الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبالمختار للناس اقتداء
…
وقد حضر الوليمة والعقيقه
وغير غريبة أن رقّ حرّ
…
على من حاله مثلي رقيقه
وإمّا زاجر الورع اقتضاها
…
ويأبى ذاك دكان الوثيقه
وغشيان المنازل لاختبار
…
يطالب بالجليلة والدّقيقه
شكرت مخيلة كانت مجازا
…
لكم وحصلت بعد على الحقيقه
وتفرّع الكلام على قولي: «ويأبى ذاك دكان الوثيقه» ، بما دعي إلى بيانه بتصنيفي فيه الكتاب المسمّى «بمثلى الطريقة في ذمّ الوثيقه» .
دخوله غرناطة: في عام اثنين وستين وسبعمائة، موجّها من قبل سلطان المغرب أبي سالم بن أبي الحسن لمباشرة صدقة عهد بها لبعض الرّبط «1» ؛ وهو إلى الآن، عدل بمدينة فاس، بحال تجلّة وشهرة. ثم تعرّفت أنه نسك ورفض العيش من الشهادة ككثير من الفضلاء.
أحمد بن إبراهيم بن الزّبير بن محمد بن إبراهيم بن الحسن ابن الحسين بن الزبير بن عاصم بن مسلم بن كعب الثّقفي
«2»
يكنى أبا جعفر.
أوّليته: كعب الذي ذكر، هو كعب بن مالك بن علقمة بن حباب بن مسلم بن عدي بن مرّة بن عوف بن ثقيف؛ أصله من مدينة جيّان، منزل قنّسرين، من العرب الداخلين إلى الأندلس؛ ونسبه بها كبير، وحسبه أصيل، وثروته معروفة. خرج به أبوه عند تغلّب العدوّ عليها عام ثلاثة وأربعين وستمائة، ولأبيه إذ ذاك إثراء وجدة أعانته على طلب العلم، وإرفاد «3» من أحوجته الأزمة في ذلك الزمان من جالية العلماء عن قرطبة وإشبيلية كأبي الحسن الصائغ وغيره، فنصحوا له، وحطبوا في حبله.
حاله: كان خاتمة المحدّثين، وصدور العلماء والمقرئين، نسيج وحده، في حسن التعليم، والصبر على التّسميع، والملازمة للتدريس، لم تختلّ له، مع تخطّي
الثمانين، ولا لحقته سآمة، كثير الخشوع والخشية، مسترسل العبرة، صليبا في الحق، شديدا على أهل البدع، ملازما للسّنّة، جزلا، مهيبا، معظّما عند الخاصّة والعامّة، عذب الفكاهة، طيّب المجالسة، حلو النّادرة، يؤثر عنه في ذلك حكايات، لا تخلّ بوقار، وتحلّ بجلال منصب.
فنونه: إليه انتهت الرّياسة بالأندلس في صناعة العربية، وتجويد القرآن، ورواية الحديث، إلى المشاركة في الفقه، والقيام على التّفسير، والخوض في الأصلين.
مشيخته: أخذ عن الجلّة المقرئين، كالمقرئ أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن مستقور «1» الغرناطي الطائي.
نباهته وخططه: ولّي قضاء المناكح، والخطبة بالحضرة، وبلغ من الشّهرة والإشادة بذكره، ما لم يبلغه سواه.
تصانيفه: من تأليفه كتاب «صلة الصّلة» لابن بشكوال، التي وصلتها بعده، وسمّيت كتابي ب «عائد الصلة» ، وافتتحت أول الأسماء فيه باسمه؛ وكتاب «ملاك التأويل، في المتشابه اللفظ في التّنزيل» غريب في معناه؛ والبرهان في ترتيب سور القرآن؛ وشرح الإشارة للباجي في الأصول؛ وسبيل الرّشاد في فضل الجهاد؛ وردع الجاهل عن اغتياب المجاهل، في الرد على الشّودية «2» ، وهو كتاب جليل ينبئ عن التفنّن والاضطلاع؛ وكتاب الزمان والمكان، وهو وصمة، تجاوز الله عنه.
