الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما ذكره الهندوسيون نرى: أن المنزلة الواحدة في حركة الأرواح تتكون من مراتب عديدة تصل إلى المئات كما أنهم يحددون لكل عمل مرتبة معينة ومعنى هذا أن الروح قد تمكث في منزلةٍ واحدة آلاف السنين متنقلة بين مراتبها العديدة، ومن البرهميين من ينكر فكرة الجنة والنار ويكتفي بما في التناسخ من عقوبة وجزاء.
العبادات الهندوسية والطقوس الدينية
وأنتقل بك إلى الحديث عن العبادات الهندوسية والطقوس الدينية؛ حيث تحدد المصادر الهندوسية الهدف الأسمى للهندوسي، وتذكر أن غايته الوصول إلى الإله والفناء فيه، وترى أن هذا هو قمة السعادة للإنسان؛ ولذلك نجد الهندوسية توضح المنهج الأمثل لتحقيق هذا الهدف.
إن المنهج الهندوسي يشمل طقوسًا، وعبادات معينة، كما يشمل نظمًا وأخلاقًا، والعبادات في الهندوسية كثيرة، وهي أساس المنهج للوصول عادة، وأهمها ما يلي:
أولًا: الحج: وهو قصد أحد البلاد الطاهرة، أو أحد الأصنام المعظمة، أو أحد الأنهار المطهرة يغتسل الهندوسي بها، ويخدم الصنم، ويهدي إليه، ويكثر من التسبيح، والدعاء، ويتصدق للبراهمة، والسدنة، ويحلق رأسه، ولحيته والحج عند الهندوسيين تطوع، وفضيلة، وليس فرضًا ملزمًا.
وقد حددت النصوص الهندوسية الأماكن التي يحج إليها أو التي يحج إليه الهنود كما أنها أجازت الحج إلى أيِّ مكانٍ يوصف بفضيلةٍ ما في أيِّ وقتٍ كما أنهم يفضلون بعض الأماكن على غيرها، ومن المفضلة بلدة "بارانسي" وزهادهم يقصدونها، ويلازمونها، ويحرصون على أن تأتيهم أجيالهم فيها
ويقولون: إن سافك الدم مأخوذٌ بذنبِهِ إلَّا أن يدخل بلدة "بارانسي" فينال فيها العفو الغفران، ومن هذه الأماكن "بوكر" و"كشمير" وهناك العديد من الأساطير حول السبب في تعظيم هذه الأماكن المعظمة.
ثانيًا: الصوم: وهو إمساك عن الطعام مدة ما يقول البيروني، والصوم أنواع يختلف كل نوع بحسب مقدار المدة، وبحسب صورة الفعل، فأما الأمر المتوسط الذي به تحصل شريطة الصوم فهو أن يعين اليوم المصوم فيه ويضمر اسم يتقرب به إليه على أن يبدأ الصوم، من ظهر اليوم السابق إلى شروق شمس اليوم التالي، أو إلى الظهر منه على أن يعلن اسمًا يصام لأجله في يوم الصيام نفسه مع الإكثار من التسوك، والاغتسال.
ومن الصوم أنواع أخرى كأن يأكل عند الظهيرة فقط ثلاثة أيام، ويعقبها بالطعام في العتمة ثلاثة أيام كذلك، وهكذا تنوع الصوم عند الهندوسي تبعًا لاختلاف مدة الانقطاع عن الصوم، وتبعًا للغرض الذي من أجله كان الصوم.
ويرى الدكتور على عبد الواحد وافي: أن عبادة الصوم نوعان نوع خاص لرجال الدين البرعميين حيث يلزمهم الصيام في أوائل كل فصل من فصول السنة ووقت الكسوف، ومن غروب الشمس إلى غروب الشفق الأحمر كل يوم، وصوم الخاصة فرض لازم ونوع للعامة، ومنه الصوم الذي أوردناه أولًا وصوم العامة فضيلة، وتطوع؛ وعلى الجملة فسائر صوم الهندوسي مرتبط بمواقيت فلكية الأمر الذي جعل الهنود يتفوقون في علم الفلك، ومنازل القمر،
والصوم الهندسي من العبادات الهامة؛ لما له من أثرٍ واضحٍ في إهمال المطالب الحيوانية للجسم وإضعاف القوى الجسمية والإقلال من تحكمها في الإنسان، وهذا أساس لتحقيق الغاية المرجوة، وهي الفناء في الله، والاندماج معه.
