الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَكِن أداويه بِغَيْر ذَلِك.
فَأذن لَهُ وَكَانَ يدْخل عَلَيْهِ فِي أخريات النَّاس ثمَّ أجلسه على سَرِيره مَعَه وَأَقْبل عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ وَحَدِيثه ثمَّ قَالَ: إِن ابْنَتي الْأُخْرَى عاتبةٌ عَلَيْك.
قَالَ: فِي أَي شيءٍ قَالَ: فِي مدحتك أُخْتهَا وتركك إِيَّاهَا. قَالَ: فلهَا العتبى وكرامةٌ أَنا ذاكرها وممتدحها.
فَلَمَّا فعل وَبلغ ذَلِك النَّاس قَالُوا: قد كُنَّا نرى أَن نسيب عبد الرَّحْمَن بن حسان بابنة مُعَاوِيَة لشيءٍ فَإِذا هُوَ على رَأْي مُعَاوِيَة وَأمره. وَعلم من كَانَ يعرف أَنه لَيْسَ لَهُ بنت أُخْرَى أَنه إِنَّمَا خدعه ليشبب بهَا وَلَا أصل لَهَا ليعلم النَّاس أَنه كذب على الأولى لما ذكر الثَّانِيَة.
هَذَا مَا أوردهُ صَاحب الأغاني. وَالله أعلم.
وَأنْشد بعده
3 -
(الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)
وَهُوَ من شَوَاهِد س: الْخَفِيف
(لَيْت شعري وَأَيْنَ مني ليتٌ
…
إِن لواً وَإِن ليتاً عناء)
على أَن الْكَلِمَة المبنية إِذا أُرِيد بهَا لَفظهَا فالأكثر حكايتها على مَا كَانَت عَلَيْهِ وَقد تَجِيء معربةً كَمَا فِي الْبَيْت كَمَا أعرب ليتٌ الأولى بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَنصب الثَّانِيَة مَعَ لَو بإن.
وَأوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي تَسْمِيَة الْحُرُوف والكلم قَالَ: وَالْعرب تخْتَلف
فِيهَا يؤنثها بعض ويذكرها وَأما لَيْت وإِن فحركت أواخرها بِالْفَتْح لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْأَفْعَال فَإِذا صيرت وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْما فَهُوَ ينْصَرف على كل حَال. وَإِن جعلته اسْما للكلمة
وَأَنت تُرِيدُ لُغَة من ذكر لم تصرفها وَإِن سميتها بلغَة من أنث كنت بِالْخِيَارِ.
إِلَى أَن قَالَ: وَأما أَو ولَو فهما سَاكِنا الْأَوَاخِر فَإِذا صَارَت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا اسْما فقصتها فِي التَّأْنِيث والتذكير والانصراف وَترك الِانْصِرَاف كقصة لَيْت وَإِن إِلَّا أَنَّك تلْحق واواً آخر فتثقل.
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب اسْم آخِره وَاو قبلهَا حرف مَفْتُوح.
قَالَ أَبُو زبيد:
(لَيْت شعري وَأَيْنَ مني ليتٌ
…
إِن ليتاً وَإِن لواً عناء)
وَقَالَ آخر: الطَّوِيل
(ألام على لوٍّ وَلَو كنت عَالما
…
بأذناب لوٍّ لم تفتني أَوَائِله)
انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِي تَضْعِيف لَو لما جعلهَا اسْما وَأخْبر عَنْهَا لِأَن الِاسْم الْمُفْرد المتمكن لَا يكون على أقل من حرفين متحركين وَالْوَاو فِي لَولَا تتحرك فضوعفت لتَكون كالأسماء المتمكنة.
وَيحْتَمل الْوَاو بالتضعيف الْحَرَكَة. وَأَرَادَ ب لَو هَا هُنَا لَو الَّتِي لِلتَّمَنِّي فِي نَحْو قَوْلك: لَو أَتَيْتنَا لَو أَقمت عندنَا أَي: ليتك أتيت. أَي: أَكثر التَّمَنِّي يكذب صَاحبه ويعنيه وَلَا يبلغ فِيهِ مُرَاده.
انْتهى.
