الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كافية، ولكن يجاب على ذلك أن فسق ابن سبأ لم يكن قد وضح بعد، وأن الجملة التي قالها:"أنت أنت" لم تكن ظاهرة الدلالة.
المقصود الضال الذي كانت هذه الجملة معبرة عنه؛ ولذلك نجد موقف علي قويًّا بالغ القوة عندما اتضح ذلك المقصود فيما بعد فيروي بن حزم أن قوم أصحاب عبد الله بن سبأ أتوا عليًّا، وقالوا له: إنه هو، فقال لهم: ومن هو؟ فقالوا: أنت الله فثار علي، وحكم عليهم بالإعدام حرقًا، وأمر بإشعال نار وألقاهم فيها. الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.
الأخلاق عند الهندوسيين
وأنتقل بك أيها الدارس الكريم من عقيدة الهندوس إلى الأخلاق عند الهندوسيين:
من صور الأخلاق عند الهندوسيين أن أغلى ما يطمع فيه البرهمي هو الانطلاق والاندماج في براهما -كما قلنا- ودستور عقل الهندي للوصول إلى هذه الغاية كان دائمًا الزيادة المفرطة بالصوم، وأرق الليل وتعذيب النفس كما كان، بأن يعيش أسير الحرمان، ويحمل نفسه ألوان البلاء، وبأن يبدو دائمًا كثير الهموم، والخوف، والتشاؤم، هو لا يتمنى الموت؛ لأن ما تنقله إلى دورة جديدة من دورات حياته، بل يرجو لنفسه الفناء في براهما.
ومن أجل ذلك حفلت حياة كثير من الهنود بالبؤس ومحاربة الملاذ والسلبية والتصور وتعذيب النفس. وقسمت الفلسفة الهندية الحياة أربع مراحل وجعلت لكل مرحلة منهجا يليق بها، وكل دور مدته خمسة وعشرون عامًا باعتبار متوسط العمر مائة عامًا،
فالدور الأول دور التربية الجسدية، والعقلية والروحية، والدور الثاني دور الحياة العائلية المرء في هذا الدور، ويكون له أهل، وذرية، ويقوم بواجباته الأهلية.
وفي الدور الثالث يتنحى عن الحياة العائلية هو وزوجته ويشغلان أنفسهما بخدمة المجتمع دون أن يكون لهما مطمع شخصي، أو نفع عائلي، أما الدور الرابع فيتجرد المرء فيه من كل ما هو دنيوي، ويتفرغ للرياضة الروحية وفي كل مرحلة من هذه المراحل نوع من الزهادة، ولكن الزهادة في المرحلة الأخيرة أقصى وأصعب.
وسننقل من شرائع منه بعض ما فرضه الفقه الهندوسي على الهندوس من الزهادة وبخاصة في المرحلة الأخيرة وفيه إن الذي تغلب على نفسه فقد تغلب على حواسه التي تقوده إلى الشر إن النفس لأمارة بالسوء والنفس لا تشبع أبدًا، بل يزداد جشعها بعد أن تنال مشتهاها، إن الذي أوتي كل شيء، والذي تخلى كل ما كان في يده، فهذا خير من ذاك على طالب العلم أن يتجنب الحلوى، واللحوم، والروائح الطيبة، والنساء، وكذلك يجب عليه ألا يدلك جسده بما له رائحة طيبة، ولا يكتحل، ولا يلبس حذاءً ولا يتظلل بالشمسية، وعليه ألا يهتم برزقه يحصن رزقه بالتسول.
وعندما تتدخل في الشيخوخة عليك بالتخلي عن الحياة الأهلية، وبالإقامة في الغابة، وإذا أقمت في الغابة فليس لك أن تقص شعرك ولحيتك وشواربك، ولا أن تُقَلِّمَ أظفارك، وليكن طعامك مما تمد الأرض وتثمر الأشجار، ولا تقطف الثمر بنفسك، بل كُلْ منه سقط من الشجرة بنفسه وعليك بالصوم، تصوم يومًا وتفطر يومًا، وإياك واللحم والخمر.
عود نفسك على تقلبان الموسم؛ فاجلس تحت الشمس المحرقة، وعش أيام المطر تحت السماء، وارتدي الرداء المبلل في الشتاء، لا تفكر في الراحة البدنية، اجتنب سائر الملذات، لا تقترب من زوجتك نَمْ على الأرض ولا تأنس في المكان الذي أنت فيه، إذا مشيت فامشي حذرًا حتى لا تتخطى عظمًا، أو شعرًا، وحتى لا تدوس نسمة، وإذا شربت الماء فاحذر أن تبتلع نسمة، لا تفرح للذيذ، ولا تحزن على الرديء.
ولعل مما يكمل صورة البؤس، والتشاؤم عند الهنود أن نقتبس بعض عبارات من كتاب يعد عند الهندوس أعظم كتاب ألف تحت السماء كما قال بذلك "سوامي رانترتيها" القديس الهندوسي المعاصر، وهذا الكتاب هو (يوجا وأسوذوتها) الذي كأكثر الكتب المقدسة لدى الهنود لا يعرف مؤلف، ولا زمن تأليفه، يقول: هذا الكتاب السعادة لا سبيل لها في العالم الذي خلقت كل نفس فيه لتموت كل شيء في هذا العالم سائر إلى الزوال والفناء مسرات، هذه الحياة ليست إلا خداعًا وأوهامًا.
وقد سقطت الأفراح على الأحزان أجل لم يشتريها أحدًا، كما تشترى العبيد، ولكننا نعمل كأننا عبيد مسخرون الرغبة فينا متقلقلة دائمًا كالقرد والنفس لا تشبع أبدًا، ولا تقنع بما في اليد، ولا تزال وثابة إلى ما تناله ومهما أشبعتها ازدادت جوعًا وطموحًا، لا خير في جسدٍ له محل للعاهات ووعاء لسائر الآلام، وهو سائر إلى الانحلال.
اتصفت الطفولة بالضعف والطوقان والعجز وعدم القدرة على الكلام والتجرد من العلم، ويا ترى ماذا يجود علينا به زمن الشباب، وهل الشباب إلا كومضة برق تخطف أبصارنا، ثم لا تلبس أن تختفي مفسحة الطريق للشيخوخة بآلامها الثلجية القاسية، ما الحياة إلا كنور السراج الموضوع في الخلاء تلعب به الرياح من كل جهة ولي بهاء الأشياء كلها إلا كومضة برق تنير لحظة، ثم تختفي إلى الأبد.
وما هي قيمة الجسد والأفراح والثروة والجاه، والملك إن كان محتمًا علينا أن نموت عاجلًا أو أجلًا، وأن الموت سيقضي على كل شيء.