المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الشاهد الثامن عشر بعد الخمسمائة) - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي - جـ ٧

[عبد القادر البغدادي]

فهرس الكتاب

- ‌(الشَّاهِد الْوَاحِد بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الْعَاشِر بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(النكرَة والمعرفة)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(بَاب الْعلم)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(أَسمَاء الْعدَد)

- ‌(الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الْمُذكر والمؤنث)

- ‌(الشَّاهِد الْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(بَاب الْمثنى)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السبعون بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السَّادِس وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

- ‌(الشَّاهِد السَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)

الفصل: ‌(الشاهد الثامن عشر بعد الخمسمائة)

وَعَمْرو بن حسان: شاعرٌ صَحَابِيّ ذكره ابْن حجر فِي الْإِصَابَة.

3 -

(الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ)

الرجز

(طاروا علاهن فطر علاها

وَاشْدُدْ بمثنى حقبٍ حقواها)

على أَنه قد حُكيَ عَن قوم من الْعَرَب: لداك وإلاك وعلاك فَلم يقبلُوا الْألف يَاء مَعَ الْمُضمر فِي علاهن وعلاها وَفِي الْمثنى أَعنِي حقواها. وَكَانَ الْقيَاس: عَلَيْهِنَّ وَعَلَيْهَا وحقويها.

قَالَ أَبُو حَاتِم فِيمَا كتبه على نَوَادِر أبي زيد: هَذِه لُغَة بني بن كَعْب ولغتهم قلب الْيَاء الساكنة إِذا انْفَتح مَا قبلهَا ألفا يَقُولُونَ: أخذت الدرهمان وَالسَّلَام علاكم. انْتهى.

وَسَيَأْتِي بَقِيَّة الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله فِي الْمثنى.

قَالَ أَبُو زيد فِي نوادره: قَالَ الْمفضل: أَنْشدني أَبُو الغول لبَعض أهل الْيمن:

(أَي قلوصٍ راكبٍ ترَاهَا

طاروا عَلَيْهِنَّ فشل علاها)

(وَاشْدُدْ بمثنى حقبٍ حقواها

ناجيةٍ وناجياً أَبَاهَا)

القلوص مُؤَنّثَة. علاها يُرِيد عَلَيْهَا وَهِي لُغَة بني الْحَارِث بن

ص: 113

كَعْب. وَأما أَبَاهَا فَيمكن أَن يكون أَرَادَ أَبوهَا فجَاء بِهِ على لُغَة من قَالَ هَذَا أَبَاك فِي وزن هَذَا قفاك. وَكَذَا كَانَ الْقيَاس.

وَأنْشد أَبُو زيد الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين من الْأَرْبَعَة فِي أَوَائِل النَّوَادِر ثمَّ قَالَ: وَأما أَبَاهَا يَعْنِي فِي الْبَيْت الرَّابِع فَيمكن أَن يكون أَرَادَ أَبوهَا فجَاء بِهِ على لُغَة من قَالَ: هَذَا أَبَاك فِي وزن هَذِه عصاك.

وَكَذَا كَانَ الْقيَاس.

وَقَالَ بَعضهم: وَلَكِن يُقَال أبٌ وَأَبَان كَقَوْلِك: يدٌ ويدان فَأَرَادَ الِاثْنَيْنِ. انْتهى.

قَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش فِي شرح النَّوَادِر: قَالَ أَبُو حَاتِم: سَأَلت أَبَا عُبَيْدَة عَن هَذِه الأبيات فَقَالَ: انقط عَلَيْهَا هَذَا من صَنْعَة الْمفضل. انْتهى.

وَقَوله: أَي قلُوص راكبٍ بِإِضَافَة قلُوص إِلَى رَاكب وأَي استفهامية قصد بالاستفهام الْمَدْح والتعظيم وَقد اكْتسب التَّأْنِيث من قلُوص وَلِهَذَا أعَاد الضَّمِير عَلَيْهَا مؤنثاً. أَو فِيهِ قلبٌ وَالْأَصْل قلُوص أَي رَاكب ترَاهَا. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر. وأَي: مَنْصُوب من بَاب الِاشْتِغَال وَيجوز الرّفْع على الِابْتِدَاء. والقلوص بِالْفَتْح: النَّاقة الشَّابَّة.

وَقَوله: طاروا عَلَيْهِنَّ كَذَا فِي موضِعين من النَّوَادِر وَرَوَاهُ الْجَوْهَرِي: طاروا علاهن كالثاني.

وطاروا يُقَال: طَار الْقَوْم أَي: نفروا مُسْرِعين. كَذَا فِي الْمِصْبَاح.)

وَرَوَاهُ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد: شالوا علاهن وَقَالَ: شال الشَّيْء شولاً إِذا ارْتَفع.

وَالْأَمر شل بِالضَّمِّ. وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وبالباء فَيُقَال أشلته وشلت بِهِ. وَقَول الْعَامَّة شلته بِالْكَسْرِ

ص: 114

وَالظَّاهِر أَن المُرَاد ارتفعوا على إبلهم فارتفع عَلَيْهَا. وَلَا حَاجَة إِلَى ذكر الْمَفْعُول المعدى بِالْبَاء.

وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة طاروا فَإِن الْمَعْنى أَسْرعُوا مخفين. وَرِوَايَة الشَّارِح فطر علاها هِيَ صَاحب الصِّحَاح. والحقب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْقَاف قَالَ فِي الصِّحَاح: هُوَ حَبل يشد بِهِ الرحل إِلَى بطن الْبَعِير مِمَّا يَلِي ثيله أَي: ذكره كي لَا يجتذبه التصدير. تَقول مِنْهُ: أحقبت الْبَعِير. انْتهى. والْمثنى: مصدر ميمي من ثنيت الشَّيْء ثنياً ومثنًى إِذا عطفته أُرِيد بِهِ اسْم الْمَفْعُول أَي: الْمَعْطُوف ثَانِيًا. وحقواها: مثنى حقو بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف وَهُوَ الخصر ومشد الْإِزَار مثلا.

وَقَول أبي زيد: إِن أَبَاهَا مثنى أَب حذفت النُّون للإضافة أَرَادَ أَبَاهَا وَأمّهَا فثني على التغليب.

وَأنْشد الْجَوْهَرِي الأبيات فِي علا بِهَذَا التَّرْتِيب:

(أَي قلوصٍ راكبٍ ترَاهَا

فاشدد بمثنى حقب حقواها)

(نَاجِية وناجياً أَبَاهَا

طاروا علاهن فطر علاها)

ص: 115

وَأنْشد بعده الهزج

(فلولا نبل عوضٍ فِي

حظباي وأوصالي)

على أَن عوضا قد يسْتَعْمل لمُجَرّد الزَّمَان فيعرب.

جعل الشَّارِح الْمُحَقق اسْتِعْمَاله لمُجَرّد الزَّمَان سَببا لإعرابه أَي: الزَّمَان الْمُجَرّد عَن الْعُمُوم والاستغراق بِأَن يكون نكرَة غير مضمن معنى الْإِضَافَة. فَإِن ضمنهَا بني على الضَّم كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامه. وَإِن أضيف لفظا أعرب. فَيكون لَهُ ثَلَاثَة استعمالات: الأول: مَا نكر بِأَن قطع عَن الْإِضَافَة لفظا وَمعنى كَمَا فِي الْبَيْت وَفِي قَوْلهم: من ذِي عوضٍ فيعرب جراً بِإِضَافَة شيءٍ إِلَيْهِ. وَلم يسمع نَصبه منوناً على الظَّرْفِيَّة.

الثَّانِي: مَا حذف مِنْهُ الْمُضَاف إِلَيْهِ وَضمن مَعْنَاهُ فيبني على الضَّم أَو أحد أَخَوَيْهِ نَحْو: لَا أَفعلهُ عوض وَالْأَصْل: عوض العائضين.)

وَالثَّالِث: مَا أضيف لفظا كعوض العائضين.

هَذَا مُقْتَضى كَلَامه وَهُوَ الْحق الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَن يحاد عَنهُ فَإِنَّهُ جمع شملها المتفرق فِي كتب النَّحْوِيين بإدخالها فِي حكم ظروف الْجِهَات.

وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَقد يُضَاف إِلَى العائضين أَو يُضَاف إِلَيْهِ فيعرب. وَأورد هَذَا

ص: 116

وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: هُوَ مُعرب إِن أضيف كَقَوْلِهِم: لَا أَفعلهُ عوض العائضين مَبْنِيّ على أحد الحركات إِن لم يضف.

فَالْأول: يَشْمَل مَا قَالَه الشَّارِح الْمُحَقق لَكِن لَا بذلك الحكم. وَالثَّانِي: يَقْتَضِي بِنَاء نَحْو الْبَيْت على حَرَكَة وَلَا قَائِل بِهِ.

وَالْعجب من ابْن الملا فَإِنَّهُ شرح كَلَام الْمُغنِي بِكَلَام الشَّارِح الْمُحَقق.

وَقَالَ ابْن جني فِي الْكَلَام على هَذَا الْبَيْت من إِعْرَاب الحماسة: وَأما إعرابه فَلِأَنَّهُ اضْطر إِلَيْهِ كَمَا يضْطَر الشَّاعِر إِلَى صرف مَا لَا ينْصَرف. وَهُوَ مَبْنِيّ على الضَّم وَالْفَتْح. هَذَا كَلَامه.

فَيُقَال لَهُ: أَي: ضَرُورَة فِي قَوْلهم: افْعَل ذَاك من ذِي عوض.

وَأما شرَّاح الحماسة فالمفهوم من كَلَامهم أَنه مَبْنِيّ فِي الْبَيْت. وَلم يتَعَرَّضُوا لإعرابه بوجهٍ.

قَالَ المرزوقي: عوض اسْم الدَّهْر معرفَة مَبْنِيّ وكما يبْنى على الْفَتْح قد يبْنى على الضَّم وَالضَّم فِيهِ حَكَاهُ الْكُوفِيُّونَ. وَيُقَال: لَا أَفعلهُ عوض العائضين. وَإِنَّمَا يبْنى لتَضَمّنه معنى الْألف وَاللَّام. انْتهى.

وَقد سطرها الْخَطِيب التبريزي فِي شَرحه من غير زِيَادَة.

وَأما الْأمين الطبرسي فَلم يزدْ على قَوْله: عوض من أَسمَاء الدَّهْر. وَهَذَا كُله مِمَّا يستغرب مِنْهُ.

وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَعوض فِي الأَصْل اسْم للزمان والدهر

ص: 117

بل الأَصْل مصدر عاضني الله مِنْهُ عوضا بِفَتْح فَسُكُون وعوضاً بِكَسْر فَفتح وعياضاً بِالْكَسْرِ. كَذَا فِي الْعباب. فالعوض: كل إعطاءٍ يكون خلفا من شيءٍ.

قَالَ ابْن جني فِي شرح الْبَيْت: إِنَّمَا سموا الدَّهْر عوضا لِأَنَّهُ من التعويض وَذَلِكَ أَنه كلما مضى جزءٌ من الدَّهْر خلف آخر من بعيده فَكَانَ الثَّانِي كالعوض من الأول. وَقد ذكرت هَذَا الْموضع فِي كتابي الموسوم بِكِتَاب التَّعَاقُب.

وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَقيل: بل لِأَن الدَّهْر فِي زعمهم يستلب ويعوض.)

وَقَوله أَيْضا: وَيُقَال افْعَل ذَلِك من ذِي عوض إِلَخ افْعَل يقْرَأ أمرا وخبراً

وَالْمعْنَى افعله فِي زمانٍ ذِي تعويض أَي: فِي زمَان يكون عوضا من هَذَا الزَّمَان وَهُوَ الْمُسْتَقْبل.

وأنف بِضَم الْألف وَالنُّون مَعْنَاهُ الِابْتِدَاء الْجَدِيد أَي: الإضافي بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا قبله. وَالْمعْنَى: افعله فِي زمَان ذِي ابتداءٍ متجدد وَهُوَ الْوَقْت الَّذِي يَتَجَدَّد بِانْقِضَاء مَا قبله كَالْيَوْمِ وَاللَّيْلَة والأسبوع والشهر وَالسّنة. وَالْفِعْل مِنْهُ اسْتَأْنف استئنافاً.

وَمِنْه حَدِيث ابْن عمر: إِنَّمَا الْأَمر أنفٌ أَي: يسْتَأْنف استئنافاً من غير أَن يكون سبق بِهِ سَابق قَضَاء وَتَقْدِير. وروضة أنفٌ أَي: مستجدة لم تطأها الْمَاشِيَة

ص: 118

وَلم ترعها. وَمِنْه حَدِيث أبي ورجلٌ مئناف أَي: ترعى مَاشِيَته أنف الْكلأ. وكأس أنف: مستجدة للشُّرْب فِيهَا لم تسْتَعْمل قبل هَذَا الْوَقْت. وَقَوْلهمْ: فعله آنِفا بِالْمدِّ وَكسر النُّون من هَذَا أَيْضا وَهُوَ أول الزَّمَان الَّذِي أَنْت فِيهِ.

وَيُقَال أَيْضا: افْعَل ذَاك من ذِي قبل بِفَتْح الْقَاف وَالْمُوَحَّدَة وَهُوَ اسْم مصدر لأقبل إقبالاً. أَي: فِي زمَان ذِي إقبال.

