الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده
3 -
(الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الْخَمْسمِائَةِ)
الطَّوِيل وعيناي فِي روضٍ من الْحسن ترتع على أَنه قريب من وُقُوع الْمُفْرد موقع الْمثنى فِيمَا يصطحبان وَلَا يفترقان كَقَوْلِك: عَيْني لَا تنام أَي: عَيْنَايَ وَإِنَّمَا قَالَ: قريب مِنْهُ لِأَن الْمِثَال وَقع فِيهِ الْمُفْرد فِي موقع الْمثنى وَالْبَيْت وَقع فِيهِ الْمثنى وَهُوَ عَيْنَايَ فِي مَوضِع الْمُفْرد لِأَن خَبره ترتع وَلَيْسَ فِيهِ ضمير اثْنَيْنِ.
قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته: قَالَ أَبُو عَمْرو: وَإِذا كَانَ الِاثْنَان لَا يكَاد أَحدهمَا ينْفَرد من الآخر مثل الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ والخفين فَإِن تقدم مثناه جَازَ لَك فِي الشّعْر وَالْكَلَام أَن توَحد صفته فَتَقول: خفان جديدٌ وجديدان وعينان ضخمةٌ وضخمتان لِأَن الْوَاحِد يدل على صَاحبه إِذا كَانَ لَا يُفَارِقهُ.
وَأنْشد الْفراء: الطَّوِيل
(سأجزيك خذلاناً بتقطيعي الصَّفَا
…
إِلَيْك وخفا واحدٍ يقطر الدما)
فَقَالَ: يقطر وَلم يقل: يقطران. انْتهى.
والمصراع عجزٌ وصدره: حشاي على جمرٍ ذكيٍّ من الغضا وَالْبَيْت من قصيدةٍ لأبي الطّيب المتنبي مطْلعهَا:
(حشاشة نفسٍ ودعت يَوْم ودعوا
…
فَلم أدر أَي الظاعنين أشيع)
قَالَ الواحدي فِي شَرحه: الحشا: مَا فِي دَاخل الْجوف وَيُرِيد بِهِ الْقلب هَا هُنَا. يَقُول: قلبِي جمرٍ شَدِيد التوقد من الْهوى أَي: لأجل توديعهم وفراقهم. وعيني ترتع فِي وَجه الحبيب فِي روضٍ من الْحسن.
وَالْبَيْت من قَول أبي تَمام: الطَّوِيل
(أَفِي الْحق أَن يضحى بقلبي مأتمٌ
…
من الشوق والبلوى وعيناي فِي عرس)
وَإِنَّمَا لم يقل ترتعان لِأَن حكم الْعَينَيْنِ حكم حاسةٍ وَاحِدَة وَلَا تكَاد تنفرد إِحْدَاهمَا برؤيةٍ دون)
الْأُخْرَى فَاكْتفى بضمير الْوَاحِدَة كَمَا قَالَ الآخر: مجزوء الوافر بهَا العينان تنهل انْتهى.
قَالَ صدر الأفاضل عِنْد قَول المعري: الْبَسِيط كَأَن أُذُنَيْهِ أَعْطَتْ قلبه خَبرا عَن السَّمَاء بِمَا يلقى من الْغَيْر
فَإِن قلت: كَيفَ لم يبرز الضَّمِير فِي أَعْطَتْ مَعَ إِسْنَاده إِلَى ضمير الِاثْنَيْنِ قلت: إِمَّا لِأَنَّهُ قد نزل العضوين منزلَة عضوٍ وَاحِد لِأَن الْمَقْصُود بهما منفعةٌ وَاحِدَة. وَعَلِيهِ قَول امْرِئ الْقَيْس: المتقارب
(وعينٌ لَهَا حدرةٌ بدرةٌ
…
شقَّتْ مآقيهما من أخر)
.
(وتكرمت ركباتها عَن مبركٍ
…
تقعان فِيهِ وَلَيْسَ مسكاً أذفرا)
لِأَنَّهُ جعل كل ركبتين كركبةٍ وَاحِدَة حَتَّى قَالَ: تقعان. وَإِمَّا لِأَنَّهُ قد عَامل الْمثنى مُعَاملَة الْجمع.
وَمِنْه قَول عنترة: الوافر
(مَتى مَا تلقني فردين ترجف
…
روانف أليتيك وتستطارا)
وَقَالَ آخر: الْبَسِيط أقراب أبلق يَنْفِي الْخَيل رماح أَلا ترى أَنه قد سمى الرانفتين والقربين روانف وأقراباً.
