الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الخامس
(الديانة الهندوسية (3))
بقية العقائد الهندوسية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فتعال بنا إلى العقيدة الثانية المتمثلة في: تناسخ الأرواح:
يطلق بعض الباحثين على هذه العقيدة تعبيرًا اصطلاحيًّا آخر هو تجوال الروح، وقد يطلق عليها التناسخ فقط، ويطلق عليها كذلك تكرار المولد والتناسخ رجوع الروح بعد خروجها من جسم إلى العالم الأرضي في جسم آخر، وسبب التناسخ أو تكرار المولد هو:
أولًا: أن الروح خرجت من الجسم، ولا تزال لها أهواء، والشهوات مرتبطة بالعالم المادي لم تتحقق بعد، وثانيًا: أنها خرجت من الجسم وعليها ديون كثيرة في علاقاتها بالآخرين لا بد من أدائها فلا مناص إذا من أن تستوفي شهواتها في حيوانات أخرى، وأن تتذوق الروح ثمار أعمالها التي قامت بها في حياتها السابقة، فالميل يستلزم الإرادة، والإرادة تستلزم الفعل في هذا الجسد، وإن لم يصلح هذا ففي جسد غيره فقد خلقت الميول لتستوفى، وإذا لم تستوفِ لم ينجُ الإنسان من تكرار المولد، وإذا اكتملت الميول، ولم يبقَ للإنسان شهوةٌ ما، وأزيلت الديون، فلم يرتكب الإنسان إثمًا، ولم يَقُم بحسنة تستوجب الثواب نجت روحه، وتخلصت من تكرار المولد، وامتزجت بالبراهما سواء كان الاكتمال لجسدٍ واحدٍ، أو أجساد متعددة؛
فجسد الإنسان المادي هو الذي يولد من جسدين لوالدين.
وأما الذي يحركه وينشطه، ويسيطر عليه فجسد اللطيف يتركب من القوى الأساسية، والحواس، والقوة الآلية المحركة والعناصر اللطيفة والعقل فإذا حدث ما نسميه الموت مات الجسد المادي وتوقف وبلي.
أما الجسد اللطيف فلا يموت، بل يخرج، ويعمل مدة من الزمن في آفاق اللطيفة التي تشبه حال أحلامنا، فيجرب هناك الجنة والنار التي تكلمت عنها الكتب الدينية، ثم يعود مسوقًا بالميول، والأعمال الماضية كرة أخرى إلى هذه الحياة متقمصًا جسدًا جديدًا، وتبدأ بذلك دور جديدًا لهذه الروح، وتكون هذه الدورة نتيجة للدورة الماضية فتوجد الروح في إنسان أو حيوان أو ثعبان ويسعد أو يشقى نتيجة لما قدم من عمل في حياته السابقة.
ومن الشروط اللازمة لتجوال الروح أن الروح في عالمها الجديد لا تذكر شيئًا عن عالمها السابق فكل دورة منقطعة تماما بالنسبة للروح عن سواها من الدورات وهنا نجد الديانة الهندوسية تلتقي مع الأديان السماوية في جانب، ولكنها سرعان ما تبتعد عنها فنقطة الالتقاء هي خلود الروح وحسابها على ما قدمت، ولكن الأديان السماوية ترى الروح كائنة مستقلة بجسم، فهو يحاسب على ما ارتكب مع هذا الجسم، ويتم الحساب بعد أن يتعرف الإنسان بأخطائه، ويذكره بها لسانه الذي نطق ويده التي امتدت، ورجله التي سارت يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
أما في الهندوسية فهناك انقطاع تام بين الدورتين، ومعنى هذا أن الروح تعاقب على ذنب لا تعرفه ولا تذكره، وترى الأديان السماوية أن الأرض دار بلاء واختبار، وان الآخرة دار حساب وجزاء، ولكن البرهمية اعتبرت الأرض دار جزاء وثواب.
