الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ: التعس: السُّقُوط على الْقَفَا.
وَزَاد ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ: الرجز
(فِيهَا عجوزٌ لَا تَسَاوِي فلسًا
…
لَا تَأْكُل الزبدة إِلَّا نهسا)
وَالْبَيْت الشَّاهِد من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي مَا عرف قَائِلهَا. وَقَالَ ابْن المستوفي: وجدت هَذِه الأبيات الثَّمَانِية فِي كتاب نحوٍ قديم للعجاج أبي رؤبة. واراه بَعيدا من نمطه.
وَقَوله: لَا تَأْكُل الزبدة إِلَّا نهسا أَي: لَا أَسْنَان لَهَا فَهِيَ تنهسها. وَهُوَ إغراقٌ وإفراط. والنهس: أَخذ اللَّحْم بِمقدم الْأَسْنَان. انْتهى.
وَأنْشد بعده
3 -
(الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)
الْبَسِيط
(لاه ابْن عمك لَا أفضلك فِي حسبٍ
…
عني وَلَا أَنْت دياني فتخوني)
على أَن أصل لاه ابْن عمك: لله ابْن عمك فَحذف لَام الْجَرّ لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَقدر لَام التَّعْرِيف فَبَقيَ: لاه ابْن عمك فَبنِي لتضمن الْحَرْف.
وصريحه أَن كسرة الْهَاء كسرة بِنَاء وَظَاهر كَلَام الْمفصل أَنَّهَا كسرة إِعْرَاب قَالَ: وتضمر أَي: بَاء الْقسم كَمَا تضمر اللَّام فِي: لاه أَبوك فَإِن الْمُضمر يبْقى
مَعْنَاهُ وأثره بِخِلَاف الْمَحْذُوف فَإِنَّهُ يبْقى مَعْنَاهُ وَلَا يبْقى أَثَره. كَذَا حَقَّقَهُ السَّيِّد عِنْد قَول الْكَشَّاف فِي تَفْسِير: يجْعَلُونَ
أَصَابِعهم لِأَن الْمَحْذُوف باقٍ مَعْنَاهُ وَإِن سقط لَفظه.
قَالَ ابْن يعِيش فِي شَرحه: اعْلَم أَنهم يَقُولُونَ: لاه أَبوك ولاه ابْن عمك يُرِيدُونَ: لله أَبوك وَللَّه ابْن قَالَ الشَّاعِر: لاه ابْن عمك لَا أفضلت فِي حسبٍ
…
...
…
... . . الْبَيْت أَي: لله ابْن عمك فحذفت لَام الْجَرّ وَلَام التَّعْرِيف وَبقيت اللَّام الْأَصْلِيَّة. هَذَا رَأْي سِيبَوَيْهٍ.
وَأنكر ذَلِك الْمبرد وَكَانَ يزْعم أَن الْمَحْذُوف لَام التَّعْرِيف وَاللَّام الْأَصْلِيَّة والباقية هِيَ لَام الْجَرّ وَإِنَّمَا فتحت لِئَلَّا ترجع الْألف إِلَى الْيَاء مَعَ أَن أصل لَام الْجَرّ الْفَتْح.
وَرُبمَا قَالُوا لهي أَبوك فقلبوا اللَّام إِلَى مَوضِع الْعين وَسَكنُوا لِأَن الْعين كَانَت سَاكِنة وَهِي الْألف وَبَنوهُ على الْفَتْح لأَنهم حذفوا مِنْهُ لَام التَّعْرِيف وتضمن مَعْنَاهَا فَبنِي لذَلِك كَمَا بني أمس والآن وَفتح آخِره تَخْفِيفًا لما دخله من الْحَذف والتغيير. انْتهى.
وَقَالَ الأندلسي فِي شَرحه أَيْضا عِنْد قَوْله وتضمر كَمَا تضمر اللَّام إِلَخ: هَذَا هُوَ الْوَجْه الثَّالِث وَهُوَ أَن تحذف الْحَرْف لفظا وتقدره معنى فَيبقى عمله كَمَا تضمر رب.
وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: قَوْله لاه أَرَادَ: لله حذف لَام الْجَرّ وَاللَّام الأولى من الله.
وَكَانَ الْمبرد يرى أَنه حذف
اللامين من الله وَأبقى لَام الْجَرّ وَفتحهَا. وحجته أَن حرف الْجَرّ لَا يجوز أَن يحذف. انْتهى.
وَقَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: قَوْله: لاه ابْن عمك أَصله لله فَحذف لَام الْجَرّ وأعملها محذوفة)
كَمَا فِي قَوْله الله لَأَفْعَلَنَّ وأتبعها فِي الْحَذف لَام التَّعْرِيف فَبَقيَ لاه بِوَزْن عَال.
وَلَا يجوز أَن تكون اللَّام فِي لاه لَام الْجَرّ وَفتحت لمجاورتها للألف كَمَا زعم بعض النَّحْوِيين لأَنهم قَالُوا: لهي أَبوك بِمَعْنى لله أَبوك ففتحوا اللَّام وَلَا مَانع لَهَا من الْكسر فِي لهي لَو كَانَت الجارة وَإِنَّمَا يفتحون لَام الْجَرّ مَعَ الْمُضمر فِي نَحْو: لَك وَلنَا وفتحوها فِي الاستغاثة إِذا دخلت على الِاسْم المستغاث بِهِ لِأَنَّهُ أشبه الضَّمِير من حَيْثُ كَانَ منادًى والمنادى يحل مَحل الْكَاف من نَحْو: أَدْعُوك.
