الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده
3 -
(الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)
الطَّوِيل
(فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
…
وَلَكِن على أقدامنا يقطر الدما)
على أَن الْمبرد اسْتدلَّ بِهِ بِأَن الدَّم أَصله فعل بتحريك الْعين ولامه يَاء محذوفة بِدَلِيل أَن الشَّاعِر لما اضْطر أخرجه على أَصله وَجَاء بِهِ على الْوَضع الأول. فَقَوله الدما بِفَتْح الدَّال فَاعل يقطر والضمة مقدرَة على الْألف لِأَنَّهُ اسمٌ مَقْصُور وَأَصله دميٌ تحركت الْيَاء وَانْفَتح مَا قبلهَا فقلبت ألفا.
وَالدَّلِيل على أَن اللَّام ياءٌ قَوْلهم فِي التَّثْنِيَة: دميان وَفِي الْفِعْل: دميت يَده. هَذَا مُحَصل مدعاه وَهُوَ إِنَّمَا يتم على أَن فتح الْمِيم قبل حذف اللَّام وعَلى أَن الدما بِمَعْنى الدَّم وعَلى أَن يقطر بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّة. وَفِي كل وَاحِد بحث.
أما الأول فَمَمْنُوع وَإِنَّمَا فَتْحة الْمِيم حادثةٌ بعد حذف اللَّام وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَذَلِكَ أَن الْحَرَكَة عِنْده إِذا حدثت لحذف حرف ثمَّ رد الْمَحْذُوف ثبتَتْ الْحَرَكَة الَّتِي كَانَت قد جرت على السَّاكِن قبل دُخُولهَا عَلَيْهِ بِحَالِهَا.
وَيشْهد لَهُ قَوْلهم: يديان فَإِنَّهُم أَجمعُوا على سُكُون الْعين من يَد من غير خلاف. وَقد نراهم قَالُوا: يديان فحركوا عِنْد الرَّد لِأَنَّهَا قد جرت محركة قبل رد اللَّام.
وَأما الثَّانِي فممنوعٌ أَيْضا لاحْتِمَال أَنه مصدر دمي دَمًا كفرح يفرح فَرحا. قَالَ ابْن جني فِي شرح تصريف الْمَازِني: دَمًا: مصدر دميت يَده لَا بِمَعْنى الدَّم.
وَلَكِن على أقدامنا يقطر الدما فالدما فِي مَوضِع رفع وَهُوَ مصدر مَقْصُور على فعل وَتَقْدِيره على حذف مُضَاف.
وَكَذَا قَول الشَّاعِر: الرمل
(كأطومٍ فقدت برغزها
…
أعقبتها الغبس مِنْهُ عدما)
(غفلت ثمَّ أَتَت ترقبه
…
فَإِذا هِيَ بعظامٍ ودما)
فَإِنَّهُ أوقع الْمصدر فيهمَا موقع الْجَوْهَر وتأويله عِنْدِي على حذف الْمُضَاف كَأَنَّهُ قَالَ: يقطر ذُو الدمى وَإِذا هِيَ بعظام وَذي دمًى. انْتهى. والأطوم بِفَتْح الْألف وَضم الطَّاء: الْبَقَرَة الوحشية. والبرغز بِضَم الْمُوَحدَة فالغين الْمُعْجَمَة)
وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة بَينهمَا وَآخره زَاي هُوَ وَلَدهَا. والغبس: جمع أغبس وَهِي الذئاب وَقيل: هِيَ الْكلاب. والدما فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَا خَفَاء فِي كَونه بِمَعْنى الدَّم والتأويل خلاف الظَّاهِر.
وَأما الثَّالِث فقد رُوِيَ أَيْضا بالنُّون وبالتاء الْفَوْقِيَّة.
أما الأول فقد قَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف: اخْتلفُوا فِي نصب الدَّم وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَة:
على أقدامنا تقطر الدما
بالنُّون أَي: نقطر دَمًا من جراحنا. انْتهى.
وَأما الرِّوَايَة بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّة فقد رَوَاهَا شرَّاح الحماسة وَقَالُوا: قطر فعلٌ متعدٍّ مسندٌ إِلَى ضمير الكلوم. فالدما على هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ مفعول بِهِ يحْتَمل أَنه مَقْصُور كَمَا قَالَ الْمبرد وَيحْتَمل أَنه الدَّم مَنْقُوص وألفه للإطلاق. وَحِينَئِذٍ يسْقط الِاسْتِدْلَال على أَنه مَقْصُور.
وَقَالَ المرزوقي فِي شرح الحماسة وَتَبعهُ التبريزي وَغَيره: وَإِن شِئْت جعلت الدَّم مَنْصُوبًا على التَّمْيِيز كَأَنَّهُ قَالَ: تقطر دَمًا وَأدْخل الْألف وَاللَّام وَلم يعْتد بهما.
وَقَالَ فِي شرح الفصيح: وَبَعْضهمْ يَجْعَل الدما تمييزاً وَلَا يعْتد بِالْألف وَاللَّام أَرَادَ تقطر كلومنا دَمًا أَي: من الدَّم كَمَا فِي قَوْله: الوافر وَلَا بفزارة الشّعْر الرقابا وَمَا أشبهه. وَيجوز فِي هَذَا الْوَجْه أَن تنصبه على التَّشْبِيه بالمفعول بِهِ كَمَا يفعل بقوله: هُوَ الْحسن وَجها. انْتهى.
أَقُول: قد أَخطَأ أَبُو عليٍّ الْوَجْه الأول فِي الْمسَائِل البصرية قَالَ: وَحمل الدما على التَّمْيِيز خطأ.
انْتهى.
وَأما الْوَجْه الثَّانِي: فَلَيْسَ على منوال مَا مثل بِهِ. وَزَاد ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة فَقَالَ: رُوِيَ: تقطر الدما
بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَضمّهَا. أما الأول فَلِأَن قطر متعدٍّ.
وَقد جَاءَ تقطر الدما مُتَعَدِّيا ناصباً للدم فِي قَول الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب لأبي طَالب حِين قتل خِدَاش بن عَلْقَمَة بن عَامر من أَبْيَات عدتهَا ثَلَاثَة عشر بَيْتا أوردهَا أَبُو تَمام فِي آخر كتاب مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل وَهُوَ: الطَّوِيل
(أَبى قَومنَا أَن ينصفونا فأنصفت
…
قواطع فِي أَيْمَاننَا تقطر الدما)
وَأورد السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاه والنظائر مجْلِس ثَعْلَب مَعَ جمَاعَة من النَّحْوِيين نَقله من كتاب غرائب)
مجَالِس النَّحْوِيين للزجاجي قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن سُلَيْمَان قَالَ: كُنَّا عِنْد أبي الْعَبَّاس ثَعْلَب فأنشدنا:
(فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
…
وَلَكِن على أقدامنا يقطر الدما)
فسألنا: مَا تَقولُونَ فِيهِ فَقُلْنَا: الدَّم فاعلٌ جَاءَ على الأَصْل. فَقَالَ: هَكَذَا رِوَايَة أبي عبيد.
وَكَانَ الْأَصْمَعِي يَقُول: هَذَا غلط وَإِنَّمَا الرِّوَايَة: تقطر الدما منقوطة من فَوْقهَا وَالْمعْنَى: وَلَكِن على أقدامنا تقطر الكلوم الدما فَيصير مَفْعُولا بِهِ. وَيُقَال: قطر المَاء وقطرته أَنا.
وأنشدنا: فَإِذا هِيَ بعظام ودما الْبَيْتَيْنِ
وَقَالَ: كَانَ الْأَصْمَعِي يَقُول: إِنَّمَا الرِّوَايَة بِكَسْر الدَّال ثمَّ قصر الْمَمْدُود. انْتهى.
وَهُوَ من أَبْيَات ثَلَاثَة أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة للحصين بن الْحمام المري وأوردها الأعلم الشنتمري فِي حماسته أَيْضا وَهِي: الطَّوِيل
(تَأَخَّرت أستبقي الْحَيَاة فَلم أجد
…
لنَفْسي حَيَاة مثل أَن أتقدما)
(فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
…
وَلَكِن على أقدامنا تقطر الدما)
(نفلق هاماً من رجالٍ أعزةٍ
…
علينا وهم كَانُوا أعق وأظلما)
وَقَوله: تَأَخَّرت أستبقي الْحَيَاة إِلَخ قَالَ الطبرسي فِي شَرحه: يَقُول: نكصت على عَقبي رَغْبَة فِي الْحَيَاة فَرَأَيْت الْحَيَاة فِي التَّقَدُّم. وَقَالَ المرزوقي: يجوز أَن يكون هَذَا مثل قَوْلهم: الشجاع موقى أَي: تتهيبه الأقران فيتحامونه فَيكون ذَلِك وقايةً لَهُ.
وَفِي طَرِيقَته قَول الآخر: المتقارب
(يخَاف الجبان يرى أَنه
…
سيقتل قبل انْقِضَاء الْأَجَل)
(وَقد تدْرك الحادثان الجبان
…
وَيسلم مِنْهَا الشجاع البطل)
وَمثله قَول الآخر: المتقارب
(نهين النُّفُوس وهون النفو
…
س يَوْم الكريهة أوقى لَهَا)
وَيجوز أَن يَقُول: أحجمت مستبقياً لعيشي فَلم أجد لنَفْسي عَيْشًا كَمَا يكون فِي الْإِقْدَام وَذَلِكَ وَمن ذكر بالجميل وتحدث عَنهُ بالبلاء
حَيّ ذكره واسْمه وَإِن ذهب أَثَره وجسمه. وَقَوله: حَيَاة مثل أَن أتقدما مَعْنَاهُ حَيَاة تشبه الْحَيَاة المكتسبة فِي التَّقَدُّم وبالتقدم.)
وَقَوله: فلسنا على الأعقاب إِلَخ الأعقاب: جمع عقب بِفَتْح فَكسر هُوَ مُؤخر الْقدَم. والكلوم: جمع كلم بِفَتْح فَسُكُون وَهُوَ الْجرْح.
قَالَ المرزوقي: أَرَادَ: لسنا بدامية الكلوم على الأعقاب. وَلَو لم يَجْعَل الْإِخْبَار على أنفسهم لَكَانَ الْكَلَام: لَيست كلومنا بداميةٍ على الأعقاب. فَيَقُول: نتوجه نَحْو الْأَعْدَاء فِي الْحَرْب وَلَا نعرض عَنْهُم فَإِذا جرحنا كَانَت الْجِرَاحَات فِي مقدمنا لَا فِي مؤخرنا وسالت الدِّمَاء على أقدامنا لَا على أعقابنا.
وَمثله قَول الْقطَامِي: الْبَسِيط
(لَيست تجرح فِرَارًا ظُهُورهمْ
…
وَفِي النحور كلومٌ ذَات أبلاد)
انْتهى.
وَقد أورد ابْن هِشَام صَاحب السِّيرَة هَذَا الْبَيْت فِي سيرته وَتَبعهُ الشَّامي فَأوردهُ فِي سيرته أَيْضا قَالَا: إِن من جملَة من فر يَوْم بدرٍ خَالِد بن الأعلم وَهُوَ الْقَائِل:
(ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
…
وَلَكِن على أقدامنا تقطر الدما)
فَظَاهره أَنه قَائِل هَذَا الْبَيْت. وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا قَالَه متمثلاً بِهِ.
وَقَوله: نفلق هاماً إِلَخ قَالَ المرزوقي: يَقُول: نشقق هامات من
رجالٍ يكرمون علينا لأَنهم منا وهم كَانُوا أسبق إِلَى العقوق وأوفر ظلما لأَنهم بدؤونا بِالشَّرِّ وألجؤونا إِلَى الْقِتَال فَنحْن منتقمون ومجازون. انْتهى.
وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي: أصل العقوق الْقطع يُقَال: عق الرَّحِم كَمَا يُقَال: قطعهَا. وَجمع الْعَاق أعقةٌ وَهُوَ جمع نَادِر. انْتهى.
وَهَذِه الأبيات الثَّلَاثَة من قصيدة عدتهَا واحدٌ وَأَرْبَعُونَ بَيْتا للحصين بن الْحمام وَهُوَ شَاعِر جاهلي أوردهَا الْمفضل فِي المفضليات وَلَيْسَ البيتان الْأَوَّلَانِ من الثَّلَاثَة موجودين فِي رِوَايَة الْمفضل.
وَالْبَيْت الثَّالِث فِي رِوَايَته إِنَّمَا هُوَ: يفلقن بالنُّون لِأَنَّهُ ضمير السيوف فِي بيتٍ قبله وَهُوَ:
(صَبرنَا وَكَانَ الصَّبْر منا سجيةً
…
بأسيافنا يقطعن كفا ومعصما)
وَقد تقدم أبياتٌ كَثِيرَة مِنْهَا مشروحةٌ مَعَ تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ من بَاب الِاسْتِثْنَاء.)
وَقد أورد ابْن الْأَنْبَارِي فِي شَرحه منشأ هَذِه القصيدة فَقَالَ: كَانَت بَنو سعد بن ذبيان قد أحلبت على بني سهم مَعَ بني صرمة وأحلبت مَعَهم محَارب بن خصفة فَسَارُوا إِلَيْهِم وَرَئِيسهمْ حميضة بن حَرْمَلَة الصرمي وَنَكَصت عَن حُصَيْن ابْن الْحمام قبيلتان وهما عدوان بن وائلة بن سهم فَلم يكن مَعَه إِلَّا بَنو وائلة بن سهم والحرقة
فَسَار إِلَيْهِم فَلَقِيَهُمْ الْحصين وَمن مَعَه بدارة مَوْضُوع فظفر بهم وَهَزَمَهُمْ وَقتل مِنْهُم فَأكْثر.
فَلذَلِك يَقُول الْحصين بن الْحمام: الطَّوِيل
(وَلَا غرو إِلَّا يَوْم جَاءَت محاربٌ
…
يقودون ألفا كلهم قد تكتبا)
(موَالِي موالينا ليسبوا نِسَاءَنَا
…
أثعلب قد جئْتُمْ بنكراء ثعلبا)
وَإِنَّمَا سَارَتْ إِلَيْهِم محاربٌ للحلف الَّذِي كَانَ بَينهم. فَقَالَ الْحصين: الطَّوِيل
(أيا أخوينا من أَبينَا وَأمنا
…
إِلَيْكُم وَعند الله وَالرحم الْعذر)
انْتهى.
وأحلب بِالْحَاء الْمُهْملَة قَالَ فِي الصِّحَاح: يُقَال للْقَوْم إِذا جاؤوا من كل أَوب للنصرة: قد أحلبوا. والمحلب: النَّاصِر. ويعجبني من آخر هَذِه القصيدة قَوْله:
(فلست بمبتاع الْحَيَاة بسبةٍ
…
وَلَا مبتغٍ من رهبة الْمَوْت سلما)
يَقُول: لَا أَشْتَرِي الْحَيَاة بِمَا أسب عَلَيْهِ وأعير بِهِ وَلَا أطلب النجَاة من الْمَوْت لِأَنِّي أعلم أَن الْمَوْت لَا بُد مِنْهُ. يَعْنِي: من طلب النجَاة من الْمَوْت احْتمل الذل وَمن علم أَنه ميت لَا محَالة لم يحْتَمل المذلة. والْحصين بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ. وَالْحمام بِضَم الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم. والمري نِسْبَة إِلَى مرّة وَهُوَ أَبُو قَبيلَة وَهُوَ مرّة بن عَوْف بن سعد بن ذبيان. وَسَهْم وصرمة أَخَوان وهما ابْنا مرّة. وَوَائِلَة هُوَ ابْن سهم.
وَالْحصين من بني وائلة وَهُوَ الْحصين بن الْحمام بن ربيعَة بن