الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَيّ. أَنا أَبُو الْأَغَر النَّهْشَلِي وَأَنا خَال الْقَوْم وجلدة مَا بَين أَعينهم لَا يعصون لي رَأيا وَأَنا كَفِيل خفير أجعلك بَين شحمة أُذُنِي وعاتقي فَاخْرُج فَأَنت فِي ذِمَّتِي وَإِلَّا فعندي قوصرتان أهداهما إِلَيّ ابْن أُخْتِي الْبَار الْوُصُول فَخذ إِحْدَاهمَا فانتبذها حَلَالا من الله وَرَسُوله.
فَكَانَ الْكَلْب إِذا سمع هَذَا الْكَلَام أطرق وَإِذا سكت وثب ويروم الْخُرُوج. فتهاتف أَبُو الْأَغَر ثمَّ قَالَ: يَا ألأم النَّاس وأوضعهم أَرَانِي لَك اللَّيْلَة فِي وَاد وَأَنت فِي آخر وَالله لتخْرجن أَو لألجن فَلَمَّا طَال وُقُوفه جَاءَت جَارِيَة وَقَالَت: أَعْرَابِي مَجْنُون وَالله مَا أرى فِي الْبَيْت أحدا. وَدفعت الْبَاب فَخرج الْكَلْب مبادراً وَوَقع أَبُو الْأَغَر مُسْتَلْقِيا فَقُلْنَ لَهُ: قُم وَيحك فَإِنَّهُ كلب فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي مسخه كَلْبا وَكفى الْعَرَب حَربًا. انْتهى.
3 -
(تَتِمَّة)
قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: وَقَالَ بَعضهم: إِن بِمَا تَجِيء أَيْضا بِمَعْنى رُبمَا نَحْو: إِنِّي بِمَا
أفعل أَي: رُبمَا.
هَذَا قَول ابْن مَالك قَالَ: إِن مَا الكافة أحدثت مَعَ الْبَاء معنى التقليل بِالْقَافِ كَمَا أحدثت فِي الْكَاف معنى التَّعْلِيل بِالْعينِ، فى قَوْله تَعَالَى واذكروه كَمَا هدَاكُمْ
قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَالظَّاهِر أَن الْبَاء وَالْكَاف للتَّعْلِيل وَأَن مَا مَعَهُمَا مَصْدَرِيَّة: وَقد سلم أَن كلا من الْكَاف وَالْبَاء يَأْتِي للتَّعْلِيل مَعَ عدم مَا كَقَوْلِه تَعَالَى: فبظلم من الَّذين هادوا حرمنا عَلَيْهِم طَيّبَات. وَقُرِئَ: وي كَأَنَّهُ لَا يفلح الْكَافِرُونَ.
وَقَالَ: التَّقْدِير: أعجب لعدم فلاح الْكَافرين. ثمَّ الْمُنَاسب فِي الْبَيْت معنى التكثير لَا التقليل.
انْتهى. وَهَذَا مَأْخُوذ من شرح التسهيل لأبي حَيَّان. ومثاله مَا أنْشدهُ ابْن مَالك والمرادي فيشرح الألفية وَابْن هِشَام فِي الْمُغنِي:
(فلئن صرت لَا تحير جَوَابا
…
لبما قد ترى وَأَنت خطيب)
تحير: مضارع أحار بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: أجَاب. يُقَال: كَلمته فَلم يحر جَوَابا أَي: لم يردهُ. وَاللَّام فِي لَئِن موطئة للقسم لَا للتَّأْكِيد كَمَا وهم الْعَيْنِيّ.
وَقَوله: لبما اللَّام فِي جَوَاب الْقسم وَمَا بعْدهَا جَوَاب الْقسم لَا جَوَاب الشَّرْط كَمَا وهم الْعَيْنِيّ)
أَيْضا.
وَقد ترى بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والرؤية بصرية لَا ظنية كَمَا زعم الْعَيْنِيّ. وَجُمْلَة وَأَنت خطيب: حَالية.