ثالثًا: الذكر: وهو عبادة تشمل قراءة الأوراد والدعوات الدينية، والتسبيح ولزوم الصدق، وملاينة الناس في الحديث، والأمر بالمعروف، والوعظ والتذكير.
رابعًا: الصلاة وهي تسبيحٌ وسجودٌ، ويكون بوضع الإبهامين على الراحتين المتجهتين نحو الشمس أيًّا كانت.
خامسًا: تقديم القرابين: وهي تقديم أنواع من الأطعمة، والأشربة للآلهة مع ترتيل الأناشيد، وتأدية الرقصات، وحركات أمام الآلهة التي تعددت وكثرت.
سادسًا: حرق الموتى؛ حيث يقوم الهنود بحرق موتاهم في كومة من خشب السندل تحت إشراف الكهنة الذين يدهنون جسم الميت بالشحوم والدهون، ويرتلون الأناشيد أثناء الحرق وقبله، ويبقى أهل الميت بجواره أربعًا وعشرين ساعة، وذلك ليجمعوا الرماد لإلقائه بعد اثني عشر يومًا في النقطة التي يعتقدون أن نهري جمنى والجاج يلتقيان فيها بين أهل الأسطوري عند بلدة الله أباد.
سابعًا: عبادة البقر؛ حيث يتجه الهنود بالعبادات السالفة الذكر في بعض الأحيان إلى البقرة وهي من المعبودات الهندية التي لم تضعف قداستها مع الأيام.
يقول المهاتماهاندي: إن حماية البقرة التي فرضتها الهندوسية هي هدية الهند إلى العالم، والفكر الهندي يعتقد أن البقرة هي أم الإنسان. إن البقرة خير رفيق للمواطن الهندي، وهي خير حماية للهند، عندما أرى البقرة لا أعدني أرى حيوانًا؛ لأني أعبد البقرة، وسأدافع عنها أمام العالم أجمع إنها تفضل أمي
الحقيقية؛ لأنها تمنحنا اللبن دائمًا، ولا تطلب مقابل ذلك سوى الطعام العادي، ولا تكلفنا علاجًا إذا مرضت، وإذا ماتت تنقطع بعظمها وجلدها وقرونها، وإذا ماتت ينتفع بعظمها، وجلدها، وقرونها.
إن ملايين الهنود يتجهون للبقرة بالعبادة والإجلال، وأنا أعد نفسي واحدًا من هؤلاء الملايين، ومن العجيب أن يصدر هذا التعظيم للبقرة من مفكر كبير حرر قارة بأكملها هو "المهاتماهاندي" لكنه الضلال الذي يصاحب الإنسان حين يبعد عن طريق الله، واقرأ معي قول الله تعالى:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (الكهف: 103 - 105).
وتلك حالة تفسر ألوان الضلال الذي يحدث من العلماء والمفكرين، وكثير من الرجال المشهورين.
هذا؛ ومن العبادات إلى الشرائع؛ حيث تتضمن كتب المقدسة عند الهنود عددا من الأسس والشرائع المنظمة لحياة الهندية في إطار الطبقات التي أشرنا إليها، ومن هذه النظم تنظيم الدولة على أساس خضوعها لملك من البراهمة يختاره الشعب لحماية حدود الدولة من أعدائها، وعلى الملك أن يقود الجيش بنفسه، وله على الرعية الطاعة، ودفع الخراج، والهدايا والأموال.
وفي شرائعهم توضيح مكانة المرأة في المجتمع؛ وإذ الشريعة الهندوسية لا أهلية لها -كما أشرنا قبل- ووضع نظام للحياة الفردية، وللنشاط الواجب الإتباع حيث يقسم هذا النظام عمر الرجل إلى أربعة مراحل متساوية كل منها خمس وعشرون عامًا؛ ففي المرحلة الأولى يشهد الفرد بناء صحته وقوته وعقله وروحه، ثم الحالة الثانية يتزوج، ويرعى أسرته، ثم الحالة الثالثة يهتم بخدمة المجتمع بقدر استطاعته،
ولا يجعل نشاطه كله لأسرته، وفي المرحلة الرابعة يهتم ببقية روحه والصعود بها إلى عالمها الأسمى ليتحقق له الانطلاق.
