الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ربيع وجماديين وَهُوَ مثنى جُمَادَى بِضَم الْجِيم وَقصر آخِره فَلَمَّا ثني قلبت الْألف يَاء كَقَوْلِك: فتيَان فِي تَثْنِيَة الْفَتى.
وَأنْشد بعده
3 -
(الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)
الرجز
(ليثٌ وليثٌ فِي محلٍّ ضنك
…
كِلَاهُمَا ذُو أشرٍ ومحك)
على أَن أصل الْمثنى الْعَطف بِالْوَاو فَلذَلِك يرجع إِلَيْهِ الشَّاعِر فِي الضَّرُورَة كَمَا هُنَا فَإِن الْقيَاس أَن يَقُول: ليثان لكنه أفردهما وَعطف بِالْوَاو لضَرُورَة الشّعْر.
قَالَ ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ: التَّثْنِيَة وَالْجمع المستعملان أَصلهمَا التَّثْنِيَة وَالْجمع بالْعَطْف فقولك: جَاءَ الرّجلَانِ ومررت بالزيدين أَصله جَاءَ الرجل وَالرجل ومررت بزيد وَزيد فحذفوا العاطف والمعطوف وَأَقَامُوا حرف التَّثْنِيَة مقامهما اختصاراً.
وَصَحَّ ذَلِك لِاتِّفَاق الذاتين فِي التَّسْمِيَة بِلَفْظ وَاحِد. فَإِن اخْتلف لفظ الاسمين رجعُوا إِلَى التكرير بالعاطف كَقَوْلِك: جَاءَ الرجل وَالْفرس غذ كَانَ مَا فَعَلُوهُ من الْحَذف فِي المتفقين يَسْتَحِيل فِي الْمُخْتَلِفين.
وَلما التزموه فِي تَثْنِيَة المتفقين مَا ذكرنَا من الْحَذف كَانَ الْتِزَامه فِي الْجمع مِمَّا لَا بُد مِنْهُ وَلَا مندوحة عَنهُ لِأَن حرف الْجمع يَنُوب عَن ثَلَاثَة فَصَاعِدا إِلَى مَا لَا يُدْرِكهُ الْحصْر.
ويدلك على صِحَة مَا ذكرته أَنهم رُبمَا رجعُوا
إِلَى الأَصْل فِي تَثْنِيَة المتفقين وَمَا فويق ذَلِك من الْعدَد فاستعملوا التكرير بالعاطف إِمَّا للضَّرُورَة وَإِمَّا للتفخيم. فالضرورة كَقَوْل الْقَائِل: الرجز كَأَن بَين فكها والفك أَرَادَ أَن يَقُول: بَين فكيها فقاده تَصْحِيح الْوَزْن والقافية إِلَى اسْتِعْمَال الْعَطف.
وَمثله فِيمَا جَاوز الِاثْنَيْنِ قَول أبي نواس:
(أَقَمْنَا بهَا يَوْمًا وَيَوْما وثالثاً
…
وَيَوْما لَهُ يَوْم الترحل خَامِس)
فَإِن اسْتعْملت هَذَا فِي السعَة فَإِنَّمَا تستعمله لتفخيم الشَّيْء الَّذِي تقصد تَعْظِيمه كَقَوْلِك: لمن تعنفه بقبيحٍ تكَرر مِنْهُ وتنبهه على تَكْرِير عفوك: قد صفحت عَن جرمٍ وجرمٍ وجرم وجرم كَقَوْلِك: لمن يحقر أيادي أسديتها إِلَيْهِ أَو يُنكر مَا أَنْعَمت بِهِ عَلَيْهِ: قد أَعطيتك ألفا وألفاً وألفاً.
فَهَذَا أفخم فِي اللَّفْظ وأوقع فِي النَّفس من قَوْلك: قد صفحت لَك عَن أَرْبَعَة أجرام وَقد أَعطيتك ثَلَاثَة آلَاف. انْتهى.
