المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

هذا الطقس على تغطيس سيف في شرب محلي، والذين يتناولون - الأديان الوضعية - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 فكرة تمهيدية عن أديان الهند الكبرى وتوزيعها جغرافيا

- ‌معنى الأديان الوضعية

- ‌فكرة تمهيدية عن أديان الهند الكبرى وتوزيعها جغرافيًّا

- ‌الدرس: 2 فلسفة الموت والروح، وعقيدة خلق العالم، والخلاص من الشر

- ‌تقسيم أبي الريحان البيروني لاعتقاد الهنود

- ‌فكرة تناسخ الأرواح كما يؤمن بها الهندوس

- ‌الدرس: 3 الديانة الهندوسية (1)

- ‌الأصول التاريخية للديانة الهندوسية ولسكان الهند

- ‌مسألة التقمص أو نظرية التناسخ

- ‌الدرس: 4 الديانة الهندوسية (2)

- ‌التعريف بالهندوسية، وفكرة تأسيسها

- ‌أهم الموضوعات المتعلقة بالهندوسية

- ‌الطبقات في الفكر الهندوسي، وأهم عق ائد الهندوسية

- ‌الدرس: 5 الديانة الهندوسية (3)

- ‌بقية العقائد الهندوسية

- ‌الأخلاق عند الهندوسيين

- ‌نماذج من الفقه الهندوسي

- ‌الكتب المقدسة لدى الهندوس

- ‌الدرس: 6 الديانة الهندوسية (4)

- ‌لويزا" كتاب الهندوس المقدس

- ‌من تقاليد الهندوس

- ‌اعتقاد الهندوس حول تناسخ الأرواح

- ‌العبادات الهندوسية والطقوس الدينية

- ‌الدرس: 7 الديانة البوذية (1)

- ‌الديانة البوذية: بوذا وحياته، ومبادئه، وتأسيسه للديانة

- ‌من أخلاق بوذا وأقواله

- ‌الدرس: 8 الديانة البوذية (2)

- ‌التعريف بالديانة البوذية

- ‌الأسس الفكرية للعقيدة البوذية

- ‌الدرس: 9 الديانة البوذية (3)

- ‌عقيدة البوذية وفلسفتها

- ‌من تعاليم البوذية

- ‌لمحة تاريخية عن البوذية وانتشارها، والكتب المقدسة لديهم

- ‌الدرس: 10 الديانة البوذية (4)

- ‌نشأة الرهبنة في البوذية، ووصولها وانتقالها إلى المسيحية

- ‌الآداب والنظم التي يجب أن يلتزم بها الرهبان في الديانة البوذية

- ‌موقف الإسلام من الرهبنة

- ‌الدرس: 11 الديانة البوذية (5)

- ‌حكم الرهبنة في الإسلام من حيث العزف عن الزواج

- ‌حكم الرهبنة في الإسلام من حيث الفقر

- ‌حكم الرهبنة في الإسلام من حيث إهانة الجسد

- ‌حكم الرهبنة في الإسلام من حيث الاعتزال والعزلة

- ‌حكم الرهبنة في الإسلام من حيث الطاعة المطلقة لرجل الدين، واعتقاد عصمته

- ‌الدرس: 12 الديانة الجينية

- ‌تمهيد للديانة الجينية

- ‌تأسيس ونشأة الديانة الجينية

- ‌أهم عقائد الجينية

- ‌الدرس: 13 ديانة السيخ، والديانة البوذية الصينية

- ‌من هم السيخ؟ وما هي معتقداتهم

- ‌البوذية الصينية

- ‌أديان الهند في الميزان

- ‌الدرس: 14 الديانة المانوية (1)

- ‌من هو " مانو

- ‌النشاط التبشيري لماني

- ‌الدرس: 15 الديانة المانوية (2)

- ‌إرسال الإنسان الأول القديم وهزيمته

- ‌استرداد ذرات النور

- ‌أسطورة إغواء الأراكنة

- ‌المقاييس المضادة للمادة

- ‌الدرس: 16 الديانة المانوية (3)