وَفِي فصيح ثَعْلَب: لَا أُكَلِّمك إِلَى عشْرين ذِي قبل أَي: إِلَى عشر لَيَال من زمَان ذِي اسْتِقْبَال أَي: من مُسْتَقْبل الشَّهْر.

وَالْبَيْت من أَبْيَات ثَمَانِيَة للفند الزماني أوردهَا أَبُو تَمام فِي مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل وَفِي الحماسة وأولها:

(أيا طعنة مَا شيخٍ

كبيرٍ يفنٍ بالي)

(تقيم المأتم الْأَعْلَى

على جهدٍ وإعوال)

(وَلَوْلَا نبل عوضٍ فِي

حظباي وأوصالي)

(لطاعنت صُدُور الخي

ل طَعنا لَيْسَ بالآلي)

وَقَوله: أيا طعنة إِلَخ قَالَ الإِمَام المرزوقي: أَرَادَ: يَا طعنة شيخ ومَا زَائِدَة وَهَذَا اللَّفْظ لفظ النداء وَالْمعْنَى معنى التَّعَجُّب والتفخيم أَرَادَ: مَا أهولها من طعنة وَيَا لَهَا من طعنة بدرت من شيخٍ كَبِير السن فَانِي القوى

ص: 119

بالي الْجِسْم. واليفن: الشَّيْخ الْهَرم. وَيجوز أَن يكون المنادى محذوفاً وطعنة مَنْصُوب بِفعل مُضْمر كَأَنَّهُ أَرَادَ: يَا قوم اذْكروا طعنة شيخ. انْتهى.)

وَقد بَين الْوَجْهَيْنِ أَبُو هِلَال العسكري فِي شرح الحماسة قَالَ: فِي ندائه وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يعجب من فظاعتها فَكَأَنَّهُ يَقُول: هَلُمِّي يَا طعنة فاعجبي أَنْت أَيْضا من سعتك وهولك.

وَالْآخر: أَن المنادى غير الطعنة كَأَنَّهُ قَالَ: يَا هَؤُلَاءِ اشْهَدُوا طعنةً لَا يطعن مثلهَا شيخٌ. وَإِنَّمَا قَالَ طعنة شيخ لِأَن قَبيلَة بكر قَالَت: وَمَا يُغني هَذَا العشمة وَذَلِكَ أَن عداد زمانٍ فِي بني حنيفَة وَكَانُوا اعتزلوا حَرْب بكر وتغلب حَتَّى كتب إِلَيْهِم الْحَارِث بن عباد يعنفهم فسرحوا إِلَيْهِم فنداً فِي سبعين رَاكِبًا وَكَتَبُوا إِلَيْهِم: إِنَّا أمددناكم بِمِائَة فَارس.

قَالَ مؤرخ: أمددناكم بِأَلف رجل. فَقَالَت بكر: وَمَا يُغني هَذَا العشمة وَكَانَ شَيخا وَله مائَة وَعِشْرُونَ سنة. فَقَالَ: أما ترْضونَ أَن أكون لكم فنداً من أفناد حضن تلودون بِي فَأَرْسلُوهُ فِي الطَّلَائِع وَرجع وَلَيْسَ مَعَه رمحه فَسئلَ عَنهُ فَقَالَ: طعنت بِهِ رجلا فأنفذته وَقَالَ مؤرج: كَانَ عَمْرو بن الرقبان التغلبي حمل على بكر فَمر على صبي عِنْد أمه فانتظمه برمحه وَحمله على رَأس الرمْح وصرخت أمه فَقَالَ: تحنني أم

الرّبع. فَحمل عَلَيْهِ الفند فطعنه فأنفذه. وتزعم بكر أَنه طعنه وَخَلفه رديفٌ لَهُ فانتظمها. وَهَذَا مَشْهُور فِي بكر وتغلب أَعنِي

ص: 120

طعنة عَمْرو وطعنة الفند وَقيل فِيهِ شعر مَصْنُوع قديم يَعْنِي هَذِه الأبيات. انْتهى.

وَقَوله: تقيم المأتم إِلَخ قَالَ المرزوقي: هَذَا من وصف الطعنة كَأَنَّهُ كَانَ تنَاوله بهَا رَئِيسا فَلذَلِك وصف المأتم بالأعلى. والمأتم أَصله أَن يَقع على النِّسَاء يجتمعن فِي الْخَيْر وَالشَّر واشتقاقه من الأتم وَهُوَ الضَّم وَالْجمع وَمِنْه الأتوم وَهِي الْمَرْأَة الَّتِي صَار مسلكاها مسلكاً وَاحِدًا. وَأَرَادَ بالمأتم هُنَا الِاجْتِمَاع للرزية وَهُوَ مصدرٌ وصف بِهِ.

وَيجوز أَن يُرَاد بِهِ أهل المأتم فَحذف الْمُضَاف. والأعلى يُرَاد بِهِ الأفظع شَأْنًا. وَوصف الطعنة بِأَنَّهَا تقيم الْجمع على مجاهدة بلَاء وإسراف فِي الصياح والعواء أَي: تديم ذَلِك لَهُ. والعويل والعولة: صَوت الصَّدْر. انْتهى.

وَقَالَ التبريزي: الإعوال: رفع الصَّوْت بالبكاء.

وَقَوله: وَلَوْلَا نبل عوض إِلَخ أَجمعُوا فِي هَذَا الْموضع على أَن عوضا اسْم الدَّهْر وَقد شَذَّ بَعضهم فَقَالَ: عوضٌ: رجلٌ كَانَ يعْمل النبال جَيِّدَة فَشبه مَا ناله من نَوَائِب الزَّمَان بِإِصَابَة تِلْكَ وحظباي بِالْإِضَافَة إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم. والحظبى بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَضم الظَّاء المشالة والمعجمة)

بعْدهَا مُوَحدَة مُشَدّدَة وَألف مَقْصُورَة قَالَ القالي فِي الْمَقْصُور والممدود: هُوَ الظّهْر. قَالَ: ووزنه فعلى وَلم يَأْتِ على هَذَا الْوَزْن إِلَّا الِاسْم دون الصّفة.

وَقَالَ ابْن ولاد فِي الْمَقْصُور والممدود: هُوَ الصلب

ص: 121

يَعْنِي ظهر الرجل.

وَقَالَ أَبُو هِلَال العسكري فِي شَرحه: قَالَ أَبُو الندى: الحظبى: عرق فِي الظّهْر. وَقَالَ غَيره: الحظبى: عرق يَبْتَدِئ من الْقلب ويبدو عِنْد السُّرَّة ثمَّ يتشعب

فتتفرق شعبه فِي الظّهْر يُسَمِّيه الْأَطِبَّاء: الشريان الْعَظِيم وَقَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: الحظبى: صلب الرجل وَيُقَال: إِنَّه عرق فِي الظّهْر وَيُقَال: إِن الحظبى الْجِسْم وَفسّر بالمعاني الثَّلَاثَة هَذَا الْبَيْت.

وَقَالَ أَبُو زيد: الحظنبى بالنُّون قبل الْمُوَحدَة وَأنْشد الْبَيْت فِي حظنباي. وَرَوَاهُ المرزوقي: فِي حضماتي وأوصالي بضمتي الْخَاء وَالضَّاد المعجمتين وَتَشْديد الْمِيم وَقبل يَاء الْمُتَكَلّم مثناة فوقية على أَنه جمع خضمة. قَالَ: والخضمة: مَا غلظ من السَّاق والذراع ويبدل من ميمه الْبَاء فَيُقَال: خضبة.

وَالْمعْنَى: لَوْلَا رميات الدَّهْر فِي مفاصلي ومجامع أعضائي ومستغلظ عضدي وذراعي لَكَانَ تأثيري وبلائي فِي الْحَرْب أَكثر مِمَّا كَانَ ولشفعت تِلْكَ الظعنة وَلم أدعها وترا. انْتهى.

وَقَالَ أَبُو هِلَال العسكري: ويروى: فِي أعالي يُرِيد انحناء ظَهره وتشنج جلده واضطراب خلقه وانحلال قواه. والأوصال: جمع وصل بِكَسْر الْوَاو وَسُكُون الصَّاد وَهُوَ الْمفصل.

وَقَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: الظّرْف الَّذِي هُوَ قَوْله فِي حظباي مُتَعَلق بِنَفس النبل لما فِيهَا من معنى الحدة والنفوذ كَقَوْل جرير:

ص: 122

الطَّوِيل

(تركت بِنَا لوحاً وَلَو شِئْت جادنا

بعيد الْكرَى ثلجٌ بكرمان ناضج)

علق بعيد الْكرَى بثلج لما فِيهِ من معنى الْبرد. وَلَا يجوز أَن يكون الظّرْف حَالا من نيل لِأَن أَبَا الْحسن منع اشْتِغَال الْحَال مَعَ لَوْلَا لِأَنَّهَا ضربٌ من الْخَبَر وَالْخَبَر هُنَا مَحْذُوف الْبَتَّةَ.

وَيجوز أَن يكون خبر لمبتدأٍ مَحْذُوف أَي: هِيَ فِي حظباي فَيكون حظباي مُتَعَلقا بِمَحْذُوف.

وَأما حظباي فَإِنَّهُ مُعظم بدنه وَهُوَ قَول أَحْمد بن يحيى وَهُوَ من قَوْلهم: رجل حظبٌ للجافي الغليظ. وحظبى فعلى كالحذرى والنذرى. وحظباتي بِالتَّاءِ خطأ. انْتهى.

وَقَوله: لطاعنت صُدُور الْخَيل إِلَخ هَذَا جَوَاب لَوْلَا.: أَرَادَ بِالْخَيْلِ الفرسان أَي: لَوْلَا مَا)

قدمت من الْعذر لدافعت بالطعن أَوَائِل الْخَيل طَعنا لَا تَقْصِير فِيهِ وَلَا قُصُور. وَخص الْأَوَائِل مِنْهُم لتقدمه. وَيجوز أَب يُرِيد بالصدور الرؤساء والأكابر. وهم يتبجحون بمجاذبة الْأَشْرَاف.

(من عهد عادٍ كَانَ مَعْرُوفا لنا

أسر الْمُلُوك وقتلها وقتالها)

ص: 123

وكما استعملوا الصُّدُور فِي الأماثل والجلة استعملوا الأعجاز فِي الأراذل والسفلة وهذ كَمَا قَالُوا: الرؤوس والأذناب وكما قَالَ: الْبَسِيط وَمن يُسَوِّي بأنف النَّاقة الذنبا وَيُقَال: ألوت فِي الْأَمر آلو أَي: قصرت. وَجعل التَّقْصِير لِلطَّعْنِ على الْمجَاز. انْتهى.

قَالَ ابْن جني: لَك فِي طَعنا وَجْهَان: إِن شِئْت حَملته على فعلٍ آخر دلّ

عَلَيْهِ طاعنت كَأَنَّهُ قَالَ: طعنت طَعنا. وَإِن شِئْت حَملته على أَنه مصدر مَحْذُوف الزِّيَادَة أَي: طاعنت طَعنا أَو مطاعناً أَو طيعاناً على مَا جَاءَ فِي مصَادر مثله.

والآلي: فَاعل من ألوت أَي: فترت وَقصرت. وَهَذَا من الْأَفْعَال الَّتِي لَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي غير الْوَاجِب يُقَال: مَا أولت أفعل كَذَا وَلَا يُقَال: قد ألوت فِي حَاجَتك وَلَا نَحْو ذَلِك. وَهُوَ فِي الْفِعْل بِمَنْزِلَة أحدٍ وكريبٍ وكتيعٍ وَنَحْو ذَلِك. وَمثله: مَا زلت وَلنْ أَزَال وَمثله فِي أَكثر الْأَقْوَال: مَا رمت من موضعي أَي: مَا بَرحت. انْتهى بِاخْتِصَار. والفند بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون النُّون. وزمَان بِكَسْر الزَّاي الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم. وَهُوَ شاعرٌ جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ.

ص: 124

هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ

وَقد تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد السَّادِس وَالتسْعين على أَن قطّ قد اسْتعْملت بِدُونِ النَّفْي لفظا لَا معنى.

أما الأول فَلِأَنَّهَا وَقعت بعد هَل الاستفهامية وَالْفِعْل مَعَ الِاسْتِفْهَام غير منفي.

وَأما الثَّانِي فَلِأَن المُرَاد من الِاسْتِفْهَام النَّفْي أَي: مَا رَأَيْت الذِّئْب قطّ.

قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَقَالَ ابْن مَالك: وَرُبمَا اسْتعْملت دون نفي لفظا وَمعنى أَو لفظا لَا معنى. وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِمَا ورد فِي الحَدِيث على عَادَته. انْتهى.

أَرَادَ حَدِيث البُخَارِيّ: قَصرنَا الصَّلَاة فِي السّفر مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ أَكثر مَا كُنَّا قطّ.)

قَالَ الْكرْمَانِي فِي شرح البُخَارِيّ: فَإِن قلت: شَرط قطّ أَن تسْتَعْمل بعد النَّفْي. قلت: أَولا لَا نسلم ذَلِك فقد قَالَ الْمَالِكِي: اسْتِعْمَال قطّ غير مَسْبُوق بِالنَّفْيِ مِمَّا خَفِي على النُّحَاة وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث بِدُونِهِ وَله نَظَائِر.

