الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمثاله، ومواعظه فرواها وحُفظت أقوال هؤلاء الرهبان في الصدور، وتناقلتها الأجيال حتى عهد الملك "أسوكا" حيث دونت، وكان ذلك في حدود العام 242 قبل الميلاد، وأهم المدونات تلك هي التي عُثر عليها في جزيرة بالي بإندونيسا.
الأسس الفكرية للعقيدة البوذية
الحقيقة: الحقيقة هي الهدف الأقصى الذي يسعى البوذي إليه، لأن الحقيقة هي جوهر الحياة وتستمر وتدوم بعد موت الجسد، الحقيقة خالدة كما يقول بوذا وتواصل حياتها حتى بعد اختفاء السماوات والأرض، وآمن بوذا بوحدة الحقيقة وتشابهها في كل الأوقات وفي كل الأمكنة، كما أن الحقيقة غير قابلة للهندسة والتركيب والتنظيم، لأن الحقيقة واحدة، وتبقى على ما هي عليه بشكل دائم وغير قابلة للتغيير والتقلب، إنها مغايرة للجهالات والضلالات؛ لأن الضلالات تستطيع أخذ كل الأشكال التي تعجب الناس الذين اختاروها، لهذا السبب؛ فإن التأمل بهذه الأشكال هو شهي ولذيذ ومفرح، لكن هذه الأشكال تبقى مترجرجة، وغير ثابتة، وتحمل في داخلها عناصر التفكك، والتفتت، والتحلل.
ويؤكد البوذا أن العالم وُجد لأجل الحقيقة وعُمر لأجلها، غير أن تدخلات الفكر وتركيباته الخاطئة هي التي غيرت طبيعة الحالة الحقيقية للأشياء، وأحدثت الضلالات والجهل، والذين يقعون في شباك الضلال، والجهل تعمر الأنانية، والفجور في قلوبهم وتتولد الرغبات، والشهوات في نفوسهم، وينساقون ساعة إذن إلى البؤس، والألم
وتشبه الأوهام، والضلالات، والأكاذيب سفن كبيرة مزينة إلا أن السوس قد نخر خشبها ومن ركبها معرض للمخاطر، والتهلكة، لذلك يعتبر امتلاك الأوهام والضلالات هو الموت والخطيئة هي طريق الضياع.
أما الحقيقة فإنها أقوى من قوة الموت، هي حاضرة في كل مكان، هي خالدة ومجيدة، ومجدها عظيم، ثم إن الحقيقة تهدي إلى طريق الاستقامة، والخلاص، وهي الطريقة النبيلة ذات الشعب الثمانية، وهي أيضًا طريق مستقيمة وواضحة ويجدها بسهولة من يحبها، وسعداء هم الذين يسيرون على طريق الحقيقة.
البوذا هو الذي كشف الحقيقة، وأظهرها، وبين الطريق إليها، وأسس مملكتها وأدار عجلتها، وحقيقة الحقيقة التي أعلنها البوذا لا يمكن حصرها في مكانٍ ما، مهما كان هذا المكان بعيدًا في لانهائيته إنها لا متناهية، ولا يوجد أبدًا مكان للحقيقة في الإحساس، ولا في ملذاته، ولا في آلامه، صحيح أن الإحساس هو الخطوة الأولى إلى الحقيقة، لكن لا يوجد أبدًا مكان فيه للحقيقة مهما كانت قدرة الإحساس على السطوع من الوجه اللامع من الجمال، ومن صنوف مباهج الحياة.
نظرة لأهمية الإحساس من حيث هو الخطوة الأولى في الحقيقة، والمدخل إلى عالمها؛ فإن البوذا علم الناس كيفية الاستعمال الصحيح للإحساس، والممارسة الصحيحة، والصالحة للعقل، وعلم بوذا الصلاح، وغير على هذا الوجه المخلوقات العاقلة إلى كائنات إنسانية صالحة طيبة، ووجدت الحقيقة مكانًا تقدر أن تقيم فيه وهو الروح الإنسانية.
يخالف بوذا أصحاب الاتجاهات العقلانية، ويؤكد بأنه لا يوجد أبدًا مكان للحقيقة في العقلانية إذ العقلانية سيف ذو حدين، يستعمل العقل لمقاصد
سامية، ومحبة، ويستعمل لمقاصد فاسدة مبغضة، وكما الحس كذلك العقل، العقلانية هي السطح الذي تقيم عليه الحقيقة، وبدون العقل لا يمكن الوصول إلى أية حقيقة، لكن لا يوجد أي مكان للحقيقة في العقلانية مع أنها الأداة الضرورية لترويض أشياء العالم.
