المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بدر مولى عبد الرحمن بن معاوية الداخل - الإحاطة في أخبار غرناطة - جـ ١

[لسان الدين بن الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌القسم الأوّل في حلى المعاهد والأماكن والمنازل والمساكن

- ‌فصل في اسم هذه المدينة ووضعها على إجمال واختصار

- ‌فصل في فتح هذه المدينة ونزول العرب الشاميين من جند دمشق بها وما كانت عليه أحوالهم، وما تعلق بذلك من تاريخ

- ‌ذكر ما ينسب إلى هذه الكورة من الأقاليم التي نزلتها العرب بخارج غرناطة، وما يتصل بها من العمالة

- ‌فصل فيما اشتمل عليه خارج المدينة من القرى والجنّات والجهات

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فيمن تداول هذه المدينة من لدن أصبحت دار إمارة باختصار واقتصار

- ‌القسم الثاني في حلى الزّائر والقاطن والمتحرّك والسّاكن

- ‌أحمد بن خلف بن عبد الملك الغساني القليعي

- ‌أحمد بن محمد بن أحمد بن يزيد الهمداني اللخمي

- ‌أحمد بن محمد بن أضحى بن عبد اللطيف بن غريب ابن يزيد بن الشّمر بن عبد شمس بن غريب الهمداني الإلبيري

- ‌أحمد بن محمد بن أحمد بن هشام القرشي

- ‌أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى ابن عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن جزيّ الكلبي

- ‌أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي ابن محمد بن سعدة بن سعيد بن مسعدة بن ربيعة بن صخر ابن شراحيل بن عامر بن الفضل بن بكر بن بكّار بن البدر ابن سعيد بن عبد الله العامري

- ‌أحمد بن محمد بن أحمد بن قعنب الأزدي

- ‌أحمد بن محمد بن سعيد بن زيد الغافقي

- ‌أحمد بن أبي سهل بن سعيد بن أبي سهل الخزرجي

- ‌أحمد بن عمر بن يوسف بن إدريس بن عبد الله ابن ورد التميمي

- ‌أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن علي الأموي

- ‌أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن عميرة المخزومي

- ‌أحمد بن عبد الحق بن محمد بن يحيى ابن عبد الحق الجدلي

- ‌أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد ابن الصقر الأنصاري الخزرجي

- ‌أحمد بن أبي القاسم بن عبد الرحمن

- ‌أحمد بن إبراهيم بن الزّبير بن محمد بن إبراهيم بن الحسن ابن الحسين بن الزبير بن عاصم بن مسلم بن كعب الثّقفي

- ‌أحمد بن عبد الولي بن أحمد الرعيني

- ‌أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري

- ‌أحمد بن عبد النور بن أحمد بن راشد رحمه الله

- ‌أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن محمد ابن مصادف بن عبد الله

- ‌أحمد بن حسن بن باصة الأسلمي المؤقّت بالمسجد الأعظم بغرناطة

- ‌أحمد بن محمد بن يوسف الأنصاري

- ‌أحمد بن محمد الكرني

- ‌أحمد بن محمد بن أبي الخليل، مفرّج الأموي

- ‌أحمد بن عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن خلف ابن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن ابن عثمان بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن عمّار بن ياسر صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم

- ‌غريبة في أمره مع حفصة

- ‌أحمد بن سليمان بن أحمد بن محمد بن أحمد القرشي، المعروف بابن فركون

- ‌أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صفوان

- ‌أحمد بن أيوب اللّمائي

- ‌أحمد بن محمد بن طلحة

- ‌أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد ابن خاتمة الأنصاري

- ‌أحمد بن عباس بن أبي زكريا

- ‌أحمد بن أبي جعفر بن محمد بن عطيّة القضاعي

- ‌أحمد بن محمد بن شعيب الكرياني

- ‌أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن حسين بن علي بن سليمان بن عرفة اللخمي

