الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده
3 -
(الشَّاهِد الثَّامِن بعد الْخَمْسمِائَةِ)
: الطَّوِيل
على أَن الْأَغْلَب مَجِيء إِذا الفجائية فِي جَوَاب بَينا كَمَا فِي الْبَيْت.
وَقد تقترن الْفَاء الزَّائِدَة بإذا كَمَا قَالَ ابْن عبدل وَهُوَ من شعراء الحماسة: الْكَامِل
(بيناهم بِالظّهْرِ قد جَلَسُوا
…
يَوْمًا بِحَيْثُ تنْزع الذّبْح)
(فَإِذا ابْن هندٍ فِي مواكبه
…
تهدي بِهِ خطارةٌ سرح)
قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: يَوْمًا مَنْصُوب لِأَنَّهُ بدل من بَينا أَلا ترى أَن مَعْنَاهُ بَين أَوْقَات هم قد جَلَسُوا وَذَلِكَ الْبَين هُوَ الْيَوْم الَّذِي أبدله مِنْهُ. وَلَيْسَ يَعْنِي بِالْيَوْمِ الْمِقْدَار الْمَعْرُوف من طُلُوع الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا وَإِنَّمَا يُرِيد الْوَقْت مُبْهما لَا يخص بِهِ مِقْدَارًا من الزَّمَان. وَقد يكون بُرْهَة من الدَّهْر تشْتَمل على الْأَيَّام والليالي. وَزَاد الْفَاء فِي قَوْله: فَإِذا وَإِنَّمَا أَرَادَ: بيناهم كَذَلِك إِذا ابْن هِنْد قد فعل كَذَا. انْتهى.
وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن بَينا يجوز اقتران جوابها بإذا وَإِن أبدل مِنْهَا ظرف زمانٍ آخر.
وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: وَلَا يَجِيء بعد إِذا المفاجأة إِلَّا الْفِعْل الْمَاضِي أَرَادَ: مَعَ بَينا وبينما وَهُوَ الظَّاهِر كَقَوْلِه: الْبَسِيط
فَبَيْنَمَا الْعسر إِذْ دارت مياسير وَأما مَعَ غَيرهمَا فَلَا تَأتي المفاجأة. قَالَ أَبُو حَيَّان فِي الارتشاف وَتَأْتِي إِذْ للمفاجأة. قَالَ وَلَا تكون للمفاجأة إِلَّا بعد بَينا وبينما. انْتهى.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: تكون إِذْ للمفاجأة نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ وَهِي الْوَاقِعَة بعد بَينا وبينما.
وَأَجَازَ الرضي مجيئها لَهَا فِي غير جوابهما فِيمَا يَأْتِي قبل إِيرَاد قَوْله: بَينا تعنقه الكماة
…
الْبَيْت الْآتِي فَقَالَ: وَقد تَجِيء إِذْ للمفاجأة فِي غير جَوَاب بَينا وبينما كَمَا فِي قَوْلك: كنت واثقاً إِذْ جَاءَنِي عَمْرو.
هَذَا كَلَامه.
وَهَذَا يحْتَاج إِلَى إثْبَاته بِكَلَام من يوثق بِهِ. قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: قَوْله: بَينا نسوس النَّاس إِلَخ أَرَادَ بَين فأشبع الفتحة فَأَنْشَأَ عَنْهَا ألفا. قَالَ أَبُو عَليّ: أَصله بَين أوقاتٍ نسوس النَّاس)
وَالْعَامِل فِي بَينا مَا دلّ عَلَيْهِ قَوْله: إِذا نَحن فيهم سوقة نتنصف أَلا ترى أَن مَعْنَاهُ بَين هَذِه الْأَوْقَات خدمنا النَّاس وذللنا كَمَا
أَن قَوْله تَعَالَى: وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون تَأْوِيله: قَنطُوا. فوقوع إِذا هَذِه المكانية جَوَابا للشّرط من أقوى دَلِيل على قُوَّة شبهها بِالْفِعْلِ. وَإِذا هَذِه مَنْصُوبَة بِالْفِعْلِ بعْدهَا وَلَيْسَت مُضَافَة إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إِذْ
(بَيْنَمَا النَّاس على عليائها
…
إِذْ هووا فِي هوة مِنْهَا فغاروا)
إِذْ مَنْصُوبَة الْموضع بهووا.
وَقَالَ أَيْضا فِي سر الصِّنَاعَة: أشْبع الفتحة فِي بَينا فَحدث بعْدهَا ألف. فَإِن قيل: فإلام أضَاف بَين وَقد علمنَا أَن هَذَا الظّرْف لَا يُضَاف من الْأَسْمَاء إِلَّا إِلَى مَا يدل على أَكثر من الْوَاحِد وَمَا عكف عَلَيْهِ غَيره بِالْوَاو نَحْو المَال بَين زيد وَعَمْرو وَقَوله: نسوس النَّاس جملَة وَالْجُمْلَة لَا مَذْهَب لَهَا بعد هَذَا الظّرْف فَالْجَوَاب: أَن هَا هُنَا وَاسِطَة محذوفة وَالتَّقْدِير: بَين أَوْقَات نسوس النَّاس خدمنا أَي: خدمنا بَين أَوْقَات سياستنا النَّاس والجمل مِمَّا يُضَاف إِلَيْهَا أَسمَاء الزَّمَان نَحْو أَتَيْتُك زمن الْحجَّاج أَمِير.
ثمَّ إِنَّه حذف الْمُضَاف الَّذِي هُوَ أَوْقَات وَأولى الظّرْف الَّذِي كَانَ مُضَافا إِلَى الْمَحْذُوف الْجُمْلَة الَّتِي أُقِيمَت مقَام الْمُضَاف إِلَيْهَا كَقَوْلِه عز وجل: واسئل الْقرْيَة أَي: أَهلهَا. هَكَذَا علقت عَن أبي عَليّ فِي تَفْسِير هَذِه اللَّفْظَة وَقت الْقِرَاءَة عَلَيْهِ وَقل من يضْبط ذَلِك إِلَّا من كَانَ متقناً
أصيلاً فِي هَذِه الصِّنَاعَة. انْتهى.
وَهَكَذَا كل من شرح بَينا قَالَ: الْألف نشأت عَن إشباع الفتحة. وَزعم الْفراء أَن أصل بَينا بَيْنَمَا فحذفت الْمِيم.
وَقَالَ زين الْعَرَب فِي أول شرح المصابيح: وَقَول الْجَوْهَرِي نشأت الْألف من إشباع الفتحة فَفِيهِ نظر وَهُوَ أَن الْألف إِنَّمَا تتولد من الفتحة فِي القافية. وَالْحق أَن بَينا أَصله بَينا بِالتَّنْوِينِ والتنوين فِيهِ للعوض عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ الْمَحْذُوف. وَهُوَ الْأَوْقَات ثمَّ أبدل الْألف من التَّنْوِين فِي الْوَصْل إِجْرَاء للوصل مجْرى الْوَقْف فثبتت الْألف ثُبُوتهَا فِي الْوَقْف بدل التَّنْوِين. وَأما بَيْنَمَا فَمَا فِيهِ بِمَعْنى الزَّمَان فَلَا حذف فِيهِ أَو مَا فِيهِ زَائِدَة بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ. انْتهى.
وعَلى هَذَا فألف بَينا عوض الْعِوَض. وَمثله غير مَعْرُوف. وَيَقْتَضِي أَيْضا أَن يكون بَينا غير)
مُضَاف إِلَى الْجُمْلَة.
وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: لما قصد إِلَى إِضَافَة بَين إِلَى جملَة زادوا عَلَيْهِ مَا الكافة أَو أشبعوا الفتحة. يُرِيد أَن مَا وَالْألف كفتا بَين عَن الْإِضَافَة إِلَى الْمُفْرد وهيآها للإضافة إِلَى جملَة. وَهَذَا
شيءٌ غَرِيب وَالْمَشْهُور أَن الْألف من إشباع الفتحة وَبَين مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة من غير تعرض لكف وتهيئة.
وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْألف زَائِدَة من غير إشباع وَهِي كَافَّة لبين عَن الْإِضَافَة. كَذَا نفل ابْن هِشَام فِي الْألف اللينة من الْمُغنِي.
وَقَالَ أَيْضا فِي بحث مَا الكافة للظروف عَن الْإِضَافَة: إِن مَا تكون كَافَّة لبيت عَن الْإِضَافَة
(بَيْنَمَا نَحن بالأراك مَعًا
…
إِذْ أَتَى راكبٌ على جمله)
وَقيل: مَا زَائِدَة وَبَين مضافةٌ إِلَى الْجُمْلَة وَقيل: زَائِدَة وَبَين مُضَافَة إِلَى زمن محذوفٍ مضافٍ إِلَى الْجُمْلَة أَي: بَين أَوْقَات نَحن بالأراك والأقوال الثَّلَاثَة فِي بَين مَعَ الْألف فِي نَحْو قَوْله: فَبينا نسوس النَّاس الْبَيْت. انْتهى.
أَقُول: صَاحب القَوْل الثَّانِي لَا بُد لَهُ من تَقْدِير الْأَوْقَات فَلَا يباين القَوْل الثَّالِث. وَلم يتَنَبَّه شراحه.
وَقَوله: والأقوال الثَّلَاثَة فِي بَين مَعَ الْألف. فَالْأول: تكون الْألف كَافَّة عَن الْإِضَافَة. وَالثَّانِي: أَنَّهَا زَائِدَة وَبَين مُضَافَة إِلَى الْجُمْلَة. وَالثَّالِث: أَنَّهَا زَائِدَة وَبَين مُضَافَة إِلَى الزَّمن الْمَذْكُور.
وَيرد على هَذَا أَيْضا مَا ذكرنَا وَالصَّوَاب أَن الْقَوْلَيْنِ الْأَخيرينِ فيهمَا قولٌ وَاحِد.
وَقَالَ زين الْعَرَب: هَذِه الْألف عوض عَن الْأَوْقَات المحذوفة وَكَذَلِكَ مَا عوضٌ عَنْهَا.
وَهَذَا غير قَوْله الأول الَّذِي جعله الْحق عِنْده.
وَالْحَاصِل أَن فِي ألف بَينا خَمْسَة أَقْوَال:
أَحدهَا: إشباعٌ لتهيئة بَين للإضافة.
وَثَانِيها: أَنَّهَا مجتلبة للكف عَن الْإِضَافَة.
وَرَابِعهَا: أَنَّهَا بدلٌ من تَنْوِين الْعِوَض.
وخامسها أَنَّهَا بَقِيَّة مَا. وَهُوَ أبعد الْأَقْوَال.
والجيد مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّارِح الْمُحَقق.)
وَالْبَيْت أول بَيْتَيْنِ لحرقة بنت النُّعْمَان بن الْمُنْذر أوردهما أَبُو تَمام فِي الحماسة وَالرِّوَايَة: بَيْنَمَا نسوس بِإِسْقَاط الْفَاء على الحزم. وَالثَّانِي:
(فأف لدُنْيَا لَا يَدُوم نعيمها
…
تقلب تاراتٍ بِنَا وَتصرف)
تَقول: بَينا نستخدم النَّاس وندبر أُمُورهم وطاعتنا واجبةٌ عَلَيْهِم وأحكامنا نَافِذَة تقلبت الْأُمُور واتضعت الْأَحْوَال وصرنا سوقة تخْدم النَّاس.
ونسوس من سَاس زيدٌ الْأَمر يسوسه سياسةً: دبره وَقَامَ بأَمْره. والسياسة لَفْظَة عَرَبِيَّة خَالِصَة زعم بَعضهم أَنَّهَا مُعرب سه يسا وَهِي لَفْظَة مركبة من كَلِمَتَيْنِ أولاهما أَعْجَمِيَّة وَالْأُخْرَى تركية. فسه بِالْفَارِسِيَّةِ ثَلَاثَة ويسا بالمغلية التَّرْتِيب فَكَأَنَّهُ قَالَ: التراتيب الثَّلَاثَة.
قَالَ: وَسَببه على مَا فِي النُّجُوم الزاهرة أَن جنكزخان
الملعون ملك الْمغل
قسم ممالكه بَين أَوْلَاده وأوصاهم بوصايا أَن لَا يخرجُوا عَنْهَا فجعلوها قانوناً فسموها بذلك. ثمَّ غيروها فَقَالُوا: سياسة.