وفي التشريع الهندوسي وضع نظام للزواج الذي يتم عن طريق الاستيلاء على المرأة بالقوة وبخاصة في طبقة القشتريا، وتبيح الهندوسية نكاح الاستضلاع الذي حرمه الإسلام، كما تبيح أن يشترك في المرأة الواحدة عدد من الأزواج إذا كانوا إخوة، كما تبيح تعدد الزوجات للزوج الواحد، والهندوسية تحرم الزواج على القديسين من رجال الدين.
وتضع الهندوسية نظامًا للميراث حيث يرث الابن أباه، ولا ترث البنت ويحددون حق الملكية الفردية في العقار والمنقول، وتضع الشريعة الهندوسية نظامًا للمسئولية يأخذ بفكرة المسئولية الجماعية في القتل والسرقة والنكاح، وغير ذلك وتحدد مسئولية الملك والحاكم، ومن الشرائع إلى الأخلاق حيث تدعو الهندوسية إلى العديد من الفضائل الأخلاقية الراقية تعتمد وصايا عشرة كأساس للأخلاق عندها وهي:
1 -
مراعاة الكائن الإلهي.
2 -
مقابلة الإساءة بالإحسان.
3 -
القناعة واحترام ملك الآخرين.
4 -
الاستقامة.
5 -
الطهارة الشاملة.
6 -
كبح جماح النفس والحواس.
7 -
دراسة الفيدا والتعقل.
8 -
الصبر والمثابرة.
9 -
الصدق وحب الحقيقة.
10 -
اجتناب الغضب.
كما يحددون الرذائل التي يجب أن يبتعد عنها الهندوسي بشكل مفصل وربطت الهندوسية الأخلاق بالجزاء حيث يلقى صاحب الفضائل ثوابًا روحيًّا ويلقى صانع الرذائل عقابًا أليمًا، والهنود يأخذون من أخلاقهم قاعدة ذهبية تقول لا تصنع بغيرك مالا تحب أن يصنعه غيرك بك، وأحب لغيرك ما تحبه لنفسك أشد الحب، وهم يرون في هذا القاعدة مبدأ سلام، وأمان للجميع.
وأختم بالكلام عن المذاهب في تفسير نشأة تطور أديان الهند حيث ذهب العلماء في تفسير نشأة أديان الهند وتطورها مذاهب متعددة نشملها في اتجاهين رئيسين:
الاتجاه الأول: يذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى أن أديان الهند جميعا نشأة بطريق التطور الطبيعي ويرونها في بدايتها مجموعة من العادات والتقاليد القديمة التي حولها الهنود خلال القرن الثامن قبل الميلاد إلى دين منظم شامل لألوان من
العبادة، والطقوس المختلفة، ويذهب هؤلاء إلى أن البداية قامت على تعدد الآلهة في صورة بدائية حيث كانوا يقولون: إن الليل إله، والصبح إله.
وكانوا يتقربون إليهما بشرب الخمر، وكانوا يألهون الشمس ويسمونها بأسماء متعدد، ويؤلهون العواصف، ويرمزون لها بالعجل، وهكذا كثرة الآلهة في الهند بصورة واضحة تترقى من صور آلهة صغيرة ضعيفة إلى آلهة قوية كبيرة، ثم حدث رقي أكثر فظهر ثالوث الآلهة العظيم قائم على برهمة وشيفني، وسيفًا حيث تدور حولهم الأساطير العديدة.
وأخيرًا كان التطور إلى الإيمان بغله خالق متصف بصفات راقية، كما جاء في أنشودة الخلق التي تضمنها الكتاب العاشر من "الرشفيدا"، وعلى هذا تعتبر الديانة الهندوسية من صناعة الإنسان؛ حيث سارت على سنة التطور والترقي كما تعتبر البوذية والجينية صورًا لهذا التطور، وإن اتخذت اتجاهات مضادة في بعض التعاليم، وأصحاب هذا الاتجاه يرجعون جميع مصادر الأديان الهندية إلى تأليف الإنسان ووضعه، وما قداستها إلا بسبب إحاطتها بآلة من التعظيم والاحترام.
