المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الشاهد الثاني والخمسون بعد الثمانمائة) - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي - جـ ١٠

[عبد القادر البغدادي]

فهرس الكتاب

- ‌(الشَّاهِد الْوَاحِد بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْعَاشِر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع عشر بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثمانمانة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بعد الثنمانمائة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتُّونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

الفصل: ‌(الشاهد الثاني والخمسون بعد الثمانمائة)

وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله بَقِيَّة الْكَلَام هُنَاكَ.

وَذُو الرمة تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّامِن من أول الْكتاب.

(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)

وَهُوَ من شَوَاهِد س:

(وَإِلَّا فاعلموا أَنا وَأَنْتُم

بغاةً مَا بَقينَا فِي شقَاق)

على أَن سِيبَوَيْهٍ اسْتشْهد بِهِ على الْعَطف على مَحل اسْم إِن الْمَكْسُورَة بِتَقْدِير حذف الْخَبَر من الأول وَالتَّقْدِير: إِنَّا بغاة وَأَنْتُم بغاة.

هَذَا نَقله وَلم يقل سِيبَوَيْهٍ كَذَا وَإِنَّمَا قَالَ: أَنْتُم فِي نِيَّة التَّأْخِير وبغاة فِي نِيَّة التَّقْدِيم وَهَذَا نَصه.

-

وَاعْلَم أَن نَاسا من الْعَرَب يغلطون فَيَقُولُونَ: إِنَّهُم أَجْمَعُونَ ذاهبون وَإنَّك وَزيد ذاهبان. وَذَلِكَ أَن مَعْنَاهُ معنى الِابْتِدَاء فَيرى أَنه قَالَ: هم كَمَا قَالَ: وَلَا سَابق شَيْئا إِذا كَانَ جائيا على مَا ذكرت لَك.

وَأما قَوْله عز وجل والصائبون فعلى التَّقْدِيم

ص: 293

وَالتَّأْخِير كَأَنَّهُ ابْتِدَاء على قَوْله: والصابئون بعد مَا يمْضِي الْخَبَر.

وَقَالَ الشَّاعِر: كَأَنَّهُ قَالَ: نَحن بغاة مَا بَقينَا وَأَنْتُم. انْتهى كَلَامه.

قَالَ النّحاس: يَعْنِي أَنه عطف أَنْتُم على الْموضع مثل: إِنِّي منطلق وَزيد. انْتهى.

وَكَذَا نقل الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل.

وَقَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي قَوْله: وَأَنْتُم على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير أَي: فاعلموا

أَنا بغاة وَأَنْتُم فَأنْتم: مُبْتَدأ وَالْخَبَر: مَحْذُوف لعلم السَّامع وَالْمعْنَى: وَأَنْتُم بغاة.

وَيجوز أَن يكون الْمَحْذُوف خبر أَن كَمَا تَقول: إِن هنداً وَزيد منطلق. وَالْمعْنَى إِن هنداً منطلقة وَزيد منطلق فحذفت خبر الأول لدلَالَة الآخر عَلَيْهِ.

وَالْآيَة الَّتِي اسْتشْهد بهَا سِيبَوَيْهٍ مَعَ الْبَيْت إِنَّمَا هِيَ آيَة الصائبين كَمَا رَأَيْت.

وَأما آيَة بَرَاءَة فَلم يوردها سِيبَوَيْهٍ مَعَ الْبَيْت وَإِنَّمَا أوردهَا قبله بِثَلَاثَة أَبْوَاب وَهُوَ بَاب الْعَطف على اسْم إِن قَالَ: تَقول: إِن عمرا منطلق وَسَعِيد فسعيد يرْتَفع على وَجْهَيْن: حسن وَضَعِيف.

فَأَما الْحسن فَأن يكون مَحْمُولا على الِابْتِدَاء لِأَن معنى: إِن زيدا منطلق زيد منطلق وَإِن دخلت توكيداً. وَفِي الْقُرْآن مثله: وأذان من الله وَرَسُوله إِلَى النَّاس يَوْم الْحَج الْأَكْبَر أَن الله بَرِيء)

من الْمُشْركين وَرَسُوله.

وَأما الْوَجْه الآخر الضَّعِيف فَأن يكون مَحْمُولا

ص: 294

على الِاسْم الْمُضمر فِي المنطلق. فَإِذا أردْت ذَلِك وَإِن شِئْت جعلت الْكَلَام على الأول فَقلت: إِن زيدا منطلق وعمراً ظريف فَجَعَلته على قَوْله عز وجل: وَلَو أَن مَا فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر يمده من بعده.

وَقد رَفعه قوم على: لَو ضربت عمرا وَزيد قَائِم مَا ضرك أَي: لَو ضربت عمرا وَزيد فِي هَذِه الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَو أَن مَا فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام وَالْبَحْر هَذَا أمره مَا نفذت كَلِمَات الله. انْتهى.

-

قَالَ الشاطبي فِي شرح الألفية: يُمكن أَن يكون رفع الْبَحْر فِي الْآيَة على مثل الرّفْع فِي إِن الْمَكْسُورَة لَا على أَنَّهَا حَالية وَإِن أجَاز ذَلِك سِيبَوَيْهٍ بِدَلِيل الْقِرَاءَة الْأُخْرَى بِالنّصب ليتحد معنى الْقِرَاءَتَيْن. انْتهى.

وَإِنَّمَا فسر الشَّارِح الْمُحَقق أَذَان بإعلام لِأَن شَرط أَن الْمَفْتُوحَة فِي الْعَطف على اسْمهَا عِنْد المُصَنّف أَن تقع بعد مَا يُفِيد الْعلم. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن مَالك فِي شرح التسهيل قَالَ: وَمثل إِن وَلَكِن فِي رفع الْمَعْطُوف: أَن إِذا تقدمها علم أَو مَعْنَاهُ ثمَّ مثل الْعلم بِالْبَيْتِ وَمَعْنَاهُ بِهَذِهِ الْآيَة.