-
وَالْبَيْت فِي رثاء ميت يَقُول: إِن صرت الْآن لَا ترد جَوَابا لمن يكلمك فكثيراً مَا ترى وَأَنت خطيب بِلِسَان الْحَال فَإِن من نظر إِلَى قبرك وتذكر مَا كنت عَلَيْهِ وَمَا ألت الْآن إِلَيْهِ اتعظ بذلك.
وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد كثيرا مَا رئيت فِي حَال الْحَيَاة خَطِيبًا. إِلَّا أَنه عبر بالمضارع لاستحضار تِلْكَ الْحَالة.
قَالَ الْعَيْنِيّ: وَقَائِل الْبَيْت مَجْهُول.
أَقُول: قَالَ صَاحب تَهْذِيب الطَّبْع لما مَاتَ الاسكندر نَدبه أرسطاليس فَقَالَ: طالما كَانَ هَذَا الشَّخْص واعظاً بليغاً وَمَا وعظ بِكَلَامِهِ موعظة قطّ أبلغ من موعظة الْيَوْم بسكوته فَأَخذه صَالح بن عبد القدوس فَقَالَ:
(وينادونه وَقد صم عَنْهُم
…
ثمَّ قَالُوا وللنساء نحيب)
(مَا الَّذِي عَاق أَن ترد جَوَابا
…
أَيهَا الْمَقُول الْخَطِيب الأريب)
(إِن تكن لَا تطِيق رَجَعَ جَوَاب
…
فبمَا قد ترى وَأَنت خطيب)
(ذُو عظات وَمَا وعظت بِشَيْء
…
مثل وعظ السُّكُوت إِذْ لَا تجيب)
وَاخْتَصَرَهُ أَبُو الْعَتَاهِيَة فِي بَيت فَقَالَ:
(وَكَانَت فِي حياتك لي عظات
…
فَأَنت الْيَوْم خير مِنْك أمس)
انْتهى. وَرَأَيْت فِي أمالي القالي: أنشدنا أَبُو عبد الله نفطويه أنشدنا ثَعْلَب لمطيع بن إِيَاس
(وينادونه وَقد صم عَنْهُم
…
ثمَّ قَالُوا وللنساء نحيب)
(مَا الَّذِي غال أَن تحير جَوَابا
…
أَيهَا المصقع الْخَطِيب الأديب)
(فِي مقَال وَمَا وعظت بِشَيْء
…
مثل وعظ بِالصَّمْتِ إِذْ لَا تجيب)
هَذَا مَا أوردهُ وَلم يذكر الْبَيْت الشَّاهِد.
وَأوردهُ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح أمالي القالي كصاحب تَهْذِيب الطَّبْع وَقَالَ: مُطِيع بن إِيَاس بن أبي قزعة سلم بن نَوْفَل من بني الدول ابْن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة.
وَقيل: من بني لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة. والدؤل وَلَيْث أَخَوان لأم وَأب وَأم أمهما أم خَارِجَة)
وَهِي الَّتِي يضْرب بهَا الْمثل فَيُقَال: أسْرع من نِكَاح أم خَارِجَة. ويكنى مُطِيع أَبَا سليم. أدْرك الدولتين. وَكَانَ شَاعِرًا ظريفاً حُلْو الْعشْرَة مليح النادرة. وَكَانَ مُتَّهمًا بالزندقة.
وَكَانَ يحيى بن زِيَاد الْحَارِثِيّ وَحَمَّاد الراوية وَحَمَّاد عجرد وَابْن المقفع ووالية ابْن
الْحباب لَا يفترقون وَلَا يستأثر أحدهم على صَاحبه بِمَال وَلَا ملك شَيْء قل أَو كثر. وَكَانُوا جَمِيعًا مطعونين فِي دينهم. انْتهى بِاخْتِصَار.
وَأنْشد بعده: لَا تظلموا النَّاس كَمَا لَا تظلموا وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ مفصلا فِي الشَّاهِد السَّابِع وَالْخمسين بعد الستمائة.