وَهَذَا شَيْء لَا أصل لَهُ فَإِنَّهَا لَفْظَة عَرَبِيَّة متصرفة تَكَلَّمت بهَا الْعَرَب قبل أَن يخلق جنكزخان فَإِنَّهُ كَانَ فِي تَارِيخ الستمائة وصاحبة هَذَا الْبَيْت قبله بأربعمائة سنة. نعم لَو قيل أفريدون بدل جنكزخان لَكَانَ لَهُ وَجه فَإِنَّهُ قسم مَمْلَكَته بَين أَوْلَاده الثَّلَاث: سلم وتور وإيرج ورتب لَهُم قوانين ثَلَاثَة.
وَقَوْلها: وَالْأَمر أمرنَا فِيهِ قصر إِفْرَاد تُرِيدُ: لَا أحد يشاركنا فِي السلطنة وَلَا يَد فَوق أَيْدِينَا.
والسوقة بِالضَّمِّ قَالَ الحريري فِي درة الغواص: وَمِنْه أَيْضا توهمهم أَن السوقة اسمٌ لأهل السُّوق.
وَلَيْسَ كَذَلِك بل السوقة الرّعية. سموا بذلك لِأَن الْملك يسوقهم إِلَى إِرَادَته.
وَيَسْتَوِي لفظ الْوَاحِد وَالْجَمَاعَة فِيهِ فَيُقَال: رجل سوقةٌ وقومٌ سوقة كَمَا قَالَت الحرقة بنت النُّعْمَان: فَبينا نسوق النَّاس
…
. الْبَيْت.
فَأَما أهل السُّوق فهم السوقيون واحدهم سوقي والسوق فِي كَلَام الْعَرَب تذكر وتؤنث.
انْتهى.
وَالْمَشْهُور فِي رِوَايَة الْبَيْت: بَينا نسوس بدل نسوق.
وَمثله فِي لحن الْعَامَّة للجواليقي قَالَ: يذهب عوام النَّاس
إِلَى أَن السوقة أهل السُّوق وَذَلِكَ خطأ إِنَّمَا السوقة من لَيْسَ يملك تَاجِرًا كَانَ أَو غير تَاجر بِمَنْزِلَة الرّعية. وَسموا سوقة لِأَن الْملك)
يسوقهم فينساقون لَهُ ويصرفهم على مُرَاده. يُقَال للْوَاحِد: سوقة وللاثنين: سوقة. وَرُبمَا جمع سوقا.
قَالَ زُهَيْر: الْبَسِيط
(يطْلب شأو امرأين قدما حسنا
…
نالا الْمُلُوك وبذا هَذِه السوقا)
وَأما أهل السُّوق فالواحد سوقي وَالْجَمَاعَة سوقيون. انْتهى.
وَنقل الصَّاغَانِي فِي الْعباب هَذِه الْعبارَة وَزَاد: وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث.
ونتنصف بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أَي: نخدم. قَالَ ابْن السّكيت: نصفهم ينصفهم وينصفهم بِضَم الصَّاد وَكسرهَا نصافاً ونصافة بكسرهما أَي: خدمهم. وَكَذَلِكَ تنصف. والناصف: الْخَادِم وَالْجمع نصف بِفتْحَتَيْنِ وَكَذَلِكَ الْمنصف بِفَتْح الْمِيم وَكسرهَا: الْخَادِم وَالْجمع مناصف.
وَظَاهر تَفْسِير ابْن الشجري إِيَّاه بقوله: أَي نستخدم أَنه بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول.
وَوَقع فِي بعض نسخ مُغنِي اللبيب لَيْسَ ننصف بدل نتنصف أَي: نعامل بالإنصاف. وَلم أر من روى كَذَا.
وَقَوْلها: فأف لدُنْيَا إِلَخ أَي: تحقيراً لدُنْيَا نعيمها يَزُول وجمالها لَا يَدُوم بل تتحول وتتقلب بِأَهْلِهَا. وتقلب وَتصرف كِلَاهُمَا مضارع وَالْأَصْل: تتقلب وتتصرف أَي: تَتَغَيَّر. وأُفٍّ بِكَسْر
وحرقة بِضَم الْحَاء وَفتح الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ بعْدهَا قَاف وَهِي بنت النُّعْمَان ابْن الْمُنْذر اللَّخْمِيّ ملك الْحيرَة بِظهْر الْكُوفَة. وَهِي امْرَأَة شريفة شاعرة. كَذَا ذكرهَا الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف.