وقد تسرب القول بالتناسخ إلى سلة من المسلمين يقول بن حزم في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل افترق القائلون بتناسخ الأرواح على فرقتين؛ فذهبت الفرقة الأولى أن الأرواح تنتقل بعد مفارقتها الأجساد إلى أجسام أخرى، وإن لم تكن من نوع الأجساد التي فارقت، وهذا قول أحمد بن حافظ، وأحمد بن موسى تلميذه، وأبي مسلم الخراساني، ومحمد بن زكريا الرازي الطبيب الذي صرح بذلك في كتابه المرسوم (العلم الإلهي) وهو قول القرامطة.
وقال الرازي في بعض كتبه: لولا أنه لا سبيل إلى تخليص الأرواح من الأجساد المتصورة بالصورة البهيمية إلى الأجساد المتصورة بصورة الإنسان إلا بالقتل، والذبح لما جاز قتل شيء من الحيوان أو ذبحه البتة وعلق بن حزم على هذا الاتجاه، وهو القول بالتناسخ بأنه دعاوى وخرافات بلا دليل، ومما تسرب إلى بعض فرق الشيعة متصلًا بالتناسخ القول برجعة فهي عودة الروح لحياة جديدة، ولكنها في الرجعة تعود في الجسم أي: أن الشخص نفسه جسمًا وروحًا يعود للحياة بعد الموت.
وقد قال بعض الإمامية بعودة علي بن أبي طالب، وقال أكثرهم: بعودة الإمام الثاني عشر، وهو المهدي، وسموه المهدي المنتظر، وقال: إنه سيعود إلى الأرض فيملأها عدلًا بعد أن ملئت ظلمًا.
أما ثالث العقائد: فيسمي بالانطلاق، وقد سبق أن تكلمنا عن اكتمال الميول ونريد هنا أن نزيد هذا الموضوع وضوحًا؛ فنقرر أن معنى اكتمال الميول والشهوات هو توقفها وتغلب الإنسان على نفسه بحيث لا يبقي له شهوة ولا ميلا، بل يقنع بما حصل عليه، ولا يتطلب مزيدًا، وإذا تم ذلك مع انقطاع عن الأعمال وعن علائق الدنيا، وما فيها من ملاذ وعصيان تلك التي تستلزم تكرار المولد إذا تم له ذلك نجا من تكرار المولد، وامتزج بما رهب، وهذه الحالة هي التي يعبرون عنها بالانطلاق؛ فالانطلاق هو الامتزاج بما رهب، كما تندمج قطرة من ماء بالمحيط العظيم، وهدف الحياة الأسمى والانطلاق من دورات الوجود المتوالية، والاندماج في الكائن الأسمى، وهذا الانطلاق لا يكتسب بالأعمال؛ لأن الأعمال الصالحة يجازى عليها الإنسان من طريق الميلاد المتكرر كالأعمال الشريرة تمامًا وقد ورد في أرمك ما يلي:
من لم يرغب في شيء ولن يرغب وتحرر من رق الأهواء واطمأنت نفسه فإنه لا يعاد إلى حواسه ويتحد بالبراهما فيصير هو ويصبح الفاني باقيًا ويؤخذ على هذا المبدأ أنه جعل التصوف، والزهد، والسلبية أفضل من صالح العمال فهي الطريق للإتحاد بالله، ومصالح الأعمال، فتنقذ دورة جديدة في الحياة تساب فيها الروح على ما قدمت من خير في الدورة السابقة.
رابعًا: وحدة الوجود هذا المبدأ وثيق الصلة بالمبادئ السابقة، بل يمكن القول أن هذه المبادئ كلها وثيقة الصلة بعضها ببعض، وقد سبق عند الحديث عن الله في التفكير الهندوسي أن شرحنا كيف انبثق الكون عن الله، ثم شرحنا عند الكلام عن مبدأ الانطلاق، كيف يمكن أن يعود الإنسان إلى الإتحاد بالله.