فَإِن قيل: فَكيف يتَّصل الِاسْم بِالِاسْمِ فِي قَوْله لاه ابْن عمك بِغَيْر وَاسِطَة وَإِنَّمَا يتَّصل الِاسْم بِالِاسْمِ فِي نَحْو: لله زيد ولأخيك ثوب بِوَاسِطَة اللَّام فَالْجَوَاب: أَن اللَّام أوصلت الِاسْم بِالِاسْمِ وَهِي مقدرَة كَمَا تجملت الْجَرّ وَهِي مقدرَة. انْتهى.
فَهَؤُلَاءِ كلهم صَرَّحُوا بِأَن الكسرة إِعْرَاب وَأَن لاه مجرورة بِاللَّامِ المضمرة.
وَكَأَنَّهُ وَالله أعلم اختصر كَلَامه من أمالي ابْن الشجري فَوَقع فِيمَا وَقع. وَهَذِه عبارَة ابْن الشجري:
أَقُول: إِن الِاسْم الَّذِي هُوَ لاه على هَذَا القَوْل تَامّ وَهُوَ أَن يكون أَصله: ليه على وزن جبل وَمن قَالَ: لهي أَبوك فَهُوَ مقلوب من لاه فَقدمت لامه الَّتِي هِيَ الْهَاء على عينه الَّتِي هِيَ الْيَاء فوزنه فلع.
وَكَانَ أَصله بعد تَقْدِيم لامه على عينه: للهي فحذفوا لَام الْجَرّ ثمَّ لَام التَّعْرِيف وضمنوه معنى لَام التَّعْرِيف فبنوه كَمَا ضمنُوا مَعْنَاهَا أمس فَوَجَبَ بِنَاؤُه وحركوا الْيَاء لسكون الْهَاء قبلهَا واختاروا لَهَا الفتحة لخفتها. انْتهى.
وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق كَمَا هُوَ أحد مذهبي سِيبَوَيْهٍ فِي الله وَهُوَ أَنه من لاه يَلِيهِ قَالَ ابْن الشجري: أصل هَذَا الِاسْم الَّذِي هُوَ الله تَعَالَى مُسَمَّاهُ إلاه فِي أحد قولي سِيبَوَيْهٍ بِوَزْن فعال ثمَّ لاه بِوَزْن عَال.
وَلما حذفوا فاءه عوضوا مِنْهَا لَام التَّعْرِيف فصادفت وَهِي سَاكِنة اللَّام الَّتِي هِيَ عينٌ وَهِي متحركة فأدغمت فِيهَا. إِلَى أَن قَالَ: وَهَذَا قَول يُونُس بن حبيب وَأبي الْحسن الْأَخْفَش وَعلي بن حَمْزَة الْكسَائي وَيحيى بن زِيَاد الْفراء وقطرب بن المستنير.
وَقَالَ بعد وفاقه لهَذِهِ الْجَمَاعَة: وَجَائِز أَن يكون أَصله لاه وأصل لاه ليه على وزن جبل ثمَّ)
أَدخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام فَقيل الله. وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقول الْعَرَب: لهي أَبوك يُرِيد لاه أَبوك.
قَالَ: فتقديره على هَذَا القَوْل فعل وَالْوَزْن وزن بَاب وَدَار.
(كحلفةٍ من أبي رياحٍ
…
يسْمعهَا لاهه الْكِبَار)
وَلِذِي الإصبع العدواني: لاه ابْن عمك لَا أفضلت فِي حسبٍ
…
...
…
... . . الْبَيْت انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ. هَذَا كَلَامه.
وَأَقُول: هَذَانِ البيتان ليسَا بموجودين فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ كَمَا نبهنا سَابِقًا فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة.
وَقد تكلم أَبُو عَليّ الْفَارِسِي على قَوْلهم: لهي أَبوك فِي التَّذْكِرَة القصرية
وَفِي إِيضَاح الشّعْر فَلَا بَأْس بِنَقْل كلاميه لمزيد الْفَائِدَة والإيضاح: قَالَ فِي التَّذْكِرَة: لهي أَبوك مقلوب من لاه على القَوْل الَّذِي لاه فِيهِ فعل أَي: بِفتْحَتَيْنِ لَا على القَوْل الَّذِي لاه فِيهِ عَال محذوفة الْفَاء وَهِي همزَة إلاه.
وَمن إِشْكَال هَذِه الْمَسْأَلَة مُخَالفَة وَزنهَا لوزن مَا قلبت مِنْهُ لِأَن الأَصْل فعل أَي: بِفتْحَتَيْنِ ولهي فلع أَي: بِسُكُون اللَّام.
وَمن إشكالها أَيْضا أَن المقلوب مِنْهُ مُعرب وَهُوَ لاه والمقلوب مَبْنِيّ على الْفَتْح وَهِي لهي. وَإِنَّمَا جعلنَا لهي هُوَ المقلوب لِأَنَّهُ أقل تمَكنا وَأكْثر تغييراً بِدَلِيل أَن اسْم الله تَعَالَى مُعرب متصرف فِي الْخَبَر والنداء أَي: لَيْسَ هُوَ مَبْنِيا وَدخُول جَمِيع العوامل عَلَيْهِ ولهي أَبوك مَبْنِيّ لَا يَزُول عَن هَذَا الْموضع فَهُوَ بِهَذَا أَكثر تغييراً وَأَقل تمَكنا.
