المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لويزا" كتاب الهندوس المقدس - الأديان الوضعية - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 فكرة تمهيدية عن أديان الهند الكبرى وتوزيعها جغرافيا

- ‌معنى الأديان الوضعية

- ‌فكرة تمهيدية عن أديان الهند الكبرى وتوزيعها جغرافيًّا

- ‌الدرس: 2 فلسفة الموت والروح، وعقيدة خلق العالم، والخلاص من الشر

- ‌تقسيم أبي الريحان البيروني لاعتقاد الهنود

- ‌فكرة تناسخ الأرواح كما يؤمن بها الهندوس

- ‌الدرس: 3 الديانة الهندوسية (1)

- ‌الأصول التاريخية للديانة الهندوسية ولسكان الهند

- ‌مسألة التقمص أو نظرية التناسخ

- ‌الدرس: 4 الديانة الهندوسية (2)

- ‌التعريف بالهندوسية، وفكرة تأسيسها

- ‌أهم الموضوعات المتعلقة بالهندوسية

- ‌الطبقات في الفكر الهندوسي، وأهم عق ائد الهندوسية

- ‌الدرس: 5 الديانة الهندوسية (3)

- ‌بقية العقائد الهندوسية

- ‌الأخلاق عند الهندوسيين

- ‌نماذج من الفقه الهندوسي

- ‌الكتب المقدسة لدى الهندوس

- ‌الدرس: 6 الديانة الهندوسية (4)

- ‌لويزا" كتاب الهندوس المقدس

- ‌من تقاليد الهندوس

- ‌اعتقاد الهندوس حول تناسخ الأرواح

- ‌العبادات الهندوسية والطقوس الدينية

- ‌الدرس: 7 الديانة البوذية (1)

- ‌الديانة البوذية: بوذا وحياته، ومبادئه، وتأسيسه للديانة

- ‌من أخلاق بوذا وأقواله

- ‌الدرس: 8 الديانة البوذية (2)

- ‌التعريف بالديانة البوذية

- ‌الأسس الفكرية للعقيدة البوذية

- ‌الدرس: 9 الديانة البوذية (3)

- ‌عقيدة البوذية وفلسفتها

- ‌من تعاليم البوذية

- ‌لمحة تاريخية عن البوذية وانتشارها، والكتب المقدسة لديهم

- ‌الدرس: 10 الديانة البوذية (4)

- ‌نشأة الرهبنة في البوذية، ووصولها وانتقالها إلى المسيحية

- ‌الآداب والنظم التي يجب أن يلتزم بها الرهبان في الديانة البوذية

- ‌موقف الإسلام من الرهبنة

- ‌الدرس: 11 الديانة البوذية (5)

- ‌حكم الرهبنة في الإسلام من حيث العزف عن الزواج

- ‌حكم الرهبنة في الإسلام من حيث الفقر

- ‌حكم الرهبنة في الإسلام من حيث إهانة الجسد

- ‌حكم الرهبنة في الإسلام من حيث الاعتزال والعزلة

- ‌حكم الرهبنة في الإسلام من حيث الطاعة المطلقة لرجل الدين، واعتقاد عصمته

- ‌الدرس: 12 الديانة الجينية

- ‌تمهيد للديانة الجينية

- ‌تأسيس ونشأة الديانة الجينية

- ‌أهم عقائد الجينية

- ‌الدرس: 13 ديانة السيخ، والديانة البوذية الصينية

- ‌من هم السيخ؟ وما هي معتقداتهم

- ‌البوذية الصينية

- ‌أديان الهند في الميزان

- ‌الدرس: 14 الديانة المانوية (1)

- ‌من هو " مانو

- ‌النشاط التبشيري لماني

- ‌الدرس: 15 الديانة المانوية (2)

- ‌إرسال الإنسان الأول القديم وهزيمته

- ‌استرداد ذرات النور

- ‌أسطورة إغواء الأراكنة

- ‌المقاييس المضادة للمادة

- ‌الدرس: 16 الديانة المانوية (3)

- ‌الروح بمثابة مركز للفداء

- ‌الإيمان بالآخرة

- ‌علم التنجيم

- ‌التنظيم اللاهوتي، والتعميد المانوي، والوليمة المقدسة، والعشاء الرباني

- ‌الدرس: 17 الديانة المانوية (4)

- ‌شريعة "ماني"، والفرائض التي فرضها، وقول المانوية في الميعاد

- ‌الكتب المقدسة عند المانوية، وعقيدة التناسخ

- ‌حال الإمامة بعد "ماني"، وتنقل المانوية في البلاد، وأشهر رؤسائهم

- ‌الدرس: 18 الديانة الزرادشتية (1)

- ‌أديان الفرس

- ‌الزرادشتية من حيث التأسيس والنشأة والتطور

- ‌الدرس: 19 الديانة الزرادشتية (2)

- ‌أهم المصادر المقدسة للزرادشتية

- ‌فكرة الحساب والشفاعة، والأعياد والأخلاق عند الزرادشتيين

- ‌الدرس: 20 مقارنة بين عقائد المانوية والزرادشتية في: الله، والنفس، والمصير

- ‌عقائد المانوية والزرادشتية في الله - عز جل

- ‌عقائد المانوية والزرادشتية في النفس

- ‌عقائد المانوية والزرادشتية في المصير

الفصل: ‌لويزا" كتاب الهندوس المقدس

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس السادس

(الديانة الهندوسية (4))

"‌

‌لويزا" كتاب الهندوس المقدس

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فنواصل الكلام عن الديانة الهندوسبة من حيث "الكارما" وتناس خ الأرواح، ووحدة الوجود والانطلاق، والأخلاق عند الهندوسيين والعبادات، وما إلى ذلك مما تبقى في عناصر هذه الديانة.

علمت أن "لويزا" كتاب الهندوس المقدس لا يعرف له وضع معين، وإنما له قيمة تاريخية كبرى؛ إذ تنعكس في هذا الأدب الديني حياة الأهليين في الهند في عهدهم القديم، ومقرهم الجديد، وفيه أخبار حلهم، وترحالهم، ودينهم، وسياستهم، وحضارتهم، وثقافتهم ومعيشتهم، ومعاشرتهم، ومساكنهم، وملابسهم، ومطاعمهم، ومشاربهم ومهنهم، وحرفهم، وترى فيه مدارج ارتقاء الحياة العقلية من سذاجة البدوي إلى إلى شعور الفلسفي، فتوجد فيها داهية الابتدائية تنتهي بالارتياق، وإلوهية تترقى إلى وحدة الوجود.

وكما علمت أيضًا أن "الويدات" عبارة عن أربع كتب دينية هي "الريجويدا" و"ياجورويدا" و"ساماويدا" و"آثارويدا" وكل من هذه الويدات الأربعة يشتمل على أربعة اجزاء هي: "سمهت" و"برهمن" و"أرنيك" و"أبونيشد" والناظر إلى هذه الأقسام الأربعة.

يلاحظ أن "السمهت" تمثل دين الفطرة، أو الفكر البدائي، أما "البرهمن" فيمثل مذهب القانون، ودين الأمة التي تركت البداوة، ولن تتعمق بعد في الحضارة بـ"الأرنيك" فينقل الفكرة من القانون إلى الروح، فهو معبر تاريخي وتجيء بعده "ألفبني شيدات" حيث مذهب الروح الذي هو المرتبة العليا في سلسلة الارتقاء الديني.

وقد وضع "الأبنيشيدات" في المدة من ثمانمائة إلى ستمائة قبل الميلاد وعلمت أيضًا أن النظام عند الهندوس يقوم على الطبقات الأربع حيث يتكون المجتمع حسب الهندوسية من أربع طبقات هي: "البرهمه" و"القشتريا" و"الويشاش " و " الشودر" ومزاعم الهندوسية تصل إلى حد التمييز في مصدر ما يتكون منه أهل كل طبقة، وفي شرع منه المعروف باسم "منوسيماتري" يقولون لسعادة العالم خلق "برهمه" البراهمه من وجهه و"القشتيريين" من ذراعيه و"الويش" من فخذيه و"الشودر" من قدميه، وقد سبق تفصيل ذلك ونأتي إلى شعائر وعبادات الهندوس.

الطهارة تتوزع في الهند أماكن عديدة لها صفة القداسة عند الهندوس وهذه الكثرة العددية حصلت بالتراكم عبر السنين، ويلاحظ أن هذه المواقع التي يحجون إليها تتوزع على ضفاف الأنهار، وإن كان نهر الغانج من بينها هو الأكثر قداسة، وفيه يلقون رماد موتاهم بعد حرق جثثهم، ونهر الغانج يزعمون أنه ينبع من تحت قدمي الإله الحافظ "فشنو".

ولعل الماء يتمتع بمكانة عندهم بسبب ما فيه من فوائد من حياة عند البشر ولسائر المخلوقات، وقد اعتمد الهندوس الماء في الطهارة وطقوسهم في الطهارة بواسطة الماء نجد منها ما يتفق مع ما جاء في الشرائع السماوية، وقد يكون ذلك عندهم مستفادًا من هذه الشرائع السماوية؛ فالجنابة عندهم يتم التطهر منها بالاغتسال بالماء، كما جاء في نصوص كتابهم منه مثلًا: "إذا ما خرج المني من الإنسان؛ فإنه يتطهر بالغسل، وبالنسبة للمرأة، كذلك تغتسل بعد الحيض.

وأما بعد الإجهاض وإسقاط الحمل قبل أوانه، فالواجب معرفة كم من الأشهر مضى على حملها، بحيث تقوم بالتطهر بعد عدة أيام هي عدد الأشهر التي مضت على الحمل، وفي "منيوسماتري" تطهر المرأة بعد الإجهاض بيوم عن كل شهر من أشهر الحمل وتطهر بعد الحيض بالغسل

ص: 131

يطهر المرء بالغسل إذا ما لامس شخصًا من الأسافل، أو امرأة حائضًا أو نفساء، أو جسمان ميت، أو لمس من قد لمس جثمان ميت، وكل من يموت في معركة، أو قتال، أو يهلك بصاعقة، أو دون بقرة، أو برهمي أو يقتل بأمر الملك أو يريد الملك أن يكون طاهرا لا يتنجس أحد بموته والطهارة عند الهندوس منها ما هو حسي، وهو الاغتسال بالماء، ومنها ما هو معنوي كطهارة الروح بالعلوم المقدسة والقلب بالعبادات وهكذا دواليت؛ ولهذا الغرض التطهيري نص شرعهم على ما يلي:

إن العلم والنار، والطعام، والتراب، والقلب، والماء، والطلي بخفي البقر والهواء، والطقوس الدينية، والشمس والزمن كل أولئك تطهر جسم الإنسان.

إن البدن يطهر بالماء، أما الجوف فيطهر بالصدق، ويطهر الروح بالعلوم المقدسة، وبالعبادات، ويطهر القلب بالعلم الصحيح، ويستنتج من النص السابق أمران اعتبار بول البقر مادة للتطهر؛ ولذلك فإن في معابدهم، وبعد انتهاء طقوسهم قد يرشون على الناس بول بقر، وظن أنها تعطي البركة، والربط بين طهارة البدن، وطهارة النفس، والروح هذا أمر في منتهى الأهمية عندهم.

أما الصلاة: فيبدو أن للصلاة عندهم أركان لا تتم إلا بها هي الاستحمام وارتداء الثياب النظيف ذات اللون الأصفر، أو الأبيض هذا مع غسل الأيدي والأفواه بالماء المعطر، وأثناء بدء الصلاة هناك هيئة تخص كل من الرجل والمرأة، فالرجل يجلس متربعًا، والمرأة تجلس على ركبتيها هذه أركان الصلاة التي يكون أداؤها كما يلي:

ليس في الهندوسية صلاة جامعة، ولا صلاة جماعة؛ فالصلاة كلها فردية وهي ثلاثة أنواع صلاة برفقة الكاهن، واتباع ترانيمه، وصلاة برفقته دون اتباع الترانيم، وصلاة فردية محضة،

ص: 132

أما بالنسبة لصلاة الهندوس فهي مرتان في اليوم الأولى صباحًا، والثانية مساءً، وتفسيرهم أن كل صلاة تسقط ما حصل من هفوات، وأخطاء، وذنوب حصلت من الإنسان ما بين هاتين الصلاتين فصلاة الصبح تسقط ذنوب الليل، وصلاة المساء تسقط ذنوب النهار.

ورد في هذا الموضوع في نصوص شرعهم من "نوسمتري" ما يلي على المصلي أن يقرأ في صلاة الصبح "كيتري" في قلبه وهو واقف على قدميه من انبلاج الفجر حتى مطلع الشمس، ويقرأها في صلاة المساء، وهو جالس إلى ظهور النجوم إن صلاة الصبح بهذه الطريقة تذهب كل ذنوب الليل، وصلاة المساء تذهب كل ذنوب النهار، إن من لا يؤدي هاتين العبادتين قائمًا في الصباح وقاعدًا في المساء يجب أن يطرد ك"الشودر" ويمنع من أداء الواجبات الدينية، ويحرم من حقوق المولودين ثانية.

ويلاحظ من هذا النص تشدد الهندوس في مسألة الصلاة فمن لم يؤدِّ الصلاة عندهم يطرد، ويصبح من المنبوذين، وهم الطبقة الخادمة الشودر وهذا عقاب القاسي إضافة إلى حرمانه من حقوق المولودين ثانية أي: من انتقلت إليهم روح كانت لها حياة سابقة، ولعل ذلك يشكر دليلًا على أهمية الصلاة في شعائرهم؛ ولأن الهنود مولعون بالتمسك، والاعتزال في الغابات، وعلى ضفاف الأنهار، فإن شرعهم يرشد إلى عبادة تولد الاطمئنان، وهي تلك التي يمكن أثناءها أن يمارس المرء تأمل العقلي طلبا لصفاء النفس، فقد جاء عندهم لا بأس بأن يقوم المرء بالعبادات حتى ولو بقراءة "كيتري" وحدها؛ وذلك بالقرب من نهر أو من غابة، وهو مطمئن البال مستجمع الفكر.

ويستخدم الهندوس عن طقوسهم في معابدهم برفقة الكاهن إضافة إلى الماء في النهار النار التي يوقدون بها البخور ومع ذلك الأزهار، والصلاة التي تؤدى في المعابد

ص: 133

تؤدى على الشكل التالي يتلو الكاهن تعاويذه التقليدية، وبعدها يركع الشخص تحت قدمي الصنم متضرعًا يتلو الكاهن الأدعية التقليدية كل طبقة لها وضع خاص في الأدعية التي يتلوها الكاهن في الختام، يتلو الكهنة دعاء مخصوصًا يصلي الشخص ثم يرش الماء، ثم يخرج.

ومن شعائرهم إحراق الموتى والنفس هي الأساس في المفهوم الهندوسي والبدن ليس له اعتبار كبير وضمن نظام التناسخ فإن النفس عندهم تنتقل في دورة الحياة من بدن إلى آخر؛ طلبًا للزكية، والتطهر حتى إذا ما تم لها ذلك توقف حلولها في الأبدان، وأتحدث بالروح الكلية "النيرفانا" لذلك اعتمدوا نظامًا قاسيًا مع البدن في الحياة، وإذا ما مات المرء فيكون في طقوسهم إحراق الجسمان، ومن ثم وضع الرماد في أنبوب، وإلقاء هذا الرماد في نهر "الغانج" النهر المقدس عندهم.

والغريب عندهم: أنهم يعدون من باب تكريم البقرة دفنها إذا ماتت ضمن مراسيم معينة بينما الإنسان يحرقونه، والأكثر غرابة ما كان سائدًا عندهم بشأن النساء، حيث كان من طقوسهم إحراق المرأة حية مع جسمان زوجها المتوفى، وبقيت هذا العادة السائدة عند بعضهم حتى أواسط القرن التاسع عشر للميلاد حيث سنت الحكومة البريطانية التي كانت تستعمل الهند يومها قانونًا يمنع ذلك.

"اليوغ" الإنسان في الهندوسية من نفس "أتمان" وجسده أشبه ما يكون بحاجز كثيف يمنع النفس من انعتاق من توالي دورة الحياة عليها ليتحقق الإتحاد من الروح الكلية، أو بالإله براهما؛ لذلك اعتمد الهندوس مصطلح كارما، ويشير هذا المصطلح إلى نظريته في الولادة، وتناسخ الأرواح بين الأبدان، ومصير الإنسان خاصة النفس مرهون بأعمال الإنسان نفسه؛ فإذا سلك الإنسان

ص: 134

سبل الخير، والعمل الصالح، وقام بواجباته الدينية، بلغ "المقشى" و"انعتق" من دورة الحياة والموت، واتحد بالكل براهما، وإذا سلك الإنسان طريق الشر والمفاسد وأهمل الواجب بقيت روحه متنقلة من جسد لآخر، وتتكرر عليها دورة الحياة والموت.

لهذه الغاية عمد الهندوس إلى رياضة "اليوغ" و"اليوغا"، وهي التحكم بالتنفس، وبالجسد، والعمل لتلاشيه، وإماتة شهواته يجب أن تقترن بما يستمونه "هيمسا"، أي: اللاعنف، والامتناع عن توجيه الأذى للآخرين من البشر، أو المخلوقات، وكل ما فيه حياة بما فيه ذلك الحيوان" أو النبات إن "براهما" وأتمن النفس واحد؛ لذلك تكون "اليوغا" من أجل إعادة هذه اللحمة التي انفكت عند نزول النفس في بدن فمطلب تحرير النفس لتتحد براهما إذا هو غاية "اليوغا"، أو تسمى اليوجا، وبذلك تكون ممارسة "اليوغا" أمرًا مطلوبًا لتحقيق الحكمة التي من خلالها يمكن القضاء على الجهل الذي يتسبب في الخلط بين "البروشا" الروح و"البلاكريتي" أي: المادة ويكن أيضًا إدراك الطبيعة الجوهرية للذات: واعتبارها "البوشا" الروح.

إن "اليوغا" تحدث في شبه انفصال للنفس والبدن رغم تلاقيهما؛ بحيث لم تعد آلام البدن ذات فعل في النفس، و"اليوغا" تمكن الإنسان من الخلاص من الدنيا وزينتها، وهو على قيد الحياة، وهذا فضله؛ لأن الخلاص بالموت واحد للجميع.

"اليوغ" هي السبيل للخلاص من الآلام والبلايا؛ تمهيدًا لتحقيق "النيرفانا" التي بها يتم الإتحاد والذوبان الكامل لأتمون الروح ببراهما؛ هكذا تنتهي "اليوغا" بالإنسان إلى خلاص من نير البدن، ومن نوازع الأنا ليكون محبًّا للناس جميعًا

ص: 135

هذه الدرجة الرفيعة تعطي لصاحبها لقب "مهاتما"، وهو لقب يطلق على الصلحاء، والقديسين عند الهندوس، والكلمة بالأصل من مقطعين أتما أو أتمن، أي: الروح ومها معناه العظيم؛ وبذلك يصبح من تحقق له الخلاص صاحب الروح العظيم.

المرأة عند الهندوس:

إن الهندوسية التي اعتمدت نظامًا طبقيًّا جائرًا ظلمت كذلك المرأة، وسلبت منها الحرية، والحقوق بكل أنواعها، ولم تعطها أية ما كان وبمراجعة نصوصهم في شرعهم "مينوساماتري" نجد ما ورد في حق المرأة ظالمًا لا يقر لها بأبسط الحقوق الإنسانية المرأة عند الهندوس خاضعة في شتى مراحل عمرها للرجل، ويحل واحد بعد آخر في هذا الأمر فتكون مسئولية الأب، وبعد الزواج للزوج، وبعد وفاة الزوج للابن ورد ذلك عندهم في نصيين لا تليق الحرية المطلقة بالمرأة قط، بل يجب أن يرعاها أبوها في صغرها وزوجها بعد ذلك وابنها في كبرها يجب على المرأة وهي صغيرة، وشابة، أو مسنة ألا تعمل عملًا، ولو داخل دارها بمطلق إرادتها وحريتها، بل يجب أن تكون في صغرها تابعة لأبيها، وفي صباها لزوجها وإذا مات زوجها فلابنها، ولا تكون مطلقة الحرية.

وتعطي الشريعة الهندوس للرجل حق التسلط على زوجته في شتى وجوه حياتها وسلوكه الديني والدنيوي حتى العبادات عندهم من صلاة وصوم لا تؤديها إلا من خلاله، ويطالبونه أن تطيعه لدرجة العبودية، وأن تكون طاعتها له قائمة حتى لو كان منحرفًا، وغير صالح، وبذلك يكون مجتمع الهندوس مجتمع ذكوريًّا بكل الكلمة من معنى، ورد عندهم حول هذا الموضوع ما يلي:

ص: 136

على المرأة المخلصة أن تحترم زوجها كالإله، ولو كان عاريًا من كل فضيلة وكان يميل إلى غيرها.