وَمثله فِي احْتِمَال الْوَجْهَيْنِ قَوْله: الْكَامِل
(كَأَن فِي الْعَينَيْنِ حب قرنفلٍ
…
أَو سنبلاً كحلت بِهِ فانهلت)
وَقَول الفرزدق: الوافر وَلَو بخلت يداي بهَا وضنت هَذَا وَقَول أبي الطّيب: وعيناي فِي روضٍ من الْحسن ترتع مَعَ تمكنه من أَن يَقُول: وعيني دليلٌ على أَنه لَا فِي مقَام الضَّرُورَة. انْتهى.
وَقد تلكم ابْن الشجري فِي أَمَالِيهِ على الْبَيْت وَجعل الْمَسْأَلَة ربَاعِية فَلَا بَأْس بِنَقْل كَلَامه تتميماً للفائدة.
وَقَالَ بعد إنشاد الْبَيْت: الحشا: مَا بَين الضلع الَّتِي فِي آخر الْجنب إِلَى الورك وَالْجمع أحشاء.)
وذكت النَّار تذكو: اتقدت وارتفع لهبها. وَالرَّوْضَة: مَوضِع يَتَّسِع ويجتمع فِيهِ المَاء فيكثر نبته.
وَلَا يُقَال لموْضِع الشّجر رَوْضَة. والرتوع فِي الأَصْل للماشية وَهُوَ ذهابها ومجيئها فِي الرَّعْي.
وَكثر ذَلِك حَتَّى اسْتعْمل للآدميين. وَفِي التَّنْزِيل: نرتع وَنَلْعَب.
وَمن قَرَأَ: نرتع بِكَسْر الْعين فَهُوَ نَفْعل من الرَّعْي. وأصل رتع: أكل مَا شَاءَ.
وَمِنْه قَول سُوَيْد بن أبي كَاهِل: الرمل
(ويحييني إِذا لاقيته
…
وَإِذا يَخْلُو لَهُ لحمي رتع)
وَإِنَّمَا قَالَ: عَيْنَايَ فَثنى ثمَّ قَالَ: ترتع فَأخْبر عَن الِاثْنَيْنِ بِفعل وَاحِدَة لِأَن العضوين لمشتركين فِي فعلٍ وَاحِد مَعَ اتِّفَاقهمَا فِي التَّسْمِيَة يجْرِي عَلَيْهِمَا مَا يجْرِي على أَحدهمَا.
أَلا ترى أَن كل واحدةٍ من الْعَينَيْنِ لَا تكَاد تنفرد بِالرُّؤْيَةِ دون الْأُخْرَى. فاشتراكهما فِي النّظر كاشتراك الْأُذُنَيْنِ فِي السّمع والقدمين فِي السَّعْي. وَيجوز أَن يعبر عَنْهُمَا بواحدةٍ تَقول: رَأَيْته بعيني وسمعته بأذني
وَمَا سعت فِي ذَاك قدمي. فَإِن قلت: بعيني وأذني وَقدمي فثنيت فَهُوَ وَلَك فِي هَذَا الْبَاب أَرْبَعَة أوجهٍ من الِاسْتِعْمَال: أَحدهَا: أَن تسْتَعْمل الْحَقِيقَة فِي الْخَبَر والمخبر عَنهُ وَذَلِكَ قَوْلك: عَيْنَايَ رأتاه وأذناي سمعتاه وقدماي سعتا فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَن تعبر عَن العضوين بواحدٍ وَتفرد الْخَبَر حملا على اللَّفْظ تَقول: عَيْني رَأَتْهُ وأذني سمعته وَقدمي سعت فِيهِ.
وَإِنَّمَا استعملوا الْإِفْرَاد فِي هَذَا تَخْفِيفًا وللعلم بِمَا يُرِيدُونَ. فاللفظ على الْإِفْرَاد وَالْمعْنَى على التَّثْنِيَة.
فَلَو قيل على هَذَا: وعيني فِي روضٍ من الْحسن ترتع كَانَ جيدا.