وفي ولويد مزيد ل إ يضاح الصلة بين الكون وبراهما؛ مما أدى إلى اعتقاده بوحدة الوجود وأن نقتبس من فلسفة الهند الخطوات التي قادت إلى هذا التفكير، فقد كان الناس يؤمنون بأن في لعالم قوة عظيمة يلزم التقرب لها بالعبادة والقرابين، وكانت هذه القوة تسمى براهما في مرحلةٍ تاليةٍ لم تعد القرابين المادية ضرورية، بل حل محلها مراقبات على ظواهر كونية تخيلها الإنسان ضحايا، وذلك كالشمس، والنار، والهواء، وفي المرحلة الثالثة راقب الإنسان نفسه وتصورها قربانًا يوصل إلى براهما.
في المرحلة الرابعة تجردت المراقبات عن تصور القرابين، بل صار الناس يراقبون أنفسهم على أنهم القوة الكامنة العالمية المؤثرة، ثم وصلوا من التمثل إلى العينية، وأذعنوا أن النفس الشخصية هي عين القوة الحيوية العالمية، أو البراهما؛ فصار المفتكر والموضوع الخارجي شيئًا واحد.
وقد صور أستاذ هندي متخصص هذا الموضوع في مقال طويل نقتبس منه بعض الفقرات:
خلقت الحياة هذه من الروح أتم؛ فالإنسان ليس جسمه أو حواسه؛ لأن هذه ليست إلا مركبًا، وهي تتغير وتموت، وتبلى، بل الإنسان هو الروح وهي سرمدية أزلية أبدية مستمرة غير مخلوقة، وذكرت شروح "لويدا" أن الإنسان من حيث روحه جاء على فطرة الله براهما، وكما أن شرارة النار نار؛ فإن الإنسان من نوع الإله، وروحه لا يختلف عن الروح الأكبر، إلا كما تختلف البذرة عن الشجرة عندما تجرد الروح بالظواهر المادية تبدأ رحلتها للعودة للروح الأكبر؛ ولذلك يسمى تخلصها من الجسم طريق العودة،
والإله في التفكير الهندي له صفات ثلاث فهو براهما، أي: خالق، و"وشنو" أي: حافظ، وسيفًا، أي: مهلك.
وهذه الصفات الإلهية الثلاثة كامنة في الإنسان فهو يخلق الأفكار والأنظمة والمؤسسات، ويحافظ عليها، ويستطيع تدميرها ليعيد خلقها في شكل آخر.
وفي فلسفة الهند الأخلاقية المسماة "ويدانت" وردت العبارة التالية هذا الكون كله ليس إلا ظهورًا للوجود الحقيقي الأساسي، وإن الشمس والقمر، وجميع جهات العالم، وجميع أرواح الموجودات أجزاء ومظاهر لذلك الوجود المحيط المطلق، وإن الحياة كلها أشكال لتلك القوة الوحيدة الأصيلة، وإن الجبال والبحار، والأنهار تفجر من ذلك الروح المحيط الذي يستقر في سائر الأشياء.
وهذا التفكير هو ما قال به "سانكرا" في القرن الثامن الميلادي إذ وضح الهندوس في وحدة الوجود، وحاول أن يدلل على رفض الازدواج، وأن الروح الإنسانية هي جزء من الروح العالية براهما.
وقد تسرب هذا التفكير إلى بعض طوائف المسلمين من الصوفية، والشيعة وقد لقي الحلاج حتفه؛ بسبب اعتناقه المذهب، ودعوته له، ومما يروى من شعره في ذلك:
عجبتُ منك ومني
…
أفنيتُك مني عني
أدنيتني منك حتى
…
ظننت انك أني
ويروي الشهرستاني: أن ابن سبأ قال مرة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أنتَ أنتَ" يقصد أنت الإله؛ فنفاه علي إلى المدائن، وربما يقال: إن عقوبة النفي لم تكن