الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رُدت منعكسةً إلى السفر، وبذلك تتناسخ في أجسام الحيوانات إلى أن تصفو من شوائب الظلمة، ثم تلتحق بالنور العالي.
والسبب في انتشار عقيدة التناسخ في العالم اليوناني القديم هو "الأورفيا" التي كانت تمثل الجانب الخفي في الحياة العقلية لدى اليونانيين، وكذلك وردت هذه العقيدة عن "الفيثاغورية" و"الأفلاطونية المحدثة"، لقد كانت فكرة الخطيئة الأولى ذات تأثير بالغ الخطورة على الفكر الإنساني، فالإنسان الأول قد طُرد من الجنة بعد اقترافه الخطيئة، والبدن هو الذي دنس هذا الإنسان بعد أن كان موجودًا عقليًّا محضًا قبل ظهوره على الأرض، وقبل اتصاله بهذا البدن، فاتصال النفس بالبدن هو ثمرة الخطيئة، حيث إن سلوك النفس صار أقربَ إلى الشر منه إلى الخير، وكذلك ذهب بعض اليهود إلى التناسخ، زاعمين أنه وُجد في كتاب "دانيال" أن الله تعالى مسخ "بوختنصر" في سبع صور من صور البهائم والسباع، وعذبه فيها كلها، ثم بعثه في آخرها موحدًا.
ومما يؤسَف له أن ظهرت هذه البدعة لدى بعض غلاة فرق الإسلام، مثل البيانية والجناحية والخطابية والرواندية من الروافض الحلولية، وفلاسفة الصوفية، فكلهم قالوا بتناسخ روح الإله في الأئمة بزعمهم!!
حال الإمامة بعد "ماني"، وتنقل المانوية في البلاد، وأشهر رؤسائهم
هذا؛ وقد اختلفت المانوية في الإمامة بعد "ماني":
يزعم المانوية: أن "ماني" ارتفع إلى جنان النور، لكنه أقام قبل ارتفاعه "سَيْس" الإمام بعده، فكان يقيم دين الله وطهارته إلى أن توفي، وكان الأئمة يتناولون الدين واحدًا عن واحد، لا اختلاف بينهم. وظلوا على هذا الوفاق إلى أن ظهرت خارجة منهم يُعرفون بـ"الدينابورية" فطعنوا على إمامهم، وأعلنوا امتناعهم عن طاعته، وكان معلومًا بينهم أن الإمامة لا تتم إلا "ببابل" فلا يصح أن يكون إمام
في غيرها، وقد قالت "الدينابورية" بخلاف ذلك، ولم يزالوا عليه وعلى غيره من الخلاف الذي لا فائدة في ذكره.
وظل الحال على ذلك إلى أن أفضت الرئاسة الكلية إلى "مُهر"، في ملك الوليد بن عبد الملك في زمن ولاية خالد بن عبد الله القسري بالعراق، وانضم إليه رجل يقال له:"زاد هرمز" فمكث عندهم مدةً، ثم فارقهم، مع أنه كان صاحب دنيا عريضة، لكنه تركها خارجًا إلى "الصديقوت" وزاعمًا أنه يرى أمورًا ينكرها، وقد أراد اللحوق بـ"الدينابورية" وهم وراء نهر "بَلْخ" ولما أتى المدائنَ كان بها كاتب للحجاج بن يوسف ذو مال كثير، كانت بينهما صداقة فشرح له حاله والسبب الذي أخرجه من الجملة، وأنه أراد خُراسان؛ لكي ينضم إلى "الدينابورية" فقال له الكاتب: أنا خراسانك، وأنا أبني لك البيع، وأقيم لك ما تحتاج إليه، فأقام عنده، وأنشأ يبني له البيع، وقد كتب "زاد هرمز" إلى "الدينابورية" مستدعيًا منهم رئيسًا يقيمه، لكنهم ردوا عليه: بأنه لا يجوز أن تكون الرئاسة إلا في وسط المُلك "ببابل"، فسأل عمن يصلح لذلك، فلم يجد سواه، فلما حضرته الوفاة سألوه أن يجعل لهم رئيسًا، فقال: هذا "مِقلاص" عقد عرفتم مكانه وأنا أرضاه، وأثق بتدبيري لكم. ولما مضى "زاد هرمز" أجمعوا أمرهم على تقديم "مِقلاص".
وبذلك سارت المانوية فرقتين: المهرية، والمقلاصية، وقد خالف "مقلاص" والجماعة إلى أشياء من الدين، منها في أصلات، إلى أن قدم أبو هلال الديحوري من إفريقيا، وقد انتهت إليه الرئاسة المانوية، وكان هذا في زمن أبي جعفر المنصور، فدعا المقالصة إلى ترك ما رسمه لهم "مقلاص" في الوصالات، فأجابوه إلى ذلك، وقد ظهر من المقالصة رجل يُدعى "بزرمهر" فاستمال جماعة منهم وأحدث أشياءَ أُخر، فلم يزل أمره على ذلك، إلى أن انتهت الرئاسة إلى
أبي سعيد رحا، فردهم إلى رد المهرية في الوصالات، وذلك هو الذي لم يزل الدين عليه في الوصالات.
وقد ظلوا على هذا الحال إلى أن ظهر في خلافة المأمون رجل منهم يُدعى "يزدن دخت" فخالف في الأمور ومالت إليه فئة منهم.
وهناك أمور نقمتها المقالصة على المهرية، منها أنهم زعموا أن خالد القسري حمل مهرًا على بغل وختمه بخاتم فضة، وخلع عليه ثياب ووشي، وكان رئيس المقالصة في أيام المأمون والمعتصم أبو علي سعيد، ثم خلفه بعدُ كاتب ناصر بن هرمز السمرقندي، وكان من عادتهم أن يرخصوا لأهل المذهب والداخلين فيه أشياء محظورة في الدين، وكانوا يخالطون السلاطين ويواكلونهم، كما كان من رؤسائهم أبو الحسن الدمشقي، وقُتِل "ماني" في مملكة مهران بن سابور، ولما قتله صلبه نصفين، النصف الواحد على باب والآخر على باب آخر من مدينة "جندسابور".
تنقل المانوية في البلاد:
كانت المانوية من أول الأديان المدعاة التي دخلت بلاد ما وراء النهر، ويرجع السبب في هذا إلى أن "ماني" لما قتله كسرى وصلبه، وحرَّم على أهل مملكته الجدل في الدين، أخذ يقتل أصحاب "ماني" في أي موضع وجدهم، فاستمروا في الفرار منه إلى أن عبروا نهر "بلخ" ودخلوا في مملكة خان، فكانوا عنده، وخان بلسانهم -أي: بلغتهم- لقب يلقبون به ملوك الترك. وحين نزل المانوية بما وراء النهر إلى اندثر أمر الفرس وقوي أمر العرب، فعادوا إلى هذه البلاد خصوصًا في فتنة الفرس.
وفي عصر بني أمية كان خالد بن عبد الله القسري يعني بهم، إلا أن الرئاسة ما كانت تعقد إلا "ببابل" في تلك الديار، وكثيرًا ما كان الرئيس يمضي إلى حيث يأمن من البلاد، وقد انجلوا آخر ما انجلوا في أيام المقتدر، فإنهم لحقوا بخراسان؛ خوفًا على أنفسهم، ومن تبقى منهم ستر أمره مع تنقلهم في تلك البلاد.
وقد اجتمع منهم بسمرقند نحو خمسمائة رجل فاشتهر أمرهم، فأرسل إليهم ملك الصين وأراد صاحب خراسان أن يقتلهم، فأرسل إليه ملك الصين يقول: إن في بلادي من المسلمين أضعاف ما في بلادك من أهل ديني، ويحلف له إن قتل واحدًا منهم قتل الجماعة به، وأخربَ المساجدَ، وترك الأرصاد على المسلمين في سائر البلاد، فقتلهم، ولهذا كَف عنهم صاحب خراسان، وأخذ منهم الجزية.
وبعد هذه الأحداث قلوا في المواضع الإسلامية، لكن بقيت فلول منهم في مدينة "السند" أيام معز الدولة نحو ثلاثمائة.
ومن رؤساء المانوية في الدولة العباسية، من هؤلاء الجعد بن درهم، وهو الذي يُنسب إليه مروان بن محمد فيقال: مروان الجعدي، وكان مؤدبًا له ولده، فاستطاع أن يقذفه في الزندقة، وقد تولى قتل الجعد هشام بن عبد الملك في خلافته، وذلك بعد أن طال حبسه في يد خالد بن عبد الله القسري، وكان أهل الجعد قد رفعوا قصةً إلى هشام يشكون ضعفهم وطول حبس الجعد، فقال هشام: أهو حي بعد؟ وكتب إلى خالد في قتله، فقتله يوم أضحى جاعلًا إياه بدلًا من الأضحية، بعد أن قال ذلك على المنبر بأمر هشام، وقد كان خالد يُرمى بالزندقة، وكانت أمه نصرانيةً.
هذا، وقد كان بعض المتكلمين متهمين بهذه الزندقة من أمثال ابن طالوت، وأبي شاكر، وبشار بن بُرد، وسلم الخاسر، والبرامكة، إلا محمد بن خالد.
أعاذنا الله تعالى، وقانا شر هذه المذاهب الضالة، والديانات الكافرة الفاسدة، ونسأل الله الهدايةَ إلى الحق، وأن يهدينا جميعًا سواءَ السبيل.
وبذا انتهى هذا الفيلم الهندي أو الفيلم الأمريكي، لست أدري!! لكن الحمد الله على نعمة الإسلام، وكفى بها نعمةً، ونعوذ بالله أن عافانا من تلك العفانة.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وآله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة وبركاته.