وَثَانِيا: أَنه بِمَعْنى أبدا على سَبِيل الْمجَاز وثالثاً: يُقَال إِنَّه مُتَعَلق بِمَحْذُوف منفي أَي: وَمَا كُنَّا أَكثر من ذَلِك قطّ. وَيجوز أَن تكون مَا نَافِيَة وَالْجُمْلَة: خبر الْمُبْتَدَأ وَأكْثر مَنْصُوبًا على أَنه خبر كَانَ وَالتَّقْدِير: وَنحن

ص: 125

مَا كُنَّا قطّ أَكثر منا فِي ذَلِك الْوَقْت. وَجَاز إِعْمَال مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا إِذا كَانَت بِمَعْنى لَيْسَ. انْتهى.

وَقَالَ الغرناطي: الَّذِي جوزه مُرَاعَاة لَفْظَة مَا فِي قَوْله: مَا كُنَّا قطّ وَإِن كَانَت غير نَافِيَة. وَقد تراعى الْأَلْفَاظ دون الْمعَانِي. انْتهى.

وَإِلَيْهِ جنح ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ: من إِعْطَاء الشَّيْء حكم الْمُشبه بِهِ فِي لَفظه دون مَعْنَاهُ قَول بعض الصَّحَابَة: قَصرنَا الصَّلَاة مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ أَكثر مَا كُنَّا قطّ. فأوقع قطّ بعد مَا المصدرية كَمَا تقع بعد مَا النافية. انْتهى.

وَقَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا فِي حَدِيث البُخَارِيّ: فصلى بأطول قيامٍ وركوع وَسُجُود رَأَيْته قطّ يَفْعَله من حَدِيث أبي مُوسَى فِي بَاب الذّكر فِي الْكُسُوف: فَإِن قلت: فِي بعض النّسخ: رَأَيْته بِدُونِ كلمة مَا فَمَا وَجهه قلت: إِمَّا أَن أطول فِيهِ معنى عدم الْمُسَاوَاة أَو قطّ بِمَعْنى حسب أَي: صلى فِي ذَلِك الْيَوْم فَحسب بأطول قيامٍ رَأَيْته يفعل أَو أَنه بِمَعْنى أبدا. انْتهى.

وَقد استعملها الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمُسْتَقْبل قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: فَمنهمْ مقتصد: إِن ذَلِك الْإِخْلَاص الْحَادِث عِنْد الْخَوْف لَا يبْقى لأحد قطّ فأعمل فِيهِ لَا يبْقى وَهُوَ مضارع.

ص: 126

قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَفْسِيره بعد نَقله كَثْرَة اسْتِعْمَال الزَّمَخْشَرِيّ قطّ ظرفا وَالْعَامِل فِيهِ غير مَاض: وَقَالَ الحريري فِي درة الغواص: قَوْلهم: لَا ُأكَلِّمهُ قطّ هُوَ من أفحش الْخَطَأ لتعارض مَعَانِيه وتناقض الْكَلَام فِيهِ. وَذَلِكَ أَن الْعَرَب تسْتَعْمل لَفْظَة قطّ فِيمَا مضى من الزَّمَان كَمَا تسْتَعْمل لَفْظَة أبدا فِيمَا يسْتَقْبل فَيَقُولُونَ: مَا كَلمته قطّ وَلَا ُأكَلِّمهُ أبدا.

وَالْمعْنَى فِي قَوْلهم مَا كَلمته قطّ أَي: فِيمَا انْقَطع من عمري لِأَنَّهُ من قططت الشَّيْء إِذا قطعته. وَمِنْه قطّ الْقَلَم أَي: قطع طرفه. وَفِيمَا يُؤثر من شجاعة عَليّ رضي الله عنه أَنه كَانَ إِذا اعتلى قد وَإِذا اعْترض قطّ. فالقد: قطع الشَّيْء طولا والقط: قطعه عرضا. انْتهى.)

وَتَبعهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَالْقَوَاعِد قَالَ: والعامة تَقول: لَا أَفعلهُ قطّ. وَهُوَ لحن.

وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن جمَاعَة فِي شرح الْقَوَاعِد بِأَنَّهُ غير صَحِيح وغايته اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي غير مَا وضع لَهُ فَيكون مجَازًا لَا لحناً. وَجعله من اللّحن عَجِيب إِذْ لَا خلل فِي إعرابه. وَلَيْسَ بشيءٍ لِأَن اللّحن بِمَعْنى مُطلق الْخَطَأ. وهم كثيرا مَا يستعملونه بِهَذَا الْمَعْنى.

فَإِن قلت: إِذا اسْتعْمل الْعَرَب

ص: 127

لفظا فِي مَحل مَخْصُوص كقط بعد نفي الْمَاضِي وكافة حَالا مُنكرَة أَو فِي معنى مَخْصُوص كالغزالة للشمس فِي أول النَّهَار فَهَل مخالفتهم فِي ذَلِك جَائِزَة أم لَا وعَلى تَقْدِير الْجَوَاز هَل يكون حَقِيقَة أَو مجَازًا وعَلى الثَّانِي أُجِيب بِأَن الَّذِي يظْهر من كَلَامهم وتخطئة من خالفهم أَنه غير جَائِز. فَإِن قيل بِجَوَازِهِ فَالظَّاهِر أَنه مجَاز مُرْسل من اسْتِعْمَال الْمُقَيد فِي الْمُطلق إِلَّا أَنه لَا يظْهر فِي كَافَّة وَنَحْوهَا كالظروف الَّتِي لَا تتصرف فَإِن مَعْنَاهَا لم يتَغَيَّر وَإِنَّمَا يتَغَيَّر إعرابها وَإِن وَقع مثله فِي مَكَان التَّقْصِير. كَذَا فِي شرح الدرة لشَيْخِنَا الخفاجي.

وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وقط لَا يسْتَعْمل إِلَّا بِمَعْنى أبدا ظَاهره أَن أبدا ظرف للماضي وَلم أره بِهَذَا الْمَعْنى. الْمَوْجُود فِي الصِّحَاح والعباب والقاموس: الْأَبَد: الدَّهْر والأبد: الدَّائِم. بل قَالَ الرماني كَمَا فِي الْمِصْبَاح: الْأَبَد: الدَّهْر الطَّوِيل الَّذِي لَيْسَ بمحدود. فَإِذا قلت: لَا ُأكَلِّمهُ أبدا فالأبد من لدن تَكَلَّمت إِلَى آخر عمرك.

وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَمِمَّا يسْتَعْمل ظرفا فِي الْمُسْتَقْبل أبدا. تَقول: مَا أصحبك أبدا وَلَا تَقول مَا صحبتك أبدا.

وَجعله السمين ظرفا مُطلقًا قَالَ: أبدا ظرف زمَان يَقع للقليل وَالْكثير مَاضِيا كَانَ أَو مُسْتَقْبلا.

تَقول: مَا فعلته أبدا.

وَقَالَ الرَّاغِب: هُوَ عبارةٌ عَن مُدَّة الزَّمَان الممتد الَّذِي لَا يتَجَزَّأ كَمَا يتَجَزَّأ الزَّمَان. وَذَلِكَ أَنه يُقَال زمَان كَذَا وَلَا يُقَال أَبَد كَذَا. انْتهى.

ص: 128

وَأنْشد بعده الطَّوِيل

(وَلَوْلَا دفاعي عَن عفاقٍ ومشهدي

هوت بعفاق عوض عنقاء مغرب)

على أَن عوضا الْمَبْنِيّ قد يسْتَعْمل للمضي وَمَعَ الْإِثْبَات لفظا. فَإِن هوت مَاض مُثبت وَهُوَ)

عَامل فِي عوض لكنه منفي معنى لكَونه جَوَاب لَوْلَا. وَمن الْمَعْلُوم أَن جوابها يَنْتَفِي لثُبُوت شَرطهَا نَحْو: لَوْلَا زيد لأكرمتك فالإكرام منتفٍ لوُجُود زيد.

وَأما عوض فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم فِي قَوْله: وَلَوْلَا نبل عوضٍ فقد اسْتعْملت فِي الْإِثْبَات لخروجها عَن الظَّرْفِيَّة. وَلِهَذَا جرت وَكَانَ عاملها اسْما.

وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف: وَرُبمَا جَاءَت عوض للمضي بِمَعْنى قطّ قَالَ: الطَّوِيل فَلم أر عَاما عوض أَكثر هَالكا وَقَالَ أَبُو زيد أَيْضا فِي نوادره: تَقول: مَا رَأَيْت مثله عوض.

ص: 129

وَمِنْه تعلم سُقُوط قَول الْجَوْهَرِي فِي الصِّحَاح: لَا يجوز أَن تَقول عوض مَا فارقتك.

وَقد تبع صَاحب الصِّحَاح جماعةٌ مِنْهُم الزَّمَخْشَرِيّ قَالَ فِي الْمفصل: وقط وَعوض وهما لزماني الْمُضِيّ والاستقبال على سَبِيل الِاسْتِغْرَاق وَلَا يستعملان إِلَّا فِي مَوضِع النَّفْي.

وَمِنْهُم صَاحب اللّبَاب وَعبارَته عبارَة الْمفصل بِعَينهَا.

وعفاق بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة بعْدهَا فَاء: اسْم جماعةٍ مِنْهُم عفاق بن الْمَسِيح بِضَم الْمِيم وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة ابْن بشر بن أَسمَاء بن عَوْف بن ريَاح بن ربيعَة بن غوث بن شمخ بن فَزَارَة الْفَزارِيّ. وَكَانَ عفاق على شرطة الْخَمِيس مَعَ عَليّ بن أبي طَالب. وَكَانُوا يعرضون يَوْم الْخَمِيس أَو يجمعُونَ يَوْم الْخَمِيس.

وَالْمَشْهُور مِمَّن اسْمه عفاق هُوَ عفاق بن مري بِضَم الْمِيم وَفتح الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء ابْن سَلمَة بن قُشَيْر الْقشيرِي. كَانَ جاور باهلة فِي سنة قحط فَأَخذه الأحدب بن عَمْرو بن جَابر بن عمار بن عبد الْعُزَّى الْبَاهِلِيّ فشواه وَأكله.

وَله يَقُول الشَّاعِر: الرجز

(إِن عفاقاً أَكلته باهله

تمششوا عِظَامه وكاهله)

وَتركُوا أم عفاق ثاكله

ص: 130

وعير الفرزدق كفهم عَن باهلة حِين لم يثأروا بِهِ فَقَالَ: الطَّوِيل

(إِذا عامرٌ خصيي عفاقٍ تقلدت

بأعناقها واللؤم تَحت العمائم)

وَقَالَ غَيره: الوافر

(فَلَو كَانَ الْبكاء يرد شَيْئا

بَكَيْت على بجيرٍ أَو عفاق))

وَهَذَا من شَوَاهِد النَّحْوِيين أوردهُ أَبُو عَليّ فِي الْمسَائِل المنثورة وَقَالَ: على المرأين بدل من قَوْله: على بجير.

أوردهُ صَاحب اللّبَاب على أَن أَو بِمَعْنى الْوَاو فِي قَوْله: أَو عفاق وَلَوْلَا أَنَّهَا بِمَعْنى الْوَاو لقيل على الْمَرْء. والمشهد: مصدر شهِدت الْمجْلس أَي: حَضرته. وهوت قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: هوى يهوي من بَاب ضرب أَيْضا هوياً بِضَم الْهَاء لَا غير إِذا ارْتَفع.

قَالَ الشَّاعِر: الْكَامِل يهوي مخارمها هوي الأجدل وهوت الْعقَاب تهوي هوياً بِفَتْح الْهَاء وَضمّهَا: انْقَضتْ على صيد أَو غَيره مَا لم ترغه فَإِذا أراغته قيل: أهوت لَهُ بِالْألف. والإراغة: ذهَاب الصَّيْد هَكَذَا وَهَكَذَا وَهِي تتبعه. وَهوى يهوي من بَاب ضرب أَيْضا هوياً بِضَم

ص: 131

الْهَاء وَفتحهَا وَزَاد ابْن الْقُوطِيَّة هَوَاء بِالْمدِّ: سقط من أَعلَى إِلَى أَسْفَل. قَالَه أَبُو زيد وَغَيره.

قَالَ الشَّاعِر: الوافر هوي الدَّلْو أسلمها الرشاء وَهوى يهوي: مَاتَ أَو سقط فِي مهواةٍ من شرف هوياً وهوياً وهواءً بِالْمدِّ. والمهواة بِالْفَتْح: مَا وعنقاء: مؤنث أعنق وَهُوَ الطَّوِيلَة الْعُنُق.

قَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب: العنقاء: الداهية يُقَال: حلقت بِهِ عنقاء مغرب وطارت بِهِ العنقاء.

وأصل العنقاء طائرٌ عَظِيم مَعْرُوف الِاسْم مَجْهُول الْجِسْم.

وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي كتاب الطير: وَأما العنقاء المغربة فالداهية وَلَيْسَت من الطير الَّتِي علمناها.

يُقَال: ضربت عَلَيْهِ العنقاء المغربة إِذا أَصَابَهُ بلَاء.

