الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السابع عشر
(الديانة المانوية (4))
شريعة "ماني"، والفرائض التي فرضها، وقول المانوية في الميعاد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فنشير بإشارات مجملة سريعة -إن شاء الله تعالى- إلى الشريعة التي جاء بها "ماني" والفرائض التي فرضها.
فرض "ماني" على أصحابه عشر فرائض على السماعين، ويتبعها ثلاثة خواتيم، وصيام سبعة أيام أبدًا في كل شهر، فالفرائض: هي الإيمان بالعظائم الأربع: الله ونوره وقوته وحكمته، فالله -جل اسمه- ملَك جِنان النور، ونوره الشمس والقمر، وقوته الأملاك الخمسة؛ وهي: النسيم والريح والنور والماء والنار، وحكمته الدين المقدس، وهو على خمسة معاني: المعلمين، وأبناء الحلم المستمعين، وأبناء العلم القسيسين، وأبناء العقل الصديقين، وأبناء الغيب السماعين، وأبناء الفِطنة.
والفرائض العشر: ترك عبادة الأصنام، وترك الكذب، وترك البخل، وترك القتل، وترك الزنا، وترك السرقة، وتعليم العلم والسحر، والقيام بهِمتين، وهو الشك في الدين، والاسترخاء والتواني في العمل، وفَرْض صلوات أربع أو سبع، وهو أن يقوم الرجل فيمسح بالماء الجاري أو غيره، ويستقبل النير الأعظم قائمًا، ثم يسجد ويقول في سجوده: مبارك هادينا "الفرقريط" رسول النور، ومبارك ملائكته الحفظة، ومسبح جنوده، ومسبح جنود النيرون يقول هذا وهو يسجد، ويقوم ولا يلبس في سجوده، ويكون منتصبًا ثم يقول في السجدة الثانية: مسبح أنت أيها النير "ماني" هادينا، أصل الضياء وغصن الحياء.
الشجرة العظيمة التي هي شِفاء كلها، ويقول في السجدة الثالثة: أسجد وأسبح بقلب طاهر ولسان صادق لله العظيم، أبي الأنوار عنصرهم، مسبح مبارك أنت وعظمتك كلها، وعالموك المباركون الذين دعوتهم تسبحك مسبح جنودك،
وأبرارك، وكلمتك، وعظمتك، ورضوانك، من أجل أنك أنت الإله الذي كله حق وحياة وبِر.
ثم يقول في الرابعة: أسبح وأسجد للآلهة كلهم، والملائكة المضيئين كلهم، وللأنوار كلهم، وللجنود كلهم، والذين كانوا من الإله العظيم. ثم يقول في الخامسة: أسجد وأسبح للجنود الكبراء، وللآلهة النيرين الذين بحكمتهم طاعًا وأخرجوا الظلم وقمعوها. ويقول في السادسة: أسجد وأسبح لأَبي العظمة العظيم المنير، الذي جاء من العالمَيْن.
وعلى هذا إلى السجدة الثانية عشرة، فإذا فرغ من الصلوات العشر ابتدأ في صلاة أخرى، وله فيها تسبيح لا حاجة بنا إلى ذكره.
فأما الصلاة الأولى فعند الزوال، والصلاة الثانية بين الزوال وغروب الشمس، ثم صلاة المغرب بعد غروب الشمس، ثم صلاة العتمة بعد المغرب بثلاث ساعات، ويفعل في كل صلاة وسجدة مثلما فعل في الصلاة الأولى، وهي صلاة البشير.
فأما الصوم فإذا نزلت الشمس القوس وصار القمر نورًا كله، يُصام يومين لا يُفطر بينهما، فإذا أهل الهلال صاموا يومين لا يُفطر بينهما، ثم من بعد ذلك يُصام إذا صار نورًا يومين في الجدي، ثم إذا أهل الهلال ونزلت الشمس الدلو، ومضى من الشهر ثمانية أيام، يُصام حينئذٍ ثلاثين يومًا، يفطر كل يوم عند غروب الشمس. والأحد يعظمها عامةُ المانوية، والاثنين يعظمها خواصهم، كذا أوجب عليهم "ماني".
وأما قول المانوية في الميعاد:
قال "ماني": إذا حضرت وفاة الصديق أرسل إليه الإنسان القديم إلهًا نيرًا بصورة الحكيم الهادي ومعه ثلاثة آلهة، ومعهم الركوة واللباس والعصابة والتاج، وإكليل النور، وتأتي معهم البكر الشبيهة بنسمة ذلك الصديق، ويظهر له شيطان الحرص والشهوة والشياطين، فإذا رآهم الصديق استغاث بالآلهة التي على صورة الحكيم.
والآلهة الثلاثة سيقربون منه، فإذا رأتهم الشياطين ولت هاربة، وأخذوا ذلك الصديق وألبسوه التاج والإكليل واللباس وأعطوه الركوة بيده، وعرجوا به في عمود السبح إلى فلك القمر وإلى الإنسان القديم وإلى النهنهة أم الأحياء، إلى ما كان عليه أولًا في جنان النور، ثم يبقى ذلك الجسد مُلقًى فتُجتذب منه الشمس والقمر والآلهة النيرون القوى التي هي الماء والنار والنسيم، فيرتفع إلى الشمس، فيصير إلهًا، ويُقذف باقي الجسد الذي هي ظلمة كلها إلى جهنم.
فأما الإنسان المحارب القابل للدين والبِر الحافظ لهما وللصديقين، فإذا حضرت وفاته حضر أولئك الآلهة الذين ذكرتهم، وحضرت الشياطين، واستغاث بما كان يعمل من البر، وحِفظ الدين والصديقين، فيخلصونه من الشياطين، فلا يزال في العالم شبه الإنسان الذي يرى في منامه الأهوال، ويغوص في الوحل والطين، فلا يزال كذلك إلى أن يتخلص نوره وروحه، ويلحق بملحق الصديقين، ويلبس لباسًا بعد المدة الطويلة من تردده، فأما الإنسان الأثيم المستعلي عليه الحرص والشهوة، فإذا حضرت وفاته حضرته الشياطين، فأخذوه وعذبوه وأروه الأهوال، فيحضر أولئك الآلهة ومعهم ذلك اللباس، فيظن الإنسان الأثيم أنهم قد جاءوا لخلاصه، وإنما حضروا لتوبيخه،