- ‌أحمد بن علي الملياني

- ‌أحمد بن محمد بن عيسى الأموي

- ‌أحمد بن الحسن بن علي بن الزيّات الكلاعي

- ‌إبراهيم بن محمد بن مفرّج بن همشك

- ‌انخلاعه للموحدين عمّا بيده وجوازه للعدوة، ووفاته بها:

- ‌إبراهيم بن أمير المسلمين أبي الحسن بن أمير المسلمين أبي سعيد عثمان بن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب ابن عبد الحقّ

- ‌إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص عمر ابن يحيى الهنتاني، أبو إسحاق

- ‌إدبار أمره بهلاكه على يد الدّعيّ الذي قيّضه الله لهلاك حينه:

- ‌إبراهيم بن محمد بن أبي القاسم بن أحمد بن محمد ابن سهل بن مالك بن أحمد بن إبراهيم بن مالك الأزدي

- ‌إبراهيم بن فرج بن عبد البر الخولاني

- ‌إبراهيم بن يوسف بن محمد بن دهاق الأوسي

- ‌إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري

- ‌إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الساحلي

- ‌إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن أسد بن موسى ابن إبراهيم بن عبد العزيز بن إسحاق بن أسد بن قاسم النميري

- ‌إبراهيم بن خلف بن محمد بن الحبيب بن عبد الله بن عمر ابن فرقد القرشي العامري

- ‌إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبيدس بن محمود النفزي

- ‌إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي بكر التّسوليّ

- ‌إبراهيم بن محمد بن علي بن محمد ابن أبي العاصي التّنوخي

- ‌إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن محمد ابن أحمد بن محمد بن خميس بن نصر بن قيس الأنصاري الخزرجي

- ‌إسماعيل بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن نصر

- ‌الملوك على عهده

- ‌أبو بكر بن إبراهيم، الأمير أبو يحيى المسوفي الصحراوي

- ‌إدريس بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي، أمير المؤمنين، الملقب بالمأمون، مأمون الموحدين

- ‌تصيّر الأمر إليه، وجوازه إلى العدوة:

- ‌أسباط بن جعفر بن سليمان بن أيوب بن سعد السعدي سعد ابن بكر بن عفان الإلبيري

- ‌أسلم بن عبد العزيز بن هشام بن خالد بن عبد الله بن خالد ابن حسين بن جعفر بن أسلم بن أبان

- ‌أسد بن الفرات بن بشر بن أسد المرّي

- ‌أبو بكر المخزومي الأعمى الموروري المدوّري

- ‌أصبغ بن محمد بن الشيخ المهدي

- ‌أبو علي بن هدية

- ‌أم الحسن بنت القاضي أبي جعفر الطّنجالي

- ‌بلكّين بن باديس بن حبّوس بن ماكسن بن زيري ابن مناد الصّنهاجي

- ‌باديس بن حبّوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصّنهاجي

- ‌ذكر مقتل اليهودي يوسف بن إسماعيل بن نغرالة الإسرائيلي:

- ‌مكان باديس من الذكاء وتولّعه بالقضايا الآتية:

- ‌بكرون بن أبي بكر بن الأشقر الحضرمي

- ‌بدر مولى عبد الرّحمن بن معاوية الداخل

- ‌ثابت بن محمد الجرجاني ثم الأسترآباذي

- ‌جعفر بن أحمد بن علي الخزاعي

- ‌جعفر بن عبد الله بن محمد بن سيدبونة الخزاعي»

- ‌الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص القرشي الفهري

- ‌الحسن بن محمد بن الحسن النباهي الجذامي

- ‌حسن بن محمد بن حسن القيسي

- ‌حسن بن محمد بن باصة

- ‌الحسن بن محمد بن علي الأنصاري

- ‌الحسين بن عتيق بن الحسين بن رشيق التغلبي

- ‌حبّوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصّنهاجي

- ‌الحكم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن ابن معاوية

- ‌الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك بن مروان بن أمية

- ‌حكم بن أحمد بن رجا الأنصاري

- ‌حاتم بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله ابن سعيد بن الحسين بن عثمان بن سعيد بن عبد الملك ابن سعيد بن عمّار بن ياسر