الحقيقة في نظر البوذي هو البوذا نفسه، ولهذا نفسه وجبت عندهم عبادة بوذا إنها جوهره إنها المعيار الوحيد للتميز بين العقائد الصحيحة والعقائد الخاطئة، والحقيقة والبوذا كلاهما لا يستطيع أي لسان التعبير عنهما إلا أن الحقيقة ليست اختيارية أو صفقة أعمال، لكن يمكن البحث عنها، ومن بحث عنها بصدق معتمدًا الطرائق والشعاب التي علمها بوذا يجدها لا محالة، لكن كيف يكون امتلاك الحقيقة؟ لا يمكن امتلاك الحقيقة ما لم يتعلم المرء التمييز بين الأنا والحقيقة، الأنا هي سبب الأنانية ومنبع الخطيئة لا تقتصر الحقيقة بأية أنا الحقيقة الجامعة وتقود إلى العدالة والمساواة، إن الاستراحة في الحقيقة تستلزم الانقطاع عن الملذات وإزالة الأنا هي شرط الاستنارة، ومحو الأنا هو "النيرفانا" والتطهر من الخطايا، وتقديس الحياة هما الطريقة للوصول إلى الحقيقة.
تحرير النفس من الأنا الأنانية المسكينة، وعدم الرغبة في أذية الآخرين، والطهارة تجعلها جوهرة صافية تعكس نور الحقيقة، واللجوء إلى جماعة الباحثين عن الحقيقة والمجهدين أنفسهم للعيش ضمن الحقيقة يساعد في بلوغ الحقيقة بشر بوذا بالطريقة الوسطى المغايرة لنوعين متطرفين، وأعلن في خطبة بنارس، والتي تعرف أيضًا بخطبة غابة الغزلان الطريق العامة للطريق الوسطى التي يجب أن تحل محل الطريقين المتطرفين.
يقول: هنالك طريقان متطرفان على الرجل الذي ينبذ العالم تحاشيهما، فمن جهة عادة إشباع شهواته هذه الطريق تافهة وباطلة وبدون ثواب، ولا تتناسب إلا مع الأرواح المتجهة نحو العالم، ومن جهة أخرى فإن إماتة الذات هي تطليق مرهق ومضني وبدون فائدة وباطل، حب اللذات الجسدية الشهواية يضعف الإنسان، إشباع الشهوات تجعل المخلوق عبدًا لأهواء نفسه الباطلة، البحث عن اللذة يتلف الإنسان ويذله ويدني منزلته، إن سد حاجات ضرورات الوجود ليس شغف، والمحافظة على جسدنا ليبقى في صحة جيدة هو واجب، وبدون هذا لا نستطيع صيانة قنديل الحكمة، هذه هي الطريق الوسطى أيها الرهبان التي تبعد جانبًا الطريقين المتطرفين.
الآلام: وجود الألم كان الحافز الأول لبوذا؛ ليبدأ سفرته التأملية، وأول مباشرة له مع الحياة والعالم الخارجي أطلعته على ثلاثة مظاهر، أو نماذج للألم هي، الأمل الناتج بسبب المرض، والألم الحاصل بسبب الشيخوخة.
وأخيرًا الألم الذي يتركه حدث الموت في نفوس أقارب أصدقاء المتوفى، وبعد تأملات عميقة في الوجود الإنساني والكوني، وجد أن سبب الألم، وأصله يكمن في التغير الذي يثقل على الإنسان، ويقلق وجوده، وأطلق في عظة "بنارس" الحقيقة الشريعة المتعلقة بالآلام، قال: والآن أيها الرهبان هاكم الحقيقة الشريعة المتعلقة بالآلام، الولادة ألم الهرم، ألم المرض ألم، وجودك مع من لا تحبه ألم، كل رغبة غير محققة ألم، وبالاختصار، فكل الحالات التي يضع التعلق الجسد فيها ألم.