وَقَالَ ابْن دُرَيْد: عنقاء مغربٌ كلمةٌ لَا أصل لَهَا يُقَال: إِنَّهَا طَائِر عَظِيم لَا يرى إِلَّا فِي الدهور ثمَّ كثر حَتَّى سموا الداهية عنقاء مغرب. قَالَ: الطَّوِيل

(وَلَوْلَا سُلَيْمَان الْخَلِيفَة حلقت

بِهِ من يَد الْحجَّاج عنقاء مغرب)

اه. ومغرب: اسْم فَاعل من أغرب الرجل فِي الْبِلَاد إِذا بعد فِيهَا بإمعان وَهُوَ وصف عنقاء.

وَإِنَّمَا جَازَ لِأَنَّهُ على النِّسْبَة أَي: ذَات إغراب.)

وَقَالَ الصَّاغَانِي فِي هَذِه الْمَادَّة: وعنقاء مغرب بِلَا هَاء. والعنقاء الْمغرب: الداهية وَأَصلهَا طَائِر مَعْرُوف الِاسْم مَجْهُول الْجِسْم وَيُقَال لهَذَا الطَّائِر

ص: 132

بِالْفَارِسِيَّةِ سيمرغ هَكَذَا يكتبونه مَوْصُولا وَالْأَصْل أَن يكْتب: سي مرغ مَفْصُولًا وَمَعْنَاهُ ثَلَاثُونَ طائراً. يُقَال: حلقت بِهِ عنقاء مغرب أنْشد أَبُو مَالك: الطَّوِيل

(وَقَالُوا: الْفَتى ابْن الأشعرية حلقت

بِهِ الْمغرب العنقاء إِن لم يسدد)

وَقَالَ: العنقاء الْمغرب فِي هَذَا الْبَيْت هِيَ رَأس الأكمة. وَأنكر أَن يكون طائراً. وَالَّذِي قَالَ العنقاء الْمغرب طَائِر قَالَ: هِيَ الَّتِي أغربت فِي الْبِلَاد فنأت وَلم تحس وَلم تَرَ. وحذفت هَاء التَّأْنِيث كَمَا قَالُوا: لحيةٌ ناصل وناقة ضامر وَامْرَأَة عاشق ذَهَبُوا بهَا إِلَى النّسَب أَي: ذَات نصول وَذَات ضمر وَذَات عشق. وَأغْرب فِي الْبِلَاد: أمعن فِيهَا. وَأغْرب الرجل فِي مَنْطِقه إِذا لم يبْق شَيْئا إِلَّا تكلم بِهِ.

وَأغْرب الْفرس فِي جريه وَهُوَ غَايَة الْإِكْثَار مِنْهُ. وَأغْرب الرجل إِذا بَالغ فِي الضحك حَتَّى تبدو غرُوب أَسْنَانه. انْتهى.

وَكَذَلِكَ أجَاب الزَّمَخْشَرِيّ فِي أَمْثَاله عَن تذكير الْوَصْف قَالَ: ومغرب كَقَوْلِهِم: لحية ناصل وناقة ضامر على مذهبي الْخَلِيل وسيبويه.

وَبِهَذَا يُجَاب ابْن هِشَام فِي سُؤَاله عَن صِحَة الْوَصْف بمغرب فَإِنَّهُ قَالَ فِي بعض تعليقاته: لينْظر فِي عنقاء مغرب لم ذكر الْوَصْف وعنقاء فعلاء وفعلاء مؤنث دَائِما.

وَيسْقط جَوَاب عبد الله الدنوشري بِأَنَّهُ إِنَّمَا لم تطابق الصّفة الْمَوْصُوف فِي التَّأْنِيث اعْتِبَارا بِالْمَعْنَى إِذْ هِيَ بِمَعْنى الطَّائِر. وَوجه السُّقُوط أَن العنقاء أَكثر اسْتِعْمَالهَا بِمَعْنى الداهية وَهِي

ص: 133

وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِيمَا كتبه على كَامِل الْمبرد: ذكر الْفَارِسِي أَنه يُقَال عنقاء مغرب على الصّفة وعَلى الْإِضَافَة حَكَاهُ فِي التَّذْكِرَة.

وَقَالَ غَيره: من جعل مغرباً صفة لعنقاء فَهِيَ الَّتِي لَهَا إغرابٌ فِي الطيران. وَيُقَال: مغربة ذكره أَبُو حَاتِم وَصَاحب الْعين. وَمن أضَاف العنقاء إِلَى الْمغرب فالمغرب الرجل الَّذِي يَأْتِي بالغرائب يُقَال: أغرب الرجل إِذْ أَتَى بالغرائب. انْتهى.

فَتَأمل معنى الْإِضَافَة.

وَفِي الْقَامُوس: والعنقاء الْمغرب بِالضَّمِّ وعنقاء مغربٌ ومغربةٌ ومغربٍ مُضَافَة طَائِر مَعْرُوف الِاسْم لَا الْجِسْم أَو طَائِر عَظِيم يبعد فِي طيرانه أَو من الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على غير معنى والداهية)

وَرَأس الأكمة. انْتهى.

فالمغرب ومغرب وصفٌ للعنقاء وعنقاء تعريفاً وتنكيراً بالتأويل الْمَذْكُور. ومغربة وصف لعنقاء مُنْكرا وَالْوَصْف مُطَابق. وَأما عنقاء مغرب بِإِضَافَة عنقاء إِلَى مغرب فَالظَّاهِر أَنه من إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة. وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا بِفَتْح الْمِيم فَإِنَّهُ نقل صَاحب حَيَاة الْحَيَوَان عَن بَعضهم أَن العنقاء طَائِر عِنْد مغرب

الشَّمْس أَبيض لَهُ بيضٌ كالجبال. وعَلى هَذَا لَا إِشْكَال وَتَكون الْإِضَافَة من قبيل شَهِيد كربلاء.

وَأما قَوْله: من الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على غير معنى وَهِي عبارَة الدَّمِيرِيّ أَيْضا فقد عسر فهمه على بعض الْفُضَلَاء لِأَن الْجمع بَين قَوْله الدَّالَّة وَقَوله على غير معنى

ص: 134

كالجمع بَين الضَّب وَالنُّون.

فَلَو قَالَ من الْأَلْفَاظ الَّتِي لَا معنى لَهَا كَانَ وَاضحا.

وَأجِيب بِأَن فِي عِبَارَته صفة محذوفة أَي: على غير معنى خارجي. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أَمْثَاله عِنْد قَوْلهم: طارت بِهِ عنقاء مغرب: زَعَمُوا أَنَّهَا طَائِر كَانَ على عهد حَنْظَلَة بن صَفْوَان الجميري نَبِي أهل الرس عَظِيم الْعُنُق.

وَقيل: كَانَ فِي عُنُقه بَيَاض وَلذَلِك سمي عنقاء. وَكَانَ أحسن طَائِر خلقه الله فاختطف غُلَاما فأغرب بِهِ وَلذَلِك سمي الْمغرب فَدَعَا عَلَيْهِ حَنْظَلَة فَرمي بصاعقة. انْتهى.

وَقَالَ الدَّمِيرِيّ فِي حَيَاة الْحَيَوَان: هُوَ طَائِر غريبٌ تبيض بيضًا كالجبال وتبعد فِي طيرانها سميت بذلك لِأَنَّهُ كَانَ فِي عُنُقهَا بَيَاض كالطوق.

وَقَالَ الْقزْوِينِي: إِنَّه أعظم الطير جثة وأكبرها خلقَة تخطف الْفِيل كَمَا تخطف الحدأة الفأر وَكَانَت قَدِيما بَين النَّاس فتأذوا مِنْهَا إِلَى أَن سلبت يَوْمًا عروساً بحليها فَدَعَا عَلَيْهَا حَنْظَلَة النَّبِي فَذهب الله بهَا إِلَى بعض جزائر الْبَحْر الْمُحِيط وَرَاء خطّ الاسْتوَاء وَهِي جزيرةٌ لَا يصل إِلَيْهَا النَّاس وفيهَا حَيَوَان كثير كالفيل والكركند والجاموس والببر وَالسِّبَاع وجوارح الطير.

وَعند طيرانها يسمع أَجْنِحَتهَا دوِي كَدَوِيِّ الرَّعْد القاصف والسيل وتعيش ألفي سنة وتزاوج إِذا مضى لَهَا خَمْسمِائَة عَام.

وَقَالَ العكبري فِي شرح المقامات: كَانَ لأهل الرس جبلٌ

ص: 135

شامخ فِيهِ طيور

شَتَّى مِنْهَا العنقاء وَهِي طَائِر عَظِيم الْخلق طَوِيل الْعُنُق وَوَجهه وَجه إِنْسَان من أحسن الطير شكلاً. وَكَانَت تَأْكُل الطير فَجَاءَت مرّة فَأخذت صَبيا ثمَّ جَارِيَة فاشتكوها لنبيهم حَنْظَلَة بن صَفْوَان فَدَعَا)

عَلَيْهَا حَنْظَلَة فَذَهَبت وَانْقطع نسلها. وَقيل أصابتها صَاعِقَة فاحترقت.

وَكَانَ حَنْظَلَة فِي زمن الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد صلى الله عليه وسلم َ وَسميت العنقاء لطول عُنُقهَا.

وَقيل: إِنَّهَا كَانَت فِي زمن مُوسَى. وَقيل: إِن النَّبِي الَّذِي دَعَا عَلَيْهَا خَالِد بن سِنَان. وَفِي الْمثل: كالعنقاء تسمع بهَا وَلَا ترى كالغول. وَالْمرَاد عدم رؤيتها بعد الانقراض الْمَذْكُور.

وَسميت مغرباً بزنة اسْم الْفَاعِل من أغرب لِأَنَّهَا كَانَت تَجِيء بالغرائب. وَقد وَقع اسْتِعْمَالهَا فِي هَذَا الْمثل بِدُونِ الْوَصْف وَمِنْه يعلم جَوَاز اسْتِعْمَالهَا بِدُونِ الْوَصْف. كَقَوْل الشَّاعِر: الْكَامِل

(لما رَأَيْت بني الزَّمَان وَمَا بهم

خل وَفِي للشدائد أصطفي)

(فَعلمت أَن المستحيل ثلاثةٌ:

الغول والعنقاء والخل الوفي)

ص: 136

(وَإِذا السَّعَادَة أحرستك عيونها

نم فالمخاوف كُلهنَّ أَمَان)

(واصطد بهَا العنقاء فَهِيَ حبالةٌ

واقتد بهَا الجوزاء فَهِيَ عنان)

وَقَالَ غَيره: الْبَسِيط

(الْخلّ والغول والعنقاء ثالثةٌ

أَسمَاء أَشْيَاء لم تُوجد وَلم تكن)

وَبِه يضمحل قَول بَعضهم: إِن هَذَا الشّعْر لَيْسَ بتركيب صَحِيح لعدم وصف العنقاء.

وَقَالَ: ظَاهر كَلَامهم انحصار الِاسْتِعْمَال فِيمَا ذكر فَلَا يُقَال العنقاء بِلَا وصف وَلَا يُوصف بِغَيْر مَا ذكر وَلَا يُقَال أَيْضا عنقاء مُنْكرا بِلَا وصف. هَذَا كَلَامه.

وَلَا يخفى أَن الْوَصْف لَيْسَ بلازمٍ عرفت أَو نكرت. وَأما عدم الْوَصْف بِغَيْر الإغراب فَلِأَنَّهَا لَا يعلم من حَالهَا غير هَذَا لكَونهَا مَجْهُولَة عِنْد النَّاس. وَلَو عرف شيءٌ من أحوالها غير الإغراب لوصفت بِهِ. وَالله أعلم.

وَذكر الدَّمِيرِيّ أَن الْعقَاب تسمى عنقاء مغرب لِأَنَّهَا تَأتي من مكانٍ بعيد. وَبِهَذَا فسر قَول أبي الْعَلَاء المعري: الوافر

(أرى العنقاء تكبر أَن تصادا

فعاند من تطِيق لَهُ عنادا)

ص: 137

وَأنْشد بعده الطَّوِيل

(رضيعي لبانٍ ثدي أم تقاسما

بأسحم داجٍ عوض لَا نتفرق))

على أَن أَكثر مَا تسْتَعْمل عوض مَعَ الْقسم أَي: تكون من متعلقات

جَوَاب الْقسم فعوض مُتَعَلق بنتفرق أَي: لَا نتفرق أبدا.

فَإِن قلت: لَا النافية مَعَ جَوَاب الْقسم لَهَا الصَّدْر تمنع من عمل مَا بعْدهَا فِيمَا قبلهَا فَكيف تعلق عوض بِمَا بعد لَا الْوَاقِع جَوَابا لتقاسما قلت: أجَازه ابْن هِشَام فِي آخر النَّوْع الثَّانِي عشر من الْجِهَة السَّادِسَة من الْبَاب الْخَامِس من الْمُغنِي: قَالَ: وَأما قَوْله تَعَالَى: وَيَقُول الْإِنْسَان أئذا مَا مت لسوف أخرج حَيا فَإِن إِذا ظرف لأخرج وَإِنَّمَا جَازَ تَقْدِيم الظّرْف على لَام الْقسم لتوسعهم فِي الظروف.

وَمِنْه قَوْله: عوض لَا نتفرق أَي: لَا نتفرق أبدا. وَلَا النافية لَهَا الصَّدْر فِي جَوَاب الْقسم.