وَلَا يخرج لاه فِي كَلَامهم مَعَ مَا ذكرنَا من الدَّلِيل على أَنه الأَصْل أَنه لَيْسَ أصل اشتق مِنْهُ إِذْ كَانَ فِي كَلَامهم مَا الْعين فِيهِ يَاء كثيرٌ. فَأَما مُخَالفَة وزن لهي الأَصْل الَّذِي قلبت مِنْهُ فقد جَاءَ مثله قَالُوا فوقٌ فعين الْفِعْل مِنْهُ سَاكِنة وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس: الهزج ونبلي وفقاها كعراقيب فَقلب الْعين إِلَى مَوضِع اللَّام وحرك اللَّام كَمَا سكن اللَّام فِي لهي وَذَلِكَ لِأَن
المقلوب بِنَاء مُسْتَأْنف فَجَائِز أَن يَأْتِي مُخَالفا لما قلب مِنْهُ.
يدلك على أَنه بِنَاء مُسْتَأْنف قَوْلهم: قسي هُوَ مقلوب من قووس وهم لَا يَتَكَلَّمُونَ بقووس)
الْبَتَّةَ فتركهم الْكَلَام بِالْأَصْلِ يدلك على أَن المقلوب مَبْنِيّ بِنَاء مستأنفاً لِأَنَّهُ لَو لم يكن مستأنفاً وَكَانَ هُوَ المقلوب مِنْهُ لَكَانَ المقلوب مِنْهُ متكلماً بِهِ.
وَإِذا ثَبت أَنه بِنَاء مُسْتَأْنف لم يُنكر أَن يَأْتِي على غير وزن المقلوب مِنْهُ كَمَا أَنه لما أَن كَانَت أبنيته مستأنفة لم يُنكر أَن تَجِيء على وزن الْوَاحِد.
وَأما وَجه بنائِهِ فَهُوَ أَنه تضمن معنى حرف التَّعْرِيف كَمَا تضمن أمس ذَلِك.
أَلا ترى أَنه فِي معنى: لله أَبوك وَلَيْسَ فِيهِ حرف التَّعْرِيف. وحرك بِالْفَتْح كَرَاهَة للكسر مَعَ الْيَاء. وَلَا يحكم بِأَن لاه مَبْنِيّ وَأَنت تَجِد سَبِيلا إِلَى الحكم لَهُ بالإعراب.
أَلا ترى أَنه اسْم مُتَمَكن منصرف فَلَا يحكم لَهُ بِالْبِنَاءِ إِلَّا بِدَلِيل كَمَا لم يحكم للهي إِلَّا بِدَلِيل وَهُوَ الْفَتْح. انْتهى.
وصريح كَلَامه أخيراً يرد مَا زَعمه الشَّارِح من بِنَاء لاه.
وَقَالَ فِي إِيضَاح الشّعْر: تحذف حُرُوف الْمعَانِي مَعَ الْأَسْمَاء على ضروب: أَحدهَا: أَن يحذف الْحَرْف وَيضمن الِاسْم مَعْنَاهُ وَهَذَا يُوجب بِنَاء الِاسْم نَحْو أَيْن وَخَمْسَة عشر وأمس فِي قَول الْحِجَازِيِّينَ وَمن بناه ولهي أَبوك.
وَالْآخر: أَن يعدل الِاسْم عَن اسمٍ فِيهِ حرف فَهَذَا المعدول لَا يجب بِنَاؤُه لِأَنَّهُ لم يتَضَمَّن الْحَرْف فَيلْزم الْبناء كَمَا تضمنه الأول لِأَن الْحَرْف يُرَاد فِي ذَلِك الْبناء الَّذِي وَقع الْعدْل عَنهُ. وَإِذا كَانَ هُنَاكَ مرَادا لم يتَضَمَّن هُنَاكَ الِاسْم.
أَلا ترى أَنه محَال أَن يُرَاد ثمَّ فيعدل هَذَا عَنهُ ويتضمن مَعْنَاهُ لِأَنَّك إِذا ثَبت الْحَرْف فِي موضِعين فَلَا يكون حِينَئِذٍ عدلا.
أَلا ترى أَن الْعدْل إِنَّمَا هُوَ أَن تلفظ ببناءٍ وتريد الآخر فَلَا بُد من أَن يكون الْبناء المعدول غير المعدول ومخالفاً لَهُ. وَلَا شَيْء يَقع فِيهِ الْخلاف بَين سحر المعدول والمعدول عَنهُ إِلَّا إِرَادَة لَام التَّعْرِيف فِي المعدول عَنهُ وتعري المعدول مِنْهُ
فَلَو ضمنته مَعْنَاهُ لَكَانَ بِمَنْزِلَة إثْبَاته وَلَو أثْبته لم يكن عدلا. فَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يجز أَن يتضمنه وَإِذا لم يتضمنه لم يجز أَن يبْنى كَمَا بنى أمس.
وَالضَّرْب الثَّالِث: أَن تحذف الْحَرْف فِي اللَّفْظ وَيكون مرَادا فِيهِ. وَإِنَّمَا تحذفه من اللَّفْظ اختصاراً واسْتِخْفَافًا. فَهَذَا يجْرِي مجْرى الثَّبَات. فَمن هَذَا الْقسم الْحَذف فِي جَمِيع الظروف)
حذفت اختصاراً لِأَن فِي ذكرك الْأَسْمَاء
الَّتِي هِيَ ظروفٌ دلَالَة على إرادتها.
أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت: جَلَست خَلفك وقدمت الْيَوْم علم أَن هَذَا لَا يكون شَيْئا من أَقسَام المفعولات إِلَّا الظّرْف.
فَلَمَّا كَانَ كَذَلِك كَانَ حذفهَا بِمَنْزِلَة إِثْبَاتهَا لقِيَام الدّلَالَة عَلَيْهَا. فَإِذا كنيت رددت فِي الَّتِي كَانَت محذوفة للاختصار وللدلالة الْقَائِمَة عَلَيْهَا لِأَن الضَّمِير لَا يتَمَيَّز وَلَا ينْفَصل كَمَا كَانَ ذَلِك فِي الْمظهر.
أَلا ترى أَن الْهَاء فِي كِنَايَة الظّرْف كالهاء فِي كِنَايَة الْمَفْعُول بِهِ. فَإِذا رددت الْحَرْف الَّذِي كنت حذفته فوصلته بِهِ دلّ على أَنه من بَين المفعولات ظرف. فقد علمت بردك لَهُ فِي الْإِضْمَار أَنَّك لم تضمن الِاسْم معنى الْحَرْف فتبنيه وَأَنه مُرَاد فِي حَال الْحَذف لِأَن فِي ظُهُور الِاسْم دلَالَة عَلَيْهِ فحذفته لذَلِك.
فَهَذَا يشبه قَوْلهم: الله لَأَفْعَلَنَّ فِي أَنهم مَعَ حذفهم ذَلِك يجْرِي عِنْدهم مجْرى غير الْمَحْذُوف إِلَّا أَنه لما حذف فِي الظّرْف واستغني عَنهُ وصل الْفِعْل إِلَيْهِ فانتصب. وَالْجَار إِذا حذفوه على هَذَا الْحَد الَّذِي ذكرته لَك من أَن الدّلَالَة قَائِمَة على حذفه يجْرِي على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يُوصل الْفِعْل كباب الظروف واخترت الرِّجَال زيدا.
وَالْآخر: أَن يُوصل الْفِعْل وَلَكِن يكون الْحَرْف كالمثبت فِي اللَّفْظ فيجرون بِهِ كَمَا يجرونَ بِهِ وَهُوَ مُثبت وَذَلِكَ قَوْلهم: الله وكما قَامَ لنا من الدّلَالَة على حذفهم لَهُ فِي وبلدٍ وكما ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فِي: المتقارب
ونارٍ توقد بِاللَّيْلِ نَارا
وكما ذهب بعض الْمُتَقَدِّمين من الْبَصرِيين فِي قَوْله: وَاخْتِلَاف اللَّيْل إِلَى أَنه على ذَلِك.
وَلَو قَالَ قَائِل فِي إنشاد من أنْشد: الطَّوِيل وَلَا مستنكرٍ أَن تعقرا إِلَى هَذَا الْوَجْه لَكَانَ قِيَاس هَذَا القَوْل. فَأَما تَركهم الرَّد فِي حَال الْإِضْمَار فِي نَحْو: الطَّوِيل فَمنهمْ من يَقُول: إِنَّمَا فعل ذَلِك لِأَن الْإِضْمَار لَا يكون إِلَّا بعد مَذْكُور فَيعلم
أَنه إِضْمَار ذَلِك.
وَهَذَا إِذا اتسعوا فِيهِ فَجعلُوا نَصبه نصب الْمَفْعُول بِهِ لم يلْزم أَن يكون عَلَيْهِ دلَالَة كَمَا كَانَ فِي حَال كَونه ظرفا.)
فَأَما قَوْلهم: لهي أَبوك فَلَا تكون هَذِه اللَّام الثَّانِيَة فِي الِاسْم إِلَّا الَّتِي هِيَ فَاء الْفِعْل.
وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّهَا لَا تَخْلُو من أَن تكون الجارة أَو الْمعرفَة أَو الَّتِي هِيَ فَاء. فَلَا يجوز أَن تكون الْمعرفَة لِأَن تِلْكَ يتضمنها الِاسْم وَإِذا تضمنها الِاسْم لم تظهر.
أَلا ترى أَن الْوَاو فِي خَمْسَة عشر لَا تثبت وَاللَّام فِي أمس فِي قَول من بنى لَا تظهر. فَلَمَّا كَانَ الِاسْم هُنَا مَبْنِيا أَيْضا على الْفَتْح وَلم يكن فِيهِ معنى يُوجب بناءه على تضمنه لِمَعْنى حرف التَّعْرِيف وَجب أَيْضا أَن لَا يظْهر كَمَا لم يظْهر أَيْضا فِيمَا ذكرت لَك. فَإِذا لم يجز ظُهُور حرف التَّعْرِيف لم تخل المحذوفة من أحد أَمريْن: إِمَّا أَن تكون الجارة أَو الَّتِي هِيَ فَاء
الْفِعْل. فَلَا يجوز أَن تكون الجارة لِأَنَّهَا مَفْتُوحَة وَتلك مَكْسُورَة مَعَ المظهرة فَلَا يجوز إِذا أَن تكون إِيَّاهَا لِلْفَتْحِ. فَإِن قَالَ قَائِل: مَا تنكر أَن تكون الجارة وَإِنَّمَا فتحت لِأَنَّهَا جَاوَرت الْألف وَالْألف يفتح مَا قبلهَا قيل لَهُ: الدّلَالَة على أَنَّهَا فِي قَوْلهم: لاه أَبوك هِيَ الْفَاء وَلَيْسَت الجارة أَنَّهَا لَو كَانَت الجارة فِي لاه وَفتحت لمجاورة الْألف لوَجَبَ أَن تكسر فِي لهي وَلَا تفتح لزوَال الْمَعْنى الَّذِي أوجب فَتحه وَهُوَ مجاورة الْألف. فَعلمت أَن الْفَتْح لم يكن لمجاورة الْألف.
