَ لَا بِمَنْزِلَة حرف وَاحِد وأخلصوهن للْفِعْل حَيْثُ دخل فِيهِنَّ معنى التحضيض. وَقد يجوز فِي الشّعْر تَقْدِيم الِاسْم قَالَ: صددت وأطولت الصدود
…
...
…
. الْبَيْت انْتهى.
قَالَ النّحاس: أخبرنَا عَليّ بن سُلَيْمَان عَن مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد أَنه خَالف سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا وَجعل مَا زَائِدَة وَقدره: وَقل وصال يَدُوم على طول الصدود. قَالَ: وَالصَّوَاب عِنْدِي مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ تقليل الدَّوَام وقلما نقيضه كثر مَا. وَجعل سِيبَوَيْهٍ مَا كَافَّة. انْتهى.
وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: ووصال مُبْتَدأ ظَاهره أَنه عِنْد سِيبَوَيْهٍ مُبْتَدأ. وَلَيْسَ كَذَلِك وَقصد بِهِ أَحدهَا: مَا قدمه من أَن بَعضهم ذهب إِلَى أَن مَا فِي الْأَفْعَال الثَّلَاثَة مَصْدَرِيَّة والمصدر فَاعل الْفِعْل.
قَالَ ابْن خلف: لَا يجوز أَن تكون مَا مَصْدَرِيَّة لِأَنَّهَا معرفَة وَقل تطلب النكرَة تَقول: قل رجل يفعل ذَلِك فَلذَلِك حكمت على من فِي قَوْلهم: قل من يفعل ذَلِك أَنَّهَا نكرَة مَوْصُوفَة.
وَأَيْضًا لَو كَانَت مَصْدَرِيَّة لجَاز أَن تدخل على الْمَاضِي والمستقبل وَهِي هَاهُنَا لَا تدخل إِلَّا على الْمُسْتَقْبل. انْتهى.
ثَانِيهَا: قَول الْمبرد وَهُوَ أَن مَا: زَائِدَة ووصال: فَاعل قل. قَالَ الأعلم: وَهُوَ ضَعِيف لِأَن مَا إِنَّمَا تزاد فِي قل وَرب لتليهما الْأَفْعَال ويصيرا من الْحُرُوف المخترعة لَهَا.)
ثَالِثهَا وَرَابِعهَا: مَا ذهب إِلَيْهِ الأعلم قَالَ: أَرَادَ: وقلما يَدُوم وصال فَقدم
وَأخر مُضْطَرّا لإِقَامَة الْوَزْن والوصال على هَذَا التَّقْدِير فَاعل مقدم وَالْفَاعِل لَا يتَقَدَّم فِي الْكَلَام إِلَّا أَن يبتدأ بِهِ وَهُوَ من وضع الشَّيْء غير مَوْضِعه.
وَنَظِيره قَول الزباء: مَا للجمال مشيها وئيدا أَي: وئيداً مشيها فَقدمت وأخرت ضَرُورَة. وَفِيه تَقْدِير آخر وَهُوَ أَن يرْتَفع بِفعل مُضْمر يدل عَلَيْهِ الظَّاهِر فَكَأَنَّهُ قَالَ: وقلما يَدُوم وصال يَدُوم. وَهَذَا أسهل فِي الضَّرُورَة وَالْأول أصح معنى وَإِن كَانَ أبعد فِي اللَّفْظ. انْتهى.
وَإِلَى الأول مِنْهُمَا ذهب ابْن عُصْفُور فِي الضرائر قَالَ: يُرِيد: وقلما يَدُوم وصال على طول الصدود. ففصل بَين قَلما وَالْفِعْل بِالِاسْمِ الْمَرْفُوع وبالمجرور.
خَامِسهَا: مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن السراج قَالَ فِي فصل الضرائر من الْأُصُول: لَيْسَ يجوز أَن ترفع وصالاً يَدُوم وَلَكِن يجوز عِنْدِي على إِضْمَار يكون كَأَنَّهُ قَالَ: قَلما يكون وصال يَدُوم على طول الصدود.