انْتهى.

وَظَاهر كَلَام الشَّارِح هُنَا جَوَازه لكنه شَرط عِنْد الْكَلَام على حُرُوف الْقسم من حُرُوف الْجَرّ لجَوَاز تقدمه أَن تكون الْجُمْلَة القسمية

ص: 138

وَلأَجل إِفَادَة عوضٍ فَائِدَة الْقسم قد يقدم على عَامله قَائِما مقَام الْجُمْلَة القسمية وَإِن كَانَ عَامله مقترناً بِحرف يمْنَع عمله فِيمَا تقدمه كنون التوكيد وَاعْترض الدماميني كَلَام ابْن هِشَام بِأَنَّهُ نَص فِي فصل إِذا على أَن التَّوَسُّع فِي الظّرْف بالتقديم فِي مثل قَوْله: الرجز وَنحن عَن فضلك مَا استغنينا

خَاص بالشعر فَكيف سَاغَ لَهُ تَخْرِيج الْآيَة على ذَلِك وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْكَلَام على عوض: قيل إِنَّهَا ظرف لنتفرق. وَاسْتَشْكَلَهُ الدماميني هُنَاكَ بِأَن لَا مانعةٌ من الْعَمَل. ثمَّ نقل كَلَام الشَّارِح الْمُحَقق فِي حُرُوف الْقسم وَقَالَ: فَيمكن أَن يكون لَا نتفرق جَوَاب قسم مَحْذُوف وعوض سد مسده. لكنه خلاف الظَّاهِر لِأَن جملَة الْقسم مَذْكُورَة. وَأَجَازَ التَّعْلِيق ابْن يعِيش فِي شرح الْمفصل من غير شَرط قَالَ: أَكثر اسْتِعْمَال عوض فِي الْقسم تَقول: عوض لَا أُفَارِقك أَي: لَا أُفَارِقك أبدا وَقَوله: عوض لَا نتفرق أبدا. انْتهى.

وَكَذَلِكَ أجَازه ابْن جني وشارح اللّبَاب وَغَيره. وَهُوَ الصَّحِيح

ص: 139

وَيُؤَيِّدهُ قَول الْكرْمَانِي فِي شرح أَبْيَات الموشح: اعْلَم أَنه إِذا كَانَ مَعْمُول جَوَاب الْقسم ظرفا أَو جاراً ومجروراً جَازَ تَقْدِيمه عَلَيْهِ كَقَوْلِه: عوض لَا نتفرق. وَإِلَّا فَلَا يجوز فِي: وَالله لَأَضرِبَن زيدا أَن يُقَال: وَالله زيدا لَأَضرِبَن.)

وَجعل الشَّارِح الْمُحَقق عوض ظرفا فِي نَحْو: الْبَيْت هُوَ الصَّحِيح. وَزعم بَعضهم أَن عوض فِيهِ قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَاخْتلف فِي قَول الْأَعْشَى: رضيعي لبانٍ ثدي أم

...

... . . الْبَيْت فَقيل ظرف لنتفرق. وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: قسم وَهُوَ اسْم صنم كَانَ لبكر بن وَائِل بِدَلِيل قَوْله: الوافر

(حَلَفت بمائراتٍ حول عوضٍ

وأنصابٍ تركن لَدَى السعير)

والسعير: اسْم صنمٍ كَانَ لعنزة. انْتهى.

وَلَو كَانَ كَمَا زعم لم يتَّجه بِنَاؤُه فِي الْبَيْت. انْتهى كَلَام ابْن هِشَام.

وَوَجهه أَن الشَّاعِر حلف بالدماء المائرات أَي: الْجَارِيَات على وَجه الأَرْض حول

عوض. وَمن عَادَة الْمُشْركين كَانُوا يذبحون ذَبَائِح لأصنامهم فلولا أَن عوضا صنمٌ لما ذبح لَهُ شيءٌ وَلما حلف بالدماء الَّتِي حوله تَعْظِيمًا لَهُ. وَيدل أَيْضا على كَونه صنماً ذكره مَعَ السعير وَهُوَ بِالتَّصْغِيرِ كَمَا فِي الْقَامُوس

ص: 140

وَغَيره خلافًا لما يُوهِمهُ كَلَام الصِّحَاح.

وَالْبَيْت قَالَه رشيد بن رميض بِالتَّصْغِيرِ فيهمَا الْعَنزي. كَذَا فِي الْعباب للصاغاني. وَزَاد بعده:

(أجوب الأَرْض دهراً إِثْر عمرٍ و

وَلَا يلقى بساحته بَعِيري)

وَمَا نَقله ابْن هِشَام عَن ابْن الْكَلْبِيّ مسطورٌ كَذَلِك فِي الصِّحَاح فِي عوض. وَقد راجعت كتاب الْأَصْنَام لِابْنِ الْكَلْبِيّ وَهُوَ أَبُو الْمُنْذر هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ فَلم أر فِيهِ ذكر عوض وَلَا ذكر صنماً لبكر بن وَائِل مَعَ أَنه ذكر أصنام الْقَبَائِل وَسبب عبادتها وَكَيف أزالها النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ وَهُوَ كتاب جيد فِي بَابه جمع فِيهِ فأوعى.

وَكَذَا لم أر لَهُ ذكرا فِي كتاب أَيْمَان الْعَرَب تأليف أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الله النجيرمي جمع فِيهِ أَلْفَاظ أَيْمَانهم بأصنامهم وَغَيرهَا. وَهُوَ أَيْضا كتابٌ لعباداتهم جيد فِي بَابه.

وَالْمَذْكُور فِي كتاب الْأَصْنَام إِنَّمَا هُوَ السعير وَحده لَا مَعَ عوض قَالَ وَكَانَ لعنزة صنم يُقَال لَهُ: سعير فَخرج ابْن أبي حلاسٍ الْكَلْبِيّ على

ص: 141

نَاقَته فمرت بِهِ

وَقد عترت عِنْده عنزة فنفرت نَاقَته مِنْهُ فَأَنْشد يَقُول: الْكَامِل

(نفرت قلوصي من عتائر صرعت

حول السعير تزوره ابْنا يقدم))

(وجموع يذكر مهطعين جنابه

مَا إِن يحير إِلَيْهِم بتكلم)

قَالَ أَبُو الْمُنْذر: يقدم وَيذكر ابْنا عنزة. فَرَأى بني هَؤُلَاءِ يطوفون حول السعير. انْتهى.

وَذكر ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب وَفِي أَبْيَات الْجمل وَتَبعهُ اللَّخْمِيّ وَغَيره كالصاغاني أَن عوضا كَانَ صنماً لبكر بن وَائِل. وَلم يسْندهُ إِلَى أحد وَقَالَ: أَصله أَن يكون وَقَالَ الصَّاغَانِي: قَالَ اللَّيْث: عوض كلمة تجْرِي مجْرى الْقسم وَبَعض النَّاس يَقُول: هُوَ الدَّهْر وَالزَّمَان.

يَقُول الرجل لصَاحبه: عوض لَا يكون ذَاك أبدا. فَلَو كَانَ عوض اسْما للزمان لجرى بِالتَّنْوِينِ وَلكنه حرف يُرَاد بِهِ الْقسم كَمَا أَن أجل وَنعم وَنَحْوهمَا مِمَّا لم يتَمَكَّن فِي التصريف حمل على غير الْإِعْرَاب. انْتهى.

وَالْقَوْل بِأَنَّهُ حرفٌ لَا اسمٌ واهٍ جدا. وَقَول ابْن هِشَام لم يتَّجه بِنَاؤُه فِي الْبَيْت يُرِيد أَنه فِيهِ مَبْنِيّ على الضَّم بِنَاء الظروف المقطوعة عَن الْإِضَافَة. وَلَو كَانَ اسْما للصنم كَمَا زعم لأعرب كَمَا أعرب فِي قَوْله:

ص: 142

حَلَفت بمائراتٍ حول عوضٍ وَكَانَ الْوَاجِب حِينَئِذٍ إِمَّا جَرّه بواو الْقسم أَو نَصبه بحذفها بِالتَّنْوِينِ فيهمَا لِأَنَّهُ عِنْد هَذَا الْقَائِل مقسم بِهِ. وَجُمْلَة: لَا نتفرق جَوَابه وَالْإِعْرَاب

منتفٍ فَيَنْتَفِي كَونه اسْما وَيثبت ظرفيته للجواب وَالْجَوَاب إِنَّمَا هُوَ لتقاسما.

قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: رُوِيَ قَول الْأَعْشَى عوض لَا نتفرق بِالْفَتْح وَالضَّم أَي: لَا نتفرق أبدا. وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن عوض هَا هُنَا قسم وَأَن لَا نتفرق إِنَّمَا هُوَ جَوَابه. وَلَيْسَ الْأَمر عندنَا كَذَلِك وَإِنَّمَا قَوْله لَا نتفرق جَوَاب تقاسما كَقَوْل تَعَالَى: تقاسموا بِاللَّه لنبيتنه. أَي: تحَالفا على ذَلِك. انْتهى.

وَكَذَلِكَ قَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف: إِنَّه ظرف قَالَ قَرَأت على أبي بكر بن دُرَيْد: الطَّوِيل

(فَلم أر عَاما عوض أَكثر هَالكا

وَوجه غلامٍ يسترى وَغُلَامه)

عوض: اسْم معرفَة وَهُوَ اسمٌ للدهر يضم وَيفتح. والبصريون يَقُولُونَهُ بِالضَّمِّ. وَمثله قَول الْأَعْشَى: عوض لَا نتفرق

الْبَيْت أَي: لَا نتفرق الدَّهْر.)

وَبِمَا ذكرنَا من وجوب إعرابه يعرف ضعف الْوُجُوه الثَّلَاثَة الَّتِي قَالَهَا ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب وأبيات الْجمل. وَتَبعهُ اللَّخْمِيّ

ص: 143

قَالَ: من جعل عوض اسْم صنم جَازَ فِي إعرابه ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر كَأَنَّهُ قَالَ: عوض قسمنا الَّذِي نقسم بِهِ.

وَجَاز أَن يكون فِي مَوضِع نصب على أَن تقدر فِيهِ حرف الْجَرّ وتحذفه كَقَوْلِك: يَمِين الله لَأَفْعَلَنَّ.

وَيجوز أَن يكون فِي مَوضِع خفضٍ على إِضْمَار حرف الْقسم. وَهُوَ أَضْعَف الْوُجُوه.

وَمن وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة للأعشى مَيْمُون تقدم أبياتٌ من أَولهَا فِي الشَّاهِد الرَّابِع بعد الْمِائَتَيْنِ من بَاب الْحَال وَتقدم أَيْضا بغضها من أَولهَا فِي الشَّاهِد السَّابِع والثمانين بعد الثلثمائة من بَاب الضَّمِير.

وَهَذِه أبياتٌ مِمَّا يَليهَا وَهُوَ أول المديح:

(لعمري لقد لاحت عيونٌ كثيرةٌ

إِلَى ضوء نارٍ فِي يفاعٍ تحرق)

(تشب لمقرورين يصطليانها

وَبَات على النَّار الندى والمحلق)

(رضيعي لبانٍ ثدي أم تقاسما

بأسحم داجٍ عوض لَا نتفرق)

(ترى الْجُود يجْرِي ظَاهرا فَوق وَجهه

كَمَا زَان متن الهندواني رونق)

(يَدَاهُ يدا صدقٍ فَكف مبيدةٌ

وكف إِذا مَا ضن بِالْمَالِ تنْفق)

ص: 144

(وَأما إِذا مَا الْمحل سرح مَالهم

ولاح لَهُم وَجه العشيات سملق)

(نفى الذَّم عَن آل المحلق جفنةٌ

كجابية الشَّيْخ الْعِرَاقِيّ تفهق)

(ترى الْقَوْم فِيهَا شارعين ودونهم

من الْقَوْم ولدانٌ من النَّسْل دردق)

(يروح فَتى صدقٍ وَيَغْدُو عَلَيْهِم

بملء جفانٍ من سديفٍ تدفق)

وَبَقِي بعد هَذَا أَكثر من ثَلَاثِينَ بَيْتا.

روى شَارِح ديوانه مُحَمَّد بن حبيب وَصَاحب الأغاني والرياشي وَغَيرهم: أَن الْأَعْشَى كَانَ يوافي سوق عكاظ فِي كل سنة وَكَانَ المحلق الممدوح واسْمه عبد الْعُزَّى بن حنتم بن شَدَّاد من بني عَامر بن صعصعة مئناثاً مملقاً فَقَالَت لَهُ امْرَأَته: يَا أَبَا كلابٍ مَا يمنعك من التَّعَرُّض لهَذَا الشَّاعِر فَمَا رَأَيْت أحدا مدحه إِلَّا رَفعه وَلَا هجا أحدا إِلَّا وَضعه وَهُوَ رجل مفوه مجدود)

الشّعْر وَأَنت رجلٌ كَمَا علمت خامل الذّكر ذُو بَنَات فَإِن سبقت النَّاس إِلَيْهِ فدعوته إِلَى الضِّيَافَة رَجَوْت لَك حسن الْعَاقِبَة.