- ‌حباسة بن ماكسن بن زيري بن مناد الصّنهاجي

- ‌حبيب بن محمد بن حبيب

- ‌حمدة بنت زياد المكتّب

- ‌حفصة بنت الحاج الرّكوني

- ‌الخضر بن أحمد بن الخضر بن أبي العافية

- ‌خالد بن عيسى بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي

- ‌داود بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن بن سليمان ابن عمر بن حوط الله الأنصاري الحارثي الأندي

- ‌رضوان النّصري الحاجب المعظّم

- ‌ترتيب خدمته وما تخلّل عن ذلك من محنته:

- ‌منصرفه عن الأندلس:

- ‌زهير العامريّ، فتى المنصور بن أبي عامر

- ‌طلحة بن عبد العزيز بن سعيد البطليوسي وأخواه أبو بكر وأبو الحسن بنو القبطرنة

- ‌محمد بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن نصر

- ‌محمد بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف ابن محمد بن أحمد بن خميس بن نصر الخزرجي

- ‌من كان على عهده من الملوك بأقطار المسلمين والنصارى:

- ‌محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد ابن محمد بن نصر بن قيس الخزرجي

- ‌ما نقل عنه من الفظاظة والقسوة

- ‌من كان على عهده من الملوك بالأقطار

- ‌محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد ابن خميس بن نصر الأنصاري الخزرجي

- ‌من كان على عهده من الملوك:

- ‌ومن الأحداث في أيامه:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌بدر مولى عبد الرحمن بن معاوية الداخل

تغيّرت أشكالها وقسّم التملّك جنّاتها، ومع ذلك فمعاهدها إليه منسوبة، وأخباره متداولة.

وقد ألمعت في بعض مشاهده بقولي من قصيدة، غريبة الأغراض، تشتمل على فنون، أثبتها إحماضا وفكاهة، لمن يطالع هذا الكتاب، وإن لم يكن جلبها ضروريّا فيه، فمنها «1» :[الطويل]

عسى خطرة «2» بالرّكب يا حادي العيس

على الهضبة الشّمّاء من قصر باديس

‌بكرون بن أبي بكر بن الأشقر الحضرمي

يكنى أبا يحيى.

حاله: كان من ذوي الأصالة ومشايخ الجند، فارسا نجدا حازما سديد الرأي، مسموع القول، شديد العضلة «3» ، أيّدا «4» ، فحلا وسيما، قائدا عند الجند الأندلسي، في أيام السلطان ثاني ملوك بني نصر، من أحفل ما كان الأمر، يجرّ وراءه دنيا عريضة، وجبى الجيش على عهده مغانم كثيرة.

قال شيخنا ابن شبرين في تذكرة ألفيتها بخطه: كان له في الخدمة مكان كبير، وجاه عريض، ثم صرفه الأمر عن رسمه، وأنزله الدهر عن حكمه، تغمّدنا الله وإياه برحمته.

وفاته: في عام أربعة عشر وسبعمائة، ودفن بمقبرة قومه بباب إلبيرة.

‌بدر مولى عبد الرّحمن بن معاوية الداخل

يكنى أبا النصر، رومي الأصل.

حاله: كان شجاعا داهية، حازما فاضلا، مصمّما تقيّا، علما من أعلام الوفاء.

لازم مولاه في أعقاب النكبة، وصحبه إلى المغرب الأقصى، مختصّا به ذابّا عنه، مشتملا عليه، وخطب له الأمر بالأندلس، فتمّ له بما هو مذكور.