وللكهنة دور رئيس في إبراز هذا التقديس بواسطة الأساطير والمتخيلات التي يرمونها عن الآلهة وآثارها وبواسطة هذا الاتجاه يتضح السبب في تناقض العقيدة عند الهندوس من أمثال الإيمان بالله، وإنكار النبوة، والقول بالإلهام المستمر للبراهمة الطبقة المقربة للإله برهمه، ومن أمثال الإيمان بالحساب على الأعمال بواسطة التناسق، حيث يحمل الوزر ما لم يرتكبه وأصحاب هذا الرأي عديدون، وهم لا يهتمون بتحليل الأديان
الهندية، أو مصادرها حيث لا فائدة من ذا التحليل؛ لأن أي تعارض من تضاد مسلم عندهم حيث يقتضي ذلك.
أما الاتجاه الثاني: فيذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى إن وجود التوحيد التام المنزه من كل ريب ونقص في الهندوسية دليل على أن الدعوة الإلهية قد جاءت مباشرة، أو وصلت إليهم بطريقةٍ ما، ويستدلون على ذلك بعجز العقل عن الوصول وحده إلى التوحيد المطلق، بكل تفصيلاته وكمالاته، كما يستدلون بأن القوة بالتطور، والترقي يقضي بظهور التوحيد بالمرحلة الأخيرة من التطور بينما التوحيد وجد في الهند منذ البداية، كما يقول "ماكسميلر": أيًّا كان العصر الذي تم فيه جمع الأناشيد المذكورة في "الريجفلدا" فقبل ذلك العصر كان بين الهنود مؤمنون بالله الواحد الذي لا هو بذكر ولا بأنثى، ولا تحده أحوال التشخيص وقيود الطبيعة الإنسانية.
وقد ارتفع شعراء الفيدا في الواقع إلى أوجه سام في إدراكهم الحقيقة الربوبية إنها إدراك أرفع وأعلى مما يطيف بأذهان قول يخدعون أنفسهم بأنهم من أهل الكتاب بل إن البوذية والجينية وهما الإله، ولا يعترفان بالعديد من التعاليم الهندوسية جاءت متأخرة، مما يؤكد أن الدين في الهند كان يتردى في كثير من الحالات.
يقول أصحاب هذا الاتجاه: إن عقيدة التوحيد عند الهنود دخلها تحريف البشر؛ ولهذا نرى الكتب الهندوسية تتضمن التوحيد مع التعدد وتنكر النبوة وتحيط الآلهة بالأساطير وتقدس نظام الطبقات، وكل ذلك ألوان من التحريف، كما أن البوذية والجينية لا تزيد عن هذه الاتجاهات المحرفة.
ومن الممكن تفسير التناقضات الموجودة في أديان الهند على هذا بأن البعض يرجع إلى الدين الحقيقي كالإيمان بالجنة والنار والإيمان بقوة الروح، ويرجو البعض الآخر إلى التحريف، والتأليف البشري من الرسالات السماوية رغم كتبها المقدسة، وتعاليمها الرشيدة تظهر معها الأفكار المحرفة، والاتجاهات الضالة؛ ولذلك هي تلبس الفرق العديدة إلا وتظهر مدعية تبعيتها للرسالة الإلهية، بل وتزعم أنها الوحيدة المتمسكة بالحق.
إن هذا يؤكد الاتجاه الثاني، ويشير إلى أن دخول التحريف في أيِّ دين منكر. هذا وقد أشار بعض علماء مقارنة الأديان إلى وجود تشابه يكاد أن يتطابق بين نصوص دينية هندية، وبين نصوص نصرانية، موجودة في الأناجيل الأمر الذي يضع الباحث أمام ضرورة أن أحدهما تأثر بالآخر، ونقل عنهم في إطار عدد من الاحتمالات العقلية، والوقائع العلمية الثابتة، ولا شك أن اللاحق قد نقل عن السابق.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.