فَإِن قَالَ: ترك فِي الْقلب كَمَا كَانَ فِي غير الْقلب فَذَلِك دَعْوَى لَا دلَالَة عَلَيْهَا وَلَا يَسْتَقِيم فِي الْقلب ذَلِك.
أَلا تراهم قَالُوا: جاهٌ فِي قلب وَجه وفقاً فِي فَوق. فَإِذا كَانُوا قد خصوه بأبنيةٍ لَا تكون فِي المقلوب عَنهُ دلّ على أَنه لَيْسَ يجب أَن يكون كالمقلوب عَنهُ. على أَن ادِّعَاء فتح هَذِه اللَّام مَعَ أَنَّهَا الجارة لَا سوغ فِي اللُّغَة الَّتِي هِيَ أشيع وَأفْشى. وَلم تفتح فِي هَذِه اللُّغَة الشائعة إِلَّا مَعَ المنادى وَذَلِكَ لمضارعته الْمُضمر.
فَإِذا لم يجز ذَلِك ثَبت أَنَّهَا فَاء الْفِعْل وَإِذا ثَبت ذَلِك ثَبت أَن الجارة مضمرة لَا بُد من ذَلِك. أَلا ترى أَنَّك إِن لم تضمر يتَّصل الِاسْم الثَّانِي بِالْأولِ لِأَنَّهُ لَيْسَ إِيَّاه. فَالْمَعْنى إِذا: لله أَبوك.
وَمِمَّا يدل على فَسَاد قَول من قَالَ إِن هَذِه اللَّام هِيَ الجارة أَنَّهَا إِذا كَانَت إِيَّاهَا كَانَت فِي تَقْدِير الِانْفِصَال من الِاسْم من حَيْثُ كَانَ الْعَامِل فِي تَقْدِير الِانْفِصَال عَن الْمَعْمُول فِيهِ فَإِذا كَانَ كَذَلِك فقد ابْتَدَأَ الِاسْم أَوله سَاكن. وَذَلِكَ مِمَّا قد رفضوه وَلم يستعملوه.
أَلا ترى أَنهم لم يخففوا الْهمزَة إِذا
كَانَت أول كلمة من حَيْثُ كَانَ تخفيفها تَقْرِيبًا من السَّاكِن. فَإِذا)
وَيدل على فَسَاد ذَلِك أَنهم لم يخرموا أول متفاعلن كَمَا خرموا أول فعولن ومفاعلن وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يتوالى فِي أَوله متحركات لِأَن متفاعلن يسكن ثَانِيه للزحاف فَيلْزم لَو خرموه كَمَا خرم فعولن الِابْتِدَاء بالساكن.
وعَلى هَذَا قَالَ الْخَلِيل: لَو لفظت بِالدَّال من قد وَالْبَاء من اضْرِب لَقلت: أد وإب فاجتلبت همزَة الْوَصْل.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَان: لَو أعللت الْفَاء من عدَّة وزنة وَنَحْوهمَا وَلم تحذفها للزمك أَن تجتلب همزَة الْوَصْل فِيهَا فَتَقول: إعدة.
وَمن زعم أَن الْهمزَة فِي أَنا كَانَ الأَصْل فِيهَا ألفا ثمَّ أبدل مِنْهَا همزَة فقد جهل مَا ذَكرْنَاهُ من مَذَاهِب الْعَرَب ومقاييس النَّحْوِيين.
فَأَما أمس فقد جوزت الْعَرَب فِيهِ ضَرْبَيْنِ: ضمنهَا قوم معنى الْحَرْف فبنوها فِي كل حَال وعدلها آخَرُونَ فَلم يصرفوه فَهَؤُلَاءِ
جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَة سحر فِي بَاب الْعدْل وَأَنَّهُمْ لم يضمنوه الْحَرْف. فَأَما أخر وَالْعدْل فِيهِ فَلهُ موضعٌ آخر يذكر فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
انْتهى كَلَام أبي عَليّ ولتعلق جَمِيعه بِهَذَا الْبَاب سقناه برمتِهِ ليَكُون كالتتمة لَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.
وَالْبَيْت من قصيدة لذِي الإصبع العدواني وَهُوَ شَاعِر جاهلي
وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الْخَامِس والثمانين بعد الثلثمائة.
وعدتها فِي رِوَايَة الْمفضل فِي المفضليات ثَمَانِيَة عشر بَيْتا وَفِي رِوَايَة ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرحها عَن أبي عِكْرِمَة وَرِوَايَة أبي عَليّ القالي فِي أَمَالِيهِ سِتَّة وَثَلَاثُونَ بَيْتا.