وَأنْشد لَهَا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ.
ولحرقة هَذِه أخٌ اسْمه حريق مصغر اسْمهَا. قَالَ هَانِئ بن قبيصَة يَوْم ذِي قار: المنسرح
(أقسم بِاللَّه نسلم الحلقه
…
وَلَا حريقاً وَأُخْته حرقه)
(حَتَّى يظل الرئيس منجدلاً
…
ويقرع السهْم طرة الدرقه)
كَذَا ذكرهَا العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف وَأنْشد لَهَا الْبَيْتَيْنِ وَقَالَ: وَلها خبر مَعَ سعد بن أبي وَقاص.
وَذكرهَا الجاحظ فِي كتاب المحاسن والمساوي قَالَ: زَعَمُوا أَن زِيَاد بن أَبِيه مر بِالْحيرَةِ فَنظر إِلَى دير هُنَاكَ فَقَالَ لِخَادِمِهِ: لمن هَذَا قَالَ: دير حرقة بنت النُّعْمَان ابْن الْمُنْذر. فَقَالَ: ميلوا بِنَا لنسمع كَلَامهَا. فَجَاءَت إِلَى وَرَاء الْبَاب فكلمها الْخَادِم فَقَالَ هَا: كلمي الْأَمِير. قَالَت: أوجز أم)
أطيل قَالَ: بل أوجزي. قَالَت: كُنَّا أهل بيتٍ طلعت الشَّمْس علينا وَمَا على الأَرْض أحدٌ أعز منا فَمَا غَابَتْ تِلْكَ الشَّمْس حَتَّى رحمنا عدونا. قَالَ:
فَأمر لَهَا بأوساق من شعير فَقَالَت: أطعمتك يدٌ شبعي جاعت وَلَا أطعمتك يدٌ جوعى شبعت.
(سل الْخَيْر أهل الْخَيْر قدماً وَلَا تسل
…
فَتى ذاق طعم الْخَيْر مُنْذُ قريب)
وَيُقَال: إِن فَرْوَة بن إِيَاس بن قبيصَة انْتهى إِلَى دير حرقة بنت النُّعْمَان فألفاها وَهِي تبْكي فَقَالَ لَهَا: مَا يبكيك قَالَت: مَا من دارٍ امْتَلَأت سُرُورًا إِلَّا امْتَلَأت بعد ذَلِك ثبوراً ثمَّ قَالَت: فَبينا نسوس النَّاس وَالْأَمر أمرنَا
…
...
…
... . . الْبَيْتَيْنِ قَالَ: وَقَالَت حرقة بنت النُّعْمَان لسعد بن أبي وَقاص: لَا جعل الله إِلَى لئيم حَاجَة وَلَا زَالَت لكريمٍ إِلَيْك حَاجَة وَعقد لَك المنن فِي أَعْنَاق الْكِرَام وَلَا أَزَال بك عَن كريمٍ نعْمَة وَلَا أزالها عَنهُ بغيرك إِلَّا جعلك سَببا لردها عَلَيْهِ. انْتهى.