وَلَا يخفى أَن هَذَا لَيْسَ من مَوَاضِع حذف كَانَ. وَقَالَ أَبُو عَليّ: فَاعل ليثبت أَو يبْقى وَنَحْوه مِمَّا يفسره يَدُوم.
وَقد رد أَبُو عَليّ وَابْن يعِيش مَا اخْتَارَهُ الشَّارِح قَالَ فِي البغداديات: وَلَا يصلح ارْتِفَاع وصال بِالِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ مَوضِع فعل كَمَا لَا يصلح أَن يرْتَفع الِاسْم عِنْد سِيبَوَيْهٍ يعد هلا الَّتِي للتحضيض وَإِن الَّتِي للجزاء وَإِذا الدَّالَّة على الزَّمَان
بِالِابْتِدَاءِ
وَلَكِن يكون الْعَامِل فِي الِاسْم الْوَاقِع بعد هَذِه الْحُرُوف فعلا يفسروه مَا يظْهر بعْدهَا من الْأَفْعَال.
وَقد لخص ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي هَذِه الْأَقْوَال فَقَالَ: وَأما قَوْله: فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: ضَرُورَة. فَقيل وَجه الضَّرُورَة أَن حَقّهَا أَن يَليهَا الْفِعْل صَرِيحًا والشاعر أولاها فعلا مُقَدرا فَإِن وصال مُرْتَفع بيدوم محذوفاً مُفَسرًا بالمذكور. وَقيل: وَجههَا أَنه قدم الْفَاعِل.
ورده ابْن السَّيِّد بِأَن الْبَصرِيين لَا يجيزون تَقْدِيم الْفَاعِل فِي شعر وَلَا نثر. وَقيل: وَجههَا أَنه أناب الْجُمْلَة الاسمية عَن الفعلية كَقَوْلِه: فَهَلا نفس ليلى شفيعها)
وَزعم الْمبرد أَن مَا زَائِدَة ووصال فَاعل ى مُبْتَدأ. وَزعم بَعضهم أَن مَا مَعَ هَذِه الْأَفْعَال مَصْدَرِيَّة لَا كَافَّة. انْتهى.
وَأورد على ابْن السَّيِّد بِأَن نَص سِيبَوَيْهٍ ظَاهر بِأَن وَجه الضَّرُورَة تَقْدِيم الِاسْم على رافعه.
وَإِلَيْهِ ذهب ابْن عُصْفُور.
وَلَيْسَ هَذَا معنى كَلَام سِيبَوَيْهٍ فَإِن مَعْنَاهُ لما اضْطر الشَّاعِر قدم الِاسْم بعد قَلما
وأضمر الْفِعْل لِأَن قَلما من أدوات الْفِعْل فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة حرف النَّفْي. كَذَا قَرَّرَهُ خلف وَغَيره.
وَقَول ابْن هِشَام: ووصال فَاعل لَا مُبْتَدأ غير جيد فَإِن الْمبرد مُرَاده أَن وصالاً فَاعل قل لَا أَنه فَاعل يَدُوم وَلَا غَيره من الْأَوْجه الْمَذْكُورَة.
وَاخْتَارَ أَبُو عَليّ على مذْهبه وأيده فَقَالَ: وَلَو قَالَ قَائِل إِن مَا فِي الْبَيْت صلَة ووصال: فَاعل قل ومرتفع بِهِ ويدوم: صفة لوصال فَلَا يكون التَّأْوِيل على مَا ذكره سِيبَوَيْهٍ لِأَن الْفِعْل يبْقى بِلَا فَاعل وَلم نر فِي سَائِر كَلَامهم الْفِعْل بِلَا فَاعل.
وَأَيْضًا فَإِن الْفِعْل على تَأْوِيله يصير دَاخِلا على فعل وَهَذَا أَيْضا غير مَوْجُود لَكَانَ عِنْدِي أثبت.
وَيُقَوِّي هَذَا أَن الْفِعْل مَعَ دُخُول مَا هَذِه عَلَيْهِ تَجدهُ دَالا على مَا كَانَ يدل عَلَيْهِ قبل دُخُول هَذَا الْحَرْف من الْحَدث وَالزَّمَان فَحكمه أَن يَقْتَضِي الْفَاعِل وَلَا يَخْلُو مِنْهُ كَمَا لَا يخل مِنْهُ قبل.
أَلا ترى أَن الِاسْم فِي حَال دُخُول هَذَا الْحَرْف إِيَّاه على مَا كَانَ
عَلَيْهِ قبل من انتصابه بالظرف وتعلقه بِالْفِعْلِ. فَقَوله:
(أعلاقة أم الْوَلِيد بَعْدَمَا
…
أفنان رَأسك كالثغام المخلس)
بعد منتصب بِمَا نصب بِهِ الْمصدر الَّذِي هُوَ علاقَة فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون الْفِعْل على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل دُخُول هَذَا الْحَرْف من اقتضائه للْفَاعِل وَإِسْنَاده إِلَيْهِ. هَذَا كَلَامه. وَقَوله: وَلم نر فِي سَائِر كَلَامهم الْفِعْل بِلَا فَاعل يرد عَلَيْهِ زِيَادَة كَانَ فِي نَحْو: مَا كَانَ أحسن زيدا.
-
وَفِيه أَيْضا دُخُول فعل على فعل. فَقَوله: غير مَوْجُود مَمْنُوع.
وَقَوله: وَيُقَوِّي هَذَا أَن الْفِعْل مَعَ دُخُول مَا هَذِه تَجدهُ دَالا إِلَى آخِره يرد عَلَيْهِ أَن الْحَرْف المكفوف وَقَوله: أَلا ترى أَن الِاسْم فِي حَال دُخُول هَذَا الْحَرْف إِيَّاه على مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل انتصابه بالظرف وتعلقه بِالْفِعْلِ
…
إِلَخ هَذَا يشْهد عَلَيْهِ لَا لَهُ فَإِن الْكَلَام فِي طلب الْمَعْمُول لَا فِي طلب الْعَامِل)
والمعمول لبعد بِالْإِضَافَة مَفْقُود لوُجُود الْمَانِع وَهُوَ الْكَفّ. وَهَذَا هُوَ الْمُدعى. فَلَا يرد على سِيبَوَيْهٍ شَيْء مِمَّا ذكره. وَالله أعلم.
وروى أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي:
(صددت فأطولت الصدود وَلَا أرى
…
وصالاً على طول الصدود يَدُوم)
وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ. وَالْبَيْت من أَبْيَات للمرار الفقعسي أوردهَا أَبُو مُحَمَّد الْأَعرَابِي فِي ضَالَّة الأديب وَفِي فرحة الأديب وَهِي:
(صرمت وَلم تصرم وَأَنت صروم
…
وَكَيف تصابى من يُقَال حَلِيم)
(صددت فأطولت الصدود وقلما
…
وصال على طول الصدود يَدُوم)
(وَلَيْسَ الغواني للجفاء وَلَا الَّذِي
…
لَهُ عَن تقاضي دينهن هموم)
(ولنما يستنجز الْوَعْد تَابع
…
هواهن حلاف لَهُنَّ أثيم)
الصرم: الْقطع صرمه صرماً من بَاب ضرب وَالِاسْم الصرم بِالضَّمِّ. وَكَيف اسْتِفْهَام إنكاري.
وتصابي: مصدر تصابى: تكلّف الصبوة وَهُوَ الْميل إِلَى الْجَهْل والفتوة. يُقَال:
صبا يصبو والصدود كالإعراض. وأطولت كَانَ الْقيَاس فِيهِ أطلت لكنه جَاءَ مصححا على الأَصْل كاستحوذ.