ص: 246

قال أبو مروان في المقتبس: إن عبد الرّحمن لمّا شرّده الخوف إلى قاصية المغرب، وتنقّل بين قبائل البربر، ودنا من ساحل الأندلس- وكان بها همّه- يستخبر من قرب، فعرف أن بلادها مفترقة بفرقتي المضرية واليمانية، فزاد ذلك في أطماعه، فأدخل إليهم بدرا مولاه يحسّس عن خبرهم، فأتى القوم ويلي ما عندهم، فداخل اليمانيين منهم، وقد عصفت ريح المضريين بظهور بني العباس بالمشرق، فقال لهم:

ما رأيكم في رجل من أهل الخلافة يطلب الدولة بكم، فيقيم أودكم ويدرّككم آمالكم؟ فقالوا: ومن لنا به في هذه الديار، فقال بدر: ما أدناه منكم، وأنا الكفيل لكم به، هذا فلان بمكان كذا وكذا يقدّمنّ نفسه فقالوا: فجىء به أهلا، إنّا سراع إلى طاعته، وأرسلوا بدرا بكتبهم يستدعونه، فدخل إليه بأيمن طائر، واستجمع إليه خلق كثير من أنصاره قاتل بهم يوسف الفهري، فقهره لأول وقائعه، وأخذ الأندلس منه وأورثها عقبه.

محنته: قال الراوي: وكان من أكبر من أمضى عليه عبد الرحمن بن معاوية حكم سياسته وقوّمه معدلته، مولاه بدر المعتق منه بكل ذمّة محفوظة، الخائض معه لكل غمرة مرهوبة، وكل ذلك لم يغن عنه نقيرا لما أسلف في إدلاله عليه، وكثير من الانبساط لحرمته، فجمع مركب تحامله حتى أورده ألما يضيق الصدر عنه، وآسف أميره ومولاه، حتى كبح عنانه عن نفسه بعد ذلك كبحة أقعى بها أو شارف حمامه، لولا أن أبقى الأمير على نفسه التي لم يزل مسرفا عليها. قال: فانتهى في عقابه لمّا سخط عليه أن سلب نعمته، وانتزع دوره وأملاكه وأغرمه على ذلك كله أربعين ألفا من صامته، ونفاه إلى الثّغر، فأقصاه عن قربه، ولم يقله العثرة، إلى أن هلك، فرفع طمع الهوادة عن جميع ثقله وخدمته، وصيّر خبره مثلا في الناس بعده.

تاشفين بن علي بن يوسف أمير المسلمين «1» بعد أبيه بالعدوة

صالي حروب الموحدين.

أوّليّته: فيما يختصّ به التعريف بأوّليّة قومه، ينظر في اسم أبيه وجدّه إن شاء الله. قال ابن الورّاق في كتاب المقياس وغيره «2» : وفي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، ولّى الأمير علي بن يوسف أمير لمتونة، الشهير بالمرابط، ولده الأمير

ص: 247

المسمّى بسير عهده من بعده. وجعل له الأمر في بقية حياته؛ ورأى أن يولي ابنه تاشفين الأندلس، فولّاه مدينة «1» غرناطة، وألمريّة ثم قرطبة مضافة إلى ما بيده.

قلت: وفي قولهم رأي أن يولّى الأندلس فولّاه مدينة غرناطة، شاهد كبير على ما وصفناه من شرف هذه المدينة؛ فنظر في مصالحها، وظهر له بركة في النصر على العدو، وخدمه الجدّ الذي أسلمه. وتبرّأ منه في حروبه مع الموحّدين حسبما يتقرّر في موضعه، فكانت له على النصارى وقائع عظيمة بعد لها الصّيت، وشاع الذّكر حسبما يأتي في موضعه. قال: فكبر ذلك على أخيه سير وليّ عهد أبيه، وفاوض أباه في ذلك وقال له: إن الأمر الذي أهّلتني إليه «2» لا يحسن لي مع تاشفين، فإنه قد حمل الذكر والثّناء دوني، وغطّى على اسمي، وأمال إليه جميع أهل «3» المملكة، فليس لي معه اسم ولا ذكر، فأرضاه بأن عزله عن الأندلس وأمره بالوصول إلى حضرته، فرحل عن الأندلس في أواسط سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة ووصل مرّاكش، وصار من جملة من يتصرّف بأمر أخيه سير ويقف ببابه كأحد حجّابه؛ فقضى الله وفاة الأمير سير على الصورة القبيحة حسبما يذكر في اسمه، وثكله أبوه واشتدّ جزعه عليه، وكان عظيم الإيثار والإرضاء لأمّه قمر، وهي «4» التي تسبّبت في عزل تاشفين وإخماله نظرا إلى ابنها، فقطع المقدار بها عن أملها بهلاكه.

ولمّا توفي الأمير سير، أشارت الأمّ المذكورة على أبيه بتقديم ولده إسحاق، وكان رؤوما لها، قد تولّت تربيته عند هلاك أمّه وتبنّته، فقال لها: هو صغير السّن لم يبلغ الحلم؛ ولكن حتى أجمع الناس في المسجد خاصّة وعامّة، وأخبرهم فإن صرفوا الخيار إليّ، فعلت ما أشرت به. فجمع الناس وعرض عليهم الأمر؛ فقالوا كلهم في صوت واحد: تاشفين، فلم توسعه السياسة مخالفتهم؛ فعقد له الولاية بعده ونقش اسمه في الدنانير والدراهم مع اسمه، وقلّده النظر في الأمور السلطانية، فاستقرّ بذلك. وكتب إلى العدوة والأندلس وبلاد المغرب ببيعته، فوصلت البيعات من كل جهة. ثم رمى به جيوش الموحّدين الخارجين عليه، فنبا جدّه ومرضت أيامه، وكان الأمر عليه لا له، بخلاف ما صنع الله له بالأندلس.

ص: 248

قال أبو مروان الورّاق «1» : وكان «2» أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين قد أمل في ابنه تاشفين ما لم تكن الأقدار تساعده به، فتشاءم به وعزم على خلعه وصرف عهده إلى إسحاق «3» ولده الأصغر، ووجّه إلى عامله على إشبيلية عمر «4» ، أن يصل إليه ليجعله شيخ ابنه، إلى أن وافاه خبر أمضّه وأقلقه ولم يمهله، فأزعج تاشفين إلى عدوّه على غير أهبة بتفويضه إياه، وصرف المدد في إثره، وتوفي لسبع خلون من رجب سنة سبع وثلاثين «5» لفعله ذلك.

ملكه ووصف حاله: فأفضى إليه ملك أبيه، بتفويضه إياه في حياته، لسبع خلون من رجب سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وكان بطلا شجاعا حسن الرّكبة والهيئة، سالكا ناموس الشريعة، مائلا إلى طريقة المستقيمين، وكتب المريدين؛ قيل إنه لم يشرب قطّ مسكرا ولا استمع إلى قينة، ولا اشتغل بلذّة ممّا يلهو به الملوك.

الثّناء عليه: قال ابن الصيرفي «6» : وكان بطلا شجاعا، أحبّه الناس، خواصّهم وعوامّهم، وحسنت سياسته فيهم، وسدّ الثّغور، وأذكى «7» على العدو العيون، وآثر الجند، ولم يكن منه إلّا الجدّ، ولم تنل عنده الحظوة «8» ، إلّا بالعناء والنجدة. وبذلك حمل على الخيل، وقلّد الأسلحة، وأوسع الأرزاق، واستكثر من الرّماة «9» وأركبهم وأقام همّتهم «10» للاعتناء بالثغور ومباشرة الحرب، ففتح الحصون وهزم الجيوش وهابه العدو. ولم ينهض إلا ظاهرا ولا صدر إلّا ظافرا. وملك الملك ومهد بالحزم وتملّك «11» نفوس الرعيّة بالعدل «12» ، وقلوب الجند بالنّصفة. ثم قال: ولولا الاختصار الذي اشترطناه لأوردنا من سنى خلاله ما يضيق عنه الرّحب، ولا يسعه الكتب.