قَالَ: وَيحك مَا عندنَا إِلَّا ناقةٌ نَعِيش بهَا. قَالَت: إِن الله يخلفها عَلَيْك. قَالَ: لَا بُد لَهُ من شراب. قَالَت: إِن عِنْدِي ذخيرةً لي ولعلي أجمعها فتلقه قبل أَن تسبق إِلَيْهِ.

فَفعل وَخرج إِلَى الْأَعْشَى. فَوجدَ ابْنه يَقُود

ص: 145

نَاقَته فَأخذ زمامها مِنْهُ فَقَالَ الْأَعْشَى: من هَذَا الَّذِي غلبنا على خطام ناقتنا قيل: المحلق. قَالَ: شريفٌ كريم.

وَقَالَ لِابْنِهِ: خله يقتادها. فاقتادها إِلَى منزله فَنحر لَهُ نَاقَته وكشف لَهُ عَن سنامها وكبدها وَوجد امْرَأَته قد خبزت خبْزًا وأخرجت نحي سمن وَجَاءَت بوطب لبن فَلَمَّا أكل الْأَعْشَى وَأَصْحَابه وَكَانَ فِي عصابةٍ قيسية قدم إِلَيْهِ الشَّرَاب واشتوى لَهُ من كبد النَّاقة وأطعمه من أطايبها فَلَمَّا أَخذه الشَّرَاب سَأَلَهُ عَن حَاله وَعِيَاله فَعرف الْبُؤْس فِي كَلَامه وأحاطت بِهِ بَنَاته

قَالَ: أما وَالله لَئِن بقيت لَهُنَّ لَا أدع شريدتهن قَليلَة. وَخرج وَلم يقل فِيهِ شَيْئا. ووافى المحلق عكاظ فَإِذا هُوَ بسرحةٍ قد اجْتمع النَّاس عَلَيْهَا وَإِذا الْأَعْشَى يَقُول: لعمري لقد لاحت عيونٌ كَثِيرَة إِلَى آخر القصيدة. فَسلم عَلَيْهِ المحلق فَقَالَ: مرْحَبًا بِسَيِّد قومه: ونادى: يَا معاشر الْعَرَب هَل فِيكُم مذكار يُزَوّج ابْنه ببنات هَذَا الشريف الْكَرِيم فَمَا قَامَ من مقعدة حَتَّى خطبت بَنَاته جَمِيعًا.

وَقَوله: لعمري لقد لاحت إِلَخ اللَّام لَام ابْتِدَاء تفِيد التَّأْكِيد وعمري: مُبْتَدأ وَحذف خَبره وجوبا أَي: عمري قسمي. وَمعنى لاحت:

ص: 146

نظرت وتشوفت إِلَى هَذِه النَّار.

حكى الْفراء لحت الشَّيْء إِذا أبصرته. وَأنْشد: المتقارب

(وأحمر من ضرب دَار الْمُلُوك

تلوح على وَجهه جَعْفَر)

كَذَا فِي شرح أَبْيَات الْجمل لِابْنِ السَّيِّد. واليفاع بِالْفَتْح: الْموضع العالي. وَجعل النَّار فِي يفاع لِأَنَّهُ أشهر لَهَا لِأَنَّهَا إِذا كَانَت فِي اليفاع أصابتها الرِّيَاح فاشتعلت. وَهَذِه النَّار نَار الضِّيَافَة كَانُوا يوقدونها على الْأَمَاكِن المرتفعة لتَكون أشهر وَرُبمَا يوقدونها بالمندلي الرطب وَهُوَ عطر ينْسب إِلَى منْدَل وَهُوَ بلد من بِلَاد الْهِنْد وَنَحْوه مِمَّا يتبخر بِهِ ليهتدي إِلَيْهَا العميان. وأشعارهم ونيران الْعَرَب على مَا فِي كتاب الْأَوَائِل لإسماعيل الْموصِلِي اثْنَتَا عشرَة نَارا:)

إِحْدَاهَا: هَذِه وَهِي نَار الْقرى وَهِي نَار توقد لاستدلال الأضياف بهَا على الْمنزل. وَأول من أوقد النَّار بِالْمُزْدَلِفَةِ حَتَّى يَرَاهَا من دفع من عَرَفَة قصي بن كلاب.

الثَّانِيَة: نَار الاستمطار كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة الأولى إِذا احْتبسَ عَنْهُم الْمَطَر يجمعُونَ الْبَقر ويعقدون فِي أذنابها وعراقيبها السّلع وَالْعشر ويصعدون بهَا فِي الْجَبَل الوعر ويشعلون فِيهَا النَّار.

ويزعمون أَن ذَلِك من أَسبَاب الْمَطَر.

الثَّالِثَة: نَار التَّحَالُف كَانُوا إِذا أَرَادوا الْحلف أوقدوا نَارا وعقدوا

ص: 147

حلفهم عِنْدهَا ودعوا بالحرمان وَالْمَنْع من خَيرهَا على من ينْقض الْعَهْد وَيحل العقد.

الرَّابِعَة: نَار الطَّرْد كَانُوا يوقدونها خلف من يمْضِي وَلَا يشتهون رُجُوعه.

الْخَامِسَة: نَار الأهبة للحرب كَانُوا إِذا أَرَادوا حَربًا وتوقعوا جَيْشًا أوقدوا نَارا على جبلهم ليبلغ الْخَبَر فيأتونهم.

السَّادِسَة: نَار الصَّيْد وَهِي نَار توقد للظباء لتعشى إِذا نظرت إِلَيْهَا. وَيطْلب بهَا أَيْضا بيض النعام.

السَّابِعَة: نَار الْأسد وَهِي نارٌ يوقدونها إِذا خافوه. وَهُوَ إِذا رأى النَّار استهالها فشغلته عَن السابلة. وَقَالَ بَعضهم: إِذا رأى الْأسد النَّار حدث لَهُ فكرٌ يصده عَن إِرَادَته. والضفدع إِذا رأى النَّار تحير وَترك النقيق.

الثَّامِنَة: نَار السَّلِيم توقد للملدوغ إِذا سهر وللمجروح إِذا نزف وللمضرب بالسياط وَلمن عضه الْكَلْب الْكَلْب لِئَلَّا يَنَامُوا فيشتد بهم الْأَمر وَيُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاك.

التَّاسِعَة: نَار الْفِدَاء وَذَلِكَ أَن الْمُلُوك إِذا سبوا الْقَبِيلَة خرجت إِلَيْهِم السَّادة للْفِدَاء. فكرهوا أَن يعرضُوا النِّسَاء نَهَارا فيفتضحن وَفِي الظلمَة يخفى قدر مَا يحبسون لأَنْفُسِهِمْ من الصفي فيوقدون النَّار ليعرضن.

ص: 148

الْعَاشِرَة: نَار الوسم. قرب بعض اللُّصُوص إبِلا للْبيع فَقيل لَهُ: مَا نارك وَكَانَ أغار عَلَيْهَا من كل وَجه. وَإِنَّمَا سُئِلَ عَن ذَلِك لأَنهم يعْرفُونَ ميسم كل قوم وكرم إبلهم من لؤمها.

فَقَالَ: الرجز

(تَسْأَلنِي الباعة أَيْن نارها

إِذا زعزعتها فَسمِعت أبصارها)

(كل نجار إبلٍ نجارها

وكل نَار الْعَالمين نارها))

الْحَادِيَة عشرَة: نَار الحرتين كَانَت فِي بِلَاد عبس. فَإِذا كَانَ اللَّيْل فَهِيَ نارٌ تسطع وَفِي النَّهَار دخانٌ يرْتَفع. وَرُبمَا ندر مِنْهَا عنق فَأحرق من مر بهَا. فحفر لَهَا خَالِد بن سِنَان فدفنها الثَّانِيَة عشرَة: نَار السعالي وَهُوَ شَيْء يَقع للمتغرب والمتقفر. قَالَ أَبُو المضراب عبيد بن أَيُّوب: الطَّوِيل

(وَللَّه در الغول أَي رفيقةٍ

لصَاحب دو خائفٍ متقفر)

(أرنت بلحنٍ بعد لحنٍ وَأوقدت

حوالي نيراناً تبوح وتزهر)

ص: 149

وَأما نَار الحباحب فَكل نارٍ لَا أصل لَهَا مثل مَا ينقدح من نعال الدَّوَابّ وَغَيرهَا.

وَأما نَار اليراعة فَهِيَ طائرٌ صَغِير إِذا طَار بِاللَّيْلِ حسبته شهاباً وضربٌ من الْفراش إِذا طَار بِاللَّيْلِ حسبته شراراً.

وَأول من أورى نارها: أَبُو حباحب بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عَمْرو بن الحاف بن قضاعة فَقَالُوا: نَار أبي حباحب.

وَمن حَدِيثه مَا ذكر عَن ابْن الْكَلْبِيّ قَالَ: كَانَ أَبُو حباحب رجلا من الْعَرَب فِي سالف الدَّهْر بَخِيلًا لَا توقد لَهُ نارٌ بليلٍ مَخَافَة أَن يقتبس مِنْهَا فَإِن أوقدها ثمَّ أبصرهَا مستضيءٌ أطفأها.

فَضربت الْعَرَب بِهِ الْمثل فِي الْبُخْل وَالْخلف فَقَالُوا: أخلف من نَار أبي حباحب.

وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: حباحب: رجل كَانَ لَا ينْتَفع بناره لبخله فنسب إِلَيْهِ كل نَار لَا ينْتَفع بهَا فَقيل لما تقدحه حوافر الْخَيل على الصَّفَا: نَار الحباحب.

ويوقدون بالصفاح نَار الحباحب وَجعل الْكُمَيْت اسْمه كنية للضَّرُورَة فِي قَوْله:

ص: 150

الوافر

(يرى الراؤون بالشفرات مِنْهَا

كنار أبي الحباحب والظبينا)

وَقَالَ الْقطَامِي:

(أَلا إِنَّمَا نيران قيسٍ إِذا اشتووا

لطارق ليلٍ مثل نَار الحباحب)

انْتهى.

وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيق لَا مَا ذكره الْموصِلِي تبعا للعسكري فِي أَوَائِله.

وَزَاد الصَّفَدِي فِي شرح لامية الْعَجم: نَار الْغدر قَالَ: كَانُوا إِذا غدر الرجل بجاره أوقدوا لَهُ نَارا بمنى أَيَّام الْحَج ثمَّ صاحوا: هَذِه غدرة فلَان)

وعد نَار الْمزْدَلِفَة الَّتِي أول من أوقدها قصي قسما مُسْتقِلّا. وَجعل عدَّة النيرَان أَربع عشرَة نَارا.

وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أَبْيَات الْمعَانِي فِي نَار التَّحَالُف: كَانُوا يحلفُونَ بالنَّار وَكَانَت لَهُم نارٌ يُقَال: إِنَّهَا كَانَت بأشراف الْيمن لَهَا سدنة فَإِذا تفاقم الْأَمر بَين الْقَوْم فَحلف بهَا انْقَطع بَينهم. وَكَانَ اسْمهَا: هولة والمهولة.

وَكَانَ سادنها إِذا أُتِي برجلٍ هيبه من الْحلف بهَا وَلها قيم يطْرَح فِيهَا الْملح

ص: 151

والكبريت فَإِذا وَقع فِيهَا استشاطت وتنقضت فَيَقُول: هَذِه النَّار قد تهددتك. فَإِن كَانَ مريباً نكل وَإِن كَانَ بَرِيئًا حلف.

قَالَ الْكُمَيْت: الطَّوِيل

(هم خوفونا بالعمى هوة الردى

كَمَا شب نَار الحالفين المهول)

وَقَالَ الْكُمَيْت وَذكر امْرَأَة: المتقارب

(فقد صرت عَمَّا لَهَا بِالْمَشْيِ

ب زولاً لَدَيْهَا هُوَ الأزول)

(كهولة مَا أوقد المحلفون

لَدَى الحالفين وَمَا زولوا)

وَقَالَ أَوْس: الطَّوِيل

(إِذا استقبلته الشَّمْس صد بِوَجْهِهِ

كَمَا صد عَن نَار المهول حَالف)

وَقَالَ أَيْضا فِي نَار الأهبة: كَانُوا إِذا أَرَادوا حَربًا أَو توقعوا جَيْشًا وَأَرَادُوا الِاجْتِمَاع أوقدوا لَيْلًا على جبل لتجتمع إِلَيْهِم عَشَائِرهمْ فَإِذا جدوا وأعجلوا أوقدوا نارين.

وَقَالَ الفرزدق: الْكَامِل

(ضربوا الصَّنَائِع والملوك وأوقدوا

نارين أشرفتا على النيرَان)

ص: 152

. وَقَوله: تحرق رُوِيَ بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَرُوِيَ بِالْبِنَاءِ للمعلوم وَالْمَفْعُول مَحْذُوف أَي: الْحَطب.

وَقَوله: تشب لمقرورين إِلَخ أَي: توقد. والمقرور: الَّذِي أَصَابَهُ القر وَهُوَ الْبرد. والاصطلاء: افتعال من صلي النَّار وَصلي بهَا من بَاب تَعب: إِذا وجد حرهَا. والصلاء ككتاب: حر النَّار.

وَقَوله: وَبَات على النَّار إِلَخ بَات: لَهُ مَعْنيانِ أشهرهما مَا قَالَه الْفراء: بَات الرجل: إِذا سهر اللَّيْل كُله فِي طَاعَة أَو مَعْصِيّة. وَهُوَ المُرَاد هُنَا.)

