الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث عشر
(ديانة السيخ، والديانة البوذية الصينية)
من هم السيخ؟ وما هي معتقداتهم
؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فلا زلت أحدثك عن أديان الهند الكبرى؛ الهندوسية، البوذية، الجينية، وحديثي عن هذه الديانات لا يجعلني أغفل من عُرفوا باسم السيخ، من السيخ؟ وما هي معتقداتهم؟:
المعنى الحرفي للفظة السيخ هو المتعلم أو التلميذ، ومؤسس هذه الديانة هو نناناك؛ لذلك كان يطلق على الجماعة التي اعتنقت أفكاره اسم نناك بانتيز أي: المتحدون مع نناك قبل أن يطلق عليه اسم السيخ، ولد المعلم نناك عام ألف ربع مائة وتسع وستون ميلادية في قرية تلفاندي، تلفاندي القريبة من مدينة لاهور، وأمضى طفولته وجانبًا من شبابه في هذه القرية، ولم يتركها إلا بعد أن تزوج وأنجب ولدين، ينحدر والداه من عشيرة أرستقراطية لكنها ليست غنية.
انتقل ناناك إلى سلطان بور، ليشغل وظيفة حكومية في مجلس النواب، وبقيت أسرته مع عائلته في مسقط رأسه، ويصف كتاب (شواهد الميلاد) الذي يخبر عن حياة ناناك طريقة عيش الموظف الحكومي في سلطان بور، التي اتسمت بالجدية والمواظبة على العمل، وكيف أنه كان يقضي الليل في الصلاة والتأمل. وفي سلطان بور تعرف ناناك على شاب مسلم اسمه ماردانا وعُقدت بينهما أواصر الصداقة، ألفا معًا ولفترة طويلة ثنائيا منسجمًا للتبشير الديني.
وفي أواخر عام ألف خمسمائة ميلادية ترك ناناك سلطان بور؛ ليعيش حياة الزهاد المتجولين، وانطلق يبشر بديانة الجديدة التي توصل إليها بعد تجربة روحية مميزة، والتجربة الروحية حصلت له عندما كان يستحم ذات يوم في نهر وسط غابة؛ إذ اختفى بين الأشجار وانتقل إلى عالم آخر مَثُلَ فيه أمام الحضرة الإلهية، قدم الله في أثناء هذا اللقاء إلى ناناك كوبًا من الماء وخاطبه قائلًا: أنا معك، لقد جعلتك سعيدًا، وسأمنح السعادة كل من يتبعك، اذهب وبشر باسمي، ودع
الآخرين يقلدونك، إياك أن تلوث نفسك بالماء، بل مارس الصلاة، وفعل الخير والتأمل. لقد قدمت إليك هذه الكأس لعطفي عليك، عندئذٍ تلفظ ناناك بالصلاة أصبحت فيما بعد الدعاء الصباحي للسيخ، قال فيها: هناك إله واحد اسمه الحق والخالق، وهو أزلي وغير مولود، وموجود بذاته، وعظيم، ورحيم، وسوف يبقى إلى الأبد.
ترك ناناك الغابة بعد ثلاثة أيام من اختفائه فيها، وانطلق يبشر برسالته يرافقه صديقه مردانا الذي آمن بالدعوة، وجاب الصديقان، وجاء الهند للتبشير لكن النجاح لم يحالفهما إلا في بلاد البنجاب، وكثر الأتباع والتلاميذ السيخ في هذه المقاطعة، ويظهر من التلميحات الواردة في كتابة السيخ أن ناناك شهد غزوات إمبراطور المغول باببير، وأن تجواله للتبشير توقف في أثناء هذه الغزوات، ويبدو أن أحدهم تبرع له بقطعة أرض على ضفاف نهر رافي، فشيد عليها قريته المعروفة باسم كارتر بور، أمضى الغورو المعلم الأول ناناك بقية أيامه في القرية التي شيدها، ومات فيها عام ثمانية وثلاثين وخمسمائة وألف من الميلاد، بعد أن عيَّن مكانه خليفة من تلاميذه واسمه أنفادا، وجعله الغورو المعلم الثاني.
