الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده
3 -
(الشَّاهِد الثَّانِي عشر بعد الْخَمْسمِائَةِ)
(صريع غوانٍ راقهن ورقنه
…
لدن شب حَتَّى شَاب سود الذوائب)
على أَن لدن مجرورة بِمن مضمرة أَي: من لدن شب. وَأوردهُ فِي لدن أَيْضا على أَنَّهَا إِن أضيفت إِلَى الْجُمْلَة تمحضت للزمان.
وَالْبَيْت من قصيدة للقطامي وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة. وَهَذِه أَبْيَات من أَولهَا.
(نأتك بليلى نيةٌ لم تقَارب
…
وَمَا حب ليلى من فُؤَادِي بذاهب)
(منعمةً تجلو بِعُود أراكة
…
ذرى بردٍ عذبٍ شتيت المناصب)
(كَأَن فضيضاً من غريض غمامةٍ
…
على ظمأٍ جَادَتْ بِهِ أم غَالب)
(لمستهلكٍ قد كَاد من شدَّة الْهوى
…
يَمُوت وَمن طول العدات الكواذب)
(صريع غوانٍ راقهن ورقنه
…
لدن شب حَتَّى شَاب سود الذوائب)
(قديديمة التجريب والحلم إِنَّنِي
…
أرى غفلات الْعَيْش قبل التجارب)
قَوْله: نأتك بليلى نِيَّة إِلَخ قَالَ شَارِح ديوانه: أَي بَعدت عَنْك.
غذَاء نَاعِمًا. وتجلو أَرَادَ تستاك. والذرى: الأعالي. وَالْبرد: بِفتْحَتَيْنِ حب الْغَمَام.
شبه أسنانها فِي شدَّة بياضها بالبرد. وَإِنَّمَا خص الذرى لِأَنَّهَا صِحَاح لم تتكسر. وشتيت: وَقَوله: كَأَن فضيضاً إِلَخ فضيض السحابة: مَاؤُهَا إِذا انفض مِنْهَا. شبه عذوبة رِيقهَا بِمَاء سَحَابَة. والغريض: الطري. وَقَوله: لمستهلك إِلَخ اللَّام مُتَعَلقَة بجادت وَأَرَادَ بالمستهلك نَفسه لِأَنَّهُ هالكٌ من حبها ومعرضها للهلاك.
وَقَوله: صريع غوان بِالْجَرِّ: بدلٌ من مستهلك وَيجوز رَفعه على إِضْمَار مُبْتَدأ ضمير الْمُسْتَهْلك. والصريع: المصروع وَهُوَ الْمَطْرُوح على الأَرْض: يُرِيد أَنه قد أُصِيب من حبهن حَتَّى لَا حراك بِهِ. والغواني: جمع غانية وَهِي الَّتِي استغنت بجمالها عَن الزِّينَة وَقيل: هِيَ الَّتِي غنيت بزوجها عَن غَيره وَقيل: هِيَ الَّتِي غنيت فِي بَيت أَبَوَيْهَا وَلم تتَزَوَّج أَي: أَقَامَت. وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة لِلْقَوْلِ الثَّانِي: الْبَسِيط
(أزمان ليلى كعابٌ غير غانيةٍ
…
وَأَنت أَمْرَد معروفٌ لَك الْغَزل)
وراق بِمَعْنى أعجب أَي: أعجبهن لجماله وشبابه وأعجبنه لحسنهن.)
وَقَوله: لدن شب إِلَخ أَي: من عِنْد وَقت شبابه إِلَى وَقت شَيْبه فَدلَّ على إِضْمَار من بِدَلِيل حَتَّى لِأَنَّهَا بِمَعْنى إِلَى. والذوائب: الضفائر من الشّعْر جمع ذؤابة.
وَقد لقب الْقطَامِي صريع الغواني بِهَذَا الْبَيْت وَهُوَ أول من لقب بِهِ وَقد ذكر فِي الأوليات ثمَّ لقب
بِهِ مُسلم بن الْوَلِيد. قَالَ صَاحب زهر الْآدَاب: لقب مُسلم صريع الغواني بقوله: الطَّوِيل انْتهى.
قَالَ صَاحب الأغاني: الَّذِي لقب مُسلما بِهَذَا اللقب هَارُون الرشيد لهَذَا الْبَيْت.
وَقَوله: قديديمة التجريب إِلَخ وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ وجمل الزجاجي اسْتشْهد بِهِ على تَصْغِير قُدَّام قديديمة بِالْهَاءِ. وَمثلهَا وريئة. وَإِنَّمَا أدخلُوا الْهَاء فِي تَصْغِير وَرَاء وَقُدَّام وَإِن كَانَت قد جاوزتا ثَلَاثَة أحرف لِأَن بَاب الظروف التَّذْكِير فَلَمَّا شذتا فِي بابهما فرقوا بَينهمَا وَبَين غَيرهمَا فأدخلوا فيهمَا عَلامَة التَّأْنِيث. قَالَه اللَّخْمِيّ.