وَالثَّانِي بِمَعْنى صَار يُقَال: بَات بِموضع كَذَا أَي: صَار بِهِ سواءٌ كَانَ فِي ليل أَو نَهَار. والندى: الْجُود وَالْكَرم والمحلق: هُوَ الممدوح واسْمه عبد الْعُزَّى من بني عَامر بن صعصعة كَمَا تقدم.

وَهُوَ جاهلي. كَذَا فِي أَنْسَاب ياقوت وَغَيره.

وَقَالَ العسكري فِي التَّصْحِيف: المحلق الَّذِي مدحه الْأَعْشَى مَفْتُوح اللَّام هُوَ اسْمه وَهُوَ المحلق بن جُزْء من بني عَامر بن صعصعة. والمحلق الضَّبِّيّ ولاه الحكم بن أَيُّوب الثَّقَفِيّ سفوان بِفَتْح اللَّام أَيْضا قَالَ فِيهِ بعض الشُّعَرَاء: الطَّوِيل

(أَبَا يُوسُف لَو كنت تعلم طَاعَتي

ونصحي إِذا مَا بعتني بالمحلق)

وَذكر أَحْمد بن حباب الْحِمْيَرِي أَن فِي جعفي فِي مران مِنْهُم المخلق بخاء مُعْجمَة وَلَام وَقد خَالف الْجُمْهُور فِي قَوْله إِن المحلق اسْمه وَقَالُوا: أَن اسْمه

ص: 153

عبد الْعُزَّى بن حنتم بن شَدَّاد بن ربيعَة بن عبد الله بن عبيد وَهُوَ أَبُو بكر بن كلاب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة.

وَسمي محلقاً لِأَن فرسه عضه فَصَارَ مَوضِع عضه كالحلقة فَقيل لَهُ المحلق.

وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل: وَسمي المحلق لِأَن بَعِيرًا عضه فِي وَجهه فَصَارَ فِيهِ كالحلقة. وَقيل: بل كوى نَفسه بكيةٍ شبه الْحلقَة.

وَزَاد اللَّخْمِيّ: لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي مَوضِع الحلاق بمنى.

وَحكى الْموصِلِي أَنه أَصَابَهُ دَاء فاكتوى على حلقه فَسُمي المحلق.

وروى أَبُو عُبَيْدَة: المحلق بِكَسْر اللَّام. وروى الْأَصْبَهَانِيّ بِفَتْحِهَا.

وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح.

وَقَالَ الْجَوْهَرِي: المحلق بِكَسْر اللَّام: اسْم رجل من بني أبي بكر بن كلاب من بني عَامر. انْتهى.

وَكسر اللَّام خلاف الصَّحِيح. وَهَذَا قَول الْأَمِير ابْن مَاكُولَا نَقله عَن النسابة

حسن ابْن أخي اللَّبن. قَالَ الْأَمِير: وَحَنْتَم بحاء مُهْملَة مَفْتُوحَة بعْدهَا نون سَاكِنة ثمَّ مثناة فوقية. والمحلق كَانَ سيداً فِي الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ الَّذِي مدحه الْأَعْشَى.

وَقَالَ الْكَلْبِيّ فِي جمهرة الْأَنْسَاب: المحلق هُوَ عبد الْعُزَّى بن حنتم

ص: 154

بن شَدَّاد ابْن ربيعَة الْمَجْنُون بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة. كَانَ سيداً وَذَا بَأْس فِي الْجَاهِلِيَّة وَله يَقُول الْأَعْشَى: وَبَات على النَّار الندى والمحلق)

وَله حَدِيث. وَكَانَ الْأَعْشَى نزل بِهِ فَأَمَرته أمه فَنحر للأعشى نَاقَة وَلم يكن لَهُ غَيرهَا. انْتهى.

قَالَ ابْن السَّيِّد: لما كَانَ من شَأْن المتحالفين أَن يتحالفوا على النَّار جعل الندى والمحلق كمتحالفين اجْتمعَا على نَار. وَذكر المقرورين لِأَن المقرور يعظم النَّار ويشعلها لشدَّة حَاجته.

وَقد أَخذ أَبُو تَمام الطَّائِي هَذَا الْمَعْنى وأوضحه فَقَالَ فِي مدحه الْحسن بن وهب: الْكَامِل

(قد أثقب الْحسن بن وهبٍ فِي الندى

نَارا جلت إِنْسَان عين المجتلي)

(موسومةً للمهتدي مَأْدُومَة

للمجتدي مظلومةً للمصطلي)

(مَا أَنْت حِين تعد نَارا مثلهَا

إِلَّا كتالي سورةٍ لم تنزل)

اه.

وَقَالَ اللَّخْمِيّ: كَانَ النَّاس يستحسنون هَذَا الْبَيْت للأعشى حَتَّى قَالَ الحطيئة:

ص: 155

الطَّوِيل

(مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره

تَجِد خير نارٍ عِنْدهَا خير موقد)

فَسقط بَيت الْأَعْشَى. انْتهى.

وَأورد صَاحب الْكَشَّاف هَذَا الْبَيْت عِنْد قَوْله تَعَالَى: أَو أجد على النَّار هدى وَاسْتشْهدَ بِهِ على أَن معنى الاستعلاء فِيهَا أَن أهل النَّار يستعلون الْمَكَان الْقَرِيب مِنْهَا كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي مَرَرْت بزيد: إِنَّه لصوقٌ فِي مَكَان يقرب من زيد. أَو لِأَن المصطلين بهَا إِذا تكنفوها قيَاما وقعوداً كَانُوا مشرفين عَلَيْهَا.

وَكَذَلِكَ أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ: أحد مَعَاني على: الاستعلاء إِمَّا على الْمَجْرُور وَهُوَ الْغَالِب نَحْو: عَلَيْهَا وعَلى الْفلك تحملون أَو على مَا يقرب مِنْهُ نَحْو: أَو أجد على النَّار هدى أَي: هادياً وَقَوله: وَبَات على النَّار الندي والمحلق وَأوردهُ فِي الْبَاء الْمُوَحدَة أَيْضا وَقَالَ: أَقُول: إِن كلا من الإلصاق والاستعلاء إِنَّمَا يكون حَقِيقِيًّا إِذا كَانَ مفضياً إِلَى نفس الْمَجْرُور كأمسكت بزيد وصعدت على السَّطْح.

فَإِن أفْضى إِلَى مَا يقرب مِنْهُ فمجازي كمررت بزيد فِي تَأْوِيل الْجُمْهُور وَكَقَوْلِه:

ص: 156

وَبَات على النَّار الندى والمحلق وَقَوله: رضيعي لبان إِلَخ هُوَ مثنى رَضِيع قَالُوا: رَضِيع الْإِنْسَان: مراضعه.

قَالَ التبريزي فِي شرح ديوَان أبي تَمام: إِذا كَانَت المفاعلة بَين اثْنَيْنِ جَاءَ كل واحدٍ مِنْهُمَا على فعيل)

كَمَا جَاءَ على مفاعل كقعيد للَّذي يقاعدك وتقاعده ونديم بِمَعْنى منادم ورضيع وجليس بِمَعْنى مراضع ومجالس. انْتهى.

وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْجَوْهَرِي بقوله: وَهَذَا رضيعي كَمَا تَقول أكيلي. وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: راضعته مراضعة وَهُوَ رضيعي.

وَفِي عُمْدَة الْحفاظ للسمين: وَفُلَان رَضِيع فلَان أَي: رضيعٌ مَعَه. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَنسبه للنابغة. وَهُوَ سَهْو.

وفعيل هَذَا لَا يعْمل النصب. قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق فِي أبنية الْمُبَالغَة: وَأما الفعيل بِمَعْنى الْفَاعِل كالجليس فَلَيْسَ للْمُبَالَغَة فَلَا يعْمل اتِّفَاقًا.

فإضافة رضيعي إِلَى لبان لَيْسَ من الْإِضَافَة إِلَى الْمَفْعُول بِهِ الْمُصَرّح بل هُوَ مفعولٌ على التَّوَسُّع بِحَذْف حرف الْجَرّ لِأَنَّهُ يُقَال: رضيعه بلبان أمه فَحذف الْبَاء فانتصب لبان وأضيف إِلَيْهِ الْوَصْف. وثدي بِالْجَرِّ بدل من لبان وعَلى رِوَايَة النصب بدل أَيْضا بِتَقْدِير مضافٍ مجرور فيهمَا أَي: لبان ثدي فَلَمَّا حذف الْمُضَاف انتصب. أَو هُوَ مَنْصُوب على نزع الْخَافِض أَي: من ثدي أم.

وَلَا يجوز الْإِبْدَال على مَحل

ص: 157

لبان لِأَن شَرطه كالعطف على الْمحل إِمْكَان ظُهُور ذَلِك الْمحل فِي

فَأَما قَوْله: الوافر تمرون الديار وَلم تعوجوا فضرورة.

وغفل بعض من شرح درة الغواص عَن عدم عمل فعيل الْمَذْكُور فَقَالَ فِي شَرحه: وَذي مَنْصُوب برضيعي وَلَا حَاجَة لتقدير من كَمَا قيل لِأَن رَضِيع مُتَعَدٍّ بِنَفسِهِ. هَذَا كَلَامه مَعَ أَنه قَالَ رَضِيع لَا يكون إِلَّا بِمَعْنى مراضع.

وَلَا مَانع عِنْدِي أَن يكون هُنَا بِمَعْنى راضع وَتَكون الْمُشَاركَة من التَّثْنِيَة بل هَذَا هُوَ الْجيد إِذْ لَو كَانَ رَضِيع هُنَا بِمَعْنى مراضع لما ثنى ولكان الْمُنَاسب أَن يَقُول: رَضِيع الندي من ثدي أم تقاسما وَعَلِيهِ يسهل إِعْرَاب الْبَيْت فَيكون رضيعي مُضَافا إِلَى مَفْعُوله لِأَنَّهُ مَاض وَاسم الْفِعْل الْمَاضِي تجب إِضَافَته إِلَى مَا يَجِيء بعده مِمَّا يكون فِي الْمَعْنى مَفْعُولا فَيكون ثدي أم بَدَلا من لبان)

بِتَقْدِير مُضَاف مجرور وَالْأَصْل رضيعي لبان لبان ثدي أم أَو يكون بَدَلا من لبانٍ على الْمحل على

ص: 158

قَول من لَا يشْتَرط المحرز الطَّالِب لذَلِك الْمحل. وفعيل قد وضع بالاشتراك تَارَة لفاعل وَتارَة لمفاعل والقرينة تعين وَهِي هُنَا التَّثْنِيَة.

وَقد ذهب ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب وأبيات الْجمل إِلَى مَا

ذكرنَا قَالَ: لَك أَن تجْعَل الرَّضِيع بِمَعْنى الراضع كَقَوْلِهِم: قدير بِمَعْنى قَادر فَيكون مُتَعَدِّيا إِلَى مفعول وَاحِد.

وَإِن شِئْت جعلته بِمَعْنى مرضع كَقَوْلِهِم: رب عقيدٌ بِمَعْنى معقد فيتعدى إِلَى مفعولين. وَمن خفض ثدي أم جعله بَدَلا من لبان وَمن نَصبه أبدله من مَوْضِعه لِأَنَّهُ فِي مَوضِع نصب. وَلَا بُد من تَقْدِير مُضَاف فِي كلا الْوَجْهَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ: لبان ثدي أم. وَإِنَّمَا لزم تَقْدِير مُضَاف لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من أَن يكون بدل كل أَو بدل بعض أَو بدل اشْتِمَال فَلَا يجوز الثَّانِي لِأَن الثدي لَيْسَ بعض اللبان وَلَا الثَّالِث لِأَن الأول يشْتَمل على الثَّانِي وَذَلِكَ لَا يَصح هَا هُنَا.

وَقد ذهب قوم إِلَى أَن الثَّانِي هُوَ الْمُشْتَمل على الأول وَذَلِكَ غلط فَلم يبْق إِلَّا أَن يكون بدل كل. والثدي لَيْسَ اللبان فَوَجَبَ أَن يقدر لبان ثدي. وَيجوز أَن يكون ثدي أم مَفْعُولا سقط مِنْهُ حرف الْجَرّ كَقَوْلِك: اخْتَرْت زيدا الرِّجَال. انْتهى.

ص: 159

وَتعقبه اللَّخْمِيّ بِأَنَّهُ قيل: إِن اسْم الْفَاعِل هُنَا بِمَعْنى الْمُضِيّ فَلَا يعْمل عِنْد الْبَصرِيين وَإِن انتصاب ثدي إِنَّمَا هُوَ على التَّمْيِيز لِأَنَّهُ يحسن فِيهِ إِدْخَال من الْمقدرَة فِي التَّمْيِيز.

وَيحْتَمل أَن يكون مَنْصُوبًا بإضمار فعل دلّ عَلَيْهِ رَضِيع وَالتَّقْدِير: رضعا ثدي أم كَقَوْلِه تَعَالَى: وجاعل اللَّيْل سكناً وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسبانا. وَهَذَا إِنَّمَا يكون على أَن تجْعَل رضيعي خَبرا وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي أَبْيَات الْمفصل: ثدي بدل من مَحل لبان فِي تَقْدِير: رضيعين لباناً ثدي أم وَهُوَ بدل اشْتِمَال.