وَقَالَ السيرافي بعد أَن قرر كَلَام سِيبَوَيْهٍ على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير: يجوز أَن يكون خبر الَّذين محذوفاً لدلَالَة خبر: والصابئون عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْله: من آمن بِاللَّه فَيكون على حد قَول الشَّاعِر:

(نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا

عنْدك رَاض والرأي مُخْتَلف)

أَرَادَ: نَحن بِمَا عندنَا راضون وَأَنت بِمَا عنْدك رَاض. ونظم الْآيَة هُوَ: إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا والصابئون وَالنَّصَارَى من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعمل

ص: 295

صَالحا فَلَا خوف عَلَيْهِم وَإِن فِيهَا مَكْسُورَة وَفِي الْبَيْت مَفْتُوحَة.

وَقد سوى بَينهمَا سِيبَوَيْهٍ فِي الحكم. وَكَلَام المُصَنّف الَّذِي رده الشَّارِح مَذْكُور فِي شَرحه وَفِي أَمَالِيهِ قَالَ فِيهَا: إِنَّمَا سدت أَن الْمُشَدّدَة والمخففة مِنْهَا مسد المفعولين فِي بَاب ظَنَنْت وَأَخَوَاتهَا لاشتمالها على مَحْكُوم بِهِ ومحكوم عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يَقْتَضِيهِ.

وتتعلق بهما فِي الْمَعْنى على حسب مَا كَانَ فَلم تقتض أمرا آخر وَمن هَاهُنَا

جَازَ كسرهَا عِنْد إِدْخَال اللَّام كَقَوْلِك: ظَنَنْت إِن زيدا لقائم. وَلَوْلَا أَن مَعْنَاهَا مَا ذَكرْنَاهُ لم يجز ذَلِك.

أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول: أعجبني إِن زيدا لقائم لتعذر تقديرها فِي معنى الْجُمْلَة المستقلة لكَونه)

فَاعِلا. وَمن هَاهُنَا أَيْضا عطف على موضعهَا بِالرَّفْع وَإِن كَانَت مَفْتُوحَة لفظا لِأَنَّهَا فِي معنى الْمَكْسُورَة بِاعْتِبَار مَا ذَكرْنَاهُ فَتَقول: ظَنَنْت أَن زيدا قَائِم وَعَمْرو كَمَا تَقول: إِن زيدا قَائِم وَعَمْرو.

وَلَا يجوز ذَلِك فِي الْمَفْتُوحَة فِي غَيرهَا كَقَوْلِك: أعجبني أَن زيدا قَائِم وَعَمْرو لكَونهَا لَيست فِي معنى الْجُمْلَة. انْتهى.

وَهُوَ مَسْبُوق بِابْن جني قَالَ: فَأَما وَجه الْقيَاس فَهُوَ أَن الْمَفْتُوحَة وَإِن لم تكن من مَوَاضِع الِابْتِدَاء فَإِنَّهَا فِي التَّحْقِيق مثل الْمَكْسُورَة فَلَمَّا اسْتَويَا فِي الْمَعْنى وَالْعَمَل وتقاربا فِي اللَّفْظ صَارَت كل وَاحِدَة كَأَنَّهَا أُخْتهَا.

يزِيد ذَلِك وضوحاً أَنَّك تَقول: علمت أَن زيدا قَائِم وَعلمت إِن زيدا لقائم فتجد معنى الْمَكْسُورَة كمعنى الْمَفْتُوحَة تؤكد فِي الْمَوْضِعَيْنِ كليهمَا قيام زيد لَا محَالة وَالْقِيَام مصدر كَمَا ترى.

وتأتى هُنَا بِصَرِيح الِابْتِدَاء فَتَقول: قد علمت لزيد أفضل مِنْك كَمَا تَقول: علمت أَن زيدا أفضل مِنْك.

أَفلا ترى إِلَى تجاري هَذِه التراكيب إِلَى معنى وتناظر بَعْضهَا إِلَى بعض. وَسبب ذَلِك كُله مَا ذكرت لَك من مشابهة أَن لإن لفظا وَمعنى وَعَملا. انْتهى.

ص: 296

وَقد رد ابْن جني كَلَام السيرافي قِيَاسا وسماعاً كَمَا يَأْتِي فِي الْبَيْت الْآتِي.

وَأما قَول سِيبَوَيْهٍ: وَاعْلَم أَن نَاسا من الْعَرَب يغلطون يَأْتِي إِن شَاءَ الله شَرحه فِي الْبَيْت الثَّانِي بعد هَذَا الْبَيْت.

وَهُوَ من قصيدة لبشر بن أبي خازم الْأَسدي مطْلعهَا:

وفيهَا يَقُول:

(وسوف أخص بالكلمات أَوْسًا

فيلقاه بِمَا قد قلت لاقي)

إِلَى أَن قَالَ:

(فَإذْ جزت نواصي آل بدر

فأدوها وَأسرى فِي الوثاق)

(وَإِلَّا فاعلموا أَنا وَأَنْتُم

بغاة مَا بَقينَا فِي شقَاق)

وَسبب هَذَا الشّعْر كَمَا فِي شرح ديوانه وَنَقله ابْن السيرافي فِي شرح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ:)

أَن قوما من آل بدر الفزاريين جاوروا بني لأم من طَيئ فَعمد بَنو لأم إِلَى الفزاريين فجزوا تواصيهم وَقَالُوا: قد مننا عَلَيْكُم وَلم نقتلكم وَبَنُو فَزَارَة حلفاء بني أَسد فَغَضب بَنو أَسد لأجل مَا صنع بالبدريين فَقَالَ بشر هَذِه القصيدة يذكر فِيهَا مَا صنع ببني بدر وَيَقُول للطائيين: فَإذْ قد جززتم نواصيهم فاحملوها إِلَيْنَا وأطلقوا من قد أسرتم مِنْهُم وَإِن لم تَفعلُوا فاعلموا أَنا نبغيكم ونطلبكم فَإِن أصبْنَا أحدا مِنْكُم طلبتمونا بِهِ فَصَارَ كل وَاحِد منا يَبْغِي صَاحبه فنبقى فِي شقَاق وعداوة أبدا.