- ‌الروح بمثابة مركز للفداء

- ‌الإيمان بالآخرة

- ‌علم التنجيم

- ‌التنظيم اللاهوتي، والتعميد المانوي، والوليمة المقدسة، والعشاء الرباني

- ‌الدرس: 17 الديانة المانوية (4)

- ‌شريعة "ماني"، والفرائض التي فرضها، وقول المانوية في الميعاد

- ‌الكتب المقدسة عند المانوية، وعقيدة التناسخ

- ‌حال الإمامة بعد "ماني"، وتنقل المانوية في البلاد، وأشهر رؤسائهم

- ‌الدرس: 18 الديانة الزرادشتية (1)

- ‌أديان الفرس

- ‌الزرادشتية من حيث التأسيس والنشأة والتطور

- ‌الدرس: 19 الديانة الزرادشتية (2)

- ‌أهم المصادر المقدسة للزرادشتية

- ‌فكرة الحساب والشفاعة، والأعياد والأخلاق عند الزرادشتيين

- ‌الدرس: 20 مقارنة بين عقائد المانوية والزرادشتية في: الله، والنفس، والمصير

- ‌عقائد المانوية والزرادشتية في الله - عز جل

- ‌عقائد المانوية والزرادشتية في النفس

- ‌عقائد المانوية والزرادشتية في المصير

الفصل: هذا الطقس على تغطيس سيف في شرب محلي، والذين يتناولون

هذا الطقس على تغطيس سيف في شرب محلي، والذين يتناولون من هذا الشراب يشكلون جماعة الأطهار الأنقياء، ويكتسب الواحد منهم اسم سينغ أي: الأسد، ويطلق شعره ويحمل خنجرًا ويرتدي ثيابًا مميزًا، ويقسم على مقاتلة المسلمين والهندوس على السواء، وتحولت بذلك عقيدة السيخ إلى حركة سياسية.

إلا أن الغورو غوفيند سيند قتل على يد مسلم، وكان قد فقد ابنيه في الحرب. قبل ذلك ومن يومها أصبح الغارانت الكتاب المقدس عند السيخ هو الغورو، ويعامل على هذا الأساس فيكسى بحلة ثمينة، ويوضع كل صباح على عرش منخفض في معبد أميرتيسار الذهبي، وينقل كل مساء إلى سرير ذهبي في غرفة معزولة، هذا مع العلم أن المعلم ناناك وسائر المعلمين التسعة الذين خلفوه كانوا ضد تحويل العبادة إلى طقوس جامدة تبعد عن الله.

‌البوذية الصينية

أتكلم عن البوذية الصينية، ظلت الكونفشوسية والطاوية العقيدتين القوميتين للشعب الصيني إلى ما بعد وفاة كونفشيوس المتوفى سنة أربعمائة وتسع وسبعين قبل الميلاد بحوالي خمسمائة عام، إلا أن كل واحدة من هاتين العقيدتين خضعت لعمليات تقوية أو إضعاف تبعًا للتغيرات السياسية في البلاد، ومع النصف الثاني من القرن الأول الميلادي شقت البوذية طريقها نحو الصين، وتداخلت الديانات الثلاث في الصين حتى شكلت كلًّا معقدًا، ويعتقد الصينيون ويصرون على أن هذه الديانات الثلاثة تشكل أسرة دينية واحدة، والسؤال المحير هو:

هل الصيني كونفشيوسي أو طاوي أو بوذي؟ وصعوبة الإجابة عن هذا السؤال ترجع إلى أن

ص: 318

الصيني لا يجد أي حرج في اعتناق واحدة من هذه الديانات، ثم يأخذ في حالات عدة بحلول عقيدة أخرى مما يعني: أن الصيني غير متعصب لواحدة من الديانات الثلاثة المعترف بها في بلاده.