كتب السيخ المقدسة جُمعت الكتابات المقدسة عند السيخ في مجموعتين: المجموعة الأولى ويطلق عليها اسم آدي غرانت، ولها وضع شرعي لا خلاف عليه عند جميع الأتباع، والمعنى الحرفي للكلمة هو المجلد الأول، وجُمعت هذه المجموعة ما بين عامين ألف وستمائة وثلاثة وألف وستمائة وأربعة من الميلاد أي: بعد حوالي خمسة وستين سنة من وفاة ناناك، وقام بجمعها المعلم الروحي أرجان.
ولآدي غارانت أهمية كبيرة في الحياة اليومية للسيخ المؤمنين ويطلق عليها اسم آخر هو غورو غارانت صاحب، وهذه المجموعة مكتوبة بلغة سانت بهاشا، التي تمتزج فيها اللغتان الهندوسية والبنجابية، وهي لغة استعملت على نطاق واسع في شمالي البلاد الهندية في أواخر العصر الوسيط، لكنها اليوم لا تُستعمل إلا في مقاطعة البنجاب، والمجموعة تتضم أقوال ووصايا الغور الأول أي: المعلم الأول ناناك، مع إضافات للمعلمين الآخرين مثل: رامداس، عمار داس، وتاج بهادورو، وجويند سانغ، وبسبب الفراغ في قيادة السيخ بعد المعلم جويند سانغ إحتلت آند غراند منزلة مرموقة، خصوصًا في القرن الثامن عشر الميلادي.
أما المجموعة الثانية: ويُطلق عليها اسم داسام غرانت، وهو المجلد الثاني الرديف للأول، تمَّ جمعه في القرن الثامن عشر، ويتضمن أعمالًا متنوعة تنسب إلى جويند سانغ إضافة إلى مجموعة من الحكايات الهندوسية، وأخبار عن حيل النساء وأهمية هذا المجلد تكمن في احتوائه على نماذج من المُثل العليا التي سادت في القرن الثامن عشر، وعلى أخبار تعرف بالوضعية التاريخية للسيخ في هذه الفترة.
عقيدة السيخ: إن أثر الدين الإسلامي على ديانة السيخ يظهر بجلاء في شكل ومضمون الشهادة، التي أطلقها ناناك بعد مُثوله في الحضرة الإلهية؛ لذلك وصفت العقيدة بأنها خليط من الهندوسية والإسلام، وهو كان بدأ دعوته بالشعار ليس هناك هندوسي ولا مسلم.
في مطلع المجلد الأول: آدي غارانت يبحث ناناك مسالة وحدانية الله، فيفسر وحدانية الله تفسيرًا واحدًا أي: أن الله شخصي وواحد، وهو خالق مفارق، ومتعالٍ، ويستخدم عدة من مصطلحات للتعبير عن الله منها: نيرنيكر أي: الذي لا شكل له، ومنها أكال أي: الأزلي، وألخ أي: ما لا وصف له، ويركز ناناك على الصفة الأخيرة ويوضحها توضيحًا يقرب من التفسير الإسلامي لقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى: 11)؛ إذ إ ن الموجود الذي له أوصاف يكون محدودًا وملابسًا للمادة، وهو أمر منكر ولا يصح قوله على الله.
والسؤال الذي يطرح على ناناك هو التالي: مادام الله لا يمكن وصفه، وبالتالي لا يمكن رؤيته؛ كيف إذًا يمكن معرفته؟
تقدم ناناك بجوابين على هذا السؤال في الجواب الأول يقول: إن المرء لا يستطيع أن يعرف ربه؛ لأن الله فوق قدرة الفهم البشري ويستحيل على الفاني أن يعرف الخالد، لا يدرك الشبيه إلا الشبيه به.