ص: 297

وَقد تحرف هَذَا الْكَلَام على ابْن هِشَام فَقَالَ فِي شرح الشواهد وَتَبعهُ الْعَيْنِيّ: وَالسَّبَب فِيهِ أَن قوما من آل بدر جاوروا الفزاريين من بني لأم من طَيئ فجزوا نواصيهم وَقَالُوا: مننا عَلَيْكُم وَلم وَلَا يَصح هَذَا إِلَّا إِذا كَانَ بشر فزارياً وَإِنَّمَا هُوَ من أَسد بن خُزَيْمَة.

وَقَوله: وسوف أخص بالكلمات أَوْسًا هُوَ أَوْس بن حَارِثَة بن لأم الطَّائِي أحد الأجواد الْمَشْهُورين.

وَقَوله: فَإذْ جزت نواصي

إِلَخ جزت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. والجز: بِالْجِيم وَالزَّاي: قطع الصُّوف وَالشعر. والنواصي: جمع نَاصِيَة وَهِي الشّعْر فِي مقدم الرَّأْس فَوق الْجَبْهَة. وَكَانَت الْعَرَب إِذا أَنْعَمت على الرجل الشريف بعد أسره جزوا ناصيته وأطلقوه فَتكون الناصية عِنْد الرجل يفخر بهَا. وأسرى: جمع أَسِير. والوثاق: الْقَيْد وَالْحَبل وَنَحْوه.

وَقَوله: وَإِلَّا أَي: وَإِن لم تُؤَدُّوا النواصي المجزوزة مَعَ الأسرى. وَأَخْطَأ الْعَيْنِيّ فِي قَوْله: أَي وَإِن لم تجزوا نواصيهم وتطلقوا أَسْرَاهُم. انْتهى. وبغاة: جمع بَاغ وَهُوَ الطَّالِب أَو مَعْنَاهُ يَبْغِي بَعْضنَا على بعض. وَفِي ديوانه: بغاء بِكَسْر الْمُوَحدَة وَضمّهَا مَعَ الْمَدّ. أما الْمَكْسُورَة فَهُوَ مصدر بغى أَي: سعى فِي الْفساد.

وَأما المضموم فَهُوَ اسْم للمصدر يُقَال: بغيته بغياً: طلبته وَالِاسْم الْبغاء بِالضَّمِّ وَعَلَيْهِمَا يكون فيهمَا مُضَاف مَحْذُوف أَي: ذُو بغاء. وَمَا: مَصْدَرِيَّة

ص: 298

ظرفية أَي: مُدَّة بقائنا.

وروى بدله: مَا حيينا من الْحَيَاة. والشقاق: مصدر شاقه مشاقة وشقاقاً أَي: خَالفه.

وَحَقِيقَته أَن يَأْتِي كل مِنْهُمَا مَا يشق على صَاحبه فَيكون كل مِنْهُمَا فِي شقّ غير شقّ صَاحبه. والشق بِالْكَسْرِ: الْجَانِب وَالْمَشَقَّة وَنصف الشَّيْء.)

-

وَأورد عَلَيْهِ بِأَن فِيهِ الْحَذف من الأول لدلَالَة الثَّانِي وَإِنَّمَا الْكثير الْعَكْس. وخرجه بَعضهم كَمَا نَقله الْعَيْنِيّ على أَن: بغاة خبر إِنَّا وَخبر انتم مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: إِنَّا بغاة وَأَنْتُم كَذَلِك فَيكون جملَة أَنْتُم كَذَلِك فَيكون جملَة وَأَنْتُم كَذَلِك اعْترض بهَا بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر.

وَيرد على التخاريج الثَّلَاثَة أَن الْمُتَكَلّم لَا يثبت لنَفسِهِ الْبَغي والعدوان وَإِنَّمَا ينْسبهُ إِلَى الْمُخَاطب.

وَيُجَاب بِأَن الْمَعْنى مَا ذكر فِي سَبَب هَذَا الشّعْر كَمَا تقدم وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَا أورد. وَكَأن الشَّارِح الْمُحَقق لحظ هَذَا الْوُرُود فخرجه على أَن قَوْله مَا بَقينَا فِي شقَاق خبر إِنَّا وَجُمْلَة وَأَنْتُم وَهَذَا التَّخْرِيج لَا غُبَار عَلَيْهِ جيد إعراباً وَمعنى. وَجعل الْجُمْلَة اعتراضية أحسن من جعلهَا عاطفة لِأَنَّهُ يلْزم عَلَيْهِ الْعَطف قبل تَمام الْمَعْطُوف عَلَيْهِ.

وَإِلَى هَذَا ذهب صَاحب اللّبَاب قَالَ: وَقد يتَوَهَّم أَن أَن الْمَفْتُوحَة فِي بَاب علمت لَهَا حكم الْمَكْسُورَة فِي صِحَة الْعَطف على الْمحل كَقَوْلِه: وَإِلَّا فاعلموا أَنا وَأَنْتُم الْبَيْت وَلَيْسَ بثبت لاحْتِمَال أَن يكون الْعَطف بِاعْتِبَار الْجمل لَا بِاعْتِبَار التَّشْرِيك فِي الْعَامِل. وَإنَّهُ جَائِز فِي الْجَمِيع.

ص: 299

قَالَ شَارِحه الفالي: يَعْنِي يحْتَمل أَن لَا يكون مَعْطُوفًا عَلَيْهِ عطف الْمُفْرد بِاعْتِبَار تشريكهما فِي عَامل وَاحِد بل بِاعْتِبَار عطف الْجُمْلَة على الْجُمْلَة بِأَن يكون خبر إِنَّا هُوَ فِي شقَاق إِذْ لَيْسَ ينسبون الْبَغي إِلَى أنفسهم بل إِلَى المخاطبين خَاصَّة. فالعطف بِاعْتِبَار الْجمل لَا بِاعْتِبَار التَّشْرِيك. والعطف بِاعْتِبَار الْجمل جَائِز فِي الْجَمِيع.

وَقد أوضح صَاحب الْكَشَّاف فِي تَفْسِير سُورَة الْمَائِدَة وَتَبعهُ الْبَيْضَاوِيّ كَلَام

سِيبَوَيْهٍ فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فَقَالَ: والصائبون رفع على الِابْتِدَاء وَخَبره مَحْذُوف وَالنِّيَّة بِهِ التَّأْخِير عَمَّا فِي حيّز إِن من اسْمهَا وخبرها كَأَنَّهُ قيل: إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى حكمهم كَذَا)

وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ شَاهدا لَهُ:

(وَإِلَّا فاعلموا أَنا وَأَنْتُم

بغاة مَا بَقينَا فِي شقَاق)

أَي: فاعلموا أَنا بغاة وَأَنْتُم كَذَلِك.

فَإِن قلت: هلا زعمت أَن ارتفاعه للْعَطْف على مَحل أَن وَاسْمهَا قلت: لَا يَصح ذَلِك قبل الْفَرَاغ من الْخَبَر لَا تَقول: إِن زيدا وَعَمْرو منطلقان.

فَإِن قلت: لم لَا يَصح وَالنِّيَّة بِهِ التَّأْخِير فكأنك قلت: إِن زيدا منطلق وَعَمْرو قلت: لِأَنِّي إِذا رفعته رفعته عطفا على مَحل إِن وَاسْمهَا وَالْعَامِل فِي محلهَا هُوَ الِابْتِدَاء فَيجب أَن يكون هُوَ الْعَامِل فِي الْخَبَر لِأَن الِابْتِدَاء يَنْتَظِم الجزأين فِي عمله كَمَا تنتظمهما إِن فِي عَملهَا فَلَو رفعت الصابئون الْمَنوِي بِهِ التَّأْخِير بِالِابْتِدَاءِ وَقد رفعت الْخَبَر بإن لأعملت فيهمَا رافعين مُخْتَلفين.

ص: 300

فَإِن قلت: فَقَوله: والصابئون مَعْطُوف لَا بُد لَهُ من مَعْطُوف عَلَيْهِ فَمَا هُوَ قلت: هُوَ مَعَ خَبره الْمَحْذُوف جملَة معطوفة على جملَة قَوْله: إِن الَّذين آمنُوا إِلَخ وَلَا مَحل لَهَا كَمَا لَا مَحل للَّتِي عطفت عَلَيْهَا.

فَإِن قلت: مَا التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير إِلَّا لفائدة فَمَا فَائِدَة هَذَا التَّقْدِيم قلت: فَائِدَته التَّنْبِيه على أَن الصابئين يُتَاب عَلَيْهِم إِن صَحَّ مِنْهُم الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح فَمَا الظَّن بغيرهم وَذَلِكَ أَن الصابئين أبين هَؤُلَاءِ الْمَعْدُودين ضلالا وأشدهم غياً وَمَا سموا صابئين إِلَّا لأَنهم صبؤوا عَن الْأَدْيَان كلهَا أَي: خَرجُوا.

كَمَا أَن الشَّاعِر قدم قَوْله: وَأَنْتُم تَنْبِيها على أَن المخاطبين أوغل فِي الْوَصْف بالبغاة من قومه حَيْثُ عَاجل بِهِ قبل الْخَبَر الَّذِي هُوَ بغاة لِئَلَّا يدْخل قومه فِي الْبَغي قبلهم مَعَ كَونهم أوغل فِيهِ مِنْهُم. وَأثبت قدماً. انْتهى.

وَكَون هَذَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ من عطف الْجمل لَا من عطف الْمُفْردَات هُوَ صَرِيح كَلَامه.

-

قَالَ الشاطبي: وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر أَن الرّفْع فِي الْمَعْطُوف على الِابْتِدَاء هُوَ اسْتِئْنَاف جملَة معطوفة على أُخْرَى وَهُوَ الْأَظْهر من كَلَام سِيبَوَيْهٍ.

وَنقل عَن الْأَخْفَش وَالْفراء والمبرد وَابْن السراج والفارسي فِي غير الْإِيضَاح وَابْن أبي الْعَافِيَة والشلوبين فِي آخر قوليه وَجَمَاعَة من أَصْحَابه.

وَمِنْهُم من جعل ذَلِك عطفا حَقِيقَة من بَاب عطف الْمُفْردَات وَأَن قَوْلك: إِن زيداُ قَائِم وَعَمْرو)

عطف فِيهِ عَمْرو على مَوضِع زيد وَهُوَ الرّفْع كَمَا عطف على مَوضِع خبر لَيْسَ فِي نَحْو: فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا

ص: 301

وَإِلَيْهِ ذهب الشلوبين فِي أول قوليه وَابْن أبي الرّبيع. وَهُوَ ظَاهر الْإِيضَاح وجمل الزجاجي وَمَال وَذهب ابْن مَالك فِي شرح التسهيل إِلَى الأول وَنَصره وزيف غَيره وَهُوَ الصَّحِيح من المذهبين الْمُعْتَمد المعضود بِالدَّلِيلِ.

وَقد تصدى ابْن أبي الْعَافِيَة لنصره فِي مَسْأَلَة أفردها وَابْن الزبير من شُيُوخ شُيُوخنَا اعتنى بالمسالة جدا وَطول فِيهَا الْكَلَام. وَهُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ من اعتمدناه من شُيُوخنَا فتلقيناه عَنْهُم.

