الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرضت فلم تأو النّفوس لراحة
…
ولا كان للدّنيا قرار وتمهيد
ولم تستطع عيني تراك مؤلّما «1»
…
ولازمها طول اعتلالك تسهيد
وشعره مختلف عن نمط الإجادة التي تناسب محلّه في العلم، وطبقته في الإدراك فاختصرته.
مولده: عام تسعة وأربعين وستمائة.
وفاته: في السادس عشر لذي القعدة عام تسعة وعشرين وسبعمائة. ذكرته في كتاب «عائد الصّلة» قاضيا، وفي كتاب «التّاج المحلى» قاضيا أديبا. وذكره أبو بكر بن الحكيم «2» في كتاب «الفوائد المستغربة، والموارد المستعذبة» من تأليفه.
أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن يحيى ابن عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن جزيّ الكلبي
«3»
من أهل غرناطة، ويعرف بابن جزيّ. أوليّته معروفة، وأصالته شهيرة، تنظر فيما مرّ من ذلك عند ذكر سلفه، وفيما يأتي في ذلك، بحول الله وقوته.
حاله: من أهل الفضل والنّزاهة، والهمّة، وحسن السّمة، واستقامة الطّريقة، غرب في الوقار، ومال إلى الانقباض، وترشّح إلى رتب سلفه. له مشاركة حسنة في فنون، من فقه وعربيّة، وأدب، وحفظ، وشعر، تسمو ببعضه الإجادة، إلى غاية بعيدة.
مشيخته: قرأ على والده الخطيب أبي القاسم، ولازمه، واستظهر ببعض موضوعاته، وتأدّب به؛ وقرأ على بعض معاصري أبيه، وروى، واستجلب له أبوه كثيرا من أهل صقعة وغيرهم.
نباهته: ثم أرسم في الكتابة السلطانية لأوّل دولة السابع من الملوك النّصريين، منفق سوق الحلية من أبناء جنسه، أبي الحجاج بن نصر، فورى زنده، ودرّت أحلاب قريحته، وصدر له في مدائحه شعر كثير. ثم تصرّف في الخطط الشّرعية، فولّي القضاء ببرجة، ثم بأندرش، وهو الآن قاضي مدينة وادي آش، مشكور السّيرة،
معروف النّزاهة، أعانه ذلك وسوّده، وبلغ به رتبة سلفه. وجرى ذكره في كتاب التّاج بما نصّه:
فديتك يا سيّدي مثلما
…
فداك الزمان الذي زنته
وقوله في المقطوعات من ذلك في معنى التورية «2» : [الخفيف]
كم بكائي لبعدكم وأنيني «3»
…
من ظهيري على الأسى من معيني
جرّح «4» الخدّ دمع عيني ولكن
…
عجب «5» أن يجرّح ابن معين
وقال في الغنى «6» : [الطويل]
أرى الناس يولون الغنيّ كرامة
…
وإن لم يكن أهلا لرفعة مقدار
ويلوون عن وجه الفقير وجوههم
…
وإن كان أهلا أن يلاقى بإكبار
بنو الدّهر جاءتهم أحاديث جمّة
…
فما صحّحوا إلّا حديث ابن دينار «7»
ومن بديع ما صدر عنه، قوله ينسج على منوال امرئ القيس في قصيدته الشهيرة «8» :[الطويل]
أقول لحزمي «9» أو لصالح أعمالي
…
(ألا عم صباحا أيها الطّلل البالي)
أما واعظي شيب سما فوق لمّتي
…
(سموّ حباب الماء حالا على حال)
أنار به ليل الشّباب كأنه
…
(مصابيح رهبان تشبّ لقفّال)
نهاني عن غيّ وقال منبّها
…
(ألست ترى السّمّار والناس أحوالي) ؟
يقولون غيّره لتنعم برهة
…
(وهل يعمن «1» من كان في العصر الخالي) ؟
أغالط «2» دهري وهو يعلم أنني
…
(كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي)