وحول الحقيقة المتعلقة بأصل الألم يقول حقًّا هي الشهوة الجامحة التي تسبب التجديد في الوجود، والمصحوبة بالفرح الشهواني؛ فهي تبحث عن إشباعها مرة هنا ومرة هناك، هي شهوة إشباع الأهواء الفاسدة، وشهوة الحياة المستقبلية، وشهوة السعادة في هذه الحياة.
أما الحقيقة المتعلقة بإخماد الألم: فهي تتألف من إطفاء العطش المتجه نحو أهواء النفس الرديئة، وميول القلب الشريرة، وإخفاء هذا العطش، وهي الرفض القاطع لهذه الشهوة، والتحرر منها، وعدم التأسيس، والبناء عليها، وطريقة محو الألم تكون بسبب الطريق ذات الشعب الثمانية، وهي النظرات الصائبة، والكلمات الصائبة والسلوك الصائب، وطريقة الحياة الصائبة، والجهد الصائب، والأفكار الصائبة، والرؤية الصائبة.
يستدل من الحقائق التي كشفها البوذا المتعلقة بأصل الألم، وطريقة إخماده ذات الشعب الثمانية، أن الألم أمر حقيقي مرتبطٌ بوجود الإنسان، وانتقاله من حالٍ الولادة إلى حال الهرم، ثم الموت، جميعها أمور حتمية لا يخرج أي إنسان من دائرتها، إلا أن سعي الإنسان إلى التغلب على قدره، والارتباط الجسدية هي التي تحدث الأمل لأن ارتباطات الجسد، وإشباع شهواته الآنية، والمستقبلة هي التي ترمي الإنسان في آتون العذاب والحزن، وإن إطفاء الشهوات، أي: شهوات التعلق هي المدخل إلى محو الألم، وبلوغ السلام النفسي لذلك يغلب الجانب الخلقي على مجمل الفكر الديني البوذي؛ إذ أن الشعب الثمانية لمحو الألم التي ذكرها تركز على المسائل السلوكية بشكل أساسي.
من هنا الحكم العام السائد على فلسفة البوذية بأنها عملية خلقية تهتم بالفعل الإنساني أكثر من اهتمامها بالنواحي الماورائية الإلهية ويؤكد هذه النظرة بوذا نفسه في قوله: إذا تعلم كل العالم الحقيقة، نكون قد زرعنا بذور الطيبة، واللطف والوداد، والعطف والتساهل، والتسامح، ويصبح حصاد الأعمال الصالحة مدرارًا وأكثر وفرة، لعل الهدف الأساسي للدعوة البوذية هو بناء الإنسان المحب، والمتسامح والمتساهل؛ لأن حصاد هذه الأعمال هو الفرح والسلام، وهذا الإنسان الفائق هو في الوقت نفسه الإنسان الذي
تخلص من أناه وأنانيته بالأعمال الطيبة، والجودة واللطف، والعطف، والتساهل المستمر، نتوصل إلى طريق الخلود، وبالمحبة، والرحمة نصلح أنفسنا، ونجعلها تصل إلى الكمال.
قول البوذا هذا يعني: أن بلوغ الكمال والخلود وكلاهما يكون خاليًا من الألم يكون بتطبيق القواعد الأخلاقية السليمة والحقيقية لذلك فإن الإنسان المحب يجد طريق الخلاص، وهو يشبه المحارب القوي الشهم الحازم، ويشبه أيضًا المحارب الحاذق الماهر المُدرب، ويشبه كذلك بطلًا منازلًا مجاهدًا قويًّا، وحكيمًا في أداء مهمته.
ويعظ بوذا الرهبان ويدعوهم إلى ترك الأنا، وهي المسببة للألم، فيقول لهم: ولكن بما أنه يوجد أعمال؛ ولأن هذه الأعمال تدوم أعطوا كل عنايتكم للأعمال إن المقصد الأسمى للإنسان هو وضع حد للألم، ولن يكون له ذلك ما لم يعرف بذر الألم أي أصله، وهو الأطماع، والأهواء، والميول، والعطش إلى الحياة، ولا بد له أيضًا من معرفة الطريق المقدس ذي الشعب الثمانية السابق ذكرها لإزالة الألم، وعندما يعرف الإنسان الشريف جذر الألم، والطريق إلى إزالته، ويسير عليه رافضًا كل الأهواء والميول الشريرة، وهادمًا فكر الكلمة أنا أكون، وتاركًا الجهل، ومتوصلًا إلى الاستنارة يكون قد وضع حدًّا نهائيًّا لكل ألم في هذه الحياة.