تاريخ البوذية في الصين:

من الناحية التاريخية لا نعرف بدقة متى دخلت البوذية إلى الصين، لكن الثابت أن البوذية عُرفت في الصين حوالي عام خمس وستين ميلادية؛ إذ سجل وجود جماعة بوذية في بلاط أحد أمراء أسرة هان، ثم ظهر في نهاية القرن الأول الميلادي جماعة بوذية في العاصمة يويك.

كيفية دخول البوذية إلى الصين:

بالرغم من الحاجز الهائل للهامالايا والصحارى اللامتناهية لآسيا الوسطى، فقد كشفت بعثات التنقيب خاصة بعثات بيليو وأورين شتين في أوائل هذا القرن أن البوذية دخلت عن طريق البر وليس عن طريق البحر، كما كان يعتقد؛ إذ كان للبلاد الواقعة على طريق الحرير أثر بالغ في المد البوذي، فالحوض المعروف بحوض تاريم الصحراوي محاصر شمالًا وجنوبًا بطرق مهمة لمرور القوافل التجارية التي تقوم بمبادلة البضائع عند سفوح بامير، منطقة مشتركة بين طاجكستان وأفغانستان ببضائع العالم الإغريقي والروماني، وقد اكتشف الحاج الصيني هاوان تسانغ في القرن السابع طريق الحرير، وعبره ذهابًا وإيابًا، وأخبر عن مناسك كبرى في كشفار ووش وكوتشا في الشمال، ويرفانت وخطان في الجنوب، وأثبتت الحفريلات أقوال هاوان تاسانغ؛ إذ عثر في تلك المناطق على تماثيل وكتابات بوذية من ذلك العهد.

ص: 319

وقد شكلت تركستان جسرًا ثقافيًّا بين الهند والصين، وفي مراكزها العلمية تم ترجمت مؤلفات البوذية السنسكريتية إلى اللغة الصينية، وتذكر الروايات أن المترجم كومارا جيفا المتوفى سنة أربعمائة وثلاث عشر من الميلاد من كوتشا احتجز في الصين، وطلب إليه إدارة مركز الترجمة من السينسكريتية الذي ضم في أيامه ثمانمائة ناسخ، وفي عام خمسمائة وست وعشرين ميلادية وصل إلى كانتون من الطريق البحرية الطوباوي وزيزا راما، الذي يعتبره الصينيون بطريارق البوذية الثامن والعشرين.

وفي القرن الثامن الميلادي دخلت الصين مرورًا بالتبت البوذية التنترية، ثم في القرن الحادي وصل إلى معبد أوتان شاي الصيني قادمًا من الهند فقيه الكنيسة التيبيتية، والمصلح التنتري أسيكا للتبشير بالبوذية، لقد حصل التبشير بالبوذية منذ عهد أوسرت هان إلا أن انتشارها الفعلي حصل بفضل حماية الملوك التيتريين ملوك الصين الشمالية من القرن الثالث حتى القرن السادس الميلادي، وحوالي عام ثلاثمائة وخمس وثلاثين من الميلاد بدأ الصينيون يعتقدون البوذية، ويؤسسون الرهبانيات التي سنها بوذا، ثم أكملت البوذية انتشارها في عهد سلالة تانغ من سنة ستمائة وثماني عشر إلى سنة تسعمائة وسبع من الميلاد، ولم تستطع الحركة الكونفشوسية على أيام الإمبراطور أورتوسونغ عام ثمانمائة وأربع وأربعين من الميلاد المناهضة للديانات الدخيلة من القضاء على البوذية، مع أنها استطاعت أن تمحو ديانات أخرى كالمانوية، والزرادشتية، وتطمس أثارها نهائيًّا في الصين.

وعندما ارتقى تيشين توسونغ عرش إمبراطورية عام ألف وتسعة عشر من الميلاد أطلق الحرية للبوذية والطاوية، وفي عهده ظهرت أول طبعة من الشريعة الصينية،

ص: 320

وكانت تضم كتابات من القانون السنسكريتي الهندي، والقانون البالي، ثم ازدهرت البوذية في الصين في عهد الحكم المنغولي للصين؛ إذ أن جنكيز خان سنة ألف مائة واثنين وستين إلى ألف ومائة وسبعة وعشرين استعان بالمثقفين البوذيين؛ لتعليم القبائل البربرية. أما سلالة المينغ التي أعقبت الحكم المنغولي فقد قامت بحملة ضد البوذية، وشجعت الكونفشوسية وقوتها، فاستمرت البوذية ضعيفة إلى أن عاد الاحتلال الياباني للصين، وأطلقها من جديد لمواجهة حملات التبشير بالمسيحية الوافدة من الدول الكبرى.