واقتصرنا على رِوَايَة الْمفضل. قَالَهَا فِي ابْن عَم لَهُ كَانَ ينافسه ويعاديه وَهِي: الْبَسِيط
(لي ابْن عَم على مَا كَانَ من خلقٍ
…
مُخْتَلِفَانِ فأقليه ويقليني)
(أزرى بِنَا أننا شالت نعامتنا
…
فخالني دونه وَخلته دوني)
(يَا عَمْرو إِلَّا تدع شتمي ومنقصتي
…
أضربك حَتَّى تَقول الهامة اسقوني)
(لاه ابْن عمك لَا أفضلت فِي حسبٍ
…
عني وَلَا أَنْت دياني فتخزوني)
(وَلَا تقوت عيالي يَوْم مسغبةٍ
…
وَلَا بِنَفْسِك فِي العزاء تكفيني)
(إِنِّي لعمرك مَا بَابي بِذِي غلقٍ
…
عَن الصّديق وَلَا خيري بممنون))
(وَلَا لساني على الْأَدْنَى بمنطلقٍ
…
بالفاحشات وَلَا فتكي بمأمون)
(عف يؤوسٌ إِذا مَا خفت من بلدٍ
…
هونا فلست بوقافٍ على الْهون)
(عني إِلَيْك فَمَا أُمِّي براعيةٍ
…
ترعى الْمَخَاض وَمَا رَأْيِي بمغبون)
(إِنِّي أبي أبي ذُو محافظةٍ
…
وَابْن أبي أبي من أبيين)
(وَأَنْتُم معشرٌ زيدٌ على مائةٍ
…
فاجمعوا أَمركُم كلا فكيدوني)
(فَإِن عَرَفْتُمْ سَبِيل الرشد فَانْطَلقُوا
…
وَإِن جهلتم سَبِيل الرشد فأتوني)
(مَاذَا عَليّ وَإِن كُنْتُم ذَوي كرمٍ
…
أَن لَا أحبكم إِن لم تحبوني)
…
(لَو تشربون دمي لم يرو شاربكم
…
وَلَا دماءكم جمعا ترويني)
(الله يعلمني وَالله يعلمكم
…
وَالله يجزيكم عني ويجزيني)
(قد كنت أوتيكم نصحي وأمنحكم
…
ودي على مثبتٍ فِي الصَّدْر مَكْنُون)
(لَا يخرج الكره مني غير مأبيةٍ
…
وَلَا أَلين لمن لَا يَبْتَغِي ليني)
وَمن رِوَايَة أبي عِكْرِمَة:
(فَإِن ترد عرض الدُّنْيَا بمنقصتي
…
فَإِن ذَلِك مِمَّا لَيْسَ يشجيني)
(وَلَا يرى فِي غير الصَّبْر منقصةٌ
…
وَمَا سواهُ فَإِن الله يَكْفِينِي)
(لَوْلَا أياصر قربى لست تحفظها
…
وَرَهْبَة الله فِيمَن لَا يعاديني)
(إِذن بريتك برياً لَا انجبار لَهُ
…
إِنِّي رَأَيْتُك لَا تنفك تبريني)
(إِن الَّذِي يقبض الدُّنْيَا ويبسطها
…
إِن كَانَ أَغْنَاك عني سَوف يغنيني)
(وَالله لَو كرهت كفي مصاحبتي
…
لَقلت إِذْ كرهت قربي لَهَا بيني)
وَقَوله: لي ابْن عَم علم من هَذَا أَنَّهُمَا اثْنَان. فَقَوله مُخْتَلِفَانِ خبر مُبْتَدأ مُضْمر أَي: نَحن.
وَقَوله: من خلق أَي: من تخالق. وَكَانَ تَامَّة أَي: ثَبت ومن بيانٌ لما.
ومطلع القصيدة على رِوَايَة أبي عِكْرِمَة والقالي:
(يَا من لقلبٍ شَدِيد الْهم محزون
…
أَمْسَى تذكر ريا أم هَارُون)
…
(أَمْسَى تذكرها من بَعْدَمَا شحطت
…
والدهر ذُو غلظةٍ حينا وَذُو لين)
(فَإِن يكن حبها أَمْسَى لنا شجناً
…
فَأصْبح الوأي مِنْهَا لَا يواتيني)
(فقد غنينا وَشَمل الدَّهْر يجمعنا
…
أطيع ريا وريا لَا تعاصيني))
(ترمي الوشاة فَلَا تخطي مقاتلهم
…
بصادقٍ من صفاء الود مَكْنُون)
ولي ابْن عَم على مَا كَانَ من خلقٍ
…
...
…
... إِلَى آخِره والشجن: الْحزن. والوأي: الْوَعْد. وغنينا: أَقَمْنَا.
وَقَوله: أزرى بِنَا إِلَخ قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: يُقَال أزرى بِهِ إِذا قصر وزرى عَلَيْهِ: إِذا عابه.
وَقَوله: شالت نعامتنا أَي: تفرق أمرنَا وَاخْتلف. يُقَال عِنْد اخْتِلَاف الْقَوْم: شالت نعامتهم وزف رألهم. والرأل: فرخ النعام. وَقيل يُقَال شالت نعامتهم إِذا جلوا عَن الْموضع.
وَالْمعْنَى: تنافرنا فصلات لَا أطمئن إِلَيْهِ وَلَا يطمئن إِلَيّ وَيُقَال ألقوا عصاهم إِذا سكنوا واطمأنوا. انْتهى.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي المستقصى: شالت نعامتهم أَي: تفَرقُوا وذهبوا. لِأَن النعامة موصوفةٌ بالخفة وَسُرْعَة الذّهاب والهرب. وَيُقَال أَيْضا: خفت نعامتهم وزف رألهم. وَقيل: النعامة: جمَاعَة الْقَوْم. وَأنْشد الْبَيْت مَعَ أَبْيَات أخر.