وَقد نقل ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْإِنْصَاف فِي مسَائِل الْخلاف اخْتِلَاف أهل البلدين فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَلَا بَأْس بإيراده هُنَا قَالَ: ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن كَمَا تَأتي بِمَعْنى كَيْمَا وينصبون بهَا مَا بعْدهَا وَلَا يمْنَعُونَ جَوَاز الرّفْع. وَاسْتَحْسنهُ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد من الْبَصرِيين. وَذهب البصريون إِلَى أَن كَمَا لَا تَأتي بِمَعْنى كَيْمَا وَلَا يجوز نصب مَا بعْدهَا.
أما الْكُوفِيُّونَ فاحتجوا بِأَن قَالُوا: الدَّلِيل على أَن الْفِعْل ينصب بهَا أَنه قد جَاءَ ذَلِك كثيرا فِي كَلَامهم قَالَ صَخْر الغي:
(جَاءَت كَبِير كَمَا أخفرها
…
وَالْقَوْم صيد كَأَنَّهُمْ رمدوا)
أَرَادَ: كَيْمَا أخفرها وَلِهَذَا انتصب أخفرها.
وَقَالَ الآخر:
(وطرفك إِمَّا جئتنا فاصرفنه
…
كَمَا يحسبوا أَن الْهوى حَيْثُ تنظر)
أَرَادَ: كَيْمَا يحسبوا. وَقَالَ رؤبة: لَا تظلموا النَّاس كَمَا لَا تظلموا راد: كَيْمَا لَا تظلموا. وَقَالَ عدي بن زيد الْعَبَّادِيّ: وَقَالَ آخر:
(يقلب عَيْنَيْهِ كَمَا لأخافه
…
تشاوس رويداً إِنَّنِي من تَأمل)
أَرَادَ: كَيْمَا أخافه إِلَّا انه أَدخل اللَّام توكيداً وَلِهَذَا الْمَعْنى كَانَ الْفِعْل مَنْصُوبًا. فَهَذِهِ الأبيات كلهَا تدل على صِحَة مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ. وَأما البصريون فاحتجوا بِأَن قَالُوا:)
إِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّه لَا يجوز النصب بهَا لِأَن الْكَاف فِي كَمَا كَاف التَّشْبِيه أدخلت عَلَيْهَا مَا وَجعلا بِمَنْزِلَة حرف وَاحِد كَمَا أدخلت مَا على رب وَجعلا بِمَنْزِلَة حرف وَاحِد ويليها الْفِعْل كربما.
وكما أَنهم لَا ينصبون الْفِعْل بعد رُبمَا فَكَذَلِك هَاهُنَا.
-
وَأما الْجَواب عَن كَلِمَات الْكُوفِيّين: أما الْبَيْت الأول فَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَنَّهُ رُوِيَ: كَمَا أخفرها بالفرع لِأَن الْمَعْنى جَاءَت كَمَا أجيئها.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْفراء من أصحابكم وَاخْتَارَ الرّفْع فِي هَذَا الْبَيْت. وَهَذِه الرِّوَايَة الصَّحِيحَة.
وَأما الْبَيْت الثَّانِي فَلَا حجَّة فِيهِ أَيْضا لِأَن الرِّوَايَة: لكَي يحسبوا.
وَأما الْبَيْت الثَّالِث فَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ أَيْضا لِأَن الرِّوَايَة فِيهِ بِالتَّوْحِيدِ: لَا تظلم النَّاس كَمَا لَا تظلم كالرواية الْأُخْرَى: وَأما الْبَيْت الرَّابِع فَلَيْسَ فِيهِ أَيْضا حجَّة لِأَن الروَاة اتَّفقُوا على أَن الرِّوَايَة كَمَا يَوْمًا تحدثه بِالرَّفْع كَقَوْل أبي النَّجْم:
(قلت لشيبان ادن من لِقَائِه
…
كَمَا تغدي الْقَوْم من شوائه)
وَلم يروه أحد كَمَا يَوْمًا تحدثه بِالنّصب إِلَّا الْمفضل الضَّبِّيّ وَحده فَإِنَّهُ كَانَ يرويهِ مَنْصُوبًا وَإِجْمَاع الروَاة من نَحْويي الْبَصْرَة والكوفة على خِلَافه والمخالف لَهُ أقوم مِنْهُ بِعلم الْعَرَبيَّة.