وَهَذَا الشّعْر لواثلة بن الْأَسْقَع أوردهُ لَهُ الكلَاعِي فِي السِّيرَة النَّبَوِيَّة فِي وقْعَة مرج الرّوم قَالَ: كَانَ)
وَاثِلَة بن الْأَسْقَع فِي خيل قيس بن هُبَيْرَة فِي جَيش خَالِد بن الْوَلِيد فَخرج بطرِيق من كبارهم فبرز لَهُ وَاثِلَة وَهُوَ يَقُول فِي حَملته:
(ليثٌ وليثٌ فِي مجالٍ ضنك
…
كِلَاهُمَا ذُو أنفٍ ومحك)
…
(أجول جول حازمٍ فِي العرك
…
أَو يكْشف الله قناع الشَّك)
مَعَ ظفري بحاجتي ودركي ثمَّ حمل على البطريق فَقتله.
وَأورد الجاحظ تتمته وقصته فِي كتاب المحاسن والمساوي لجحدر بن مَالك الْحَنَفِيّ على غير هَذَا الْوَجْه قَالَ: كَانَ بِالْيَمَامَةِ رجلٌ من بني حنيفَة يُقَال لَهُ: جحدر بن مَالك وَكَانَ لسناً فاتكاً شَاعِرًا وَكَانَ قد أفحش على أهل هجر وناحيتها فَبلغ ذَلِك الْحجَّاج بن يُوسُف فَكتب إِلَى عَامل الْيَمَامَة يوبخه فِي تلاعب جحدرٍ بِهِ ثمَّ يَأْمُرهُ بالتجرد فِي طلبه حَتَّى يظفر بِهِ.
فَبعث الْعَامِل إِلَى فتيةٍ من بني يَرْبُوع بن حَنْظَلَة فَجعل لَهُم جعلا عَظِيما إِن هم
قتلوا جحدراً أَو أَتَوا بِهِ وَوَعدهمْ أَن يوفدهم إِلَى الْحجَّاج ويسني فرائضهم فَخرج الْفتية فِي طلبه حَتَّى إِذا كَانُوا قَرِيبا مِنْهُ بعثوا إِلَيْهِ رجلا مِنْهُم يرِيه أَنهم يُرِيدُونَ الِانْقِطَاع إِلَيْهِ. فوثق بهم وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِم.
فبيناهم على ذَلِك إِذْ شدوه وثاقاً وَقدمُوا بِهِ إِلَى الْعَامِل فَبعث بِهِ مَعَهم إِلَى الْحجَّاج فَلَمَّا قدمُوا بِهِ على الْحجَّاج قَالَ لَهُ: أَنْت جحدر قَالَ: نعم. قَالَ: مَا حملك على مَا بَلغنِي عَنْك قَالَ: جرْأَة الْجنان وجفوة السُّلْطَان وكلب الزَّمَان قَالَ: وَمَا الَّذِي بلغ من أَمرك فيجترئ جنانك ويصلك سلطانك وَلَا يكلب عَلَيْك زَمَانك قَالَ:
لَو بلاني الْأَمِير لوجدني من صالحي الأعوان وبهم الفرسان وَمن أوفى على أهل الزَّمَان.
قَالَ الْحجَّاج: أَنا قاذفك فِي قبَّة فِيهَا أَسد فَإِن قَتلك كفانا مؤنتك وَإِن قتلته خليناك ووصلناك.
قَالَ: قد أَعْطَيْت أصلحك الله الْمنية وعظمت الْمِنَّة وَقربت المحنة. فَأمر بِهِ فاستوثق مِنْهُ بالحديد وَأُلْقِي فِي السجْن وَكتب إِلَى عَامله بكسكر يَأْمُرهُ أَن يصيد لَهُ أسداً ضارياً.
فَلم يلبث الْعَامِل أَن بعث لَهُ بأسد ضاريات قد أبزت على أهل تِلْكَ النَّاحِيَة ومنعت عَامَّة مراعيهم ومسارح دوابهم فَجعل مِنْهَا وَاحِدًا فِي تَابُوت يجر على عجلة فَلَمَّا قدمُوا بِهِ أَمر فألقي فِي حيزٍ وأجيع ثَلَاثًا ثمَّ بعث إِلَى جحدر فَأخْرج وَأعْطِي سَيْفا ودلي عَلَيْهِ فَمشى إِلَى الْأسد)
(ليثٌ وليثٌ فِي مجَال ضنك
…
كِلَاهُمَا ذُو أنفٍ ومحك)
(وصولةٍ فِي بطشه وفتك
…
إِن يكْشف الله قناع الشَّك)
(وظفراً بجؤجؤٍ وبرك
…
فَهُوَ أَحَق منزلٍ بترك)
الذِّئْب يعوي والغراب يبكي حَتَّى إِذا كَانَ مِنْهُ على قدر رمح تمطى الْأسد وزأر وَحمل عَلَيْهِ فَتَلقاهُ جحدرٌ بِالسَّيْفِ فَضرب هامته ففلقها وَسقط الْأسد كَأَنَّهُ
خيمةٌ قوضتها الرّيح.