وَقَوله: يَا عَمْرو إِلَّا تدع شتمي إِلَخ قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَالَ الْأَصْمَعِي: الْعَرَب تَقول: الْعَطش فِي الرَّأْس.
وَأنْشد قَول الراجز: الرجز
(قد علمت أَنِّي مَرْوِيّ هامها
…
وَمذهب الغليل من أوامها)
إِذا جعلت الدَّلْو فِي خطامها
الغليل: شدَّة الْعَطش. والأوام: حر تَجدهُ فِي أجوافها. وَأنْشد أَيْضا: الطَّوِيل ستعلم إِن متْنا صدًى أَيّنَا الصدي صدًى أَي: عطشاً. وَالْمعْنَى: إِن لَا تدع شتمي اضربك على هامتك حَيْثُ تعطش. وَيُقَال: إِن الرجل إِذا قتل فَلم يدْرك بثأره خرجت هامةٌ من قَبره فَلَا تزَال تصيح: اسقوني اسقوني وَأنْشد فِي ذَلِك: الوافر
(فَإِن تَكُ هامةٌ بهراة تزقو
…
فقد أزقيت بالمروين هاما)
انْتهى.
قَالَ الشريف الرضي فِي أَمَالِيهِ بعد نقل هَذَا: وَهَذَا باطلٌ لَا أصل لَهُ. وَيجوز أَن يعنيه ذُو الإصبع على مَذَاهِب الْعَرَب.)
وَقَوله: لاه ابْن عمك إِلَخ أَصله: لله ابْن عمك فَحذف لَام الْجَرّ مَعَ لَام التَّعْرِيف وَبَقِي عمله شذوذاً وَهُوَ خبر مقدم وَابْن عمك: مُبْتَدأ مُؤخر وَاللَّام المحذوفة للتعجب.
وَنقل الشريف المرتضى عَن ابْن دُرَيْد أَنه قَالَ: أقسم وَأَرَادَ: لله ابْن عمك فَتكون اللَّام للقسم وَجُمْلَة: لَا أفضلت جَوَابه.
وَهَذَا غير صَحِيح لِأَنَّهُ يبْقى قَوْله ابْن عمك ضائعاً.
وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي أَصله لله در ابْن عمك. وَهَذَا تكلّف لِأَنَّهُ إجحاف مُسْتَغْنى عَنهُ يَجْعَل اللَّام للتعجب وَيكون جملَة: لَا أفضلت إِلَخ
بَيَانا وتفسيراً لجِهَة التَّعَجُّب من كَمَال صِفَاته الْمُقْتَضى للتعجب مِنْهَا.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وروى: لاه ابْن عمك بالخفض وَهُوَ قسمٌ الْمَعْنى: رب ابْن عمك بخفض رب فَيكون على هَذَا رب تَابعا للفظ الْجَلالَة بالوصفية وَيكون جملَة: لَا أفضلت إِلَخ جَوَاب الْقسم وَاللَّام المضمرة للقسم ولاه مقسم بِهِ.
وَقد أورد الشَّارِح الْمُحَقق هَذَا الْبَيْت فِي عَن من حُرُوف الْجَرّ على أَنَّهَا هُنَا فِي بَابهَا من الْمُجَاوزَة وأفضلت مضمن لِمَعْنى تجاوزت فِي الْفضل.
وَأوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن عَن فِيهِ بِمَعْنى على قَالَ: لِأَن الْمَعْنى الْمَعْرُوف: أفضلت عَلَيْهِ.
وَهَذَا قَول ابْن السّكيت فِي إصْلَاح الْمنطق وَتَبعهُ ابْن قُتَيْبَة وَغَيره.
قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات أدب الْكَاتِب: ذهب يَعْقُوب بن السّكيت وَمن كِتَابه نقل ابْن قُتَيْبَة هَذِه الْأَبْوَاب إِلَى أَن عَن هَا هُنَا بِمَعْنى عَليّ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ جعل أفضلت من قَوْلهم: أفضلت على الرجل إِذا أوليته فضلا. وأفضلت هَذِه تتعدى بعلى لِأَنَّهَا بِمَعْنى الإنعام. وَمَعْنَاهُ: إِنَّك لم تنعم عَليّ بِأَن شرفتني فَتعْتَد بذلك عَليّ.
وَقد يجوز أَن يكون من قَوْلهم: أعْطى وَأفضل إِذا زَاد على الْوَاجِب. وأفل هَذِه أَيْضا تتعدى بعلى يُقَال:
أفضل على كَذَا أَي: زَاد عَلَيْهِ فضلَة.
وَقد يجوز أَن يكون من قَوْلهم: أفضل الرجل إِذا صَار ذَا فضلٍ فِي نَفسه فَيكون مَعْنَاهُ: لَيْسَ لَك فضلٌ تنفرد بِهِ عني وتحوزه دوني. فَتكون عَن هُنَا وَاقعَة موقعها غير مبدلة من على.
انْتهى.)
وَمِنْه أَخذ مَا نَقله ابْن الملا بقوله: قيل: ضمن أفضل معنى انْفَرد فَعدى بعن لِأَنَّهُ إِذا أفضل عَلَيْهِ فِي الْحسب أَي: زَاد فقد انْفَرد عَنهُ بِتِلْكَ الزِّيَادَة. وَقيل: هِيَ على بَابهَا لِأَنَّهُ إِذا كَانَ أفضل وَكَانَ فَوْقه فِي الْحسب فقد زَاد عَنهُ وَصَارَ فِي حيّز فَكَأَنَّهُ يَقُول: مَا زَاد قدرك عَن قدري وَلَا ارْتَفع شَأْنك عَن شأني. انْتهى.
