الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في قبضته؛ فبدأه بالجميل والتّكريم، وأوسع عليه وعلى رجاله في «1» العطاء والقرى والتعظيم بما مكّن اغترارهم، وثبّت طمأنينتهم. ووقعت المناظرة بين زهير وباديس «2» ، ومن حضرهما من رجال دولتيهما، فنشأ «3» بينهما عارض الخلاف لأول وهلة، وحمل زهير أمره على التّشطّط، فعزم باديس على اللقاء «4» ووافقه عليه قوم من خدّامه، فأقام المراتب، ونصب الكتائب، وقطع قنطرة لا محيد عنها لزهير، والحائن «5» لا يشعر؛ وغاداه عن تعبئة محكمة، فلم يرعه إلّا رجّة القوم راجعين، فدهش زهير وأصحابه، إلّا أنه أحسن تدبير الثبات لو استتمّه، وقام فنصب الحرب، وثبت في قلب العسكر، وقدّم خليفته هذيلا في وجوه أصحابه إلى الموالي، فلمّا رأتهم صنهاجة، علموا أنهم الحماة والشّوكة «6» ، ومتى حصدوا لم يثبت من وراءهم، فاختلطوا بهم «7» ، واشتدّ القتال، فحكم الله لأقلّ الطائفتين من صنهاجة ليري الله «8» قدرته، فانهزم زهير وأصحابه وتقطّعوا، وعمل السيف فيهم فمزّقوا، وقتل زهير، وجهل مصرعه؛ وغنم رجال باديس من المال والمرافق «9» والأسلحة والحلية والعدّة والغلمان والخيام «10» ، ما لا يحاط بوصفه. وكانت وفاة زهير يوم الجمعة عقب شوّال، سنة تسع وعشرين وأربعمائة بقرية ألفنت خارج غرناطة.
طلحة بن عبد العزيز بن سعيد البطليوسي وأخواه أبو بكر وأبو الحسن بنو القبطرنة
«11»
يكنى أبا محمد.
حالهم: كانوا عيونا من عيون الأدب بالأندلس، ممّن اشتهروا بالظرف، والسّرو والجلالة. وقال أبو الحسن بن بسّام وقد ذكر أبا بكر منهم، فقال «1» : أحد فرسان الكلام «2» ، وحملة السيوف والأقلام، من أسرة أصالة، وبيت جلالة، أخذوا العلم أولا عن آخر، وورثوه كابرا عن كابر. ثلاثة كهقعة الجوزاء، وإن أربوا عن الشهر «3» في السّنا والسناء «4» . كتب أبو محمد عبد العزيز وأخواه عن ملك لمتونة، ودخلوا معه غرناطة. ذكر ذلك غير واحد. واجتزأت بذكر أبي محمد، وأتبعه أخويه اختصارا.
شعره: من شعر أبي محمد، قوله في الاستدعاء «5» :[المتقارب]
هلمّ إلى روضنا يا زهر «6»
…
ولح في سماء المنى «7» يا قمر
وفوّق «8» إلى الأنس سهم الإخاء
…
فقد عطّلت قوسه والوتر «9»
إذا لم تكن عندنا حاضرا
…
فما بغصون «10» الأماني ثمر «11»
وقعت من القلب وقع المنى
…
وحزت «12» من العين حسن الحور
قال أبو نصر «13» : بات مع أخويه في أيام صباه، واستطابة جنوب الشّباب وصباه، بالمنية المسمّاة بالبديع، وهي «14» روض كان المتوكل يكلف بموافاته، ويبتهج بحسن صفاته، ويقطف ريحانه «15» وزهره، ويقف «16» عليه إغفاءه وسهره، ويستفزّه الطرب متى ذكره، وينتهز فرص الأنس فيه روحاته وبكره، ويدير حميّاه على ضفة نهره، ويخلع سرّه فيه لطاعة جهره، ومعه أخواه، فطاردوا اللذّات حتى أنضوها، ولبسوا برود السرور فما «17» نضوها، حتى صرعتهم العقار، وطلّحتهم تلك
الأوقار «1» ؛ فلمّا همّ رداء الفجر أن يندى، وجبين الصبح أن يتبدّى «2» ، قام الوزير أبو محمد فقال «3» :[الخفيف]
يا شقيقي وافى «4» الصّباح بوجه «5»
…
ستر اللّيل نوره وبهاؤه
فاصطبح، واغتنم مسرّة يوم
…
لست «6» تدري بما يجيء مساؤه
ثم استيقظ أخوه أبو بكر فقال: [الخفيف]
يا أخي، قم تر النّسيم عليلا
…
باكر الرّوض والمدام شمولا «7»
في رياض تعانق الزّهر فيها
…
مثل ما عانق الخليل خليلا «8»
لا تنم واغتنم مسرّة يوم
…
إنّ تحت التّراب نوما طويلا
ثم استيقظ أخوهما أبو الحسن وقد ذهب «9» من عقله الوسن، فقال:[البسيط]
يا صاحبيّ ذرا لومي ومعتبتي
…
قم نصطبح قهوة «10» من خير ما ذخروا
وبادرا غفلة الأيّام واغتنما
…
فاليوم خمر ويبدو في غد خبر «11»
وقال أبو بكر في بقرة أخذها له الرنق «12» صاحب قلمورية، وقد أعاد أرضه «13» :[الطويل]