وَلم يلبث جحدرٌ لشدَّة حَملَة الْأسد عَلَيْهِ مَعَ كَونه مكبلاً أَن وَقع على ظَهره متلطخاً بِالدَّمِ.
وعلت أصوات الْجَمَاعَة بِالتَّكْبِيرِ وَقَالَ لَهُ الْحجَّاج لما رأى مِنْهُ مَا هاله: يَا جحدر إِن أَحْبَبْت أَن ألحقك ببلادك وَأحسن جائزتك فعلت ذَلِك بك وَإِن أَحْبَبْت أَن تقيم عندنَا أَقمت فأسنينا فريضتك.
فَقَالَ: أخْتَار صُحْبَة الْأَمِير. فَفرض لَهُ ولجماعة أهل بَيته وَأَنْشَأَ جحدرٌ يَقُول: الْكَامِل
(يَا جمل إِنَّك لَو رَأَيْت بسالتي
…
فِي يَوْم هيجٍ مردفٍ وعجاج)
(وتقدمي لليث أرسف نَحوه
…
حَتَّى أكابره عَن الأحراج)
(جهمٌ كَأَن جَبينه لما بدا
…
طبق الرحا متفجر الأثباج)
(شثنٍ براثنه كَأَن نيوبه
…
زرق المعابل أَو شذاة زجاج)
(وكأنما خيطت عَلَيْهِ عباءةٌ
…
برقاء أَو خلقٌ من الديباج)
(قرنان محتضران قد ربتهما
…
أم الْمنية غير ذَات نتاج)
(وَعلمت أَنِّي إِن أَبيت نزاله
…
أَنِّي من الْحجَّاج لست بناج)
(فمشيت أرسف فِي الْحَدِيد مكبلاً
…
بِالْمَوْتِ نَفسِي عِنْد ذَاك أُنَاجِي)
هَذَا مَا أوردهُ الجاحظ.
وَقد أورد ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ هَذِه الْحِكَايَة مختصرة لجحدر الْمَذْكُور مَعَ أَرْبَعَة أَبْيَات من الرجز وَلم يذكر هَذِه الأبيات.
وَأخرج السُّيُوطِيّ فِي بحث رب من شرح شَوَاهِد الْمُغنِي هَذِه الْحِكَايَة بِنَحْوِ مَا ذكره ابْن الشجري عَن الْمعَافي بن زَكَرِيَّا وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه بِسَنَد مُتَّصِل عَن ابْن الْأَعرَابِي وَعَن الزبير بن بكار فِي الموفقيات.)
وَلم يُورد السكرِي فِي كتاب اللُّصُوص شَيْئا مِمَّا أوردهُ الجاحظ مَعَ أَنه استوعب أَحْوَال اللُّصُوص وأشعارهم فِي كِتَابه وَأورد لَهُ أشعاراً كَثِيرَة جَيِّدَة.
وَقَوله: ليثٌ وليثٌ إِلَخ اللَّيْث: الْأسد. والضنك: الضّيق. والأشر بِفتْحَتَيْنِ البطر.
وروى بدله: ذُو أنف بِفَتْح الْهمزَة وَالنُّون بِمَعْنى الاستنكاف. والمحك بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة: اللجاج. والحازم من الحزم وَهُوَ التثبت والتيقظ. والعرك بِفَتْح الْعين وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: الْحَرْب والمعركة مَوْضِعه.
وَقَوله: أَو يكْشف الله إِلَخ أَو هُنَا بِمَعْنى إِلَى. والظفر: الْغَلَبَة. والدرك: الْوُصُول. والجؤجؤ فِي شعر جحدر بجيمين وهمزتين على وزن قنفذٍ: الصَّدْر. والبرك بِفَتْح الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء: مَا حول الصَّدْر.