هَذَا وَقد روى صَاحب الأغاني:
(لاه ابْن عمك لَا أفضلت فِي حسبٍ
…
شَيْئا
…
...
…
... .)
وَعَلَيْهَا لَا يكون فِي الْبَيْت عَن فَلَا يَأْتِي هَذَا الْبَحْث.
وعَلى تِلْكَ كَانَ الظَّاهِر أَن يَقُول: عَنهُ بضمير الْغَائِب لكنه الْتفت من الْغَيْبَة إِلَى التَّكَلُّم.
قَالَ ابْن السَّيِّد: وَيَعْنِي بِابْن الْعم الْمَذْكُور نَفسه فَلذَلِك رد الْإِخْبَار بِلَفْظ الْمُتَكَلّم وَلم يُخرجهُ بِلَفْظ الْغَيْبَة لِئَلَّا يتَوَهَّم أَنه يَعْنِي نَفسه. وَلَو جَاءَ بالْكلَام على لفظ الْغَيْبَة
لَكَانَ أحسن وَلكنه أَرَادَ تَأْكِيد الْبَيَان وَرفع الْإِشْكَال. والْحسب: مَا يعده الْإِنْسَان من مآثر نَفسه.
وَفِي الْقَامُوس: الديَّان: القهار وَالْقَاضِي وَالْحَاكِم والمجازي الَّذِي لَا يضيع عملا بل يَجْزِي بِالْخَيرِ وَالشَّر.
وتخزوني بِالْخَاءِ وَالزَّاي المعجمتين: مضارع خزاه خزواً بِالْفَتْح: ساسه وقهره وَملكه. وَأما الخزي بِالْكَسْرِ وَهُوَ الهوان والذل فالفعل مِنْهُ كرضي. وأخزاه الله: فضحه.
قَالَ الدماميني: يحْتَمل الرّفْع وَالنّصب فِي فتخزوني كَمَا يحتملها نَحْو: مَا تَأْتِينَا فتحدثنا أَي: وَلَا أَنْت مالكي فَأَنت تسوسني أَو لَيْسَ لَك ملك فسياسة. وعَلى تَقْدِير النصب فالفتحة مقدرَة كَمَا فِي قَوْله: الطَّوِيل أَبى الله أَن أسمو بِأم وَلَا أَب وَلَيْسَ بضرورة. وَقد قرئَ فِي الشواذ: إِلَّا أَن يعفون أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة
النِّكَاح بِإِسْكَان الْوَاو من يعْفُو الَّذِي. انْتهى.
وَقَالَ ابْن السَّيِّد: وَقَوله لَا أفضلت مَعْنَاهُ: لم تفضل. وَالْعرب تقرن لَا بِالْفِعْلِ الْمَاضِي فينوب ذَلِك مناب لم إِذا قرنت بِالْفِعْلِ الْمُسْتَقْبل.
فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى: فَلَا صدق وَلَا صلى. مَعْنَاهُ: لم يصدق وَلم يصل. وَمِنْه قَول أبي)
خرَاش: الرجز وَمعنى الْبَيْت: لله ابْن عمك الَّذِي ساواك فِي الْحسب وماثلك فِي
الشّرف فَلَيْسَ لَك فضل عَلَيْهِ فتفتخر بِهِ وَلَا أَنْت مَالك أمره فتسوسه وتصرفه على حكمك.
وَقَوله: وَلَا تقوت عَليّ إِلَخ تقوت: تُعْطِي الْقُوت. والمسغبة: المجاعة. والعزاء بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الزَّاي: الضّيق والشدة.
وَقَوله: إِنِّي لعمرك إِلَخ الْمَمْنُون: الْمَقْطُوع أَو من الْمِنَّة.
وَقَوله: عف يؤوس إِلَخ أَي: أعف عَمَّا لَيْسَ لي لست بِذِي طمع آيس مِمَّا فِي أَيدي غَيْرِي فَلَا تتبعه نَفسِي. والْهون بِالضَّمِّ: الذل.
وَقَوله: فَمَا أُمِّي براعية أَي: لست بِابْن أمة. عرض بِهِ وَكَانَ ابْن أمة. وَإِنَّمَا خص رعية الْمَخَاض لِأَنَّهَا أَشد من رعية غَيرهَا وَلَا يمتهن فِيهَا إِلَّا من لم يبال بِهِ.
وَقَوله: إِنِّي أبي إِلَخ قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: كسرة النُّون من أبيين حَرَكَة التقاء الساكنين وهما الْيَاء وَالنُّون وَكسرت النُّون على أصل التقاء الساكنين إِذا التقيا. وَلم تفتح كَمَا تفتح نون الْجمع لِأَن الشَّاعِر اضْطر إِلَى ذَلِك لِئَلَّا يخْتَلف حَرَكَة حرف الروي فِي سَائِر الأبيات.
وَقَوله: وَأَنْتُم معشر إِلَخ زيدٌ: زِيَادَة. وَأجْمع أمره بألفٍ قَالَ تَعَالَى: فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم.
وَقَوله: لَا يخرج الكره هُوَ فَاعل يخرج يَقُول: إِذا أكرهت على الشَّيْء لم يكن عِنْدِي إِلَّا الإباء لَهُ لَا أعطي على القسر شَيْئا. والمأبية: مصدر كالإباء