الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو الوليد بن رشد الأجر، وتجشّم المجاز «1» ، ولحق بالأمير علي بن يوسف بن تاشفين بمرّاكش، فبيّن له أمر الأندلس، وما منيت «2» به من معاهدها، وما جنوه عليها من استدعاء الرّوم، وما في ذلك من نقض العهد، والخروج عن الذّمة، وأفتى بتغريبهم، وإجلائهم عن «3» أوطانهم وهو أخفّ ما يؤخذ به من عقابهم؛ وأخذ بقوله، ونفّذ بذلك عهده، وأزعج منهم إلى برّ العدوة، في رمضان من العام المذكور، عدد جمّ، أنكرتهم الأهواء، وأكلتهم الطرق، وتفرّقوا شذر مذر، وأصاب كثير من الجلاء جمعتهم من اليهود؛ وتقاعدت بها منهم طائفة، هبّت لها بممالأة بعض الدول ريح، فأمّروا وأكثروا إلى عام تسعة وخمسين وخمسمائة، ووقعت فيهم وقيعة احتشّتهم، إلّا صابة «4» لهذا العهد قليلة، قديمة المذلّة، وحالفت الصّغار. جعل الله العاقبة لأوليائه.
ذكر ما ينسب إلى هذه الكورة من الأقاليم التي نزلتها العرب بخارج غرناطة، وما يتصل بها من العمالة
فصل فيما اشتمل عليه خارج المدينة من القرى والجنّات والجهات
قال المؤلّف رحمه الله: ويحفّ «5» بسور هذه المدينة المعصومة بدفاع الله تعالى، البساتين العريضة المستخلصة، والأدواح الملتفّة، فيصير سورها من خلف ذلك كأنّه من دون سياج كثيفة، تلوح نجوم الشّرفات «6» أثناء خضرائه، ولذلك ما قلت فيه في بعض الأغراض «7» :[الكامل]
بلد تحفّ «8» به الرّياض كأنّه
…
وجه جميل والرّياض عذاره
وكأنّما واديه معصم غادة
…
ومن الجسور المحكمات سواره
فليس تعرى عن جنباته من الكروم والجنّات جهة، إلّا ما لا عبرة به مقدار غلوة، أما ما حازه السّفل من جوفيه، فهي عظيمة الخطر، متناهية القيم، يضيق جدّه
من عدا أهل الملك، عن الوفاء بأثمانها، منها ما يغلّ في السنة الواحدة نحو الألف من الذّهب، قد غصّت الدكاكين بالخضر الناعمة، والفواكه الطيّبة، والثمر المدّخرة، يختصّ منها بمستخلص السلطان «1» ، المرور طوقا على ترائب بلده ما بينهن منية؛ منها الجنّة «2» المعروفة بفدّان الميسة، والجنة المعروفة بفدّان عصام، والجنة المعروفة بالمعروي، والجنة إلى المنسوبة إلى قدّاح بن سحنون، والجنة المنسوبة لابن المؤذّن، والجنة المنسوبة لابن كامل، وجنة النّخلة العليا، وجنة النخلة السفلى، وجنة ابن عمران، والجنة التي إلى نافع، والجرف الذي ينسب إلى مقبل، وجنّة العرض، وجنة الحفرة، وجنة الجرف، ومدرج نجد، ومدرج السّبيكة «3» ، وجنّة العريف «4» : كلها لا نظير لها في الحسن والدّمانة «5» والربيع، وطيب التربة، وغرقد «6» السّقيا، والتفاف الأشجار، واستجادة الأجناس، إلى ما يجاورها ويتخلّلها، ممّا يختصّ بالأحباس الموقفة، والجنّات المتملّكة، وما يتصل بها بوادي سنجيل ما يقيّد الطّرف، ويعجز الوصف، قد مثلث منها على الأنهار المتدافعة العباب، المنارة والقباب، واختصّت من أشجار العاريات ذات العصير الثاني بهذا الصّقع، ما قصرت عنه الأقطار. وهذا الوادي من محاسن هذه الحضرة، ماؤه رقراق من ذوب الثلج، ومجاجة الجليد، وممرّه على حصى جوهرية، بالنبات والظّلال محفوفة، يأتي من قبلة علام البلد إلى غربه، فيمرّ بين القصور النّجدية، ذوات المناصب الرفيعة، والأعلام الماثلة.
ولأهل الحضرة بهذه الجنّات كلف، ولذوي البطالة فوق نهره أريك من دمث الرمل، وحجال من ملتفّ الدّوح، وكان بها سطر من شجر الحور؛ تنسب إلى مامل «7» ، أحد خدّام الدولة الباديسية، أدركنا المكان، يعرف بها.
قال أبو الحجاج يوسف بن سعيد بن حسّان: [الطويل]
أحنّ إلى غرناطة كلما هفّت
…
نسيم الصّبا تهدى الجوى وتشوق
سقى الله من غرناطة كل منهل
…
بمنهل سحب ماؤهنّ هريق
ديار يدور الحسن بين خيامها
…
وأرض لها قلب الشّجيّ مشوق
أغرناطة العليا بالله خبّري
…
أللهائم الباكي إليك طريق؟
وما شاقني إلا نضارة منظر
…
وبهجة واد للعيون تروق
تأمّل إذا أمّلت حوز مؤمّل
…
ومدّ من الحمرا عليك شقيق
وأعلام نجد والسّبيكة قد علت
…
وللشّفق الأعلى تلوح بروق
وقد سلّ شنّيل «1» فرندا مهنّدا
…
نضى فوق درّ ذرّ فيه عقيق
إذا نمّ منه طيب نشر أراكه
…
أراك فتيت المسك وهو فتيق
ومهما بكى جفن الغمام تبسّمت
…
ثغور أقاح للرّياض أنيق
ولقد ولعت الشعراء بوصف هذا الوادي، وتغالت الغالات فيه، في تفضيله على النيل بزيادة الشّين «2» ، وهو ألف من العدد، فكأنه نيل بألف ضعف، على عادة متناهي الخيال الشعري؛ في مثل ذلك.
ولقد ألغزت فيه لشيخنا أبي الحسن بن الجيّاب «3» ، رحمه الله، وقد نظم في المعنى المذكور ما عظم له استطرابه وهو:[البسيط]
ما اسم إذا زدته ألفا من العدد
…
أفاد معناه لم ينقص ولم يزد