الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن كتاب «عائد الصلة» «1» : الشيخ، الحافظ، الفقيه، القاضي، من صدور المغرب، مشاركا «2» في العلم، متبحّرا «3» في الفقه، كان وجيها عند الملوك، صحبهم، وحضر مجالسهم، واستعمل في السفارة، فلقيناه بغرناطة، وأخذنا بها عنه؛ تامّ السّراوة «4» ، حسن العهد، مليح المجالس، أنيق المحاضرة، كريم الطبع، صحيح المذهب.
تصانيفه: قيّد «5» على «المدوّنة» بمجلس شيخه القاضي «6» أبي الحسن كتابا مفيدا وضمّ أجوبته على المسائل في سفر، وشرح كتاب «الرسالة» شرحا عظيم الفائدة.
مشيخته: لازم «7» أبا الحسن الصغير، وهو كان قارىء كتب الفقه عليه، وجلّ انتفاعه في التفقّه به. وروى عن أبي زكريا بن أبي ياسين «8» ، قرأ عليه كتاب «الموطّأ» ، إلّا كتاب «المكاتب» ، وكتاب «المدبّر» ، فإنه سمعه بقراءة الغير، وعن أبي عبد الله بن رشيد، قرأ عليه «الموطأ» ، و «شفاء» عياض، وعن أبي الحسن بن عبد الجليل السّداري «9»
، قرأ عليه «الأحكام الصغرى» لعبد الحق، وأبي الحسن بن سليمان، قرأ عليه «رسالة ابن أبي زيد» ، وعن غيرهم.
وفاته: فلج بآخرة، فالتزم منزله بفاس يزوره السلطان فمن «10» دونه، وتوفي بعد عام ثمانية وأربعين وسبعمائة «11» .
إبراهيم بن محمد بن علي بن محمد ابن أبي العاصي التّنوخي
«12»
أصله من جزيرة طريف، ونشأ بغرناطة واشتهر.
حاله: من «عائد الصلة» : كان نسيج وحده حياء، وصدقة، وتخلّقا، ومشاركة، وإيثارا. رحل عند استيلاء العدو على جزيرة طريف، عام أحد وسبعين وستمائة، متحوّلا إلى مدينة سبتة، فقرأ بها واستفاد. وورد الأندلس، فاستوطن مدينة غرناطة، وكتب في الجملة عن سلطانها، وترقى معارج الرّتب، حالّا محالا، من غير اختلاف على فضله، ولا نزاع في استحقاقه، وأقرأ فنونا من العلم، بعد مهلك أستاذ الجماعة أبي جعفر بن الزبير، بإشارة منه به؛ وولّي الخطابة والإمامة بجامعها منتصف صفر عام ستة عشر وسبعمائة، وجمع بين القراءة والتدريس، فكان مقرئا للقرآن، مبرّزا في تجويده، مدرّسا للعربية والفقه، آخذا في الأدب، متكلّما في التفسير، ظريف الخط، ثبتا محققا لما ينقله. وألقى الله عليه من المحبة والقبول، وتعظيم الخلق له، ما لا عهد بمثله لأحد؛ بلغ من ذلك مبلغا عظيما، حتى كان أحبّ إلى الجمهور من أوصل أهلهم وآبائهم، يتزاحمون عليه في طريقه، يتمسّحون به، ويسعون بين يديه، ومن خلفه، ويتزاحم مساكينهم على بابه، قد عوّدهم طلاقة وجهه، ومواساته لهم بقوته، يفرّقه عليهم متى وجدوه، وربما أعجلوه قبل استواء خبزه، فيفرّقه عليهم عجينا، له في ذلك أخبار غريبة. وكان صادعا بالحق، غيورا على الدين، مخالفا لأهل البدع، ملازما للسّنّة، كثير الخشوع والتخلّق على علوّ الهمّة، مبذول المشاركة للناس والجدّ في حاجاتهم، مبتليا «1» بوسواس في وضوئه، يتحمل الناس من أجله مضضا في تأخير الصلوات ومضايقة أوقاتها.
مشيخته: قرأ ببلده على الخطيب القاضي المقرئ أبي الحسن عبيد الله بن عبد العزيز القرشي، المعروف بابن القارئ، من أهل إشبيلية، وقرأ بسبتة على الأستاذ إمام المقرئين لكتاب الله، أبي القاسم محمد بن عبد الرحمن بن الطيّب بن زرقون القيسي الضرير، نزيل سبتة، والأستاذ أبي إسحاق الغافقي المريوني، وقرأ على الشيخ الوزير أبي الحكم بن منظور القيسي الإشبيلي، وعلى الشيخ الراوية الحاج أبي عبد الله محمد بن الكتامي التلمساني بن الخضّار، وقرأ بغرناطة على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير، وأخذ عن أبي الحسن بن مستقور.
شعره: كان يقرض شعرا وسطا، قريبا من الانحطاط. قال شيخنا أبو بكر بن الحكيم «2» في كتابه المسمّى ب «الفوائد المنتخبة، والموارد المستعذبة» : كتب إليه
شيخنا وبركتنا أبو جعفر بن الزيّات في شأن شخص من أهل البيت النبوي بما نصّه:
[الخفيف]
رجل يدّعي القرابة للبي
…
ت وإنّ الثريّا منه بمعزل
سال «1» مني خطابكم وهو هذا
…
ولكم في القلوب أرفع منزل
فهبوه دعاءكم وامنحوني
…
منه حظّا ينمي الثواب ويجزل
وعليكم تحيّة الله مادا
…
م أمير الهدى يولّي ويعزل
فأجابه: [الخفيف]
يا إمامي ومن به قطركم ذا
…
ك وحادي البلاد أطيب منزل
لم أضع ما نظمتم من يدي حتى
…
أنيل الشّريف تحفة منزل
وحباه بكلّ منح جزيل
…
من غدا يمنح الثّواب ويجزل
دمتم تنشرون علما ثواب الله فيه لكم أعزّ وأجزل
تذكرون الله ذكرا كثيرا
…
وعليكم سكينة الله تنزل
وطلبتم منّي الدّعاء وإنّي
…
عند نفسي من الشروط بمعزل
لكن ادعو ولتدع لي برضا الله وأبدى فهم ذكر قد أنزل
وحديث الرسول صلّى عليه
…
كل وقت وربّ لنا الغيث ينزل
وعليكم تحيّتي كل حين
…
ما اطمأنّت بمكة أمّ معزل
قال: ومما أنشدني من نظمه أيضا في معرض الوصيّة للطلبة «2» : [الكامل]
اعمل بعلمك تؤت علما إنما
…
عدوى علوم المرء منح الأقوم «3»
وإذا الفتى قد نال علما ثم لم
…
يعمل به فكأنما «4» لم يعلم