فَمن أَرَادَ التَّرْجِيح بَين المذهبين فَعَلَيهِ بِكَلَام ابْن الزبير فَفِيهِ غَايَة الشِّفَاء فِي الْمَسْأَلَة.

-

وَقد احْتج لَهُ ابْن مَالك بِأَنَّهُم اقتصروا فِي هَذَا الْعَطف على الْإِتْيَان بِهِ بعد تَمام الْجُمْلَة. وَلَو كَانَ من عطف الْمُفْردَات لَكَانَ وُقُوعه قبل التَّمام أولى لِأَن وصل الْمَعْطُوف بالمعطوف عَلَيْهِ أَجود من فَصله.

وَأَيْضًا لَو كَانَ كَذَلِك لجَاز وُقُوع غَيره من التوابع. وَلم يحْتَج سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله تَعَالَى: قل إِن رَبِّي يقذف بِالْحَقِّ علام الغيوب إِلَى أَن يَجعله خبر مُبْتَدأ أَو بَدَلا من فَاعل يقذف. وَاسْتدلَّ بِغَيْر ذَلِك مِمَّا يطول بِهِ الْكَلَام. انْتهى كَلَامه الْمَقْصُود مِنْهُ.

وَبشر بن أبي خازم شَاعِر جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين بعد الثلثمائة.

ص: 302

وَأنْشد بعده

(فَلَا تحسبي أَنِّي تخشعت بعدكم

لشَيْء وَلَا أَنِّي من الْمَوْت أفرق)

(وَلَا أَنا مِمَّن يزدهيه وعيدكم

وَلَا أنني بِالْمَشْيِ فِي الْقَيْد أخرق)

على أَن تَخْرِيج الْبَيْت السَّابِق وَهُوَ جعل جملَة وَأَنْتُم بغاة اعتراضاً بَين أَنا وَخَبره وَهُوَ قَوْله: مَا بَقينَا فِي شقَاق لَا يتمشى مثله هُنَا لِأَن قَوْله: وَلَا أنني بِالْمَشْيِ فِي الْقَيْد أخرق عطف على أَنِّي تخشعت. فَلَو جعل قَوْله: وَلَا أَنا مِمَّن يزدهيه وعيدكم جملَة اعتراضية لَكَانَ لَا دَاخِلَة على معرفَة بِلَا تَكْرِير وَلَا يجوز ذَلِك إِلَّا عِنْد الْمبرد.

وَلَو روى: وَلَا إِنَّنِي بِالْمَشْيِ بِالْكَسْرِ لارتفع الْإِشْكَال وَكَانَ قَوْله: وَلَا أَنا مِمَّن يزدهيه مستأنفاً)

وَلَا مكررة. يُرِيد أَن قَوْله: وَلَا أَنا مِمَّن

إِلَخ مَعْطُوف على اسْم أَن الْمَفْتُوحَة فِي قَوْله: فَلَا تحسبي أَنِّي تخشعت الْبَتَّةَ كَمَا أجَاز سِيبَوَيْهٍ رفع الْمَعْطُوف على اسْم أَن الْمَفْتُوحَة وَلَا يُمكن على وَجه لَا يكون فِيهِ الْعَطف على اسْم الْمَفْتُوحَة كَمَا أمكن تَخْرِيج الْآيَة وَالْبَيْت قبله.

وَإِن جعل جملَة ولَا أَنا مِمَّن

إِلَخ مُعْتَرضَة بَين المتعاطفين منع بِعَدَمِ تكَرر لَا فَإِنَّهَا يجب تكررها عِنْد الْجُمْهُور فِي غير دُعَاء وَغير جَوَاب قسم.

وَلَو كَانَت الرِّوَايَة فِي أنني الثَّالِثَة الْكسر لجعلت الْوَاو فِي وَلَا أَنا استئنافية وَكَانَ مدخولها مَعَ مَا بعده جملتين مستأنفتين

ص: 303

وَزَالَ الْإِشْكَال بِتَكَرُّر لَا. وَحِينَئِذٍ لم يتَعَيَّن التَّخْرِيج على قَول سِيبَوَيْهٍ.

لكنه لم يرو الْكسر فتحتم التَّخْرِيج على قَول سِيبَوَيْهٍ.

وَتَخْرِيج الْآيَة وَالْبَيْت على مَا ذكره الشَّارِح السيرافي فَإِنَّهُ خَالف سِيبَوَيْهٍ وَزعم أَن أَن الْمَفْتُوحَة لَا تلْحق بالمكسورة فِي ذَلِك لِأَن الْمَكْسُورَة على شَرط الِابْتِدَاء وَلَيْسَت الْمَفْتُوحَة كَذَلِك إِنَّمَا تجْعَل الْكَلَام شاناً وحديثاً بِمَنْزِلَة الْمُفْرد. وَلَيْسَ فِي

قَوْله تَعَالَى: أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله دَلِيل لَهُ لصِحَّة حمله على وَجْهَيْن جَيِّدين: أَحدهمَا: أَن يكون وَرَسُوله عطفا على أَن وَمَا بعْدهَا لِأَنَّهَا اسْم مُفْرد فالتقدير: بَرَاءَة الله من الْمُشْركين وَرَسُوله أَي: وَبَرَاءَة رَسُوله. وَهَذَا وَجه جيد كَمَا تَقول: أعجبني أَنَّك منطلق وإسراعك.

وَالثَّانِي: أَن يكون وَرَسُوله مَعْطُوفًا على الضَّمِير فِي بَرِيء وَحسن للفصل. وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يكن فِي الْآيَة دَلِيل على مَا قَالُوهُ. فالاستشهاد بهَا وهم جرى على سِيبَوَيْهٍ والنحويين.

وَقد رد عَلَيْهِ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة وَأثبت مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ سَمَاعا وَقِيَاسًا. وَهَذِه عِبَارَته: وَفِي قَوْله: شَاهد لجَوَاز اسْتِدْلَال سِيبَوَيْهٍ بقول الله سُبْحَانَهُ: أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله بِالرَّفْع على معنى الِابْتِدَاء ورد وردع لإنكار من أنكر ذَلِك

ص: 304

عَلَيْهِ من بعض الْمُتَأَخِّرين.