وَقيل: ثدي أم مَنْصُوب على إِضْمَار رضعا بِدلَالَة رضيعي.

وَتَبعهُ الْكرْمَانِي فِي شرح أَبْيَات الموشح. وَفِيه أَن الْوَصْف ماضٍ وَأَن بدل الاشتمال لَا بُد لَهُ من ضمير.

والجيد فِي نصب رضيعي أَن يكون على الْمَدْح.

وَجوز ابْن السَّيِّد وَاللَّخْمِيّ غير هَذَا: أَن يكون حَالا من الندى والمحلق وَيكون قَوْله: على النَّار خبر بَات. وَأَن يكون خبر بَات وعَلى النَّار حَالا. وَأَن يَكُونَا خبرين.)

أَقُول: أما الأول فَفِيهِ مَعَ ضعف مَجِيء الْحَال من الْمُبْتَدَأ الْمَنْسُوخ فَسَاد الْمَعْنى لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن يَكُونَا غير رضيعين فِي غير بياتهما على النَّار وجودة الْمَعْنى تَقْتَضِي أَنَّهُمَا رضيعان مذ ولدا.

وَأما الأخيران ففيهما قبح التَّضْمِين الَّذِي هُوَ من عُيُوب الشّعْر وَهُوَ توقف الْبَيْت على الآخر.

وَيرد هَذَا أَيْضا على جعله حَالا من الندى والمحلق

ص: 160

وعَلى جعله بَدَلا من مقرورين وعَلى جعله صفة لَهُ.

حكى هَذِه الثَّلَاثَة بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات الْمفصل. وَجوز هَذِه الثَّلَاثَة شَارِح وَهَذَا تعسف فَإِن تقاسما جَوَاب مُقَدّر نَشأ من قَوْله: وَبَات على النَّار الندى والمحلق وَالْخَبَر هُوَ على النَّار. واللبان بِكَسْر اللَّام قَالَ الأندلسي: هُوَ لبن الْآدَمِيّ. قيل: وَلَا يُقَال لَهُ لبن إِنَّمَا اللَّبن لسَائِر الْحَيَوَانَات. وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَنَّهُ قد جَاءَ فِي الْخَبَر: اللَّبن للفحل أَي: للزَّوْج نعم اللبان فِي بني آدم أَكثر. انْتهى.

وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن السَّيِّد: رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ أَن لبن الْفَحْل محرم كَمَا اتّفق عَلَيْهِ الْفُقَهَاء. وفسروه بِأَن الرجل تكون لَهُ امْرَأَة ترْضع بلبنه فَكل من أَرْضَعَتْه حرمته عَلَيْهِ وعَلى وَلَده. وَالصَّحِيح أَنه يُقَال: اللبان للْمَرْأَة خَاصَّة وَاللَّبن عَام.

وَقَالَ الحريري فِي درة الْخَواص تبعا لِابْنِ قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب: يَقُولُونَ لرضيع الْإِنْسَان: قد ارتضع بلبنه وَصَوَابه ارتضع بلبانه لِأَن اللَّبن المشروب واللبان مصدر لِابْنِهِ أَي: شَاركهُ فِي شرب اللَّبن. وَهَذَا هُوَ معنى كَلَامهم الَّذِي نَحوا إِلَيْهِ.

وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْأَعْشَى فِي قَوْله: رضيعي لبانٍ ثدي أم تقاسما الْبَيْت. انْتهى.

ص: 161

وَقد أَخذ معنى هَذَا المصراع وَبسطه الْكُمَيْت فِي مدح مخلد بن يزِيد وَقَالَ: الرجز

(ترى الندى ومخلداً حليفين

كَانَا مَعًا فِي مهده رضيعين)

تنَازعا فِيهِ لبان الثديين وَفِيه لطف بلاغةٍ لجعلهما أَخَوَيْنِ من جنسٍ وَاحِد. وتقاسما: تفاعلا من الْقسم أَي: أقسم كل مِنْهُمَا لَا يُفَارق أَحدهمَا الآخر. وروى بدله:)

تحَالفا من الْحلف وَهُوَ الْيَمين. وَالْبَاء فِي قَوْله: بأسحم داخلةٌ على الْمقسم بِهِ وَقد اخْتلف فِي مَعْنَاهُ: قَالَ ابْن السَّيِّد: فِيهِ سَبْعَة أَقْوَال: أَحدهَا: هُوَ الرماد وَكَانُوا يحلفُونَ. قَالَ الشَّاعِر: المنسرح

(حَلَفت بالملح والرماد وبالن

اس وَبِاللَّهِ نسلم الحلقه)

(حَتَّى يظل الْجواد منعفراً

وتخضب النبل غرَّة الدرقه)

ثَانِيهَا: هُوَ اللَّيْل.

ثَالِثهَا: هُوَ الرَّحِم.

رَابِعهَا: هُوَ الدَّم لأَنهم كَانُوا يغمسون أَيْديهم فِيهِ إِذا تحالفوا.

حكى هَذِه الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة يَعْقُوب وَحكى غَيره وَهُوَ الْخَامِس أَنه

ص: 162

حلمة الثدي. وَقيل وَهُوَ السَّادِس: زق الْخمر. وَقيل وَهُوَ السَّابِع: دِمَاء الذَّبَائِح الَّتِي كَانَت تذبح للأصنام. وَجعله أسحم لِأَن الدَّم إِذا يبس اسود.

وَأبْعد هَذِه الْأَقْوَال قَول من قَالَ: إِنَّه الرماد لِأَن الرماد لَا يُوصف بِأَنَّهُ أسحم وَلَا داجٍ وَإِنَّمَا يُوصف بِأَنَّهُ أَوْرَق. انْتهى.

وَقَالَ أَحْمد بن فَارس: الأسحم: الْأسود. والأسحم فِي قَول الْأَعْشَى: بأسحم داج هُوَ اللَّيْل وَفِي قَول النَّابِغَة: الطَّوِيل بأسحم دانٍ هُوَ السَّحَاب وَقَول زُهَيْر: الطَّوِيل

بأسحم مذود هُوَ الْقرن. وَيُقَال: بأسحم داجٍ أَي: فِي الرَّحِم. انْتهى.

وَقَالَ الحريري فِي الدرة: عَنى بالأسحم الداجي: ظلمَة الرَّحِم الْمشَار إِلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى: يخلقكم فِي بطُون أُمَّهَاتكُم خلقا من بعد خلقٍ فِي ظلماتٍ ثَلَاث. وَقيل: بل عَنى بِهِ اللَّيْل. وعَلى

ص: 163

وَقد قيل إِن المُرَاد بِلَفْظَة تقاسما اقْتَسمَا وَإِن المُرَاد بالأسحم الداجي الدَّم وَقيل: المُرَاد بالأسحم اللَّبن لاعتراض السمرَة فِيهِ وبالداجي الدَّائِم. انْتهى.)

وَلَا وَجه لتفسير تقاسما باقتسما على تَفْسِير الأسحم بِأحد الْمَعْنيين الْأَخيرينِ. وَكَيف يَصح تَفْسِير الداجي بالدائم مَعَ أَنه من الدجية وَهُوَ الظلام.

وَقَالَ الْجَوْهَرِي: قيل: هُوَ الدَّم وَقيل: الرَّحِم وَقيل: سَواد حلمة الثدي وَقيل: زق الْخمر.

وَقَوله: عوض هُوَ ظرفٌ مَقْطُوع عَن الْإِضَافَة مُتَعَلق بِمَا بعده. وَجُمْلَة: لَا نتفرق جَوَاب الْقسم وَجَاء بِهِ على حِكَايَة لفظ المتحالفين الَّذِي نطقا بِهِ عِنْد التَّحَالُف وَلَو جَاءَ بِهِ على لفظ الْإِخْبَار عَنْهُمَا لقَالَ: لَا يفترقان.

وَزعم ابْن السَّيِّد وَتَبعهُ اللَّخْمِيّ أَنه يجوز مَعَ كَون عوض ظرفا أَن يكون عوض مقسمًا بِهِ وَالْبَاء فِي أسحم بِمَعْنى فِي. وَهَذَا فَاسد لِأَنَّهُ كَانَ يجب حِينَئِذٍ إعرابه وجره بِحرف الْقسم.

قَالَ الأندلسي: لَا يجوز أَن يكون عوض اسْم صنم لتقدم الْمقسم بِهِ قبله ولبنائه

وَأَيْضًا لَا يجوز حذف حرف الْقسم عِنْد ذكر الْفِعْل.

وَعَلِيهِ اقْتصر الْخَوَارِزْمِيّ نَقله عَنهُ ابْن المستوفي قَالَ: عَنى بأسحم داج: اللَّيْل وَهُوَ لَيْسَ بالمقسم بِهِ إِنَّمَا هُوَ ظرف بِمَنْزِلَة أَن تَقول: تقاسما فِي ليلٍ داج يكون تآلفهما فِيهِ واستئناس كل وَقَالَ صَاحب الْعين: عوض كلمة تجْرِي مجْرى الْقسم فعوض على هَذَا القَوْل مَعْنَاهُ حلفا بالدهر لَا نتفرق فَحذف حرف الْقسم وَنصب الْمقسم بِهِ كَمَا فِي قَوْلك: الله لَأَفْعَلَنَّ. هَذَا كَلَامه.

ص: 164

وَفِيه أَن حرف الْقسم لَا يحذف مَعَ ذكر الْفِعْل.

وَقَالَ ابْن السَّيِّد: وَمن اعْتقد أَن عوض اسْم صنم لزمَه أَن يَجْعَل الْبَاء فِي قَوْله: بأسحم بِمَعْنى فِي. وَيَعْنِي بالأسحم اللَّيْل أَو الرَّحِم. وَلَا يجوز أَن تكون الْبَاء فِي هَذَا الْوَجْه للقسم لِأَن الْقسم لم يَقع بالأسحم إِنَّمَا وَقع بعوض الَّذِي هُوَ الصَّنَم. انْتهى.

وَيعرف وَجه رده مِمَّا ذكرنَا.

وَقَوله: وَأما إِذا مَا الْمحل إِلَخ الْمحل: انْقِطَاع الْمَطَر ويبس الأَرْض من الْكلأ. وسرح مَالهم أَي: أطلقها وفرقها. وَالْمَال عِنْد الْعَرَب: الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم. والسملق كجعفر: القاع الصفصف.

وَقَوله: نفى الذَّم إِلَخ هُوَ جَوَاب إِذا. والجفنة بِالْفَتْح: قَصْعَة الطَّعَام فَاعل نفى. والجابية بِالْجِيم قَالَ الْجَوْهَرِي: هِيَ الْحَوْض الَّذِي يجبى فِيهِ المَاء لِلْإِبِلِ. وَأنْشد الْبَيْت. وتفهق قَالَ الْمبرد فِي أول الْكَامِل: من قَوْلهم: فهق الغدير يفهق إِذا امْتَلَأَ مَاء فَلم يكن فِيهِ مَوضِع مزِيد.)

-

قَالَ الْأَعْشَى: هَكَذَا ينشده أهل الْبَصْرَة وتأويله عِنْدهم أَن الْعِرَاقِيّ إِذا تمكن من المَاء مَلأ جابيته لِأَنَّهُ حضري فَلَا يعرف مَوَاضِع المَاء وَلَا محاله. وَسمعت أعرابية تنشد: كجابية السيح بإهمال الطَّرفَيْنِ تُرِيدُ النَّهر الَّذِي يجْرِي على جابيته

ص: 165

فماؤها لَا يَنْقَطِع لِأَن النَّهر يمده. انْتهى.

وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي حَاشِيَته على الْكَامِل: كَانَ الْأَحْمَر يَقُول: الشَّيْخ تَصْحِيف وَإِنَّمَا هُوَ السيح بِالسِّين والحاء غير معجمتين وَهُوَ المَاء الْجَارِي على وَجه الأَرْض يذهب وَيَجِيء. والْجَابِيَة: الْحَوْض وَجمعه الجوابي. وكل مَا يحبس فِيهِ المَاء فَهُوَ جابية. وَقيل: أَرَادَ بالشيخ الْعِرَاقِيّ كسْرَى.

وَحَكَاهُ أَبُو عبيد فِي كلامٍ ذكره عَن الْأَصْمَعِي فِي شرح الحَدِيث. وحض بالشيخ على تَأْوِيل الْمبرد لِأَنَّهُ جرب الْأُمُور وقاسى الْخَيْر وَالشَّر وَهُوَ يَأْخُذ بالحزم فِي أَحْوَاله. انْتهى. ودردق بدالين بَينهمَا رَاء: الْأَطْفَال يُقَال: ولدانٌ دردق ودرادق. كَذَا فِي الْعباب.

والسديف: شَحم السنام. وتدفق أَصله تتدفق بتاءين.

والأعشى شَاعِر جاهلي قد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب.

وَقد روى صَاحب الأغاني سَبَب هَذِه القصيدة على غير مَا ذَكرْنَاهُ أَيْضا.

وَقد روى عَن النَّوْفَلِي أَن المحلق كَانَت لَهُ أخواتٌ ثَلَاث لم يرغب أحدٌ فِيهِنَّ لفقرهن وخموله.

ص: 166