وَقَوله: كَأَنَّهُ خيمة قوضتها الرّيح رَوَاهُ ابْن الشجري:
كَأَنَّهُ أطمٌ مقوض
وَقَالَ: الأطم بِضَمَّتَيْنِ: الْحصن. والمقوض: من قوضت الْبناء إِذا نقضته من غير هدم. والمكبل: الْمُقَيد والكبل بِفَتْح الْكَاف وَكسرهَا مَعَ سُكُون الْمُوَحدَة: الْقَيْد الثقيل.
وَقَوله: يَا جمل إِنَّك لَو رَأَيْت بسالتي إِلَخ جمل بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْمِيم: اسْم امْرَأَة. والبسالة: الشجَاعَة. وأرسف: أَمْشِي بالقيد يُقَال: رسف فِي قَيده من بَاب ضرب وَقتل. والجهم: العبوس. والأثباج: جمع ثبج بِفَتْح الْمُثَلَّثَة وَالْمُوَحَّدَة وَهُوَ مَا بَين الْكَاهِل إِلَى الظّهْر. ويرنو: ينظر. وشثن بِمَعْنى خشن. والبراثن: جمع برثن كقنفذ وَهُوَ ظفر السَّبع. والنيوب: جمع وزرق: جمع أَزْرَق. والمعابل: جمع معبلة بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ نصل طَوِيل عريض. والشذاة بِفَتْح الشين والذال المعجمتين: الطّرف. والزّجاج بِالْكَسْرِ: جمع زجٍّ بِضَم الزَّاي وَهِي الحديدة الَّتِي فِي أَسْفَل الرمْح. والقرنان: مثنى قرن بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْمسَاوِي لصَاحبه فِي الشجَاعَة وَغَيرهَا. ووَاثِلَة بن الْأَسْقَع بِالْمُثَلثَةِ وَالْقَاف هُوَ من الصَّحَابَة قَالَ ابْن الْأَثِير فِي أَسد الغابة فِي أَسمَاء الصَّحَابَة: وَاثِلَة بن الْأَسْقَع بن عبد الْعُزَّى الْكِنَانِي اللَّيْثِيّ وَقيل: وَاثِلَة بن عبد الله بن الْأَسْقَع. أَبُو شَدَّاد وَقيل: أَبُو الْأَسْقَع وَقيل: أَبُو قرصانة. أسلم وخدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ ثَلَاث سِنِين. من أَصْحَاب الصّفة. وَله رِوَايَة. مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْن مائَة وَقيل: مَاتَ سنة)
خمس وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَتِسْعين سنة. وَتُوفِّي بالمقدس وَقيل: بِدِمَشْق. وَكَانَ قد عمي.
انْتهى.
ووقعة مرج الرّوم كَانَت بعد سنة خمس عشرَة من الْهِجْرَة بعد فتح الشَّام فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب. فَلَا شكّ أَن وَاثِلَة أقدم من جحدر وَيكون جحدر قد أَخذ الشّعْر من وَاثِلَة وزاده.
وَالله أعلم.
وَأنْشد بعده الرجز
(كَأَن بَين فكها والفك
…
فارة مسكٍ ذبحت فِي سك)
لما تقدم قبله. وَكَانَ الْقيَاس أَن يَقُول: بَين فكيها لكنه أَتَى بالمتعاطفين للضَّرُورَة.
قَالَ ابْن يعِيش: الأَصْل فِي قَوْلك الزيدان: زيد وَزيد. وَالَّذِي يدل على ذَلِك أَن الشَّاعِر إِذا اضْطر عاود الأَصْل نَحْو قَوْله: كَأَن بَين فكها والفك أَرَادَ: بَين فكيها فَلَمَّا لم يتزن لَهُ رَجَعَ إِلَى الْعَطف وَهُوَ كثيرٌ فِي الشّعْر. انْتهى. والفك بِالْفَتْح: اللحي بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْمُهْملَة وَهُوَ عظم الحنك وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَسْنَان. وَهُوَ من الْإِنْسَان حَيْثُ ينْبت الشّعْر
وَقَالَ فِي البارع: الفكان: ملتقى الشدقين من الْجَانِبَيْنِ.