تعاليم البوذية الصينية: هناك ظاهرة ملتفتة للنظر في المعابد والهياكل البوذية في الصين؛ إذ يرى دائمًا تمثال بوذا يحيط به من اليسار تمثال لاوتسي مؤسس الديانة الطاوية، ومن اليمين تمثال كونفشيوس مؤسس الديانة الكونفشوسية، ولهذه الظاهرة دلالة على الصعيد العقائدي، وقد ظهر في القرن الحادي عشر كتاب بعنوان (أساس الدين) لراهب بوذي يطرح في البداية السؤال التالي:

لماذا التصادم بين بوذا ولاوتسي وكنفشيوس، وثلاثة بشروا بال ع قيدة نفسها، يجب إذا إحترامهم، دخلت البوذية إلى الصين لتأتلف وتتأقلم مع تراث ديني عريق تشكل الطاوية والكونفشوسية أهم رموزه المنظمة، فدين سكان الصين البدائيين لم يكن يختلف بوجه عام عن دين عبدة الطبيعة وموقماته الخوف من الطبيعة، وعبادة الأرواح الكامنة في مظاهره، وكانت الأرض والسماء في هذا الدين البدائي مرطبتتين إحداهما بالثانية؛ لأنهما وجهان لوحدو كونية عظيمة، ولأنهما شطران من نظام عالمي شامل يُدعى الطاو أي: الطريقة السماوية، وكل ما في

ص: 321

العالم من الأجزاء تسير وفق هذا النظام الطبيعي، وعبد الصينيون البدائيون السماء، واعتبروها الإله الأكبر، والمنظم للعلاقات بين الأبناء والآباء، والأزواج والزواجات، والأقنان وسادتهم والسادة والإمبراطور.

اعتبر الصينيون أن نظام السموات ومسلك البشر الأخلاقي عمليتان متشابهتان؛ لأنهما شطران من النظام الشامل، أو الطاو، وكان الصينيون يقدمون في كل يوم قربانًا بسيطًا من الطعام لأسلافهم من الموتى، ويرسلون الدعوات إلى أرواحهم لاعتقادهم أن الأسلاف يعيشون بعد الموت في مملكة غير واضحة وغير محدودة، واعتقدوا أيضًا أن الأسلاف في مقدورهم إسعاد رزيتهم أو أن يشقوها.

وهكذا عظم الصينيون موتاهم وخلدوا ذكراهم، لأن في تخليد الأموات تعظيمًا للطرق القديمة التي كانوا يسيرون عليها، ويغلقون الباب في وجه البدع ويضمنون الاستقرار والسلام في أرجاء الإمبراطورية. وفعلت الديانية الكونفشوسية فعلها في المجتمع الصيني، فوسعت مجال العقائد الشعبية وضيقت نطاقها في وقت واحد، وحل كونفشيوس بفضل مراسيم الإمبراطورية المؤيدة لتعاليمه منزلة مرموقة في نفوس العامة، وأصبح في المنزلة الثانية بعد السماء نفسها، وأقاموا له الهياكل وقدموا له القرابين، إلا أن التعاليم كونفشيوس لم تكن تتضمن أية إشارة للخلود، والسماء لم تعد في المنزلة الأولى السامية، إلى أن نظام العالم أو الطاو حلَّ محلها في السمو والقداسة، ولذلك لم يحظ دين كونفشيوس بالتأييد الكامل من الشعب الصيني؛ لأن تعاليمه لا تترك مجالًا واسعًا لخيال الناس، ولا تشجع الأساطير والخرافات التي تثير البهجة والسرور والاطمئنان في نفوس العامة.

