الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسطورة إغواء الأراكنة
ثالثًا: أسطورة إغواء الأراكنة؛ أي: الحكام كان ما يسمى بأسطورة إغواء الأراكنة عنصرًا أسطوريًّا آخر لم يستطع أن يخفق في الظهور بشكل كبير إلى رجال الكنيسة المسيحيين بشكل خاص؛ لأنه قص كيف أبحر الرسول الثالث في مركبه الضوئي أي: القمر عبر قبة السماء، وأظهر نفسه للقوى الشياطنية المقيدة؛ حيث أظهر للأركانة الذكور جمال أنوثته المتألق على شكل عذراء النور في الإيرانية الوسيطة كانيا غراشن، وتجلى إلى الأراكنة الإناث في هيئة شاب عار متألق، ولهذا يعرض هذا الإله على شكل خنثى، وحقق نشاط الرسول الهدف المطلوب؛ فقد قذف الأركنة الذكور في أثناء إثارتهم الجنسية العنيفة بذرات النور على شكل نطف سقطت على الأرض؛ حيث سمح التراب للنباتات أن تنبعث عند ذلك مع نتيجة أن هذه النباتات استمرت تحتوي على نسبة كبيرة من الضوء هذه نقطة ينبغي ملاحظتها.
وأما الشياطين المؤنثة، والتي كانت حاملة من قبل فقد ولدت ذريتها قبل حلول الأوان، عندما رأت جمال الرسول، وبما أنه تم قذف هذه الشياطين إلى الأرض، فإنها قد التهمت براعم الأشجار، ومن ثم تمثلت ذرات الضوء التي كانت موجودة في ذلك المكان.
وخلاصة الأمر: هي أن الفكرة تستهدف أن تقول أن ذرات النور التي كانت ما تزال موجودة في المادة، قد تم توزيعها إلى بعض الحدود بين عالم الخضار، وبين ذرية القوى الشيطانية إلى حد ما أيضًا إن نظرة إلى عالم أسطورة الواقع وراء إغواء الأراكنة ستساعد على فهم هذا الموضوع قبل التعمق في دراسة نظام ماني العقائدي، ويسمى الرسول الثالث
باسم: نارياس يزدا في الفارسية وفي النصوص المكتوبة باللغة الإيرانية الوسيطة، بينما يسمى باسم لا ريسا يزد في الفارسية الوسيطة، وتلك هي الأشكال الغربية الإيرانية الوسيطة الأصيلة لأفذت نارسيه التي يرد ذكرها في الكتب البهلوية على أنها نيروسمعا.
وهنالك جزء في المدونات المتبقية للكاتب فيدورا باركونية التي تعالج قضايا الإله نرسيس، عندما أعطى هارموزد النساء للأتقياء، فهربن وذهبن إلى الشيطان أي: أهرامان، وعندما أحدث أهرامزن السلام والسعادة القويمين أعطى الشيطان أي: أهرامان السعادة للنساء أيضًا، ومع ذلك فإنما ترك الشيطان أهرامان النساء يشتهين ما أردن خشي أهرامزد من أن الجماع مع الصالحين سيكون كما اشتهينه، ولذلك خلق الإله نرسيس، وهو عبارة عن شاب في الخامسة عشر من عمره، وهو العمر المثالي حسب المفاهيم الإيرانية، ووضع عاريًا تمامًا على ظهر الشيطان أهرامان، حيث تشهده النسوة، ويشتهينه، وتنشده من الشيطان، وقد رفعت النسوة أيديهن إلى الشيطان أهرامان، وقلن يا أبانا الشيطان أعطنا هبة من الإله نرسيس.
وستتم دراسة هذا المظهر المسيولوجي لهذه الأسطورة عندما تتم دراسة وجهة نظر ماني حول مسائل الجنس، ومن المناسب في هذه المرحلة أن نوجد موافقات ممكنة مع المسيولوجية المانوية، أن الإله نرسيس المعتبر هنا على أنه إله مذكر وليس خنثى، يتم عرضه بواسطة إله على مرأى من المخلوقات المؤنثة التي تعتبر مخلوقات شريرة، تناقد الصالحين، وبينما يعتبر أهرومزد حامي الصالحين، وأهرامان حاميًا للنساء يتم إظهار نرسيس عاريًا للنساء؛ لإثارة شهوتهن، إذ تتغلب عليهن الرغبة بمضاجعته والاتصال به.
إن نقاط التباين هنا واضحة بقدر وضوح نقاط التوافق تمامًا، ولسنا بحاجة إلى أن نؤكدها، وقد ثبت بالمقارنة مع نص موائم من البنداهشن أنه من الممكن إعادة تركيب المسيولوجية الإيرانية الأصيلة، وأن نقرر أنها كانت زروانية، والشيء المجهول حتى الآن هو فيما إذا
كان ماني نفسه قد غير التفاصيل في المسيولوجية الزروانية، وتبنى تفاصيل أخرى، أو فيما إذا وجدت من قبل ترجمة متطابقة مع النمط المانوي في الزروانية، وعلى أية حال من الممكن إعادة موضوع إغواء الأراكنة إلى ذلك المصدر بالذات أي: إلى العقيدة الزروانية التي التقينا بها مرارًا من قبل.
هذا؛ وإن حقيقة أن المسيولوجية المانوية حين افترضت وجود صلة غريبة من ذرات النور والنطف قد احتاجت إلى موجب ليس مفاجئًا، فقد ارتكز ماني نفسه هنا على آراء معاصرة أيضًا، فقد كانت مدارس الطب الإغريقية القديمة تعتقد أن النطف الصادرة عن الحبل الشوكي قد تشكلت من سيلان ملتهب، وقامت خلف مثل هذا التأمل الطبي فكرة مسيولوجية ظهرت في الثقافة الإيرانية الهندية، وكان الأساس في جميع هذه النظريات هو أن النار هي العنصر الأسمى في الجسم الإنساني، وبما أن الإنسان هو عالم صغير يمثل الكوني الكلي فقد افترض أنه مركب من النار والهواء، والماء والتراب، وكانت الروح زفيرًا ملتهبًا، واعتبرت النطف على أنها نوع ملتهب من المواد.
واعتقد أيضًا أن الشمس والقمر والنجوم هي نوع ملتهب من المادة، ومن هنا أتت ذاتية الإنسان العليا، وهي ستعود إلى هنا. هذا، وليس من السهل القول فيما إذا كان ماني قد اقتبس هذه الآراء من مصادر إيرانية أو مصادر هلنستية، فمن المحتمل أن مثل هذه النظريات كانت مألوفة تمامًا بالنسبة إلى أتباع مذهب الغلطوسية في حران، وهم الذين أعطوا مقدارًا وفيرًا من الوقت للنظرية والتطبيق الطبي، ويمكن التسليم على أنها كانت زائعة في بلاد الرافدين عمومًا، وقد حققت تصديقًا وقبولًا على أيدي الأطباء الهنود والإيرانيين، فقد كان ماني ابن زمانه في مثل هذه المسائل مثله في غيره دائمًا، يعايش الواقع، ويبني دينه على النظريات والأساطير والأوهام، وما كان موجودًا في واقعه وفي الحضارات، والديانات من حوله؛ ليوجد دينًا يتفق مع الواقع يسيره الواقع، والحمد لله على نعمة الإسلام، وكفى بها نعمة، ونعوذ بالله من الكفر، ومن الخذلان.