قَالَ ابْن السيرافي: وصف امْرَأَة بِطيب الْفَم. يُرِيد أَن ريح الْمسك يخرج من فِيهَا. وفَأْرَة: مَنْصُوب اسْم كَأَن وبَين خَبَرهَا. والسك: ضرب من الطّيب. انْتهى. وذبحت: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. قَالَ يَعْقُوب فِي إصْلَاح الْمنطق: قَالَ الْأَصْمَعِي: الذّبْح: الشق. وَأنْشد الْبَيْت. أَي: شقَّتْ وفتقت.
وَقَالَ الْمفضل بن سَلمَة الضَّبِّيّ فِي كتاب الطّيب: وَمن الطّيب الْمسك يُقَال: هُوَ الْمسك والأناب واللطيمة.
وَقَالَ أَبُو زيد: اللطيمة: الْمسك يُقَال: للعير الَّتِي تحمل الْمسك أَيْضا لطيمة. وَيُقَال للَّتِي فِيهَا الْمسك: فارة ونافجة.
قَالَ الْأَحْوَص: الْبَسِيط)
(كَأَن فارة مسكٍ فض خاتمها
…
صهباء ذاكيةً من مسك دارينا)
وَقَالَ آخر: الرجز
(كَأَن حَشْو الْمسك والدمالج
…
نافجةٌ من أطيب النوافج)
وَيُقَال: فتقت الفارة وذبحت وفضت وَشقت.
قَالَ الراجز:
(كَأَن بَين فكها والفك
…
فارة مسكٍ ذبحت فِي سك)
والسك بِضَم السِّين: نوعٌ من الطّيب. وَقَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات: الفار: جمع فارة وَهِي فار الْمسك وَهِي نوافجه الَّتِي يكون الْمسك فِيهَا شبهت بالفار وَلَيْسَت بفار إِنَّمَا هِيَ سرر ظباء الْمسك. قَالَ الشَّاعِر:
الطَّوِيل وَقَالَ آخر فِي وصف امْرَأَة: الْبَسِيط كَأَن فارة مسكٍ فِي مقبلها وَهِي مَهْمُوزَة فَأْرَة وفأر. وَكَذَلِكَ الفأر كُله مَهْمُوز. وبنواحي الْهِنْد فأر يجلب إِلَى أَرض الْعَرَب أَحْيَانًا قد تأنست وألفت تَدور فِي الْبيُوت تدخل بَين الثِّيَاب فَلَا تلابس شَيْئا وَلَا تدخل بَيْتا وَلَا تخرأ على شَيْء وَلَا تبول عَلَيْهِ إِلَّا فاح طيبا. ويجلب التُّجَّار خرءها فيشتريه النَّاس ويجعلونه فِي صررٍ ويضعونها بَين الثِّيَاب فتطيب. وَأَخْبرنِي من رَآهَا أَنَّهَا نَحْو بَنَات مقرض. وفارة الْإِبِل مَأْخُوذَة من هَذَا
وَهِي الْإِبِل الَّتِي ترعى أَفْوَاه الْبُقُول الطّيبَة فِي العذوات العازبة ثمَّ ترد المَاء فَتَشرب فَإِذا رويت ثمَّ صدرت فالتف بَعْضهَا بِبَعْض فاحت برائحة طيبَة.
قَالَ الْأَصْمَعِي: قلت لأبي مهدية: كَيفَ تَقول: لَيْسَ الطّيب إِلَّا الْمسك. وَهُوَ يُرِيد أَن يعلم كَيفَ يعربه. فَقَالَ أَبُو مهدية لَهُ: فَأَيْنَ العنبر فَقَالَ الْأَصْمَعِي: فَقل: لَيْسَ الطّيب إِلَّا الْمسك والعنبر. فَقَالَ: أَيْن أدهان حجر فَقَالَ: فَقل لَيْسَ الطّيب إِلَّا الْمسك والعنبر وأدهان حجر. فَقَالَ: فَأَيْنَ فارة إبل صادرةٍ وَمن هَذَا الْجِنْس وَالضَّرْب الَّذِي ذكرنَا الدويبة الَّتِي تسمى الزباد وَهِي مثل السنورة الصَّغِيرَة فِيمَا ذكر لي تجلب من تِلْكَ النواحي وَقد تأنس فتقتنى وتحتلب شَيْئا شَبِيها بالزبد يظْهر على حلمتها بالعصر كَمَا يظْهر على آنف الغلمان المراهقين فَيجمع وَله رَائِحَة طيبَة البنة. وَقد رَأَيْته)
يَقع فِي
الطّيب. وَقد بَلغنِي أَن شحمه كَذَلِك أَيْضا.
وَقد ذكر بعض الشُّعَرَاء الْقدَم بعض هَذَا وَجعله أمعاء الدَّابَّة وَظن أَنه إِنَّمَا طَابَ جَوْفه لِأَنَّهُ يَأْكُل الطّيب فَقَالَ: الْبَسِيط
(تكسو المفارق واللبات ذَا أرجٍ
…
من قصب معتلف الكافور دراج)
والأعراب لَا يميزون هَذَا. وَفِي فارة الْإِبِل يَقُول الرَّاعِي: الطَّوِيل
(لَهَا فأرةٌ ذفراء كل عشيةٍ
…
كَمَا فتق الكافور بالمسك فاتقه)
ظن أَنه يفتق بِهِ. وَكَانَ الرَّاعِي أَعْرَابِيًا قحاً والمسك لَا يفتق بالكافور. انْتهى كَلَام الدينَوَرِي.
والبنة بِالْفَتْح للموحدة وَتَشْديد النُّون: الرَّائِحَة الطّيبَة وَرُبمَا قيلت فِي غير الطّيبَة.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن حَمْزَة الْبَصْرِيّ اللّغَوِيّ فِيمَا كتبه على كتاب النَّبَات من تَبْيِين أغلاط الدينَوَرِي: قد غلط فِي همز هَذِه الفارة لِأَن الفأر كُله مَهْمُوز إِلَّا فارة الْإِبِل.
وَقد اخْتلف فِي فارة الْمسك وفأرة الْإِنْسَان وَهِي عضله. والأعلى فِي فار الْمسك الْهَمْز وَفِي فار الْإِنْسَان ترك الْهَمْز. وَمن كَلَامهم: أبرز نارك وَإِن أهزلت فارك أَي: أطْعم الطَّعَام وَإِن فَأَما قَوْله: والمسك لَا يفتق بالكافور فَصَحِيح. وَلم يقل لراعي: كَمَا فتق الْمسك بالكافور فاتقه إِنَّمَا قَالَ: كَمَا فتق الكافور
بالمسك وَإِن كَانَ الْمسك لَا يفتق بالكافور فَإِن الكافور يفتق بالمسك.
وَجعل الرَّاعِي أَعْرَابِيًا قحاً وَنسبه إِلَى الْجفَاء وأوهم أَنه غلط وَخَطأَهُ فِي شَيْء لم يقلهُ إِلَّا أَن يكون عِنْد أبي حنيفَة أَن الكافور لَا يفتق بالمسك وَيكون هُوَ قد غلط فِي الْعبارَة وعكسها فَيكون فِي هَذِه الْحَال أَسْوَأ حَالا مِنْهُ فِي الأولى وَيكون قَلِيل الْخِبْرَة بالطيب وَعَمله واستعماله. وَلَا رَائِحَة أخم من الكافور إِذا فتق بالمسك يشْهد بذلك بَنو النِّعْمَة والعطارون قاطبة. انْتهى.
وَالرجز الشَّاهِد لمنظور بن مرثدٍ الْأَسدي. قَالَ ابْن بري فِي حَاشِيَته على صِحَاح الْجَوْهَرِي: وَقَبله: الرجز
(يَا حبذا جاريةٌ مَنعك
…
تعقد المرط على مدك)
مثل كثيب الرمل غير رك وعكٌّ بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: أَبُو قَبيلَة من الأزد فِي قحطان. والمرط
بِالْكَسْرِ: كسَاء من صوفٍ أَو خَز يؤتزر بِهِ وتتفلع بِهِ الْمَرْأَة. وَأَرَادَ بالمدك بِكَسْر الْمِيم: الْعَجز.)
قَالَه الصغاني وَأنْشد الْبَيْت للمعنى الأول. وَقَالَ: وَذكره بعض من صنف فِي اللُّغَة بالزاي فِي اللُّغَة وَفِي الرجز وَهُوَ تَصْحِيف. انْتهى.
وَأَرَادَ بِهِ الْجَوْهَرِي. وَقد خطأه كَذَلِك ابْن بري فِي حَاشِيَته على الصِّحَاح وَتَبعهُ الصَّفَدِي أَيْضا.
ومنظور بن مرْثَد تقدم فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الأربعمائة.