وَالْبَيْت من قصيدة لأبي زبيدٍ الطَّائِي أورد مِنْهَا الأعلم فِي بَاب النسيب من حماسته سِتَّة أَبْيَات وَهِي: الْخَفِيف)
(وَلَقَد مت غير أَنِّي حيٌّ
…
يَوْم بَانَتْ بودها خنساء)
(من بني عامرٍ لَهَا شقّ قلبِي
…
قسْمَة مثل مَا يشق الرِّدَاء)
(أشربت لون صفرةٍ فِي بياضٍ
…
وَهِي فِي ذَاك لدنةٌ غيداء)
(كل عينٍ مَتى ترَاهَا من النا
…
س إِلَيْهَا مديمةٌ حولاء)
(لَيْت شعري وَأَيْنَ مني ليتٌ
…
إِن ليتاً وَإِن لواً عناء)
(أَي ساعٍ سعى ليقطع شربي
…
حِين لاحت للصابح الجوزاء)
قَوْله: وَلَقَد مت إِلَخ يَعْنِي أَنا لشدَّة الْحزن ميت إِلَّا أَنِّي فِي عداد الْأَحْيَاء. وبَانَتْ: فَارَقت يُرِيد: هجرتني.
وَقَوله: لَهَا شقّ قلبِي بِالْكَسْرِ يُرِيد: شقَّتْ قلبِي بحبها فاستولت عَلَيْهِ.
وَقَوله: كل عين إِلَخ كل مُبْتَدأ ومَتى اسْم اسْتِفْهَام طرف لتراها وَجُمْلَة: ترَاهَا صفة لعين ومديمة: خبر الْمُبْتَدَأ وإِلَيْهَا: مُتَعَلق بِهِ وَهُوَ اسْم فَاعل من أدمت أَي: واظبت. وحولاء خبر ثَان. جعلهَا حولاء لميلها إِلَيْهَا بِالنّظرِ فَكَأَن بهَا حولا.
وَقَوله: لَيْت شعري إِلَخ قد شَرحه الشَّارِح فِي لَيْت وَقَالَ: الْتزم حذف الْخَبَر فِي لَيْت شعري مردفاً باستفهام نَحْو: لَيْت شعري أتأتيني أم لَا وَهَذَا الِاسْتِفْهَام مفعول شعري. فجملة: أَي ساع سعى فِي الْبَيْت بعده مفعول شعري.
والشّرْب بِالْكَسْرِ: النَّصِيب من المَاء. والصابح: من صبحت الْإِبِل إِذا سقيتها فِي أول النَّهَار وَالْإِبِل مصبوحة وَالْقَوْم صابحون. كَذَا فِي الجمهرة لِابْنِ دُرَيْد وَأنْشد هَذَا الْبَيْت.
وَقَالَ القالي فِي الْمَقْصُور والممدود: والجوزاء: برجٌ من بروج السَّمَاء. وَالْعرب تَقول: إِذا طلعت الجوزاء توقدت المعزاء وكنست الظباء وعرقت العلباء وطاب الخباء. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت.
وَزَاد صَاحب الأغاني بعد هَذَا: الْخَفِيف
(فاستظل العصفور كرها مَعَ الض
…
ب وأوفى فِي عوده الحرباء)
(وَنفى الجندب الْحَصَى بكراعي
…
هـ وأذكت نيرانها المعزاء)
(من سمومٍ كَأَنَّهَا حر نارٍ
…
شفعتها ظهيرةٌ غراء)
(عرفت نَاقَتي شمائل مني
…
فَهِيَ إِلَّا بغامها خرساء)
(عرفت لَيْلهَا الطَّوِيل وليلي
…
إِن ذَا النّوم للعيون غطاء))
وَأورد سَبَب هَذِه القصيدة بِسَنَدِهِ عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: كَانَ الْوَلِيد
بن عقبَة قد
اسْتعْمل الرّبيع بن مري بن أَوْس بن حَارِثَة بن لأم الطَّائِي على الْحمى فِيمَا بَين الجزيرة وَظهر الْحيرَة فأجدبت الجزيرة.
وَكَانَ أَبُو زبيدٍ فِي تغلب. فَخرج لَهُم ليرعيهم فَأبى عَلَيْهِ الأوسي وَقَالَ: إِن شِئْت أرعيك وَحدك فعلت.
فَأتى أَبُو زبيد الْوَلِيد بن عقبَة فَأعْطَاهُ مَا بَين الْقُصُور الْحمر من الشَّام إِلَى الْقُصُور الْحمر من الْحيرَة وَجعلهَا لَهُ حمى وَأَخذهَا من الآخر.
قَالَ عمر بن شبة فِي خَبره خَاصَّة: فَلَمَّا عزل الْوَلِيد عَن الْكُوفَة وَولي سعد ابْن أبي وَقاص مَكَانَهُ انتزعها مِنْهُ وأخرجها من يَده فَقَالَ أَبُو زبيد:
(وَلَقَد مت غير أَنِّي حيٌّ
…
يَوْم بَانَتْ بودها خنساء)
إِلَى آخر القصيدة.
وَأَبُو زبيدٍ الطَّائِي: شَاعِر نصرانيٌّ كَانَ فِي صدر الْإِسْلَام وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي