المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أهم الموضوعات المتعلقة بالهندوسية - الأديان الوضعية - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 فكرة تمهيدية عن أديان الهند الكبرى وتوزيعها جغرافيا

- ‌معنى الأديان الوضعية

- ‌فكرة تمهيدية عن أديان الهند الكبرى وتوزيعها جغرافيًّا

- ‌الدرس: 2 فلسفة الموت والروح، وعقيدة خلق العالم، والخلاص من الشر

- ‌تقسيم أبي الريحان البيروني لاعتقاد الهنود

- ‌فكرة تناسخ الأرواح كما يؤمن بها الهندوس

- ‌الدرس: 3 الديانة الهندوسية (1)

- ‌الأصول التاريخية للديانة الهندوسية ولسكان الهند

- ‌مسألة التقمص أو نظرية التناسخ

- ‌الدرس: 4 الديانة الهندوسية (2)

- ‌التعريف بالهندوسية، وفكرة تأسيسها

- ‌أهم الموضوعات المتعلقة بالهندوسية

- ‌الطبقات في الفكر الهندوسي، وأهم عق ائد الهندوسية

- ‌الدرس: 5 الديانة الهندوسية (3)

- ‌بقية العقائد الهندوسية

- ‌الأخلاق عند الهندوسيين

- ‌نماذج من الفقه الهندوسي

- ‌الكتب المقدسة لدى الهندوس

- ‌الدرس: 6 الديانة الهندوسية (4)

- ‌لويزا" كتاب الهندوس المقدس

- ‌من تقاليد الهندوس

- ‌اعتقاد الهندوس حول تناسخ الأرواح

- ‌العبادات الهندوسية والطقوس الدينية

- ‌الدرس: 7 الديانة البوذية (1)

- ‌الديانة البوذية: بوذا وحياته، ومبادئه، وتأسيسه للديانة

- ‌من أخلاق بوذا وأقواله

- ‌الدرس: 8 الديانة البوذية (2)

- ‌التعريف بالديانة البوذية

- ‌الأسس الفكرية للعقيدة البوذية

- ‌الدرس: 9 الديانة البوذية (3)

- ‌عقيدة البوذية وفلسفتها

- ‌من تعاليم البوذية

- ‌لمحة تاريخية عن البوذية وانتشارها، والكتب المقدسة لديهم

- ‌الدرس: 10 الديانة البوذية (4)

- ‌نشأة الرهبنة في البوذية، ووصولها وانتقالها إلى المسيحية

- ‌الآداب والنظم التي يجب أن يلتزم بها الرهبان في الديانة البوذية

- ‌موقف الإسلام من الرهبنة

- ‌الدرس: 11 الديانة البوذية (5)

- ‌حكم الرهبنة في الإسلام من حيث العزف عن الزواج

- ‌حكم الرهبنة في الإسلام من حيث الفقر

- ‌حكم الرهبنة في الإسلام من حيث إهانة الجسد

- ‌حكم الرهبنة في الإسلام من حيث الاعتزال والعزلة

- ‌حكم الرهبنة في الإسلام من حيث الطاعة المطلقة لرجل الدين، واعتقاد عصمته

- ‌الدرس: 12 الديانة الجينية

- ‌تمهيد للديانة الجينية

- ‌تأسيس ونشأة الديانة الجينية

- ‌أهم عقائد الجينية

- ‌الدرس: 13 ديانة السيخ، والديانة البوذية الصينية

- ‌من هم السيخ؟ وما هي معتقداتهم

- ‌البوذية الصينية

- ‌أديان الهند في الميزان

- ‌الدرس: 14 الديانة المانوية (1)

- ‌من هو " مانو

- ‌النشاط التبشيري لماني

- ‌الدرس: 15 الديانة المانوية (2)

- ‌إرسال الإنسان الأول القديم وهزيمته

- ‌استرداد ذرات النور

- ‌أسطورة إغواء الأراكنة

- ‌المقاييس المضادة للمادة

- ‌الدرس: 16 الديانة المانوية (3)

- ‌الروح بمثابة مركز للفداء

- ‌الإيمان بالآخرة

- ‌علم التنجيم

- ‌التنظيم اللاهوتي، والتعميد المانوي، والوليمة المقدسة، والعشاء الرباني

- ‌الدرس: 17 الديانة المانوية (4)

- ‌شريعة "ماني"، والفرائض التي فرضها، وقول المانوية في الميعاد

- ‌الكتب المقدسة عند المانوية، وعقيدة التناسخ

- ‌حال الإمامة بعد "ماني"، وتنقل المانوية في البلاد، وأشهر رؤسائهم

- ‌الدرس: 18 الديانة الزرادشتية (1)

- ‌أديان الفرس

- ‌الزرادشتية من حيث التأسيس والنشأة والتطور

- ‌الدرس: 19 الديانة الزرادشتية (2)

- ‌أهم المصادر المقدسة للزرادشتية

- ‌فكرة الحساب والشفاعة، والأعياد والأخلاق عند الزرادشتيين

- ‌الدرس: 20 مقارنة بين عقائد المانوية والزرادشتية في: الله، والنفس، والمصير

- ‌عقائد المانوية والزرادشتية في الله - عز جل

- ‌عقائد المانوية والزرادشتية في النفس

- ‌عقائد المانوية والزرادشتية في المصير

الفصل: ‌أهم الموضوعات المتعلقة بالهندوسية

‌أهم الموضوعات المتعلقة بالهندوسية

والموضوعات الجديرة بالدراسة حول الهندوسية، يمكن تلخيصها في الآتي:

1 -

"الويدا".

2 -

الله في التفكير الهندسي.

3 -

نظام الطبقات.

4 -

أهم عقائد الهندوسية: (الكارمة، تناسق الأرواح، وحدة الوجود، الانطلاق).

5 -

من صور الأخلاق عند الهندوسيين: (مراحل الحياة، التسول، محاربة الملاذ، تعذيب الجسم).

6 -

نماذج من الفقه الهندوسي.

7 -

تعريف بالكتب المقدسة لدى الهندوس بعد "الويدا".

8 -

لمحة تاريخية عن الديانة الهندوسية.

وسنتكلم عن هذه الموضوعات بشيء من التفصيل فيما يلي بإذن الله تبارك وتعالى.

أولًا: "الويدا":

قلنا فيما سبق: إن "الويدا" كتاب الهندوس المقدس، لا يعرف له واضع معين، ولإعطاء صورة أقرب إلى الدقة عن "الويدا"، الذي يعد بحق دائرة معارف عن الهندوس، نلجأ إلى كاتب هندي قدير، وهو الأستاذ محمد عبد السلام، لنلخص بحثه عن "الويدا"، ضمن أبحاثه القيمة عن فلسفة الهند القديمة، يقول:

للويدا قيمة تاريخية كبرى، إذ تنعكس في هذا الأدب الديني، حياة الآريين في الهند في عهدهم القديم ومقرهم الجديد، ففيه أخبار "حملهم وترحالهم، دينهم وسياستهم، حضارتهم وثقافتهم، معيشتهم ومعاشرتهم، مساكنهم وملابسهم، مطاعمهم ومشاربهم، مهنهم وحرفهم"، وترى فيه مدارج الارتقاء للحياة العقلية، من سذاجة البدو

ص: 85

إلى شعور الفلاسفة، فتوجد فيه أدعية ابتدائية تنتهي بالارتياب، وإلوهية تترقى إلى وحدة الوجود.

و"الويدات" عبارة عن أربع كتب دينية، هي:

1 -

الريج ويدا.

وهو أشهر الأربعة وأهمها وأشملها، كما سيظهر من مقارنة موضوعاته، بموضوعات "الويدا"ت الثلاث الأخرى، ويقال: إن تأليف "الريج ويدا" يرجع إلى ثلاثة ألاف سنة قبل الميلاد، وتشمل ألف وسبعة عشر أنشودة دينية، وضعت ليتضرع بها أتباعها أمام الآلهة، أو يتغنون بها عن الآلهة، وأشهر الآلهة الذين ورد ذكرهم فيها هو الإله "أندرا" إله الآلهة، ثم يجيء بعده الإله "أغنى" إله النار وراعي الأسرة، فالإله "فارونا" فالإله "سوريا الشمس" وغيرهم، ولا زال الهنود يتغنون بأناشيد من الريج ويدا، يرتلونها في صلواتهم صباحًا ومساء، ويتيمنون بتلاوتها في حفلات زواجهم، كما كانوا يفعلون منذ ثلاثة آلاف عام.

الثاني: "ياجور ويدا".

وتشمل العبادات النثرية، التي يتلوها الرهبان عند تقديم القرابين.

الثالث: "ساما ويدا".

وتشمل الأغاني التي ينشدها المنشدون، أثناء إقامة الصلوات وتلاوة الأدعية.

الرابع: "آثار ويدا".

وتشمل المقالات في السحر والرقي والتوهمات الخرافية، مصبوغة بالصبغة الهندية القديمة. فالحياة الهندية كما يصورها آثار فيدا مملوءة بالآثام، والكون حافل بالشياطين والأغوال يخوفون الناس، والآلهة كفت أيديها عن الخير ولم

ص: 86

تعد تدفع الشر، ويروي أثار فيدا لجوء الناس للخرافات والرقى والسحر، ليحموا أنفسهم.

وكل من هذه "الويدات" الأربعة، يشتمل على أربعة أجزاء، هي "سامهتا، وبراهمن، وأرنيك، أبانيشاد"، وهي بهذا الترتيب من حيث قدمها التاريخي، سنتحدث عن كل منها فيما يلي:

1 -

سامهتا أو مجموعة المنظومات لكثرة المنظوم فيها.

ومنظومات "الريج ويدا" أهمها، وقد تكرر أكثرها في "ساما ويدا"، وهذه المنظومات يتغنى بها عند تقديم القرابين، ويشمل "سامهتا من ياجور ويدا"، بعض الأدعية التي تقرئ عند تقديم القرابين كذلك، أما منظومات أثار فيدا، فأدعية كانت يقدمها سكان الهند الأقدمون، لآلهتهم قبل زحف الآريين، وإذا فلها قيمة تاريخية ودينية عظيمة، وتمثل "السامهتا" مذهب الفطرة في التفكير "الهندوسي".

2 -

"البراهمن، أو الهدايات". التي يقدمها البراهمة للمقيمين في بلادهم وبين أهليهم، وتشمل بيان أنواع القرابين وتفاصيلها ومواسمها، وتبيان أن إرضاء البراهمة ضروري، لقبول القرابين، يمثل البراهمن مرحلة أقرب إلى التحضر للتفكير الهندوسي.

3 -

"أرنيك" أو الغاديات أو الهدايات والإرشادات. التي تقدم للشيوخ المعمرين، الذين يتركون أهليهم في الربع الرابع من أعمارهم، ليقيموا في الكهوف والغابات، والأرنيك تهدي أمثال هؤلاء إلى أعمال سهلة، يقومون بها بدل القرابين، التي أصبحوا يعجزون عن تقديمها.

ص: 87

4 -

"أبانيشيدات". وهي الأسرار والمشاهدات النفسية للعرفاء من الصوفية، وتدون هذه إرشادًا للرهبان والمتنسكين، الذين مالوا إلى باطن الحياة وتركوا ظاهرها، وتمثل الأبانيشيدات مذهب الروح، الذي هو المرتبة العليا في سلسلة الارتقاء الديني، وتعتبر "الأبانيشيدات" خطوة جريئة في سبيل الحرية الدينية، وتخليص الدين من الرسوم البرهمية، وبها أبعدت الآلهة أو قل الاهتمام بها، وهدأت الأدعية وندرت القرابين وانحطت المراقبات اللاهوتية، وحل العلم والعرفان محل ذلك، ولولا بقايا من الشعور الديني، لكانت الأبانيشيدات فلسفة محضة.

والناظر إلى هذه الأقسام الأربعة، يلاحظ أن "السامهتا" يمثل دين الفطرة أو الفكر البدائي، أما البراهمن فيمثل مذهب القانون ودين الأمة، التي تركت البداوة ولم تتعمق بعد في الحضارة، أما "الأرنيك" فينقل الفكر من القانون إلى الروح، فهو معبر تاريخي، وتجيء بعده الأبانيشيدات حيث مذهب الروح، الذي هو المرتبة العليا في سلسلة الارتقاء الديني، وقد وضعت الأبانيشيدات في المدة من ثماني مائة إلى ستمائة قبل الميلاد.

نماذج من "الويدا":

فيما يلي نماذج من (الريج ويدا) مترجمة عن السنسكريتية، هذه أغنية لـ (أندرا) إله الآلهة: تقول: "هو الأعلى من كل شيء وهو الأسمى، إله الآلهة ذو القوة العليا، الذي أمام قدرته الغالبة، ترتعد الأرض والسماوات العالية، أيها الناس استمعوا لشعري، إنما هو إندرا إله الكون، هو الذي قهر الشياطين في الحساب، وأجرى السبعة الصافية الكبار، واقتحم كهوف الكآبة والأكدار، وأخرج

ص: 88

البقرات الجميلة من الأرحام، وأضاء النار القديمة من البرق في الغمام، ذلك هو اندرا البطل الجسور، الجيش المتقدم للهيجاء، يناديه للنصرة يوم الحرب، الأعزاء بصيته الذائع يهتفون، والأذلاء يذكرون اسمه بشفاههم ويهمسون، وقائد الجيش على العجلة الحربية، يدعو ويستنصر إندرا إله الحرب، الأرض والسماء تعترفان بسلطانه وكماله، والجبال المرتعدة تخر له وتسجد لجلاله، هو الذي يرسل صواعق السماء على أعدائه، فلتهدى إليه الزكائب المقدسة، فإنه يقبل هذه الخمر ويمنحنا رضاه، ويستمع للشعر وأغاني الولاء، له البقرات وأفراس الوغى، له القرى والمساكن وعجلات الحرب. ويرفع الشمس بيده اليمنى، ويفتح الأبواب الحمر من شفق الفجر، فيمزق السحاب الأحمر تمزيقا، يرسل شآبيب المطر لنصدق به تصديقًا".

وهذه أغنية للشمس: "يجيء بالشمس جيادها الحمر، فيصل الفجر العظيم الجميل، الذي ينعش الجميع بضيائه، وتأتي الإلهة على مركبة فخمة، توقظ الإنسان ليقوم بعمل نافع".

هذه أغنية لـ"أغنى" إله النار: "حينما أرى هذا الكائن المنير في قلبي، تدوي أذناي وتختلج عيناي، وتتيه نفسي في ارتياب، فماذا أقول وماذا أفكر، فيا أغنى مجدتك جميع الآلهة، واجفة ما تواريت في الظلام".

ويمكن أن نذكر بعد إن شاء الله، مزيد من الاقتباسات من "الويدا"، عند الكلام عن النقاط الأخرى المتصلة بالهندوسية.

ثانيًا: الله في التفكير الهندوسي. التعدد والوحدانية في الفكر الهندي.

يوجد في التفكير الهندوسي فيما يختص بالإله نزعتان مختلفتان تمام الاختلاف: نزعة الوحدانية ونزعة التعدد، وإن كانت نزعة التعدد أقوى وأكثر انتشارًا، وقد بلغ التعدد عند الهنود مبلغًا كبيرًا، فقد كان عندهم كما سبق القول، لكل قوة طبيعية تنفعهم

ص: 89

أو تضرهم إله يعبدونه، ويستنصرون به في الشدائد، كالماء والنار والأنهار والجبال وغيرها، وكانوا يدعون تلك الآلهة، لتبارك لهم في ذريتهم وأموالهم، من المواشي والغلات والثمار وتنصرهم على أعدائهم.

ولم يصل "الهندوس" إلى عبادة هذه الظواهر دفعة واحدة، إنما مروا بمراحل انتهت بهم إلى عبادتها، ويصور الأستاذ محمد عبد السلام مراحل هذا الانتقال بقوله: "وكانت المظاهر الكونية الجميلة والمناظر العظيمة، باعثة لإيقاظ الشعور الديني فيهم، فأعجبوا بهذه المظاهر واستمتعوا بها، وشكروا لها وامتنوا وأثنوا عليها، ثم ظنوا أن لهذه المظاهر أرواحًا ونفوسًا، كما أن لهم هم أرواحًا ونفوسًا، واعتبروا هذه الأرواح قوة كامنة وراء الظاهر، واعتبروا هذه الأرواح قوة كامنة وراء المظاهر، وبيدها أن تمنحهم هذه المظاهر، التي أعجبتهم أو تحجبها عنهم، فتقربوا إليها بالعبادة والقرابين، واعتبروها آلهة ودعوها عند الحاجات، وعلى هذا كثرت الآلهة عندهم كثرة زائدة، ولكنهم في وسط هذا التعدد، كانوا يميلون أحيانًا للتوحيد أو إلى اتجاه قريب منه؛ فقد كانوا إذا دعوا إلها من آلهتهم، أو أثنوا عليه أو تقربوا إليه بقربان، أقبلوا عليه بكل عواطفهم وجل ميولهم، حتى يغيب عن أعينهم سائر الآلهة والأرباب، ويصير إلهاهم هو ذلك الإله لا غير، فيسمونه بكل اسم هو حسن، ويصفونه بكل صفة كمالية، يخاطبونه برب الأرباب وإله الآلهة، تعظيما وإجلالًا لا تحقيقًا وإيقانًا.

وإذا عطفوا إلى إله غيره، أقاموه مقام الأول وجعلوه رب الأرباب وإله الآلهة، فهذا التعبير رب الأرباب أو إله الآلهة، كان أولا يدل على العظمة والجلال، فلما مضت القرون على هذا النحو، أصبح هذا التعبير ثابت المعنى، أي أنهن اعتقدوا فعلًا أن في صف الآلهة، رئيسًا ومرءوسين وآمرًا ومأمورين، وأن

ص: 90

الرئيس والآمر هو وحده رب الأرباب وإله الآلهة، وهذا وصف ثابت له لا ينتقل إلى سواه، والكائنات كلها تحت يده وسائر الآلهة تحت أمره".

التثليث في الفكر الهندي:

في حوالي القرن التاسع قبل الميلاد، وصل فكر الكهنة الهنود إلى إبراز هذه النتيجة، التي تقرب من التوحيد أو تصل إليه؛ فقد جمعوا الآلهة في إله واحد، وقالوا: إ نه هو الذي أخرج العالم من ذاته، وهو الذي يحفظه ثم يهلكه ويرده إليه، وأطلقوا عليه ثلاثة أسماء:"فهو براهمة" من حيث هو موجد، وهو "فشنو" من حيث هو حافظ، وهو "سيفا" من حيث هو مهلك.

وهكذا فتح الكهنة الهنود الباب للمسيحيين، فيما يسمى تثليث في وحدة ووحدة في تثليث، فبراهمة اسم الله في اللغة السنسكريتية، وهو عند البراهمة الإله الموجود بذاته، لا تدركه الحواس ويدركه العقل، وهو مصدر الكائنات كلها لا حد له، وهو الأصل الأزلي المستقل، الذي منه يستمد العالم وجوده، وجاء في كتاب (الباجا فاتا بورانا) وهو من الكتب الهندية المقدسة، أن كاهنًا توجه إلى الآلهة براهمة وفشنو وسيفا، وسألهم أيكم الإله بحق، فأجابوا جميعًا اعلم أيها الكاهن، أنه لا يوجد أدنى فارق بيننا نحن الثلاثة، فإن الإله الواحد يظهر بثلاثة أشكال، بأعماله من خلق وحفظ وإعدام، ولكنه في الحقيقة واحد، فمن يعبد أحد الثلاثة، فكأنه عبدها جميعا أو عبد الواحد الأعلى.

وقد سبق أن ذكرنا أن هذا الثالوث الجديد ظهر متأخرًا، نتيجة للتطور الذي سقناه، ومن أجل هذا ليس له ذكر في "الويدا"، أما الآلهة الواردة بـ"الويدا"ت فعديدة، ولكنها اجتمعت في ثلاثة آلهة رئيسة، هم فارونا في السماء، واندرا في الهواء، وأغنى في الأرض.

ص: 91

الاحتفال بالمعبودات الهندية:

وقبل أن نطوي صفحة الكلام عن آلهة الهنود، يجدر بنا أن نقتبس من كتاب (هندسم)، وصفه الرائع للاحتفال بالمعبودات الهندية، ومن هذا الكتاب يتضح، أن من أهم الشعائر الدينية، أن يعد التمثال أحسن إعداد وأن يقام في المعبد، ويعامله عباده كأنه حي يسمع ويعي، يدهنونه بالزيوت ويضمخونه بالطيب، ويحتف بالإله الجديد الذي يدخل المعبد لأول مرة احتفاء واسعًا، يتجه الكل للترحيب به وحسن استقباله كأنه ضيف عظيم، يغسل بالعطور ويكسى بأحسن ثياب ويزين بالجوهر واللؤلؤ، ويوضع أمامه أحسن طعام وأشهى شراب، ويحاط بالزهر والريحان، وتطوف به الجماعة منحنية ضارعة، على أنغام الموسيقى ودخان البخور وأصوات الغناء.

ويستمر هذا الكتاب ليقرر، أن بعض الهنود يرون في التمثال إلههم، ويراه آخرون رمزا للإله، ويخضع العابد إلى شعائر دقيقة، لتقبل توسلاته وعبادته، فهو يبدأ بأن ينظف نفسه ويقلل من الطعام أو يصوم، يتخذ أمام إلهه جلسة خاصة، ويشير إليه بإصبعه في خضوع، ويحبس أنفاسه ما أمكن، وهذه الصلاة تتكرر ثلاثة مرات في اليوم، ويصحبها قربانًا من أي نوع، ولا يطول وقتها في العادة، إلا بالنسبة لهؤلاء الذين لهم مطلب، يرجون عون الآلهة لتحقيقه، أو أولئك الذين يميلون للنسك، ويريدون مزيدًا من التقرب للآلهة، فأمثال هؤلاء يقدمون قرابين أكبر، وتطول صلاتهم أمام الآلهة.

والاحتفالات أو الصلوات اليومية، يمكن أن تجرى في البيت، إذ لا يكاد يخلو بيت من معبود، أما الاحتفالات العامة فتجرى في المعبد أو في الخلاء، ويستغرق بعضها ساعة أو ساعات، ويمتد بعضها لعدة أيام، وبعضها يتصل بمواسم زراعية أو فيضان أنهار أو هطول أمطار، وبعضها يتصل بالمعبود نفسه، بما يشبه ما نسميه في البلاد العربية المولد،

ص: 92

وبعض المعبودات له شهرة واسعة، تجلب له الحجاج في أثناء الاحتفال به من أقاصي شبه الجزيرة، وبعضها يحتفل به احتفالًا محليًّا، أي في القرية أو في مجموعة القرى المتجاورة فقط، وهكذا.

وقد ورد الحديث عن براهمة وعن خلق الكون في كتاب (قوانين منو)، ومنه ننقل الفقرة التالية التي تشرح هذا الموضوع، "في المبدأ كان الكون مغمورا في غيابة الظلام، ولا يمكن إدراكه، وخال من كل وصف مميز، لا يستطاع تصوره بالعقل ولا بالوحي، كأنه في سبات عميق، وانقضى على هذا أمد طويل، ثم تعلقت إرادة المولى الموجود بذاته التي لا تدركها الأبصار، فجعل هذا العالم مرئيًّا هو وعناصره الخمسة وأصوله الأخرى، متلئلًا بالنور الأقدس، قاشعًا الظلام الحالك.

