الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويبكي الأيامى ويبكي اليتامى
…
ويحكي الحمام ذوات الشّجن
ويشكو إلى الله شكوى شج
…
ويدعوه في السّرّ ثم العلن
وكانت رباطا لأهل التّقى
…
فعادت مناطا لأهل الوثن
وكانت معاذا لأهل التّقى
…
فصارت ملاذا لمن لم يدن
وكانت شجى في حلوق العدا
…
فأضحى لهم مالها محتجن
وهي طويلة، ولديّ خلاف فيمن أفرط في استحسانها. وشعره عندي وسط.
ومن شعره وهو حجّة في عمره عند الخلاف في ميلاده ووفاته، قال:[الطويل]
ثمانون «1» مع ستّ عمرت وليتني
…
أرقت دموعي بالبكاء على ذنب
فلا الدّمع في محو الخطيئة غنية
…
إذا هاج من قلب منيب إلى الرّبّ
فيا سامع الأصوات رحماك أرتجي
…
فهب «2» إنسكاب الدّمع من رقّة القلب
وزكّ الذي تدريه من شيمة
…
تعلّق بالمظلوم من شدّة الكرب
وزكّ مثابي في العقود وكتبها
…
لوجهك لم أقبل ثوابا على كتب
ولا تحرمني أجر ما كنت فاعلا
…
فحقّ اليتامى عندي من لذي صعب
ولا تخزني يوم الحساب وهو له
…
إذا جئت مذعورا من الهول والرّعب
مولده: حسبما نقل من خط ابنه أبي جعفر، ولد، يعني أباه سنة أربع وثمانين وأربعمائة» .
وفاته: بعد صلاة المغرب من ليلة الثلاثاء الثامن عشر من محرم عام اثنين وسبعين وخمسمائة. ونقل غير ذلك.
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبيدس بن محمود النفزي
أبّذي «4» الأصل، غرناطي الاستقرار، ويكنى أبا إسحاق.
حاله: خاتمة الرّحّال بالأندلس، وشيخ المجاهدات وأرباب المعاملات، صادق الأحوال، شريف المقامات، مأثور الإخلاص مشهور الكرامات، أصبر الناس على
مجاهداته، وأدومهم على عمل وذكر وصلاة وصوم، لا يفتر عن ذلك ولا ينام، آية الله في الإيثار، لا يدّخر شيئا لغد، ولا يتحرّف بشيء، وكان فقيها حافظا، ذاكرا للغة والأدب، نحويّا ماهرا، درس ذلك كلّه أول أمره، كريم الأخلاق، غلب عليه التصوّف فشهر به، وبمعرفة طريقه الذي ندّ فيها أهل زمانه، وصنّف فيها التصانيف المفيدة.
ترتيب زمانه: كان يجلس إثر صلاة الصبح لمن يقصده من الصالحين، فيتكلم لهم بما يجريه الله على لسانه، وييسّر من تفسير، وحديث وعظة، إلى طلوع الشمس؛ فيتنفّل صلاة الضّحى، وينفصل إلى منزله، ويأخذ في أوراده، من قراءة القرآن والذّكر والصلاة إلى صلاة الظهر، فيبكّر فى رواحه، ويوالي التنفّل إلى إقامة الصلاة، ثم كذلك في كل صلاة، ويصل ما بين العشاءين بالتنفّل، هذا دأبه أبدا.
وكان أمره في التوكّل عجبا، لا يلوي على سبب، وكانت تجبى إليه ثمرات كلّ شيء، فيدفع ذلك بجملته، وربما كان الطعام بين يديه، وهو محتاج، فيعرض من يسأله، فيدفعه جملة، ويبقى طاويا، فكان الضعفاء والمساكين له لياذا ينسلون من كل حدب، فلا يردّ أحدا منهم خائبا، ونفع الله بخدمته وصحبته، واستخرج بين يديه عالما كثيرا.
مشيخته: أخذ القراءة عن أبي عبد الله الحضرمي، وأبي الكوم جودي بن عبد الرحمن، والحديث عن أبي الحسن بن عمر الوادي آشي، وأبي محمد عبد الله بن سليمان بن حوط الله، والنحو واللغة عن ابن يربوع وغيره. ورحل وحجّ، وجاور وتكرّر. ولقي هناك غير واحد، من صدور العلماء وأكابر الصوفية، فأخذ صحيح البخاري سماعا منه سنة خمس وستمائة عن الشّريف أبي محمد بن يونس، وأبي الحسن علي بن عبد الله بن المغرباني، ونصر بن أبي الفرج الحضرمي، وسنن أبي داود وجامع التّرمذي على أبي الحسن بن أبي المكارم نصر بن أبي المكارم البغدادي، أحد السامعين على أبي الفتح الكروخي، وأبي عبد الله محمد بن مستري الحمة، وأبي المعالي بن وهب بن البنا، وببجاية عن أبي الحسن علي بن عمر بن عطيّة.
من روى عنه: روى عنه خلق لا يحصون كثرة؛ منهم أحمد بن عبد المجيد بن هذيل الغسّاني، وأبو جعفر بن الزبير، وغيره.
تواليفه: صنّف في طريقة التصوّف وغيرها تصانيف مفيدة؛ منها «مواهب العقول وحقائق المعقول» ، و «الغيرة المذهلة، عن الحيرة والتّفرقة والجمع» ، و «الرحلة العنوية» ، ومنها «الرسائل في الفقه والمسائل» ، وغير ذلك.
شعره: له أشعار في التصوّف بارعة، فمن ذلك ما نقلته من خط الكاتب أبي إسحاق بن زكريا في مجموع جمع فيه الكثير من القول:[الوافر]
يضيق عليّ من وجدي الفضاء
…
ويقلقني من الناس العناء
وأرض الله واسعة ولكن
…
أبت نفسي تحيط بها السماء
رأينا العرش والكرسيّ أعلى
…
فواليناهما حرم الولاء «1»
فأين الأين منّا أو زمان
…
بحيث لنا على الكلّ استواء
شهدنا للإله بكلّ حكم
…
فغاب القلب وانكشف الغطاء
ويدعوني الإله إليه حقّا
…
فيؤنسني من الخوف الرّجاء
ويقبضني ويبسطني ويقضي
…
بتفريقي وجمعي ما يشاء
ويعي في وجود الخلق نحوا
…
ينعت من تولّاه الفناء
فكم أخفي وجودي وقت فقدي
…
كأن الفقد والإحيا سواء
فسكر ثم صحو ثم سكر
…
كذاك الدهر ليس له انقضاء
فوصفي حال من وصفي ولكن
…
ظهور الحقّ ليس له خفاء
إذا شمس النهار بدت تولّت
…
نجوم الليل ليس لها انجلاء
ومن شعره: [البسيط]
كم عارف سرحت في العلم همّته
…
فعقله لحجاب العقل هتّاك
كساه نور الهدى بردا وقلّده
…
درّا ففي قلبه للعلم أسلاك
كسب ابن آدم في التحقيق كسوته
…
إنّ القلوب لأنوار وأحلاك
كلّف فؤادك ما يبدي عجائبه
…
إنّ ابن آدم للأسرار درّاك
كيف وكم ومتى والأين منسلب
…
عن وصف باريها والجهل تبّاك
كبّر وقدّس ونزّه ما أطقت فلم
…
يصل إلى ملك الأملاك أملاك
كرسيه ذلّ والعرش استكان له
…
ونزه الله أملاك وأفلاك
كلّ يقرّ بأنّ العجز قيّده
…
والعجز عن درك الإدراك درّاك
وقال: وهو ما اشتهر عنه، وأنشدها بعض المشارقة في رحلته في غرض اقتضى ذلك، يقتضي ذكره طولا:[البسيط]
يا من أنامله كالمزن هامية
…
وجود كفّيه أجرى من يجاريها