ومن ثم ستكون لنا وقفة -إن شاء الله تعالى- مع الأخلاق البوذية، هذا وإن الهدف المباشر لأخلاق البوذية هو بناء إنسان يكون سيد نفسه، وصالحًا، وطاهر القلب أما الهدف الأقصى، فهو تهيئة الإنسان لبلوغ حالة الفكر الهادئ الذي تخلص من فكرة الأنا، وليدخل في سلام الخلود.
ومن العناصر الرئيسة في الديانة البوذية: التأمل والحكمة:
التأمل والحكمة عنصران أساسيان من عناصر، أو شعاب الطريقة البوذية، وهما النتيجة الطبيعية للسلوك الحق المعادلة واضحة العمل الصحيح يلازمه الفكر الصحيح، والموقف الصحيح، ثم إن الفكر والعمل معًا يرتبطان بوجود الحق.
خاطب بوذا الرهبان في أيامه الأخيرة قائلًا: أيها الرهبان كونوا ملآ بالإيمان، ومتواضعي القلوب، وبعيدين عن الخطيئة، ومتلهفين، ونهمين للتعلم، وأقوياء ونشيطين، وأصحاب مروءة، وذوي عزم، وفعالين في تفكيركم، ومملوءين بالحكمة؛ على ذلك يكون الهدف من السلوك البوذي إحداث الفراغ النفس، وانصرافها إلى التفكر للامتلاء بالإيمان، والحكمة بأكثر من موضع من الإنجيل.
يعلن بوذا أنه أخذ على عاتقه تأسيس مملكة الحقيقة، ويشير إلى أن الحقيقة سكنت قلبه وحصل على "النيرفانا" بعد أن أطفأ جذوة الأنا؛ فصار جسده عفيفًا طاهرًا وفكره محررًا من كل شهوة، لكن مع هذه التأملات التي يجب أن يلتزم بها الإنسان ليدخل روحه إلى الفردوس.
أجاب البوذا عن هذا السؤال بقوله هناك خمسة تأملات هي التأمل بالمحبة والتأمل بالشفقة، والتأمل بالفرح، والتأمل بالنجاسة، والتأمل بطمأنينة الفكر، وصفائه، وهدوئه، والتأمل الخامس وهو الذي يتوج كل التأملات السابقة، ويرتفع فيه الإنسان عن كل أنواع التعلق إذا كانت التأملات الأربعة السابقة له تجعل الإنسان في حال الطمأنينة، والفرح، والشفقة والمحبة؛ فإن التأمل الخامس يجعله يرتفع، ويتجاوز
كل الانفعالات، وهي حالة صوفية ذاهلة لكل شيء وفوق كل عاطفة حتى العواطف النبيلة.
كما أن التأملات الخمسة من حيث مضمونها تشكل محتوى الطريق التي تؤدي إلى الحكمة السامية؛ إذ أن بلوغ الحكمة يتطلب قدرات فائقة للطبيعة البشرية، والمميزات الأساسية للحكمة البوذية تتلخص في التالي، إن الحياة كلها ألم وهي إلى فناء، أي: أن الكل زائل، ولا يدوم، ولا يمكن لأي شيء أن يبقى على حاله وهو عرضة للتدفق المستمر من الأخطاء السائدة عند العالم، إنهم يتصورون الأشياء ثابتة أو على الأقل يتصور الإنسان أن فيه عنصرًا روحيًّا دائمًا يطلق عليه اسم الأنا، أو الذات، أو الفكر، وفكرة الأنا الشخصية هي التي تدعوهم إلى أنواع التعلقات، وإلى محاربة بعضهم البعض للدفاع عن هذه الأنا المتوهمة أنها خالدة.
وقد عارض بوذا هذه الفكرة، كما أنه رفض قول الهندوسية: بأن الروح أو الأنا الفردية تتحد بالأنا الكونية، وأعلن أن الأرواح البشرية تتشكل من التحام زمني مؤقت، وعابر لخمس مجموعات من العوامل تُسمى الخامدات أولاها جسدية مادية، والباقية غير جسدية، وغير مادية.
هذا؛ ويبقى عن البوذية كلام يرتبط بالفهم البوذي للإنسان و"النيرفانا" وانتشار هذه البوذية في أكثر من بلد بخلاف الهند كالصين واليابان.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله صحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.