أما الجواب الثاني: فهو أن معرفة الله بتمامه وإن كانت مستحيلة يبقى أن الإنسان يعرف هو حسب طاقته، وقد أعطى الإنسان وحيًا يمكنه فهمه، ويتجلى هذا الوحي في الخلق، وبما أن الخلق تعبير صريح عن الوحي الإلهي أصبح الله حاضرًا في كل مكان؛ حيث اتجهتم فثم وجه الله.
سارب فياباك: وهو موجود في مخلوقاته، وبإمكان الإنسان المنتبه روحيًّا أن يرى الخالق في كل مكان، وفي كل مخلوقاته، وقلب الإنسان هو مهبط الوحي الإلهي، ويحتاج الإنسان إلى قوة البصر والبصيرة؛ ليدرك الخالق، وتجلي الله في المخلوق يشكل نقطة الاتصال بين الله والإنسان، وما تحصل هذا الاتصال وفُهم تجلي لله على حقيقته ببصيرة نافذة أمكن الخلاص الذي يُعتبر الفحوى الأهم لتعاليم ناناك،
انتقد ناناك المسلمين والهندوس لإكثارهم من الطقوس والممارسات الدينية التي لا طائل منها سوى إلهاء الناس عن الوصول لله، ويلوم الهندوس على مبالغتهم في ممارسة الطقوس النسوكية، والحج، وتعظيم الأصنام مع أن الله لا يُعبر عنه بصخر، أو خشب، وآمن السيخ بفكرة الله الواحد الخالق، وأطلقوا عليه الاسم الحق تهربًا من تسميته الله، أو راما، أو فيشنا، أو غيرها.
وأهم صفة أعطوها له هي صفة العطف، وسموه بالعطوف هيرا؛ لأن العطف هو أهم صفة له وللموجودات، واعتقدوا بأن الإنسان هو سيد المخلوقات التي اعتبرت مسخرات له، والإنسان هو الأقرب إلى الله من جميع المخلوقات، كما أن الفرصة متاحة للإنسان لكي يندمج مع الله، ويحصل له بذلك الخلاص النهائي، والسعادة الحقيقية الفائقة.
يؤمن السيخ بالخلاص والاندماج: آمن السيخ بعقيدة التناسخ على طريقة الهندوس؛ إذ اعتبروا التناسخ نوعًا من العقاب أو عذاب الموت بعد الموت، والتناسخ ضرورة لعقاب أولئك الذين تعلقوا بالعالم وعبدوا موجوداته، بنتيجة ضلالهم وأوهامهم، حتى استعبدتهم وسجنتهم داخل دورة تناسخ لا بداية لها ولا نهاية من الميلاد والموت.
إن العدو الأساسي للإنسان بنظر السيخ هو المايا، المايا وتعني: اللا واقع أو اللا وجود أو العدم والوهم، وأراد ناناك من المايا لا واقعية القيم والمثل التي يكوِّنها البشر من مباشرتهم وتعاملهم مع الواقع، وهو تعامل مبني على الوهم والخيال، وبعيد كل البعد عن الحقيقة، ويعتقد الناس وهمًا أن القيم التي يستمدونها من
تعاملهم مع الواقع خيرة ومرغوبة، مع أنها وهم وخداع، ومتى فهم الإنسان حقيقة القيم ومواطن الوهم والخداع فيها؛ يكون قد تقدم خطوته الأساسية على طريق الخلاص من المايا، ومن التعلقات الفارغة والفاسدة بموجودات العالم، ويتحتم عليه الدخول في عذابات الولادات والموت المتكرر، وبخروج الإنسان من ضلاله ومن عبودية العالم يسلك الطريق الصحيح إلى الفرح الأزلي برؤية السعيدة، والقرب من الله. أما الضال الذي لا يندم على ضلاله محكوم عليه بالانفصال، والبعد عن الله، وتعمى بصيرته عن إدراك تجليات الله في مخلوقاته، ويصعب عليه الضال فهم توضيح الغورو المرشد أو المعلم، الذي يعتبر صوت الله لتجليات الله في المخلوق.