وَقَوله: إِن هَذَا إِنَّمَا يسوغ بعد إِن الْمَكْسُورَة لِأَنَّهَا على شَرط الِابْتِدَاء وَلَيْسَ فِي الْآيَة إِن مَكْسُورَة وَإِنَّمَا فِيهَا أَن مَفْتُوحَة والمفتوحة لَا تصرف الْكَلَام إِلَى معنى الِابْتِدَاء وَإِنَّمَا تجْعَل الْكَلَام شَأْنًا وحديثاً ومواضعها تخْتَص بالمرد لَا بِالْجُمْلَةِ.

هَذَا معنى مَا أوردهُ هَذَا الْمُنكر على صَاحب الْكتاب فِي هَذَا الْموضع. وَالْقَوْل فِيمَا بعد مَعَ)

صَاحب الْكتاب لاعليه سَمَاعا وَقِيَاسًا.

أما السماع فَمَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَيْت وَهُوَ قَوْله: فَلَا تحسبوا أَنِّي تخشعت بعدكم

ثمَّ قَالَ: وَلَا أَنا مِمَّن يزدهيه وعيدكم فعطف الْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر على قَوْله: أَنِّي تخشعت وَهُوَ يُرِيد معنى أَن الْمَفْتُوحَة. يدل على ذَلِك رِوَايَة من روى: وَلَا أَن نَفسِي يزدهيها وعيكم وَقد جَاءَ ذَلِك أَيْضا فِي التَّنْزِيل قَالَ الله عز اسْمه: وَأَن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاتقوني. فعطف الْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر على أَن وفيهَا

ص: 305

معنى اللَّام كَمَا تقدم. وَهَذَا يزِيل معنى الِابْتِدَاء عِنْده وَيصرف الْكَلَام إِلَى معنى الْمصدر أَي: ولكوني ربكُم فاتقوني.

وَنَحْوه أَيْضا قَوْله تَعَالَى: ضرب لكم مثلا من أَنفسكُم هَل لكم مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم من شُرَكَاء فِيمَا رزقناكم فَأنْتم فِيهِ سَوَاء أَي: فتستووا.

-

قَالَ أَبُو عَليّ: فأوقع الْجُمْلَة المركبة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر موقع الْفِعْل الْمَنْصُوب بِأَن وَالْفِعْل إِذا انتصب انْصَرف القَوْل بِهِ والرأي فِيهِ إِلَى مَذْهَب الْمصدر.

وَمَعْلُوم أَن الْمصدر أحد الْآحَاد وَلَا نِسْبَة بَينه وَبَين الْجُمْلَة وَقد ترى الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ قَوْله: وَأَنا ربكُم معطوفة على أَن الْمَفْتُوحَة وعبرتها عِبْرَة الْمُفْرد من حَيْثُ كَانَت مصدرا الْمصدر أحد الْأَسْمَاء المفردة.

وَوجدت أَنا فِي التَّنْزِيل موضعا لم أر أَبَا عَليّ ذكره على سَعَة بَحثه ولطف مأخذه وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: أعنده علم الْغَيْب فَهُوَ يرى أَي: فَيرى.

أَلا ترى أَن الْفَاء جَوَاب الِاسْتِفْهَام وَهِي تصرف الْفِعْل بعْدهَا إِلَى الانتصاب بِأَن مضمرة وَأَن الْفِعْل الْمَنْصُوب بهَا مصدر فِي الْمَعْنى لَا محَالة حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: أعنده علم الْغَيْب فرؤيته كَمَا أَن وَأما وَجه الْقيَاس فَهُوَ أَن أَن الْمَفْتُوحَة وَإِن لم تكن من مَوَاضِع الِابْتِدَاء فَإِنَّهَا من مَوَاضِع التَّحْقِيق والاعتلاء كَمَا أَن إِن الْمَكْسُورَة كَذَلِك فَلَمَّا استوتا فِي الْعَمَل وَالْمعْنَى تقاربتا فِي اللَّفْظ صَارَت كل وَاحِدَة كَأَنَّهَا أُخْتهَا.)

يزِيد ذَلِك وضوحاً أَنَّك تَقول: علمت أَن زيدا قَائِم وَعلمت إِن زيدا لقائم

ص: 306

فتجد معنى الْمَكْسُورَة كمعنى الْمَفْتُوحَة ويؤكد فِي الْمَوْضِعَيْنِ كليهمَا قيام زيد لَا محَالة وَالْقِيَام مصدر كَمَا ترى. نعم وَتَأْتِي هُنَا بِصَرِيح الِابْتِدَاء فَتَقول: علمت لزيد أفضل مِنْك كَمَا تَقول: علمت أَن زيدا أفضل مِنْك.

أَفلا ترى إِلَى تجاري هَذِه التراكيب إِلَى معنى وَاحِد وتناظر بَعْضهَا إِلَى بعض. وَسبب ذَلِك كُله مَا ذكرته لَك من مشابهة أَن لإن لفظا وَعَملا. فَإِذا كَانَ كَذَلِك سقط اعْتِرَاض هَذَا الْمُتَأَخر على مَا أوردهُ سِيبَوَيْهٍ وَأسْقط كلفته عَنهُ.

-

وَيزِيد فِيمَا نَحن عَلَيْهِ وضوحاً قَوْله فِيمَا بعد: وَلَا أنني بِالْمَشْيِ فِي الْقَيْد أخرق فَعَاد إِلَى أَن الْبَتَّةَ. انْتهى كَلَام ابْن جني.

والبيتان من أَبْيَات سَبْعَة لجَعْفَر بن علبة الْحَارِثِيّ أوردهَا أَبُو تَمام فِي أول الحماسة وَهِي:

(عجبت لمسراها وأنى تخلصت

إِلَيّ وَبَاب السجْن دوني مغلق)

(عجبت لمسراها وسرب أَتَت بِهِ

بعيد الْكرَى كَادَت لَهُ الأَرْض تشرق)

(ألمت فحيت ثمَّ قَامَت فودعت

فَلَمَّا تولت كَادَت النَّفس تزهق)

(فَلَا تحسبي أَنِّي تخشعت بعدكم

لشَيْء وَلَا أَنِّي من الْمَوْت أفرق)

(وَلَا أَن نَفسِي يزدهيها وعيدكم

وَلَا أنني بِالْمَشْيِ فِي الْقَيْد أخرق)

(وَلَكِن عرتني من هَوَاك ضمانة

كَمَا كنت ألْقى مِنْك إِذْ أَنا مُطلق)

ص: 307

قَوْله: هواي مَعَ الركب

إِلَخ أوردهُ الْقزْوِينِي فِي تَلْخِيص الْمِفْتَاح

على أَن تَعْرِيف الْمسند إِلَيْهِ بِالْإِضَافَة لكَونه أخصر طَرِيق.

قَالَ السعد فِي شَرحه: هواي أَي: مهويي وَهَذَا أخصر من الَّذِي أهواه وَنَحْو ذَلِك.

والاختصار مَطْلُوب لضيق الْمقَام وفرط السَّآمَة لكَونه فِي السجْن وحبيبته على الرحيل. ومصعد: ذَاهِب فِي الأَرْض. والجنيب: المجنوب المستتبع. والجثمان: الشَّخْص. والموثق: الْمُقَيد. وَلَفظ الْبَيْت خبر وَمَعْنَاهُ تأسف وتحسر على بعد الحبيب. انْتهى.

وَقَالَ أَمِين الدَّين الطبرسي فِي شرح الحماسة: الركب: جمع رَاكب مثل صحب جمع صَاحب والجثمان الْجِسْم قَالَه الْأَصْمَعِي.)

وَمعنى الْبَيْت: هواي رَاحِلَة مبعدة مَعَ ركبان الْإِبِل القاصدين نَحْو الْيمن وبدني مُقَيّد بِمَكَّة.

وَإِنَّمَا قَالَ هَذِه الأبيات لما كَانَ مَحْبُوسًا بِمَكَّة لدم كَانَ عَلَيْهِ لبني عقيل. وَذكر فِي هَذِه الأبيات صبره على الْبلَاء وَعدم خَوفه من الْمَوْت واستهانته بوعيد المتوعد وحذقه بمشي الْمُقَيد.

-

وَقَوله: عجبت لمسراها المسرى: مصدر ميمي بِمَعْنى السرى وَالضَّمِير لخيال الحبيبة وَهِي مُؤَنّثَة وَهِي وَإِن لم يجر لَهَا ذكر لَكِنَّهَا مَعْلُومَة من الْمقَام. وأنى مَعْنَاهُ كَيفَ أَو من أَيْن وتخلصت: توصلت. يَقُول: تعجبت من سير هَذِه الخيال وَمن توصلها إِلَيّ مَعَ هَذِه الْحَال وَهُوَ أَن بَاب السجْن مغلق عَليّ.

ص: 308

قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: لَا يجوز عطف أَنى على مسراها لِأَن الِاسْتِفْهَام لَا يعْمل فِيهِ مَا قبله بل هِيَ مَنْصُوبَة بقوله: تخلصت وَتمّ الْكَلَام على قَوْله: عجبت لمسراها ثمَّ اسْتَأْنف كلَاما آخر بقوله: وأنى تخلصت أَي: وَمن أَيْن تخلصت.

هَذَا وضع الْإِعْرَاب وَمُقْتَضى الصَّنْعَة فِيهِ. فَأَما حَقِيقَة الْمَعْنى فَكَأَنَّهُ قَالَ: عجبت لمسراها ولتخلصها إِلَيّ لِأَن الْعجب اشْتَمَل عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. وَلَا يستنكر أَن يكون وضع الْإِعْرَاب مُخَالفا لمحصول الْمَعْنى.

أَلا تراك تَقول: أهلك وَاللَّيْل فَمَعْنَاه الْحق أهلك قبل اللَّيْل وَإِعْرَابه على غير ذَلِك. انْتهى.

وَقَوله: وسرب أَتَت بِهِ السرب بِالْكَسْرِ: الْجَمَاعَة من النِّسَاء يُرِيد نسَاء رآهن مَعهَا فِي نَومه. وأَتَت بِهِ أَي: بالسرب. وأشرقت الأَرْض: أَضَاءَت. وَقَوله: ألمت فحيت

إِلَخ الْإِلْمَام: الزِّيَارَة الْخَفِيفَة. وحيت من التَّحِيَّة. وزهقت النَّفس: خرجت مسرعة. حكى حَال الخيال فَقَالَ: جاءتنا فَسلمت علينا ثمَّ لم تلبث إِلَّا قَلِيلا حَتَّى قَامَت وأعرضت فَلَمَّا تولت كَادَت النَّفس تخرج فِي أَثَرهَا.

وَقَوله: فَلَا تحسبي أَنِّي. . إِلَخ هَذَا الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب. وتخشع: تكلّف الْخُشُوع.

والخشوع يكون فِي الصَّوْت وَالْبَصَر والخضوع فِي الْبدن.

وَقَالَ ابْن جني: تخشعت بِمَعْنى خَشَعت وَقد جَاءَ تفعل بِمَعْنى فعل. وأفرق: أَخَاف وَفعله من بَاب فَرح.

وَقَوله: وَلَا أَنا مِمَّن

إِلَخ غَالب رِوَايَة الحماسة: وَلَا أَن نَفسِي

ص: 309

يزدهيها

إِلَخ وَنبهَ شراحها على الرِّوَايَتَيْنِ. وازدهاه: استخفه من الزهو وَهُوَ الخفة. والأخرق الَّذِي لم يحسن)

عمل شَيْء يُقَال: فلَان أخرق إِذا لم يحسن

شَيْئا وَفُلَان صنع بِفتْحَتَيْنِ إِذا أحسن عمل كل شَيْء.