والغواني: جمع غانية الْجَارِيَة الَّتِي غنيت بزوجها وَقد تكون الَّتِي غنيت بحسنها وجمالها عَن الزِّينَة. والجفاء: خلاف الْبر وجفوته أجفوه إِذا أَعرَضت
عَنهُ. والتقاضي والاقتضاء: طلب الدَّين بِفَتْح الدَّال. وهموم: جمع هم مُبْتَدأ وَله خبر مقدم. ويستنجز: يطْلب النجاز وَهُوَ الْوَفَاء. ويروى: مناهن بدل هواهن.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد: يَقُول: صرمت وَلم تصرم صرم بتات وَلَك صرم دلال. يُخَاطب نَفسه ويلومها على طول الصدود أَي: لَا يَدُوم وصال الغواني إِلَّا لمن يلازمهن ويخضع لَهُنَّ. وَفسّر ذَلِك بالبيتين بعدهمَا. انْتهى. وَلما كَانَ العاشق لَا يحصل مِنْهُ صرم وَإِنَّمَا الصرم يكون من المعشوق أجَاب بِأَنَّهُ صرم دلالاً. وَأجَاب غَيره بِأَنَّهُ صرم تجلد لَا إِعْرَاض.
وَظن ابْن هِشَام أَن الْخطاب مَعَ الحبيبة لَا مَعَ النَّفس فَقَالَ فِي بعض تعاليقه: إِن الصَّوَاب فِي الْبَيْت أَن يُقَال: وقلما وداد عوض وصال وَإِن كَانَ سِيبَوَيْهٍ وَغَيره أوردهُ كَذَلِك.
وَنَقله الدماميني عَنهُ فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَقَالَ: يَعْنِي أَن تسليط النَّفْي على دوَام الْوِصَال يَقْتَضِي)
ودود أَصله وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ لَا وصال أصلا مَعَ الصدود طَال أَو لم يطلّ. انْتهى.
وَلَا يخفى أَنه إِذا كَانَ خطابا مَعَ النَّفس فَلَا يرد هَذَا إِذْ من الْجَائِز أَن يبْقى الْوِصَال من المحبوبة مَعَ صدود الْمُحب.
وَلما لم يقف الدماميني على الأبيات ظَنّه وارداً فَأجَاب عَنهُ بقوله: قد يُقَال عبر بالوصال عَن إِرَادَته وتوقعه أَو على حذف مُضَاف للقرينة فَإِن الْمُحب قد ييأس
من الْوَصْل بطول الصدود واستمرار الْإِعْرَاض فَيَنْقَطِع رجاؤه مِنْهُ وتوقعه لَهُ فَيكون ذَلِك سَببا لسلوه وَعدم إِرَادَته للوصال. وَكَثِيرًا مَا يَقع ذَلِك لبَعض النَّاس. انْتهى.
وَأجَاب غَيره أَيْضا بِأَنَّهُ إِن أَرَادَ لَا وصال مَعَ الصدود فِي زَمَنه فَمُسلم لَكِن من أَيْن أَن ذَلِك مُرَاد الشَّاعِر.
وَإِن أُرِيد أَنه لَا وصال مِنْهُ مُطلقًا فَمَمْنُوع لجَوَاز تقدم الْوِصَال على الصدود أَو تَأَخره عَنهُ.
هَذَا كَلَامه. وَلَو وقفُوا على الأبيات لما فتحُوا بَاب الْإِيرَاد وَالْجَوَاب.
وترجمة المرار الفقعسي تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ.
وَأنْشد بعده: يجرح فِي عراقيبها نصلي هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ: فَاعل تعتذر ضمير الْإِبِل. وَالْمحل: انْقِطَاع الْمَطَر ويبس الأَرْض. وَالْمرَاد بِذِي ضروعها: اللَّبن.
والنصل: حَدِيدَة السَّيْف. وَمعنى اعتذارها للضيف أَن لَا يرى فِي ضروعها لبن.
-
يُرِيد إِن عدم لَبنهَا عرقبتها بِالسَّيْفِ وأطعمت لَحمهَا للضيوف بدل لَبنهَا. وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّالِث بعد الْمِائَة.