شعره: وشعره مختلف عن نمط الإجادة، مما حقّه أن يثبت أو ثبت في كتاب شيخنا أبي البركات المسمّى «شعر من لا شعر له» مما رواه، ممّن ليس الشعر له بضاعة، من الأشياخ الذي عدّ صدر عنهم هو. فمن شعره «3» :[السريع]
ما لي وللتسئال لا أمّ لي
…
سألت «4» من يعزل أو من يلي
حسبي ذنوب «5» أثقلت كاهلي
…
ما إن أرى إظلامها «6» ينجلي
يا ربّ، عفوا إنها جمّة
…
إن لم يكن عفوك لا أمّ لي
محنته: نشأت بينه وبين المتغلب بمالقة من الرؤساء التّجيبيين من بني إشقيلولة «1» ، وحشة أكّدتها سعاية بعض من استهواهم رجل ممخرق من بني الشّعوذة، ومنتحلي الكرامة، يمتطيها، زعموا إلى النبوّة، يعرف بالفزاري، واسمه إبراهيم، غريب المنزع، فذّ المآخذ، أعجوبة من أعاجيب الفتن، يخبر بالقضايا المستقبلة، ويتسوّر سور حمى العادة في التطوّر من التقشّف والخلابة، تبعه ثاغية وراغية، من العوام الصّمّ البكم، مستفزّين فيه حياته؛ وبعد زمن من مقتله، على يد الأستاذ بغرناطة، قرعه بحقّه، وبادره بتعجيل نكيره، فاستغاث بمفتونه الرئيس، ظهير محاله فاستعصى له؛ وبلغ الأستاذ النياحة، ففرّ لوجهه، وكبس منزله لحينه، فاستولت الأيدي على ذخائر كتبه، وفوائد تقييده عن شيوخه، على ما طالت له الحسرة، وجلّت فيه الرزيّة. ولحق بغرناطة آويا إلى كنف سلطانها الأمير أبي عبد الله بن الأمير الغالب بالله بن نصر؛ فأكرم مثواه، وعرف حقّه، وانثال عليه الجمّ الغفير لالتماس الأخذ عنه، إلى أن نالته لديه سعاية، بسبب جار له، من صلحاء القرابة النّصرية، كان ينتابه لنسبة الخيريّة، نميت عنه في باب تفضيله، واستهالت للأمر كلمة، أوجبت امتحانه، وتخلّل تلك الألقيّة «2» من الشكّ، ما قصر المحنة على إخراجه من منزله المجاور لذلك المتّهم به، ومنعه من التصرّف، والتزامه قعر منزل انتقل إليه بحال اعتزال من الناس، محجورا عليه مداخلتهم؛ فمكث على ذلك زمانا طويلا، إلى أن سرّيت عنه النكبة، وأقشعت الموجدة، فتخلّص من سرارها بدره؛ وأقلّ من شكاتها جاهه، وأحسنت أثرها حاله، وكثر ملتمسه، وعظمت في العالم غاشيته؛ فدوّن واستمع، وروى ودرّب، وخرّج وأدّب وعلّم، وحلّق وجهر. وكانت له الطّايلة على عدوّه، والعاقبة للحسنى، بعد ثبات أمره، والظّفر بكثير من منتهب كتبه. وآلت الدولة للأمير أبي عبد الله نصر بمالقة، فطالب الفزاريّ المذكور، واستظهر بالشّهادات عليه، وبالغ في دحض دعوته، إلى أن قتل على يده بغرناطة.
حدّثنا شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب، قال: لما أمر بالتأهّب للقتل وهو في السجن الذي أخرج منه إلى مصرعه، جهر بتلاوة «ياسين» ، فقال له أحد الذّعرة، ممّن