فالشعب الصيني كغيره من الشعوب يزين الحقائق الواقعية الثقيلة والمؤلمة بخوارق طبيعية، ويلجأ الأفراد إلى الأرواح المحيطة بهم يستمدون منها العون والقوة.

ص: 322

لأجل ذلك كانت نفوس الصينيين ترفض النزعة العقلية التي سادت العقائد الكونفشوسية، وتميل إلى عقائد مريحة تفتح لهم أبوابًا سحرية إلى عوالم واسعة من السلوى والغبطة. أما الطاوية فقد أصبحت ولألف عام عقيدة الصينيين والأباطرة والطاوية على ما فيها من غموض قدمت نفسها كطريقة للحياة تهدف إلى تأمين السلام الشخصي، وما أن جاء القرن الثاني بعد الميلاد حتى ادَّعى أتباع اللاهوتسي مؤسس الطاوية بأنه اكتشف أكثير الحياة الذي يهب شاربه الخلود، وشاع هذا الأكثير بصورة شراب أودى بحياة عدد من الأباطرة الذين أدمنوا شرابه، وحوالي عام مائة وثمان وأربعين ميلادية أوهم أحد معلمو الطاوية الناس بأنه يشفيهم من الأمراض مقابل خمس حفنات من الأرز، وخيل لبعض الناس أن سحر هذا الرجل قد شفاهم من أمراضهم.

أما الذين لم ينفع معهم السحر قيل لهم: إن سبب الفشل يعود إلى ضعف إيمانهم، وأقبل الناس على اعتناق الطاوية، وشيدوا للاوتس الهياكل والمعابد، وحكوا عنه القصص الخرافية، وقالوا بأنه ولد ولادة عجائبية، وحملت به أمه حملًا سماويًّا، وأنه ولد كهلًا كامل العقل، وكافحت باعة الطاوية لمزاحمة الكونفشوسيين في فرض الضرائب والتنعم بها إلى أن جاءت البوذية بطروحاتها التي جزيت الصيني، وأشعرته بالاطمئنان، والغبطة، ووعدته بالسلام الخالد.

البوذية التي دخلت الصين في القرن الأول الميلادي لم تكن البوذية النقية التي بشَّر بها المغبوط البوذا، وأدار عجلتها وسن نظامها التقشفي والنسكي، بل كانت ديانة فرح وبهجة دغدغت عواطف سكان الصين البسطاء، كما أن الديانة

ص: 323

الجديدة الوافدة حملت معها رهطًا من الآلهة الذين لا يمتازون كثيرًا عن البشر، أمثال أمبتبها حاكم الجنة، وكوانين إله الرحمة، وأضافت إلى الآلهة الصين عددًا من اللاواهان والأرباط، وهم ثمانية عشر قديسًا من أتباع بوذا الأولين الحاضرين دومًا؛ لتقديم المساعدة لبني البشر، ولتخليصهم من عذاباتهم وآلامهم، واستقرت البوذية في الصين وتلقفها الصينيون البسطاء، وحضنوها إلى جانب الطاوية وأقام رهبانها في الوزارات والهياكل إلى جانب رهبان الطاوية في هياكلها على كايشان جبلها المقدس، ثم سرعان ما تشعبت البوذية في الصين إلى عدة طوائف بسبب تداخلها مع المعتقدات الطاوية، والكونفشوسية، وأبرز هذه الطوائف أو المدارس مدرسة البلاد النقية التي يؤمن أتباعها بأمتبها البوذا المفضل بالولادة الثانية في نعيم هذا الإله.

وتعتبر هذه المدرسة من أقدم المدارس البوذية في الصين؛ إذ أن النص الذي يحتوي على نص ذاك النعيم، ورواية أمبتبها تُرجمت إلى اللغة الصينية في أوائل القرن الثاني الميلادي.