دينه: قال المؤرّخ: عكف على زيارة قبر أبي وهب الزاهد بقرطبة، وصاحب أهل الإرادة، وكان وطئ الأكناف «13» ، سهل الحجاب، يجالس الأعيان ويذاكرهم.

ص: 249

قال ابن الصيرفي: ولمّا قدم غرناطة أقبل على صيام النهار، وقيام الليل، وتلاوة القرآن، وإخفاء الصّدقة، وإنشاء العدل، وإيثار الحق.

دعابته: قالوا: مرّ يوما بمرج القرون، من أحواز قلعة يحصب، فقال لزمّال من عبيده كان يمازحه: هذا مرجك؛ فقال الزمّال: ما هو إلّا مرجك ومرج أبيك، وأما أنا فمن أنا؟ فضحك وأعرض عنه.

دخوله غرناطة: قالوا «1» : وفي عام ثلاثة وعشرين وخمسمائة، ولّي الأمير أبو محمد تاشفين بن أمير المسلمين عليّ بن أمير المسلمين يوسف، ووافاها في السابع عشر «2» لذي حجة؛ فقوّى الحصون وسدّ الثغور وأذكى العيون «3» ، وعمد إلى رحبة القصر، فأقام بها السقائف والبيوت، واتخذها لخزن السلاح ومقاعد الرجال، وضرب السّهام؛ وأنشأ السّقي، وعمل التّراس، ونسج الدّروع، وصقل البيضات والسيوف، وارتبط الخيل، وأقام المساجد في الثغور، وبنى لنفسه مسجدا بالقصر، وواصل الجلوس للنظر في الظّلامات، وقراءة الرّقاع، وردّ الجواب؛ وكتب التوقيعات، وأكرم الفقهاء والطلبة، وكان له يوم في كل جمعة، يتفرّغ فيه للمناظرة.

وزراؤه: قال أبو بكر: وقرن الله به ممّن ورد معه، الزبير بن عمر اللّمتوني، ندرة الزمان كرما وبسالة، وحزما وأصالة، فكان كما جاء في الحديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم:«من ولّي شيئا من أمور المسلمين فأراد الله به خيرا، جعل الله له بطانة خير، وجعل له وزيرا صالحا، إن نسي شيئا ذكّره، وإن ذكره أعانه» .

عمّاله: الوزير أبو محمد الحسين بن زيد بن أيوب بن حامد بن منحل بن يزيد.

كتّابه: الرئيس العالم أبو عبد الله بن أبي الخصال، والكاتب المؤرّخ أبو بكر الصيرفي وغيرهما «4» .

ومن أخبار جهاده: خرج «5» الأمير تاشفين في رمضان عام أربعة وعشرين وخمسمائة بجيش غرناطة ومطوعتها، واتصل به جيش قرطبة إلى حصن السّكّة من عمل طليطلة، وقد اتخذه العدو ركابا لإضراره بالمسلمين، وشحنه وجمّ به شوكة

ص: 250

حادّة بقومس مشهور؛ فأحدق به، ونشر الحرب عليه، فافتتحه عنوة وقتل من كان به؛ وأحيا قائده «فرند» ومن معه من الفرسان، وصدر إلى غرناطة، فبرز له الناس بروزا لم يعهد مثله. وفي شهر صفر من عام خمسة وعشرين أوقع بالعدو المضيق على أوّليته. وفي ربيع الأول من عام ستة وعشرين، تعرّف خروج عدو طليطلة إلى قرطبة؛ فبادر الأمير تاشفين إلى قرطبة، ثم نهد «1» إلى العدو في خفّ، وترك السيقة والثقل بأرجونة. وقد اكتسح العدوّ بشنت إشطبين «2» والوادي الأحمر.