ومؤنس نار الشّيب يقبح لهوه
…
(بآنسة كأنّها خطّ تمثال)«3»
أشيخا وتأتي فعل من كان عمره
…
(ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال)
وتشغفك الدّنيا وما إن شغفتها
…
(كما شغف المهنوءة الرجل الطّالي)
ألا إنّها الدنيا إذا ما اعتبرتها
…
(ديار لسلمى عافيات بذي خال)
فأين الذين استأثروا قبلنا بها
…
(لناموا فما إن من حديث ولا صال)
ذهلت بها غيّا «4» فكيف الخلاص من
…
(لعوب تنسّيني إذا قمت سربالي)
وقد علمت مني مواعيد توبتي
…
(بأنّ الفتى يهذي وليس بفعّال)
ومذ وثقت نفسي بحبّ محمد
…
(هصرت بغصن ذي شماريخ «5» ميّال)
وأصبح شيطان الغواية خاسئا
…
(عليه قتام «6» سيّء الظّنّ والبال)
ألا ليت شعري هل تقول عزائمي
…
(لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال)
فأنزل دارا للنّبيّ «7» نزيلها
…
(قليل هموم ما يبيت بأوجال)
فطوبى لنفس جاورت خير مرسل
…
(بيثرب أدنى دارها نظر عالي)
ومن «8» ذكره عند القبول تعطّرت
…
(صبا وشمأل في منازل قفّال)
جوار رسول الله مجد مؤثّل
…
(وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي)
ومن «9» ذا الذي يثني عنان السّرى وقد
…
(كفاني، ولم أطلب، قليلا من المال)
ألم تر أنّ الظّبية استشفعت به
…
(تميل عليه هونة غير مجفال)
وقال لها عودي فقالت له نعم
…
(ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي)
فعادت إليه والهوى قائل لها
…
(وكان عداء الوحش مني على بالي)
رثى «1» لبعير قال أزمع مالكي
…
(ليقتلني والمرء ليس بفعّال)
وثور ذبيح بالرسالة شاهد
…
(طويل القرا «2» والرّوق أخنس ذيّال)
وحنّ إليه الجذع حنّة عاطش
…
(لغيث من الوسميّ رائده خالي)
وأصلين من نخل قد التأما له
…
(فما «3» احتبسا من لين مسّ وتسهال)
وقبضة «4» ترب منه ذلّت لها الظّبا
…
(ومسنونة زرق كأنياب أغوال)
وأضحى ابن جحش بالعسيب مقاتلا
…
(وليس بذي رمح وليس بنبّال)
وحسبك من سيف «5» الطّفيل إضاءة
…
(كمصباح زيت في قناديل ذبّال)
وبذّت «6» به العجفاء كلّ مطهّم
…
(له حجبات مشرفات على الفال)
ويا خسف أرض تحت باغيه إذ علا
…
(على هيكل نهد الجزارة جوّال)
وقد أخمدت نار لفارس طالما
…
(أصابت غضى جزلا وكفّت بأجزال)«7»
أبان سبيل الرّشد إذ سبل الهدى
…
(يقلن لأهل الحلم ضلّا بتضلال)
لأحمد خير العالمين انتقيتها
…
(ورضت «8» فذلّت صعبة أيّ إذلال)
وإنّ رجائي أن ألاقيه غدا
…
(ولست بمقليّ الخلال ولا قالي)
فأدرك آمالي وما كلّ آمل
…
(بمدرك أطراف الخطوب ولا والي)«9»
ولا خفاء ببراعة هذا النّظم، وإحكام هذا النّسج، وشدّة هذه العارضة. وله تقييد في الفقه على كتاب والده، المسمّى بالقوانين الفقهية، ورجز في الفرائض يتضمّن العمل. وإحسانه كثير. وتقدم قاضيا بحضرة غرناطة، وخطيبا بمسجد السلطان، ثامن شوّال من عام ستين وسبعمائة. ثم انصرف عنها، وأعيد إليها في عام ثلاثة «10» وستين، موصوفا بالنّزاهة والمضاء.
مولده: في الخامس عشر من جمادى الأولى عام خمسة عشر وسبعمائة، وهو الآن بقيد الحياة.