ومدرسة التأمل أسسها في القرن السادس الراهب البوذي الكبير بوذيذا راما، الذي عُرف عنه أنه عندما وصل إلى لويانغ بقي فيها تسع سنوات يتأمل مسمرًا عينيه إلى جدار، وتضيف الرواية أن هذا الراهب، وهو في هذه الحالة -حالة التأمل- خاف أن تنطبق أهداب عينيه فقصها ورماها أرضًا، فنبتت بعد حين، وصارت أول شجرة شاي تحرم أوراقها المغلية الرهبان من الاستسلام إلى التعب خلال تأملاتهم.

ومن أهم تعاليمه أن الوحي لا يهبط، والإشراق لا يتم بالمعرفة، بل بالتأمل، ولذلك دعت هذه المدرسة بمدرسة التأمل، ثم مدرسة الأسرى وهي مدرسة

ص: 324

متأخرة في الظهور؛ إذ تأسست في بداية القرن الثامن بتأثير المدرسة التنترية، وتميزت بإدخالها الكثير من القصص الخرافية الصينية، وأكثرت من المناسبات الاحتفالية التي لقيت ترحيبًا من الصينيين.

يصف ويلد يوراند الصيني بقوله "لم يعرف التاريخ نفسًا أشد دينونة من نفسه" فأكثر ما يهتم به الصيني أن يعيش بخير في هذه الحياة الدنيا، إذا صلى فإنه لا يطلب في صلاته أن ينال نعيم الجنة، بل يطلب الخير لنفسه في هذا العالم الأرضي، وربما لهذا السبب لم تتمكن الديانات السماوية من الانتشار في البلاد الصينية؛ ففي الصين حاليًا حوالي خمسة عشرة مليونًا مسلمًا معظمهم من أصول غير صينية، وفي الصين أيضًا مليون مسيحي مع أن النصاطرة غزو البلاد وبشروا بالمسيحية منذ أكثر من ألف سنة في عهد إمبراطور ناي دوزونج حوالي عام ستمائة وست وثلاثين من الميلاد، وكان رجاؤهم أن تعم المسيحية جميع أرجاء بلد الصين ونسبة معتنقي المسيحية في الصين واحد في المائة فقط.

وديانة الصيني خليط من الطاوية والكونفشوسية والبوذية، وليس عنده أيُّ موقف من هذه الديانات الثلاثة، ولذلك لم تعرف الصين حروبًا دينية في أي وقت من تاريخها على غرار ما كان يحصل في الشرق الأوسط، وأوروبا وأمريكا، فالصيني عملي ومتسامح، ويعتقد ببساطة متناهية أنه ربما كان رجال الدين لأي دين انتسبوا على حق، وربما كان هناك جنة وخير للإنسان أن يقبل بكل ما تقوله الديانات، ولا ضير عنده في استدعاء رجال دين من كل الطوائف، واستئجارهم ليقيموا احتفلات تأبينية عن روحه، وليتلو الصلوات ويتمتموا بالأدعية على قبره،

ص: 325

والمعروف عن الصيني أنه لا يهتم كثيرًا بالآلهة ما دامت حياته هانئة صافية، ويدعوها لمساعدته في أوقات الشدة، وإذا لم تتحسن أحواله كان للآلهة بالسباب والرجم والتحقير، ومن الأمثلة الشعبية الشائعة:

ليس من صانعي التماثيل والصور من يعبد الآلهة فهم يعرفون من أي مادة تصنع، وهم يضعون الحلي والأشياء الثمينة في قبورهم كوضع سيف إذا كان الميت رجلًا، أو مرآة إذا كان الميت امرأة. كما أنهم كانوا يقومون بالصلوات أمام صور أسلافهم كل يوم، وإذا كان الميت من السادة الإقطاعيين كان يدفنون عبيدهم معه ليدافعوا عنه في الحياة الثانية.

وعن عبادة الأسلاف سوف تنشأ أولى الديانات اليابانية الشنتو، وبعد دخول البوذية عن طريق كوريا إلى البلاد حوالي عام خمسمائة واثنين وعشرين من الميلاد طورت ديانة الشنتو، ونظمت في القرن السابع عشر بقرار صادر عن إرادة العليا ونشأته إلى جانب ديانة الشنتو مدرسة الزن على يد مؤسسها نيشيرين، عاش من سنة ألف مائتين واثنين وعشرين إلى ألف مائتين اثنين وثمانين من الميلاد.