وقديديمة: منصوبةٌ على الظّرْف وَالْعَامِل فِيهَا: راقهن ورقنه أَي: أعجبهن وأعجبنه. قديديمة التجريب والحلم أَي: أَمَام التجريب والحلم.
ثمَّ قَالَ: أرى غفلات الْعَيْش قبل التجارب يُقَال: إِنَّمَا يستلذ بالعيش أَيَّام الْغَفْلَة وَفِي أَيَّام الشَّبَاب قبل التجارب والتجارب إِنَّمَا هِيَ فِي الْكبر وَهُوَ وَقت أَن يزهد فِيهِنَّ لسنه وتجريبه وَأَن يزهدن فِيهِ لشيبه.
وَقد يحْتَمل أَن يكون
الْعَامِل فِي قديديمة محذوفاً دلّ عَلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام كَأَنَّهُ أَرَادَ: تظن طيب الْعَيْش ولذته قُدَّام التجربة والحلم أَي: أَمَام ذَلِك لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك إِنَّمَا يطيب الْعَيْش وَيحسن قبل التجارب وَفِي عنفوان الشَّبَاب وَحين الْغَفْلَة وَأما بعد ذَلِك فَلَا. فَيكون الْعَامِل فِيهَا تظن وَقَوله: إِنَّنِي قَالَ ابْن السَّيِّد: يرْوى بِكَسْر الْهمزَة على الِاسْتِئْنَاف وَبِفَتْحِهَا وَهُوَ مفعول من أَجله. وَقد تكون إِن مَكْسُورَة وفيهَا معنى الْمَفْعُول من أَجله كَقَوْلِه عز وجل: وَيصلى سعيراً إِنَّه كَانَ فِي أَهله مَسْرُورا.
وَجَاز ذَلِك لِأَن إِن دَاخِلَة على الْجمل وَالْجُمْلَة قد يكون فِيهَا معنى الْعلَّة
وَالسَّبَب مَوْجُودا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاتقون. أَلا ترى أَن الْمَعْنى: وَلِأَن هَذِه أمتكُم ولكوني ربكُم فاتقون. انْتهى.
وَهَذِه القصيدة هجو امرأةٍ من بني محَارب. حكى أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ أَن الْقطَامِي نزل فِي بعض)
أَسْفَاره بِامْرَأَة من محَارب بن قيس فاستقراها فَقَالَت: أَنا من قومٍ يشتوون الْقد من الْجُوع. قَالَ: وَمن هَؤُلَاءِ وَيحك قَالَت: محَارب. وَلم تقره فَبَاتَ عِنْدهَا بأشر لَيْلَة فَقَالَ هَذِه القصيدة وَمِنْهَا:
الطَّوِيل
(وَإِنِّي وَإِن كَانَ الْمُسَافِر نازلاً
…
وَإِن كَانَ ذَا حق على النَّاس وَاجِب)
(فَلَا بُد أَن الضَّيْف مخبر مَا رأى
…
مخبر أهلٍ أَو مخبر صَاحب)
(لمخبرك الأنباء عَن أم منزلٍ
…
تضيفتها بَين العذيب فراسب)
(تلفعت فِي طل وريحٍ تلفني
…
وَفِي طرمساء غير ذَات كواكب)
(فَمَا راعها إِلَّا بغام مطيتي
…
تريح بمحسورٍ من الصَّوْت لاغب)
(تَقول وَقد قربت كوري وناقتي:
…
إِلَيْك فَلَا تذْعَر عَليّ ركائبي)
(وجنت جنوناً من دلاثٍ مناخةٍ
…
وَمن رجلٍ عاري الأشاجع شاحب)
(فَسلمت وَالتَّسْلِيم لَيْسَ يسرها
…
وَلكنه حق على كل جَانب)
(فَردَّتْ سَلاما كَارِهًا ثمَّ أَعرَضت
…
كَمَا انْحَازَتْ الأفعى مَخَافَة ضَارب)
(فَقلت لَهَا: لَا تفعلي ذَا براكبٍ
…
أَتَاك مصيبٍ مَا أصَاب فذاهب)
(فَلَمَّا تنازعنا الحَدِيث سَأَلتهَا
…
من الْحَيّ قَالَت: معشرٌ من محَارب)
(من المشتوين الْقد مِمَّا تراهم
…
جياعاً وريف النَّاس لَيْسَ بناضب)
(فَلَمَّا بدا حرمانها الضَّيْف لم يكن
…
عَليّ مناخ السوء ضَرْبَة لازب)
(وَقمت إِلَى مهريةٍ قد تعودت
…
يداها ورجلاها خبيب المواكب)
ثمَّ وصف نَاقَته بِأَبْيَات وَقَالَ:
(أَلا إِنَّمَا نيران قيسٍ إِذا شتوا
…
لطارق ليلٍ مثل نَار الحباحب)
والعذيب: مَاء أَسْفَل الرحبة. وراسب: قريبٌ مِنْهُ. والطل: الندى. والطرمساء بِالْكَسْرِ: الظلمَة.