الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاله: وكان من أهل العلم والفقه، والدين المتين، والورع الشديد، والصلاح الشهير.
نباهته: ولّاه الأمير عبد الرحمن قضاء إلبيرة حين بلغه زهده وورعه، وأنّه لم يشرك إخوته في شيء من ميراث أبيه، إذ كان لم يحضر الفتح، فبرىء به إليهم، وابتاع موئلا بوطنه أنيط به ماء، وانفرد به للعبادة والتبتّل، فاستقدمه هشام، فركب حماره وقدم عليه في هيئة رثّة بذلّة، فتوسّم فيه الخير، وقدّمه ووسّع له في الرّزق، ووهب له ضياعا كثيرة تعرف اليوم باسمه. وتوفي هشام وهو قاض بإلبيرة، فأقرّه ابنه الحكم ثم ولّاه شرطته، إلى أن توفي أسباط. قلت: انظر حال الشرطة عند الخلفاء من كان يختار لها لولايتها.
أسلم بن عبد العزيز بن هشام بن خالد بن عبد الله بن خالد ابن حسين بن جعفر بن أسلم بن أبان
مولى عثمان بن عفّان، رضي الله عنه؛ يكنى أبا الجعد.
أوّليّته: من أهل شرق الأندلس، أصلهم من لوشة فتيّة غرناطة «1» ، وموضعهم بها معروف، وإلى جدّهم ينسب جبل أبي خالد المطلّ عليها، وكان لهم ظهور هنالك، وفيهم أعلام وفضلاء.
حاله: كان أسلم من خيار أهل إلبيرة، شريف البيت، كريم الأبوّة، من كبار أهل العلم، وكانت فيه دعابة، لم ينسب إليه قطّ بسببها خزية في دين ولا زلّة. قال أبو الفضل عياض «2» : كان أسلم من خيار أهل إلبيرة، رفيع الدرجة في العلم، وعلوّ الهمّة في الإدراك، والرواية والدّيانة، والصّحبة، وبعد الرّحلة في طلب العلم، معروف النّصيحة والإخلاص للأمراء.
مشيخته: لقي بمصر، المدني، ومحمد بن عبد الحكم، ويونس، والربيع بن سليمان المؤذن، وأحمد بن عبد الرحيم البرقي. وسمع من علي بن عبد العزيز، وسليمان بن عمران بالقيروان.
من روى عنه: سمع منه عثمان بن عبد الرحمن، وعبد الله بن يونس، ومحمد بن قاسم، وغير واحد، وانصرف إلى الأندلس من رحلته، فنال الوجاهة العظيمة.
ولايته: ولّاه قضاء الجماعة بغرناطة، الناصر لدين الله، أول ولايته، وسط سنة ثلاثمائة، إلى أن استعفى سنة تسع وثلاثمائة فأعفاه، ثم أعاده. وكان في قضائه صارما لا هوادة عنده. قال المؤرّخ: كان الناصر يستخلفه في سطح القصر إذا خرج إلى مغازيه. وحكى ابن حارث أن ابن معاذ وابن صالح أتيا يوما، فلمّا أخذا مجلسهما نظر إليهما وقال: ألقوا ما أنتم ملقون فأبهتهما. ودخل عليه محمد بن وليد يوما، فكلّمه في شيء، فقال أسلم: سمعنا وعصينا. فقال ابن وليد: ونحن قلنا واحتسبنا. وأتاه في بعض مجالسه شهود، بعضهم من أهل المدينة بقرطبة، وبعضهم من شلار من الرّبض الشرقي، يشهدون في ترشيد امرأة من الرّبض الغربي، فلما أخذوا مجالسهم، فتح باب الخوخة التي في المجلس الذي يجلس بدهليزه، ونادى من بخارجه فاجتمعوا؛ اسمعوا، عجبا لله درّ الشاعر حيث يقول:[الكامل]
راحت مشرّقة ورحت مغرّبا
…
شتّان بين مشرّق ومغرّب
هؤلاء من أهل المدينة وشلار، يشهدون في ترشيد امرأة من ساكنات آخر بلاط مغيث، ثم سكت فدهش القوم وتسلّلوا. وبلغه عن بعض الشهود المتّهمين أنه أرشي في شهادته ببساط، فلما أتى ليؤدّيها، ودخل على أسلم، جعل يخلع نعليه عند المشي على بساط القاضي، فناداه: أبا فلان، البساط، الله الله؛ فتنبّه بأن أمره عند القاضي، ولم يجسر على أداء شهادته تلك. وخاصم فقيه عند أسلم رجلا في خادم أغربها، وجاء بشاهد أتى به من إشبيلية، فقال: يا قاضي، هذا شاهدي فاسمع منه، فصعّد أسلم في الشاهد وصوّب، وقال: أمحتسب «1» أو مكتسب أصلحك الله؟ فقال الشاهد: أحسن الظنّ أيها القاضي، فليس هذا إليك، هذا إلى الله المطّلع على ما في القلوب، ولم تقعد هذا المقعد لتسأل عن هذا وشبهه، وإنما عليك الظاهر، وتكل الباطن إلى الله، فإن شئت، فاسمع الشهادة كما يلزمني أداؤها، ثم اقبلها أو اضرب بها الحائط. وفي رواية أخرى، وليس لك أن تكشف السّتر المنسدل بينك وبيني، فإن هذا التفسير للشهود يوقف عن الشهادة عندك، ويعرّض لإهانتك أهل لائقة، وفي ذلك من ضياع الحقوق ما لا يخفى، فأخجل أسلم كلامه، وقال له: لك ما قلت، فأدّ