أما السيخ التلميذ الذي يتفهم كلام الغورو المرشد عن الحقيقة الإلهية، ويستوعب النظام الإلهي للكون ماديًّا ونفسيًّا يكون قد سلك طريق الخلاص في الانسجام مع الله، وطريق الخلاص يُلزم بنظام للعبادة يحتاج إلى لمثابرة في تطبيقه حتى يحصل الخلاص النهائي، وتطبيق نظام العبادة لا يحتاج إلى معابد وجوامع وصلاة وحج.
إن البيت الوحيد الذي يمكن قبوله للعبادة هو القلب البشري الذي ينطق فيه المعلم الروحي الغورو بالكلمة الإلهية. ويوضح الباحث جيفري بارنرتر المصطلح الذي يستخدم في الغالب عن النظام الذي يعلمه المعلم ناناك، المصطلح هو نامسيمرام، والمعنى الحرفي للكلمة هو تذكر الاسم الإلهي، وقد كان التكرار الآلي لكلمة معينة أو لمقطع من كلمة مقدسة يعني: ممارسة وحدده للعبادة، لكن المعنى الذي يُضيفه ناناك إلى المصطلح يتجاوز ذلك.
فهناك أولًا إصرار على الجانب الباطني المطلق للنظام، ثم التوسع في الكلمة الواحدة؛ لتصبح نظرية متطورة عن التأمل، وحتى هذا التأمل لا يكفي وصفًا للممارسة، فالمثل الأعلى هو التعرض الكامل لكيان المرء أمام الاسم الإلهي، والتطابق الشامل لكل ما يكونه المرء ويعمله مع النظام الإلهي الذي يجد التعبير عنه في الاسم الإلهي.
والتدرج في التأمل والعمل يدفع بالروح إلى الاتحاد الصوفي بالله، وهذا الاتحاد يحرر الروح من أغلال التناسخ، ويؤدي بها إلى العتاق الكامل، ويشعرها بفرح وسعادة الاندماج في الله.
إن التركيز الشيخ على الجانب التأملي الباطني، أو ما يمكن التعبير عنه بالتأمل الصوفي لم يبعدهم عن الجانب العملي والسلوك الأخلاقي المميز الذي يساعد على عملية تصفية القلب وتنقيته، فعلى التلميذ -أي: السيخ- أن يعيش في الفضيلة ويطيع معلميه الغورو، وينتبه إلى إيضاحاتهم وعليه أن يكون وفيًّا لزوجته، ومحبًّا لأولاده وعليه أن يبتعد عن الجدال والخصام وسلوك طريق المسالمة.
ومن النصائح التي شدَّد عليها المعلم أمارداس تلك التي تقول: "إذا عاملك أحد بسوء فتحمل ذلك، وإذا تحملت السوء ثلاث مرات فالله نفسه سيحارب عنك في المرة الرابعة". إلا ان المسالمة التي دعا إليها أمارداس معلم السيخ من سنة ألف وخمسمائة واثنين وخمسين إلى سنة ألف وخمسمائة وأربع وسبعين من الميلاد تحولت إلى دعوة وتأهب دائم للقتال في أيام الغورو العاشر غوفنيد سينغ، قام هذا الغورو بتأليف أناشيد وتراتيل قتالية غايتها إلهاب حماس السيخ للانفصال عن المسلمين، وإقامة كيان سياسي خاص بهم، وأقام طقسًا مميزًا ومشهورًا سماه معمودية السيف، وادَّعي بأنه توصل إلى إقامة هذا الطقس بروح إلهي، ويقوم