ليس على المرأة أن تقوم مستقلة عن زوجها بعمل تقدمه، ولا أن تنذر نذرًا، ولا أن تصوم؛ لأن المرأة المطيعة لزوجها تنال الفردوس الأعلى بطاعتها له.

جاء عندهم قد فُطِرَ النساء على إغراء الرجال، فعلى العقلاء أن يحذروهن إن في استطاعة النساء استهواء حتى العلماء من الرجال، وجعلهم عبيد الهوى والغضب.

وتدعو الهندوسية الرجل إلى عدم مواقعة زوجته وهي في الحيض، وهذا أمر يلتقون فيه مع الشرائع السماوية، ولكنهم لا يقفون عند هذا الحد، بل يذهبون إلى القول بالابتعاد عن المرأة أثناء الحيض، وعدم النوم على فراشها، أو استخدام ما تمسه من أدوات طول هذه المدة، ويعطون صورة منفرة عمن يواقع زوجته في الحيض، ويرغبون بالمقابل باجتناب في هذه الحالة ورد في "مينوسامتري" حول هذا الأمر، وعليه -أي: الرجل- ألا يقترب من زوجته عند ظهور دم الحيض مهما غلبت عليه شهوته، وألا ينام معها بفراش واحد، وهذا معروف عند اليهود أيضًا.

إن وطء الحائض يذهب العقل، والنشاط، والقوة، والجمال، وبالاختصار إنه يضيع الحياة كلها واجتنابها، وهي في حالة الحيض يزيد العقل، والنشاط والقوة، والعمر والمرأة، عند الهندوس لا تتاح لها فرصة التحصيل العلمي خاصة الفلسفة؛ لأنها لا تطيق ذلك، ويقودها إلى الجنون، وكذلك يحرمونها دراسة كتب "الفيدا" و"لويدا" المقدسة عندهم ينقل "ديوارانت" في هذا

ص: 137

ففي "المهاباراسا" إذا درست المرأة كتب "الفيدا" كانت هذه علامة الفساد في المملكة.

إن البراهما يحولون بين زوجاتهم وبين دراسة الفلسفة؛ لأن النساء إن عرفن كيف ينظرن إلى اللذة والألم، والحياة والموت نظرةً فلسفيةً أصابهن مس من الجنون، أو أبين بعد ذلك أن يظللن على خضوعهن.

والهندوس يشجعون على الزواج المبكر، ويعتبرون عدم الزواج عارًا، ومنذ الصغر يهتم الأهل بإتمام زواج أولادهم، والزواج يربط المرأة بزوجها رباطًا أبديًّا؛ لذلك انتشر عندهم إن مات الزوج قبل الزوجة أن تحرق الأرملة مع جثمان زوجها؛ لأنه خير لها ألا تبقى بعده، ويدعون للتباعد في الزواج بحيث يتزوج الإنسان من قريباته، إما لجهة الأم أو الأب، ويضعون بعض التوجيهات لجهة اختيار الزوجة في "مينوساماتري" عن الزواج ما يلي:

إن خير زوجة للمولود هي التي ليست من قريبات الأم، ولا من أسرة الأب وإذا كان موضوع حرق المرأة الأرملة مع جثمان زوجها قد توقَّفَ بشكل شبه نهائي بعد قانون أصدره المستعمرون الإنجليز سنة ألف وثمانمائة وثلاثين من الميلاد؛ فإن المرأة ظلت محرومة من الميراث أبويها حتى سنة ألف وتسعمائة وست وخمسين من الميلاد؛ حيث صدر قانون في الهند يعطيها هذا الحق إلا أن المرأة لم تنتهِ معاناتها بعدُ في مجتمع الهند حيث إشكالية الدوقة التي على أهلها تأمينها كي تقبل كزوجة، وهذا الأمر وبعد تطور الفحص الجنيني قبل وضع الحمل معرفة جنس الجنين ساعد على انتشار حركة الوأد الخطيرة للمولود الأنثى، إما بالإجهاض، أو بالدفن لحظة الولادة.

ص: 138