وأسرى الليل، وواصل الركض، وتلاحق بالعدو بقرية براشة. فتراءى الجمعان صبحا، وافتضح الجيش، ونشرت الرّماح والرّايات، وهدرت الطبول، وضاقت المسافة، وانتبذ العدو عن الغنيمة؛ والتفّ الجمع، فتقصرت الرّماح، ووقعت المسابقة، ودارت الحرب على العدو، وأخذ السيف مأخذه، فأتى القتل على آخرهم، وصدر إلى غرناطة ظافرا. وفي «3» آخر هذا العام خرج العدو «للنمط» وقد احتفل في جيشه إلى بلاد الإسلام، فصبح إشبيلية يوم النصف من رجب، وبرز إليه الأمير أبو حفص عمر بن علي بن الحاج، فكانت به الدّبرة «4» في نفر من المسلمين استشهد جميعهم؛ ونزل العدو على فرسخين من المدينة فجلّلها نهبا وغارة؛ فقتل عظيما، وسبى عظيما؛ وبلغ الخبر الأمير تاشفين، فطوى المراحل، ودخل إشبيلية، وقد أسرّها؛ واستؤصلت باديتها، وكثر بها التأديب والتنكيل فأخذ أعقاب العدو، وقد قصد ناحية بطليوس وباجة ويابرة في ألف «5» عديده من أنجاد الرجال، ومشهور الأبطال، فراش جولا عهدا بالرّوع، فظفر بما لا يحصيه أحد، ولا يقع عليه عدد؛ وانثنى على رسل لثقل «6» السيقة، وثقته ببعد الصّارخ «7» ، وتجشمت بالأمير تاشفين الأدلاء كل ذروة وثنيّة، وأفضى به الإعداد «8» إلى فلاة بقرب الزّلاقة، وهو المهيع الذي يضطر العدو إليه، ولم يكن إلّا كلّا ولا، حتى أقبلت الطلائع منذرة بإقبال العدوّ، والغنيمة في يده قد ملأت الأرض؛ فلما تراءى

ص: 251

الجمعان، واضطربت «1» المحلات، ورتبت المراكب فأخذت مصافّها، ولزمت الرجال مراكبها»

، فكان القلب مع الأمير ووجوه المرابطين وأصحاب الطاعات؛ وعليه البنود الباسقات، مكتّبة «3» بالآيات، وفي المجتبين «4» كبار الدولة من أبطال الأندلس، عليهم حمر الرّايات بالصور الهائلة «5» ، وفي الجناحين أهل الثغر والأوشاب من أهل الجلادة، عليهم الرّايات المرقّعات بالعذبات المجزّعات. وفي المقدمة مشاهير زناته ولفيف الحشم بالرايات المصبغات المنبّقات «6» . والتقى الجمعان، ونزل الصبر، وحميت النفوس، واشتدّ الضرب والضراب وكثرت الحملات؛ فهزم الله الكافرين، وأعطوا رقابهم مدبرين، فوقع القتل، واستلحم العدوّ السيف، واستأصله الهلاك والأسار؛ وكان فتحا جليلا لا كفاء له، وصدر الأمير تاشفين ظافرا إلى «7» بلده في جمادى من هذا العام. ولو ذهبنا لاستقصاء حركات الأمير تاشفين وظهوره لاستدعى ذلك طولا كثيرا.

بعض ما مدح به: فمن ذلك «8» : [الكامل]

أمّا وبيض الهند عنك خصوم

فالرّوم تبذل ما ظباك تروم

تمضي سيوفك في العدا ويردّها

عن نفسه حيث الكلام وخيم «9»

وهذه القصائد قد اشتملت على أغراضها الحماسية، والملك سوق يجلب إليها ما ينفق عندها.

وفاته: قد تقدّم انصرافه عن الأندلس سنة إحدى وثلاثين وخمسماية، وقيل:

سنة اثنتين «10» ، واستقراره بمرّاكش مرءوسا لأخيه سير، إلى أن أفضى إليه الأمر بعد أبيه. قال: واستقبل تاشفين مدافعة جيش أمير الموحدين، أبي محمد عبد المؤمن بن

ص: 252