وَأورد خبر سعد بن أبي وَقاص مَعهَا بأتم من هَذَا الْمعَافى بن زَكَرِيَّا فِي كتاب الجليس بِسَنَدِهِ إِلَى حسان بن أبان قَالَ: لما قدم سعد بن أبي وَقاص الْقَادِسِيَّة أَمِيرا
أَتَتْهُ حرقة بنت النُّعْمَان بن الْمُنْذر فِي جوارٍ كُلهنَّ مثل زيها يطلبن صلته. فَلَمَّا وقفن بَين يَدَيْهِ قَالَ: أيتكن حرقة قُلْنَ: هَذِه. قَالَ لَهَا: أَنْت حرقة قَالَت: نعم فَمَا تكرارك استفهامي إِن الدُّنْيَا دَار زَوَال وَإِنَّهَا لَا تدوم على حَال إِنَّا كُنَّا مُلُوك هَذَا الْمصر قبلك يجبى إِلَيْنَا خراجه
ويطيعنا أَهله زمَان الدولة فَلَمَّا أدبر الْأَمر وانقضى صَاح بِنَا صائح الدَّهْر فصدع عصانا وشتت ملأنا. وَكَذَلِكَ الدَّهْر يَا سعد إِنَّه لَيْسَ من قومٍ بسرور وحبرة إِلَّا والدهر معقبهم حسرة ثمَّ أنشأت تَقول: فَقَالَ سعد: قَاتل الله عدي بن زيد كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهَا حَيْثُ يَقُول:
(إِن للدهر صولةً فأحذرنها
…
لَا تبيتن قد أمنت السرورا)
(قد يبيت الْفَتى معافًى فيرزا
…
وَلَقَد كَانَ آمنا مَسْرُورا)
وَأَكْرمهَا سعدٌ وَأحسن جائزتها فَلَمَّا أَرَادَت فِرَاقه قَالَت لَهُ: حَتَّى أحييك بِتَحِيَّة أملاكنا بَعضهم بَعْضًا: لَا جعل الله لَك إِلَى لئيم حَاجَة وَلَا زَالَ الْكَرِيم عنْدك حَاجَة وَلَا نزع من عبدٍ صَالح نعْمَة إِلَّا جعلك سَببا لردها عَلَيْهِ فَلَمَّا خرجت من عِنْده تلقاها نسَاء الْمصر فَقُلْنَ لَهَا: مَا صنع بك الأكير قَالَت: الْخَفِيف
(حاط لي ذِمَّتِي وَأكْرم وَجْهي
…
إِنَّمَا يكرم الْكَرِيم الْكَرِيم))
انْتهى نَقله من شرح أَبْيَات الْمُغنِي للسيوطي.
وَنسب ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ إِلَى هِنْد بنت النُّعْمَان بن الْمُنْذر.
وَلَعَلَّ حرقة يكون لقباً لهِنْد أَو أُخْتا لَهَا. قَالَ: هِنْد بنت النُّعْمَان لَهَا ديرٌ بِظَاهِر الْكُوفَة باقٍ إِلَى الْيَوْم. وَلما كَانَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة الثَّقَفِيّ والياً بِالْكُوفَةِ من قبل مُعَاوِيَة وَكَانَ أحد دهاة الْعَرَب أرسل إِلَى هِنْد بنت النُّعْمَان يخطبها وَكَانَت قد عميت فَأَبت وَقَالَت: والصليب مَا فِي رَغْبَة لجمال وَلَا لِكَثْرَة مَال وَأي رغبةٍ لشيخ أَعور فِي عَجُوز عمياء وَلَكِن أردْت أَن تَفْخَر بنكاحي
(أدْركْت مَا منيت نَفسِي خَالِيا
…
لله دَرك يَا ابْنة النُّعْمَان)
(فَلَقَد رددت على الْمُغيرَة ذهنه
…
إِن الْمُلُوك ذكية الأذهان)
(إِنِّي لحلفك بالصليب مصدقٌ
…
والصلب أصدق حلفة الرهبان)
وَكَانَت بعد ذَلِك تدخل عَلَيْهِ فيكرمها ويبرها. وسألها يَوْمًا عَن حَالهَا فأنشدت: بَينا نسوس النَّاس وَالْأَمر أمرنَا
…
...
…
... . . الْبَيْتَيْنِ وَرُوِيَ أَن الْمُغيرَة هَذَا أدْمى ثَمَانِينَ بكرا وَمَات بِالْكُوفَةِ وَهُوَ أميرها بالطاعون سنة خمسين.
انْتهى.
وَأورد هنداً هَذِه إِسْمَاعِيل الْموصِلِي فِي كتاب الْأَوَائِل قَالَ: أول امْرَأَة أحبت امْرَأَة فِي الْعَرَب هِنْد بنت النُّعْمَان بن الْمُنْذر كَانَت تهوى زرقاء الْيَمَامَة فَلَمَّا قتلت الزَّرْقَاء ترهبت هِنْد ولبست المسوح وَبنت