فاقتضت حكمة براهمة الذي لا يدركه إلا العقل، أن يبرز من مادته المخلوقات المختلفة، فأوجد الماء أولا ووضع فيه جرثومة، فصارت الجرثومة بيضة لامعة لمعان الذهب، وعاشت داخلها الذات الصلبة على صورة براهمة، وهو جد جميع الكائنات، فبعد أن لبس براهمة في البيضة سنة برهمية، وهي تعادل ملايين السنين البشرية، قسم المولى بمحض إرادته هذه البيضة قسمين، وصنع منهما السماء والأرض والكائنات، وعين لكل كائن اسمه، وخلق عددا عديدا من الآلهة، وخلق طائفة غير مرئية من الجن، خلق الزمان وأقسامه والكواكب والأنهار والبحار والجبال".

وهناك رواية أخرى عن خلق الكون، ترويها الأساطير الهندية، فحوى هذه الرواية، أن الروح الكوني تشكل بالشكل الإنساني، ثم نظر حوله فلم هناك يجد شيئا غير نفسه، فصرخ بملء فه هاأنا ذا، فوجدت من هذه الساعة كلمة أنا، ولذلك فأول ما يقول الإنسان إلى الآن، عند كلامه عن نفسه أنا، وشعر هذا الروح

ص: 93

الكوني أو الإنسان الأول بالخوف من وحدته، فلذلك يخاف الإنسان إلى الآن إذا كان وحيدا، لكنه سأل نفسه لماذا أخاف، ما دام ليس هناك أحد غيري، وإنما يخاف الإنسان من غيره، ووجد نفسه لا يشعر بالسعادة، لذلك لا يشعر الإنسان بالسعادة إذا كان وحيدًا، فرغب في إيجاد قرين له، فقسم نفسه قسمين، قسم بقي على حاله، وتحول القسم الآخر إلى امرأة، فكانت هذه المرأة زوجته، ومن تلك الساعة تسلسل خلق الإنسان.

ونختم كلامنا عن الآلهة، بإبراز أن هذه هي الآلهة عند طبقات الهندوس الأربعة، التي يتكون منها المجتمع الهندوسي، أما المنبوذون فلهم تفكيرهم الديني الخاص، إذ لم يكونوا محسوبين أعضاء بذلك المجتمع، ولم يكونوا تابعين للمجتمع الهندوسي، ولعل من الأفضل أن نتكلم هنا كلمة موجزة، عن عقائدهم ووضعهم السياسي والاجتماعي، في عهد سيطرة الهندوسية.

دين المنبوذين:

والمنبوذون كما سبق القول: هم سكان الهند الأصليون، الذين لا يجري في عروقهم الدم التوراني أو الدم الآري، ويسمون زنوج الهند، وقد حرمهم المجتمع الهندوسي حقوق الإنسان، ونزل بهم إلى مستوى أقل أحيانًا من مستوى الحيوان، ولم يسمح لهم بأن يعتنقوا الدين الهندوسي أو يتخلقوا بآدابه، وتركوا هكذا في حياة بدائية مريرة، ومن ثم اتجهوا في تدينهم إلى الأمور البدائية، فأصبح دينهم أشبه بعبادة الأرواح، التي اعتصمت بها الأقوام الفطرية الساذجة، وأعظم الآلهة في مجتمع المنبوذين، ربما كان كومة من الآجر تمثل أم القرية، أو شيطانها الذي يمنح الخصب للعواقر، ويحمي المحصول من الآفات، ويرعى القرية بعنايته ورعايته، وقد يكون للمنبوذ فكرة غامضة مبهمة، عن كائن سام عظيم، ولكنه إلى جانب ذلك يؤمن بجملة من الأرواح الشريرة.

ولا يزال المنبوذون يعانون هذا أو أكثره حتى اليوم، فالحرف الحقيرة وقف أو ضريبة عليهم، ودور العلم لا تفتح لهم إلا قليلًا، وقد دفع هذا الوضع

ص: 94