ومن البوذية في الصين إلى البوذية في اليابان، حيث دخلت البوذية اليابان عن طريق كوريا الصينية، ففي عام خمسمائة واثنين وعشرين ميلادية أرسل ملك باكش هدية رمزية إلى إمبراطور اليابان يحملها جماعة من المبشرين البوذيين، وكانت الهدية عبارة عن صور ونصوص بوذية، وسرعان ما توسعت البوذية في صفوف الشعب الياباني على أيام الإمبراطور سيكو سنة خمسمائة وثلاث وتسعين إلى سنة ستمائة وتسع وعشرين من الميلاد، وانتصار البوذية وانتشارها السريع في اليابان يرجع إلى سببين أساسين هما:

ص: 326

حاجات الشعب الدينية والحاجات السياسية والقومية، لم تكن بوذية بوذا هي التي دخلت الصين بصورتها القادمة المليئة بخطوط التشاؤم والتبرم بالحياة، والدعوة إلى الموت للخلاص من العذاب والألم والشيخوخة؛ إذ أن البوذية تحولت تحت السماء اليابان إلى عقيدة قوامها آلهة أوفياء، ومحافل دينية تبعث على الغبطة والسرور، وتعرف اليابانيون على آلهة بوذية المركبة الكبرى الماهايانا الوديعة من أمثال أميذا، وكوانون، واعترفوا بوجود بوذيين منتظرين يخلصون البشرية من عذاباتها، وأخذوا بفكرة خلود الروح الإنسانية الفردية، هذا بالإضافة إلى وجه المهايانا المشرق بصورته الرقيقة الوديعة بكل ما تحمله تعاليمه من فضائل سامية، ودعوة إلى الانصياع التام لإحكام السلطة والدولة، وأقبلت قوى الشعب الياباني على اعتناق البوذية بصورتها الجميلة لما تحمله من عزاء وأمل يجعلهم يعيشون بهدوء، ورغم مصاعب الحياة وقساوة الطبيعية اليابانية، وأصبحت البوذية تمثل العروة الوثقى التي تجمع الشعب في وحدة سياسية وقومية.

وهذا الأخير " الوحدة " لاقى الارتياح من قبل القادة والزعماء، فأغدقوا عطفهم على البوذية، وساعدوا في انتشارها، ومن أبرز الأباطرة الذين ساعدوا على انتشار البوذية الإمبراطور سويقوا الذي حكم البلاد تسعة وعشرين عام من سنة خمسمائة واثنين وتسعين من الميلاد إلى سنة ستمائة وواحد وعشرين من الميلاد.

ومن إنجازاته المهمة: إدخال الأخلاق البوذية في صلب القوانين القومية والمدنية، وتذكر الروايات أنه في العصر الكايووتي مال الأباطرة إلى الورع حتى إن البعض منهم تنازل طوعًا عن العرش ليجعلوا من أنفسهم رهبانًا بوذيين. وانقسمت البوذية في اليابان كما في الصين إلى عدة مدارس أو طوائف مستقلة تأخذ باسم المدينة التي نشأت فيها إبان كونها عاصمة اليابان، وأهم هذه المدارس

ص: 327

ثلاث: مدرسة نارا من سنة سبعمائة وعشرة إلى سبعمائة وأربع وتسعين من الميلاد، ومدرسة إيانكيو كيوتو حاليًا من سنة سبعمائة وأربع وتسعين إلى ألف ومائة واثنين وتسعين من الميلاد، ومدرسة كما كورا من سنة ألف مائة واثنين وتسعين إلى ألف وستمائة وثلاث من الميلاد.