وَالثَّالِث: أَن تثني الْعُضْو وَتفرد الْخَبَر لِأَن حكم الْعَينَيْنِ أَو الْأُذُنَيْنِ أَو الْقَدَمَيْنِ حكم وَاحِدَة لاشْتِرَاكهمَا فِي الْفِعْل فَتَقول: أذناي سمعته وعيناي رَأَتْهُ وقدماي سعت فِيهِ كَمَا قَالَ: وعيناي فِي روضٍ من الْحسن ترتع وَمِنْه قَوْله سلمي بن ربيعَة السيدي:
الْكَامِل)
وَمِنْه قَول امْرِئ الْقَيْس: مجزوء الوافر
(لمن زحلوقةٌ زل
…
بهَا العينان تنهل)
وللفرزدق:
(وَلَو بخلت يداي بهَا وضنت
…
لَكَانَ عَليّ للقدر الْخِيَار)
وَالرَّابِع: أَن تعبر عَن العضوين بِوَاحِد وَتثني الْخَبَر حملا على الْمَعْنى كَقَوْلِك: أُذُنِي سمعتاه وعيني رأتاه.
وَمِنْه قَول امْرِئ الْقَيْس وَهَذَا قَلِيل:
(وعينٌ لَهَا حدرةٌ بدرةٌ
…
شقَّتْ مآقيهما من أخر)
وَقَول الآخر: الطَّوِيل
(إِذا ذكرت عَيْني الزَّمَان الَّذِي مضى
…
بصحراء فلجٍ ظلتا تكفان)
فَأَما مَا أنْشدهُ ابْن السّكيت من قَول الراجز: الرجز
والسَّاق مني باديات الرير فَكَانَ الْوَجْه أَن يَقُول: باديةٌ جملا على لفظ السَّاق أَو باديتان لِأَن المُرَاد بالساق الساقان وَلكنه جمع فِي موضعٍ التَّثْنِيَة.
وَيُشبه ذَلِك قَوْلك: ضربت رؤوسهما.
(وَأَنت من الغوائل حِين ترمى
…
وَمن ذمّ الرِّجَال بمنتزاح)
أَرَادَ: بمنتزح فأشبع الفتحة فَنَشَأَتْ عَنْهَا الْألف وَيُقَال: مخٌّ رارٌ وريرٌ للرقيق مِنْهُ.
وَقَوله: من الغضى مُفَسّر للجمر.
وَكَذَلِكَ قَوْله: من الْحسن مُفَسّر للروض ف من مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف وصفٌ للمفسر.
وَقَالَ: حشاي وَالْمرَاد مَا جاور الحشا وَهُوَ الْقلب. وَالْعرب تعبر عَن الشَّيْء بمجاوره فَالْمَعْنى: قلبِي على جمرٍ من الغضى شَدِيد التوقد لفراقهم وعيني ترتع من وَجه الحبيب فِي روضٍ من الْحسن.
واستعار الرتوع للعين لتصويب النّظر وتصعيده فِي محَاسِن المنظور إِلَيْهِ. واستعار لحسنه روضاً تَشْبِيها لعينيه بالنرجس ولخديه بالشقيق ولثغره بالأقحوان.
وَمعنى الْبَيْت ناظرٌ إِلَى قَول أبي تَمام:
(أَفِي الْحق أَن يُمْسِي بقلبي مأتمٌ
…
من الشوق والبلوى وعيناي فِي عرس)
)
وأنشدت للرضي: الْبَسِيط فالقلب فِي مأتمٍ وَالْعين فِي عرس وَاسْتِعْمَال المأتم لجَماعَة النِّسَاء فِي المناحة خَاصَّة مِمَّا لم ترده الْعَرَب وَلكنه عِنْدهم لجماعةٍ فِي قَالَ أَبُو حَيَّة: الطَّوِيل
(رمته أناةٌ من ربيعَة عامرٍ
…
نؤوم الضُّحَى فِي مأتمٍ أَي مأتم)
وَقَول امْرِئ الْقَيْس فِيمَا ذكرته شَاهدا وصف بِهِ عين فرس. وَمعنى حدرة: مكتنزة ضخمة. وبدرة: تبدر النّظر. وشقَّتْ مآقيهما من أخر أَي: اتسعت من آخرهما.
وَالْبَيْت من ثَالِث الْبَحْر الْمُسَمّى بالمتقارب عروضه سَالِمَة وضربه مَحْذُوف ووزنه فعل وَقد اسْتعْمل فِيهِ الخرم الَّذِي يُسمى الثلم فِي أول النّصْف الثَّانِي وقلما يُوجد الخرم إِلَّا فِي أول الْبَيْت.
وَقَوله: لمن زحلوفة الزحلوفة: الزلاقة الَّتِي يتزلج فِيهَا الصّبيان فيزلقون.
ويروى: زحلوقة بِالْقَافِ. انْتهى كَلَام ابْن الشجري.
وترجمة المتنبي قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة.