الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فابعث خيالك تهده نار الحشا
…
إن كان يجهل من مقامي موضعي «1»
واصحبه من نومي بتحفة قادم
…
فصدى فليل ركابكم لم تجمع
دخوله غرناطة: دخل غرناطة على عهد السابع من ملوكها الأمير محمد «2» لقرب من ولايته في بعض شؤونه؛ وحقّق بها تغيير أمر الأدوية المنفردة التي يتشوّف الطّيب إليها والشحرور، وهي بقرية شون «3» من خارجها.
وفاته: رحمه الله، توفي بتونس في يوم عيد الأضحى من سنة تسع وأربعين وسبعمائة.
أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن محمد بن حسين بن علي بن سليمان بن عرفة اللخمي
الفقيه، الرئيس، المتفنّن، حامل راية مذهب الشعر في وقته، المشار إليه بالبنان في ذلك ببلده، يكنى أبا العباس.
حاله: كان فذّا في الأدب، طرفا في الإدراك، مهذب الشمائل، ذلق اللسان، ممتع المجالسة والمحاضرة، حلو الفكاهة، يرمي كل غرض بسهم، إلى شرف النشأة وعزّ المرتبة، وكرم المحتد، وأصالة الرياسة.
حدّثني الشيخ أبو زكريا بن هذيل، قال: حضرت بمجلس ذي الوزارتين أبي عبد الله بن الحكيم، وأبو العباس بدر هالته، وقطب جلالته، فلم يحر بشيء إلّا ركض فيه، وتكلّم بملء فيه. ثم قمنا إلى زبّارين يصلحون شجرة عنب، فقال لعريفهم: حقّ هذا أن يقصر، ويطال هذا، ويعمل كذا. فقال الوزير: يا أبا العباس، ما تركت لهؤلاء أيضا حظّا من صناعتهم، يستحقّون به الأجرة، فعجبنا من استحضاره، ووساعة ذرعه، وامتداد حظّ كفايته.
قدومه على غرناطة: قدم عليها مع الجملة من قومه عند تغلب الدولة النصرية على بلدهم، ونزول البلاء والغلاء والمحنة بهم، والجلاء بهم في آخر عام خمسة
وسبعمائة، ويأتي التعريف بهم بعد إن شاء الله. وكان أوفر الدواعي في الاستعطاف لهم بما تقدّم بين يدي أدعيائهم، ودخولهم على السلطان، أن الذي تنخل بمثله السّخائم، وتذهب الإحن. وخطب لنفسه، فاستمرت حاله لطيف المنزلة، معروف المكانة، ملازما مجلس مدبّر الدولة، مرسوما بصداقته، مشتملا عليه ببرّه، إلى أن كان من تقلّب الحال، وإدالة الدولة، ما كان.
شعره: وشعره نمط عال، ومحلّ البراعة حال، لطيف الهبوب، غزير المائية، أنيق الديباجة، جمّ المحاسن؛ فمنه في مذهب المدح، يخاطب ذا الوزارتين أبا عبد الله بن الحكيم «1» :[الكامل]
ملّكت «2» رقيّ بالجمال فأجمل
…
وحكمت في «3» قلبي بجورك فاعدل
أنت الأمير على الملاح ومن يجر
…
في حكمه إلّا جفونك يعزل
إن قيل أنت البدر فالفضل الذي
…
لك بالكمال ونقصه لم يجهل
لولا الحظوظ لكنت أنت مكانه
…
ولكان دونك في الحضيض الأسفل
عيناك نازلتا القلوب فكلّها
…
إما جريح أو مصاب المقتل
هزّت ظباها بعد كسر جفونها
…
فأصيب قلبي في الرّعيل الأول
ما زلت أعذل في هواك ولم يزل
…
سمعي عن العذّال فيك بمعزل
أصبحت في شغل بحبك شاغل
…
عن أن أصيخ إلى كلام العذّل
لم أهمل الكتمان لكن أدمعي
…
هملت ولو لم تعصني لم تهمل
جمع الصحيحين الوفاء مع الهوى
…
قلبي وأملى الدّمع كشف المشكل
ما في الجنوب ولا الشمال جواب ما
…
أهدى إليك مع الصّبا والشّمال «4»
خلسا له من طيب عرفك نفحة
…
تجيء بها دماء عليلها المتعلل
إن كنت بعدي حلت عمّا لم أحل
…
عنه وأهملت الذي لم أهمل
أو حالت الأحوال فاستبدلت بي
…
فإنّ حبي فيك لم يستبدل
لا قيت بعدك ما لو أنّ أقلّه
…
لاقى الثرى لأذاب صمّ الجندل
وحملت في حبّك ما لو حمّلت
…
شمّ الجبال أخفّه لم تحمل
من حيف دهر بالحوادث مقدم
…
حتى على حبس الهزبر المشبل
قد كنت منه قبل كرّ صروفه
…
فوق السّنام فصرت تحت الكلكل
ونصول شيب قد ألمّ بلمّتي
…
وخضاب أبي شيبة لم تنصل
ينوي الإقامة ما بقيت وأقسمت
…
لا تنزل اللذات ما لم يرحل
ومسير ظعن ودان حميمه
…
لاقى الحمام وإنّه لم يفعل
يطوي على جسدي الضلوع فقلبه
…
بأواره يغلي كغلي المرجل
في صدره ما ليس في صدري له
…
من مثله مثقال حبّة خردل
أعرضت عنه ولو أشفّ لذمّه
…
شعري لجرّعه نقيع الحنظل
جلّيت في حلبات سبق لم يكن
…
فيها مرتاح ولا بمؤمّل
ما ضرّه سبقيه في زمن مضى
…
أنّ المجلّى فيه دون الفسكل
ساءته منّي عجرفيّة قلّب
…
باق على مرّ الحوادث حوّل
متحرّق في البذل مدّة سيره
…
متجلّد في عسره متجمّل
حتى يثوب له الغنى من ماجد
…
بقضاء حاجات الكرام موكّل
مثل الوزير ابن الحكيم وما له
…
مثل يقوم مقامه متمثّل
ساد الورى بحديثه وقديمه
…
في الحال والماضي وفي المستقبل
من بيت مجد قد سمعت بقبابه
…
أقيال لخم في الزمان الأوّل
سامي الدعائم طال بيت وزارة
…
ومشاجع وأبي الفوارس نهشل
يلقى الوفود ببسط وجه مشرق
…
تجلو طلاقته هموم المجتلي
فلآملي جدواه حول فنائه
…
لقط القطا الأسراب حول المنهل
وإذا نحى بالعدل فصل قضية
…
لم تحظ فصلا من إطالة مفصل
يقضي على سخب الخصوم وشغبهم
…
ويقيم مغريهم مقام المؤمل
ويلقّن الحج العييّ تحرّجا
…
من رامح عند اللّجاج وأعزل
فإذا قضى صور المحقّ بحقّه
…
عنه وحلّق عقابه بالمبطل
عجل على من يستحقّ مثوبة
…
فإذا استحقّ عقوبة لم يعجل
يا كافي الإسلام كلّ عظيمة
…
ومعيده غضّا كأن لم يذبل
وقال أيضا يمدحه بقصيدة من مطوّلاته: وإنما اجتلبت من مدحه للوزير ابن الحكيم لكونه يمدح أديبا ناقدا، وبليغا بالكلام بصيرا، والإجادة تلزم فيه منظومه، إذ لا يوسع القريحة فيه عذرا، ولا يقبل من الطّمع قدرا، وهي:
[الكامل]
أما الرّسوم فلم ترقّ لما بي
…
واستعجمت عن أن تردّ جوابي
واستبدلت بوحوشها من أنس
…
بيض الوجوه كواعب أتراب
ولقد وقفت بها أرقرق عبرة
…
حتى اشتكى طول الوقوف صحابي «1»
يبكي لطول بكاي في عرصاتها
…
صحبي ورجّعت الحنين ركابي «2»
ومن شعره في المقطوعات غير المطوّلات: [مجزوء البسيط]
لم يبق ذو عين «3» لم يسبه
…
وجهك من زين بلا مين
فلاح بينهما طالعا
…
كأنه قمر «4» بلا مين
ومن ذلك قوله: [البسيط]
كأنما الخال مصباح بوجنته
…
هبّت عواصف أنفاسي فعطف «5»
أو نقطة قطرت في الخدّ إذ رسمت
…
خطّ الجمال بخطّ اللّام والألف
ومن ذلك قوله: [المنسرح]
وعدتني أن تزور يا أملي
…
فلم أزل للطريق مرتقبا
حتى إذا الشمس للغروب دنت
…
وصيّرت من لجينها ذهبا
آنسني البدر منك حين بدا
…
لأنّه لو ظهرت لاحتجبا
ومن ذلك قوله: [الرمل]
هجركم ما لي عليه جلد
…
فأعيدوا لي «6» الرضى أو فعدوا «7»
ما قسا قلبي من هجرانكم
…
ولقد طال عليه الأمد
ومن ذلك قوله: [البسيط]
أبدى عذارك عذري في الغرام به
…
وزادني شغفا فيه إلى شغف
كأنّه ظنّ أنّي قد نسيت له
…
عهدا فعرّض لي «1» باللام والألف
ومما هو أطول من المزدوجات قوله: [الطويل]
ويوم كساه الدّجن «2» دكن ثيابه
…
وهبّ «3» نسيم الروض وهو عليل
ولاحت بأفلاك الأفق كواكب
…
لها في البدور الطّالعات أفول
وجالت جياد الرّاح بالرّاح جولة
…
فلم تحل إلّا والوقار قتيل
ومن ذلك: [الخفيف]
عذلوني فيمن أحبّ وقالوا
…
دبّ نمل العذار في وجنتيه
وكذا النّمل كلّما حلّ شيئا
…
منع النّفس أن تميل إليه
قلت قبل العذار أعذر فيه
…
ثم من بعده ألام عليه
إنما دبّ نحو شهد بفيه
…
فلذاك انتهى إلى شفتيه
وإحسانه كثير، ومثله لا يقنع منه بيسير.
وفاته: قال في «عائد الصلة» : «ولمّا كان من تغلّب الحال، وإدالة الدولة، وخلع الأمير، وقتل وزيره، يوم عيد الفطر من سنة سبع وسبعمائة، وانتهبت دار الوزير، ونالت الأيدي يومئذ، من شمله دهليز بابه، من أعيان الطبقات، وأولي الخطط والرّتب، ومنهم أبو العباس هذا، رحمه الله؛ فأفلت تحت سلاح مشهور، وحيّز مرقوف، وثوب مسلوف؛ فأصابته بسبب ذلك علّة أياما، إلى أن أودت به، فقضت عليه بغرناطة، في الثامن والعشرين لذي حجة من سنة سبع وسبعمائة «4» ؛ ودفن بمقبرة الغرباء من الرّبيط عبر الوادي تجاه قصور نجد، رحمة الله عليه» .