الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذِي يذهب بالظفر ويغلب. وَمَعْلُوم أَن الذّكر هُوَ الَّذِي يبْدَأ بالطعن للْأُنْثَى.
وَقَوله: إِنِّي لقومي سنانٌ إِلَخ يَقُول: إِنِّي لقومي كالسنان يطعنون بِي نحور الْأَعْدَاء. ويطعنون بِضَم الْعين.
وَقَوله: وَأَنت أُخْت إِلَخ هَذَا التفاتٌ من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب. وَأَنت: مُبْتَدأ وعيبة: خَبره وَأُخْت: منادًى. لما جعل جَرِيرًا امْرَأَة قَالَ لَهُ: يَا أُخْت كُلَيْب أَي: يَا امْرَأَة من قَبيلَة كُلَيْب.
والعيبة بِالْفَتْح: خرجٌ صَغِير تُوضَع فِيهِ الثِّيَاب. والكمر: جمع كمرةٍ بِفتْحَتَيْنِ كقصب جمع وترجمة الفرزدق قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب.
وَأنْشد بعده
3 -
(الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)
وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز ظهراهما مثل ظُهُور الترسين على أَنه قد جمع بَين اللغتين فَإِنَّهُ أَتَى بتثنية الْمُضَاف فِي ظهراهما وبجمعه فِي ظُهُور الترسين.
وَاسْتشْهدَ بِهِ سِيبَوَيْهٍ على تَثْنِيَة الْمُضَاف على الأَصْل فِي موضِعين من كِتَابه.
الْموضع الأول: فِي الرّبع الأول فِي بَاب مَا جرى من الْأَسْمَاء الَّتِي من الْأَفْعَال وَمَا أشبههَا من الصِّفَات الَّتِي لَيست بفعلٍ. وَتقدم نقل كَلَامه فِي الْبَيْت الَّذِي قبل هَذَا.
والموضع الثَّانِي: أول الرّبع الرَّابِع بَين أَبْوَاب جموع التكسير فِي بَاب تَرْجَمته: هَذَا بَاب مَا لفظ بِهِ مِمَّا هُوَ مثنى كَمَا لفظ بِالْجمعِ.
قَالَ: وَهُوَ أَن يكون كل واحدٍ مِنْهُمَا بعض شيءٍ مُفْرد من صَاحبه وَذَلِكَ قَوْلك: مَا أحسن رؤوسهما وَأحسن عواليهما.
قَالَ الله تبارك وتعالى: إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا وَقَالَ الْخَلِيل: نَظِيره قَوْلك: فعلنَا وأنتما اثْنَان فَتكلم بِهِ كَمَا تكلم بِهِ وَأَنْتُم ثَلَاثَة. وَقد قَالَت الْعَرَب فِي الشَّيْئَيْنِ اللَّذين كل واحدٍ مِنْهُمَا اسمٌ على حِدة وَلَيْسَ واحدٌ مِنْهُمَا بعض شَيْء كَمَا قاولوا فِي ذَا لِأَن التَّثْنِيَة جمعٌ فقالوه كَمَا قَالُوا: فعلنَا.)
زعم يُونُس أَنهم يَقُولُونَ: ضع رحالهما وغلمانهما وَإِنَّمَا هما اثْنَان. إِلَى أَن قَالَ: وَزعم يُونُس أَنهم يَقُولُونَ: ضربت رأسيهما. وَزعم أَنه سمع ذَلِك من رؤبة أَيْضا أجروه على الْقيَاس.
قَالَ هميان بن قُحَافَة:
الرجز ظهراهما مثل ظُهُور الترسين وَقَالَ الفرزدق: الطَّوِيل هما نفثا فِي فِي من فمويهما وَقَالَ أَيْضا: الطَّوِيل
(بِمَا فِي فؤادينا من الشوق والهوى
…
فَيجْبر منهاض الْفُؤَاد المعذب)
انْتهى كَلَامه.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ تَثْنِيَة الظهرين على الأَصْل وَالْأَكْثَر فِي كَلَامهم إِخْرَاج مثل هَذَا إِلَى الْجمع كَرَاهَة لِاجْتِمَاع تثنيتين فِي اسمٍ وَاحِد لِأَن الْمُضَاف إِلَيْهِ من تَمام الْمُضَاف مَعَ مَا فِي التَّثْنِيَة قَالَ الزّجاج فِي تَفْسِير آيَة السَّارِق: قَالَ بعض النَّحْوِيين: إِنَّمَا جعلت تَثْنِيَة مَا كَانَ فِي الْإِنْسَان مِنْهُ واحدٌ جمعا لِأَن أَكثر أَعْضَائِهِ فِيهِ مِنْهُ اثْنَان فَحمل مَا كَانَ فِيهِ الْوَاحِد على مثل ذَلِك.