أما طوائف مدرسة نارا: فكانت متأثرة بمدرس ليوتوسونغ الصينية المعروفة باسم مدرسة النظام، ومدرسة هيانكيوتو أسسها الراهبان دينفيو دايشي وكوبو دايش، أسس الراهب الأول طائفة سانداي، وأسس الثاني طائفة شوفونشو، وتأثرت هاتان الطائفتان بمدرسة ميتوسونغ الصينية، وأدخلت العناصر السحرية والباطنية المأخوذة عن التنتيرية البوذية. وأهم طوائف مدرسة كاماكورا في طائفة ذن التي أسسها نايوان إيزي سنة ألف ومائة وواحد وأربعين إلى ألف ومائتين وخمسة عشر من الميلاد.

وفي نفس الوقت ظهرت طائفتان تبشران بالألوذا أميتبها، أميدا باليابانية، وتقولان: أن ليس فقط بإتمام الأعمال الخيرة والتعود على التقشف والنسك يمكن وصول إلى فردوس أميتبها، بل بالعشق الصوفي الذي يرتفع ويرفع صاحبه إلى درجة الألوهية، ويؤدي به إلى الخلاص النهائي وأسس مدرسته الأولى واسمها مدرسة البلاد النقية، الراهب هنن سنة ألف ومائة وثلاث وثلاثين إلى ألف ومائتين واثني عشر من الميلاد، وأسس تلميذه شونين طائفة المدرسة الحقيقية للبلاد النقية، ويُعرف أتباع هاتين الطائفتين بالآمديين نسبة إلى آميدا، وهم الأكثرية البوذية في اليابان المعاصرة، وقد دلت الإحصاءات الرسمية التي أجريت في عام ألف وتسعمائة وثلاثين من الميلاد على وجود ما لا يقل عن أربعين مليون بوذي في اليابان، والبوذية اليوم هي الدين

ص: 328

الوطني الياباني، بعد أن طعمت ببعض أفكار الشنتاوية، وخاصة فيما يتعلق بتمجيد الإمبراطور والأقداميين والأمة.

لقد استطاعت البوذية التي دخلت مسالمة إلى الجزر اليابانية أن تلبس معتقداتها الأصيلة حلة جديدة متميزة، وغنية بالأساطير، كما أنها أخلت مكانًا في لاهوتها، وفي عداد آلهتها لمذهب شنتو وآلهتها، ودمجت بوذا بأماتيير سو، وتركت مكان في معابدها للشنتو.

كان هذا عن انتشار البوذية كدين هندي في الصين واليابان، وأعود إلى دراسة مقارنة بين أديان الهند، قلنا: فيما سبق إن أديان الهند تسير في فلك واحد، وإن الهندوسية هي الدين الأم، وتتشعب منها أديان أخرى، ثم تعود إليها غالبًا في صورة أو أخرى.

وهكذا تلتقي أديان الهند في الاعتقاد بالكارما، وإن اختلفت هذه الأديان في تفسيرها وتلتقي تبعًا لذلك في القول بالتناسخ، وفي محاولة التخلص من تكرار المولد بقتل الرغبات والحرمان، وأديان الهند تتجه للتشعب، وتسعى كلها إلى الانطلاق أو النجاة النيرفانا، وليست مدلولات هذه بعيدة الاختلاف، ويصف بويش الارتباط بين أفكار بوذا وبين سواها من الأفكار الهندية بقوله: إن جوتاما لم يكن له أي علم ولا بصيرة بالتاريخ، ولم يكن لدي هـ شعور واضح عن مغامرة الحياة الفسيحة الكثيرة الجوانب في انطلاقها في أرجاء الزمان والفضاء، كا ن ذهنه محصورا في دائرة فكرات عصره وقومه، وقد جمدت عقولهم حول فكرات التكرار الدائم المتواصل.

وأبرز ألوان الخلاف بين أديان الهند يتضح في مسألة الطبقات: فقد قررتها الهندوسية ووضعت حدودًا حاسمة تفصل كلًّا منها عن الأخرى ولم تقل بها الجينية أو البوذية، ولكن أيًّا منهما لم تستطع أن تتخلص من النظام الطبقي في الحياة العملية.

ص: 329