يَقُول: لَا تظني أَن نَفسِي تستخف من الْوَعيد وَلَا أَنَّهَا تضجر من الْمَشْي فِي الْقَيْد. يستهين بِمَا اجْتمع عَلَيْهِ من الْحَبْس والقيد ويبجح بِالصبرِ على الشدائد. وبهذين الْبَيْتَيْنِ أدخلت هَذِه الأبيات فِي بَاب الحماسة.

وَقَوله: وَلَكِن عرتني

إِلَخ عراه يعروه: أَصَابَهُ وَنزل بِهِ. والضمانة: الزمانة وَهُوَ عدم الِاسْتِطَاعَة على النهوض وَالْقِيَام.

قَالَ ابْن جني: يجوز أَن تعلق مِنْك بِنَفس عرتني فَلَا يكون فِيهَا ضمير وَلَا يجوز أَن تكون حَالا من ضمانة على أَنَّهَا صفة فِي الأَصْل لضمانة فَلَمَّا قدمت صَارَت حَالا فَفِيهَا إِذن ضمير لتعلقها بالمحذوف.

وَأما الْكَاف فَيجوز أَن تكون وَصفا لضمانة فَتعلق بِمَحْذُوف وتتضمن ضميرها وَيجوز أَن تكون مَنْصُوبَة على الْمصدر أَي: عرتني ضمانة عرواً مثل مَا كَانَت تعروني وَأَنا مُطلق.

أَي: لم ينسني مَا أَنا فِيهِ من الشدَّة مَا كنت عَلَيْهِ أَيَّام الرخَاء. فَيجْرِي هَذَا مجْرى قَوْلك: قُمْت فِي حَاجَتك كَمَا كنت أنهض بهَا. انْتهى.

وروى: صبَابَة بدل ضمانة وَهِي رقة الشوق. قَالَ الطبرسي: والأجود حِينَئِذٍ أَن تكون مَا مَوْصُوفَة لَا مَوْصُولَة لِأَن الْقَصْد تَشْبِيه صبَابَة مَجْهُولَة بِمِثْلِهَا وَالتَّقْدِير: عرتني صبَابَة تشبه صبَابَة كَمَا كنت أكابدها فِيك زمن إطلاقي. وجَعْفَر بن علبة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام بعْدهَا مُوَحدَة يَنْتَهِي نسبه إِلَى كَعْب بن الْحَارِث. والْحَارث: قَبيلَة من الْيمن.

قَالَ الْأَصْفَهَانِي فِي

ص: 310

الأغاني: ويكنى جَعْفَر أَبَا عَارِم بِولد لَهُ. وَهُوَ من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. وجعفر شَاعِر مقل غزل فَارس مَذْكُور فِي قومه.

-

وَقتل جَعْفَر فِي قصاص اخْتلف فِي سَببه على ثَلَاثَة أَقْوَال ثَالِثهَا: أَنه كَانَ يزور نسَاء من عقيل بن كَعْب وَكَانُوا متجاورين هم وَبَنُو الْحَارِث.

فَأَخَذته عقيل وكشفوا عَوْرَته وكتفوه وضربوه بالسياط ثمَّ أَقبلُوا بِهِ إِلَى النسْوَة اللَّاتِي كَانَ يتحدث إلَيْهِنَّ ليغيظوهن ويفضحوه عِنْدهن فَقَالَ لَهُم: يَا قوم لَا تَفعلُوا فَإِن هَذَا الْفِعْل مثلَة)

وَأَنا أَحْلف لكم أَن لَا أَزور بُيُوتكُمْ أبدا. فَلم يقبلُوا مِنْهُ فَقَالَ لَهُم: حسبكم مَا مضى ومنوا عَليّ بالكف عني فَإِنِّي أعده نعْمَة لكم لَا أكفرها أبدا أَو فاقتلوني وأريحوني فَأَكُون رجلا آذَى قومه فِي دَارهم فَقَتَلُوهُ. فَلم يَفْعَلُوا.

وَجعلُوا يكشفون عَوْرَته بَين أَيدي النِّسَاء ويضربونه ويغرون بِهِ سفهاءهم حَتَّى شفوا أنفسهم مِنْهُ ثمَّ خلوا سَبيله فَلم تمض إِلَّا أَيَّام قَليلَة حَتَّى عَاد جَعْفَر وَمَعَهُ صاحبان لَهُ فَدفع رَاحِلَته حَتَّى أولجها الْبيُوت ثمَّ مضى.

فَلَمَّا كَانَ فِي نقرة من الرمل أَنَاخَ هُوَ وصاحباه وَكَانَت عقيل أقفى خلق الله لأثر فتبعوه حَتَّى انْتَهوا إِلَيْهِ وَلَيْسَ مَعَهم سلَاح وَلَا عَصا فَوَثَبَ عَلَيْهِم جَعْفَر وصاحباه بِالسُّيُوفِ فَقتلُوا مِنْهُم رجلا وجرحوا آخر وافترقوا.

فاستعدت عَلَيْهِم عقيل السّري بن عبد الله الْهَاشِمِي عَامل الْمَنْصُور على مَكَّة فأحضرهم وحبسهم وأقاد من الْجَارِح ودافع عَن جَعْفَر وَكَانَ يحب أَن يدْرَأ عَنهُ الْحَد لخؤولة السفاح فِي بني الْحَارِث وَلِأَن أُخْت جَعْفَر كَانَت تَحت السّري وَكَانَت حظيةً عِنْده إِلَى أَن قَامُوا عِنْده قسَامَة أَنه قتل صَاحبهمْ وتوعدوه بِالْخرُوجِ إِلَى أبي جَعْفَر الْمَنْصُور والتظلم

ص: 311