قَالَ: لِأَن للْإنْسَان عينين فَإِذا تثنيت الْعَينَيْنِ قلت: عيونهما فَجعلت: قُلُوبكُمَا وظهوركما فِي الْقُرْآن كَذَلِك وَكَذَلِكَ: أَيْدِيهِمَا. وَهَذَا خطأ إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يفصل بَين مَا فِي الشَّيْء مِنْهُ وَاحِد وبينما فِي الشَّيْء مِنْهُ اثْنَان.
وَقَالَ قوم: إِنَّمَا فعلنَا
ذَلِك للفصل بَين مَا فِي الشَّيْء مِنْهُ واحدٌ وَبَين مَا فِي الشَّيْء مِنْهُ اثْنَان فَجعل مَا فِي الشَّيْء مِنْهُ واحدٌ تثنيته جمعا كَقَوْل الله: فقد صغت قُلُوبكُمَا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: حَقِيقَة هَذَا الْبَاب أَن مَا كَانَ فِي الشَّيْء مِنْهُ واحدٌ لم يثن وَلَفظ بِهِ على لفظ الْجمع لِأَن الْإِضَافَة تبينه.
فَإِذا قلت: أشبعت بطونهما علم أَن للاثنين بطنين فَقَط. وأصل التَّثْنِيَة الْجمع لِأَنَّك إِذا ثنيت الْوَاحِد فقد جمعت وَاحِدًا إِلَى وَاحِد.
وَكَانَ الأَصْل أَن يُقَال: اثْنَا رجال وَلَكِن رجلَانِ لَا يدل على جنس الشَّيْء وعدده فالتثنية يحْتَاج إِلَيْهَا للاختصار فَإِذا لم يكن اختصارٌ رد الشَّيْء إِلَى أَصله وَأَصله الْجمع فَإِذا قلت:)
قلوبهما فالتثنية فِي هما قد أغنتك عَن تَثْنِيَة قلبٍ فَصَارَ الِاخْتِصَار هَا هُنَا ترك تَثْنِيَة قلب.
وَإِن ثني مَا كَانَ فِي الشَّيْء مِنْهُ واحدٌ فلك جَائِز عِنْد النَّحْوِيين.
قَالَ الشَّاعِر: ظهراهما مثل ظُهُور الترسين فجَاء بالتثنية وَالْجمع فِي بيتٍ وَاحِد.
وَحكى سِيبَوَيْهٍ أَنه قد يجمع الْمُفْرد الَّذِي لَيْسَ من شيءٍ إِذا أردْت بِهِ التَّثْنِيَة. وَحكي عَن الْعَرَب: وضعا رحالهما يُرِيد: رحلي راحلتيهما. انْتهى.
وَأنْشد الْفراء فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان قَالَ: ذكر الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهُمَا بستانان من بساتين الْجنَّة. وَقد يكون فِي الْعَرَبيَّة جنَّة تثنيتها الْعَرَب فِي أشعارها. أَنْشدني بَعضهم:
الرجز
(ومهمهين قذفين مرَّتَيْنِ
…
قطعته بالسمت لَا بالسمتين)
وأنشدني آخر: الرجز
(يسْعَى بكبداء ولهذمين
…
قد جعل الأرطاة جنتين)
وَذَلِكَ أَن الشّعْر لَهُ قوافٍ تقيمها الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَيحْتَمل مَا لَا يحْتَملهُ الْكَلَام.
وَالصَّحِيح أَن هذَيْن الْبَيْتَيْنِ من رجزٍ لخطامٍ الْمُجَاشِعِي وَهُوَ شاعرٌ إسلاميٌّ لَا لهميان بن قُحَافَة. كَمَا تقدم نقل أبياتٍ كَثِيرَة من هَذَا الرجز فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ
بعد الْمِائَة.
وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة كَذَا:
(ومهمهين قذفين مرَّتَيْنِ
…
ظهراهما مثل ظُهُور الترسين)
(جبتهما بالنعت لَا بالنعتين
…
على مطار الْقلب سامي الْعَينَيْنِ)
وَالْوَاو فِي مهمهين وَاو رب. والمهمه: القفر الْمخوف. والْقَذْف بِفَتْح الْقَاف والذال الْمُعْجَمَة بعْدهَا فَاء: الْبعيد من الأَرْض.
وَقَالَ الْعَيْنِيّ:
هُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفع الصلب. قَالَ: ويروى: فدفدين. والفدفد: الأَرْض المستوية.
قَالَه الْجَوْهَرِي. والمرت بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة بعْدهَا مثناة فوقية: الأَرْض الَّتِي لَا مَاء فِيهَا وَلَا نَبَات. والظّهْر: مَا ارْتَفع من الأَرْض. شبهه بِظهْر ترسٍ فِي ارتفاعه وتعريه من النبت.)
كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: الْخَفِيف
(وفلاةٍ كَأَنَّهَا ظهر ترسٍ
…
لَيْسَ إِلَّا الرجيع فِيهَا علاق)
وَقَالَ الأعلم: وصف فلاتين لَا نبت فيهمَا وَلَا شخص يسْتَدلّ بِهِ فشبههما بالترسين.
وَقَالَ الْعَيْنِيّ: مثل ظَهْري الترسين فِي الاسْتوَاء والاملاس وَعدم الْمرَافِق فيهمَا من نبتٍ للراعية أَو علم هادٍ للنَّاس. وجبتهما: قَطَعْتهمَا وَهُوَ جَوَاب رب الْمقدرَة. يُقَال: جاب الْوَادي يجوبه جوباً إِذا قطعه بالسير فِيهِ. وروى: قطعته بإفراد الضَّمِير.
نقل الْعَيْنِيّ عَن أبي عَليّ أَنه قَالَ: أفرد الضَّمِير وَهُوَ يُرِيد المهمهين كَمَا قَالَ تَعَالَى: نسقيكم مِمَّا فِي بطونه. وَيُقَال التَّقْدِير: قطعت ذَلِك. وَيُقَال: إِنَّمَا
أفرد الضَّمِير لِأَنَّهُ أَرَادَ المهمة وَإِنَّمَا ثناه تَنْبِيها على طوله واتصال الْمَشْي لراكبه فِيهِ كَمَا قَالَ رؤبة: الرجز ومهمهٍ أَطْرَافه فِي مهمه انْتهى.
وَهَذَا يُؤَيّد مَا قَالَه الْفراء. وَقَوله: بالنعت لَا بالنعتين أَي: نعتا لي مرّة وَاحِدَة فَلم أحتج إِلَى أَن ينعتا لي مرّة ثَانِيَة. وصف نَفسه بالحذق والمهارة. وَالْعرب تفتخر بِمَعْرِِفَة الطّرق وَتعير الْجَاهِل بهَا.
وَأما رِوَايَة: قطعته بالسمت لَا بالسمتين فَهُوَ من رجزٍ لشاعر آخر أنْشدهُ الْفَارِسِي فِي تَذكرته وَذكر قبله: الرجز قطعته بالسمت لَا بالسمتين قَالَ: كَانَت فِي هَذَا الْموضع بئران فعورت إِحْدَاهَا وَبقيت الْأُخْرَى فَلذَلِك قَالَ: أَعور إِحْدَى الْعَينَيْنِ.
وَقَوله: وأصم الْأُذُنَيْنِ يَعْنِي: أَنه لَيْسَ بِهِ جبل فَيسمع صَوت الصدى.
وَقَوله: بالسمت إِلَخ أَي: قيل لي مرّة وَاحِدَة فاكتفيت. انْتهى.
وَقَالَ: السمت: السّير بالحدس. وَقَالَ ابْن يسعون: يُرِيد بالسمت إِلَخ بإشارةٍ واحدةٍ وَلم أحتج إِلَى تَكْرِير النّظر لحذقي ومعرفتي بِالطَّرِيقِ.
وَقَوله: على مطار الْقلب مُتَعَلق بجبتهما. أَرَادَ: على فرسٍ جيدٍ هَذِه صفته.)
-
وترجمة خطام الْمُجَاشِعِي تقدّمت فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة.