الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قرأ معظم قراءته. ثم انتقل إلى سبتة، وتزوّج بها أخت الشيخ أبي الحكم مالك بن المرحّل. وهذا الشيخ جدّ صاحبنا وشيخنا أبي الحسين التلمساني لأبيه، وهو ممّن يطرّز به التأليف، ويشار إليه في فنون لشهرته.
ومن شعره، وهو صاحب مطوّلات مجيدة، وأمادح مبدية في الإحسان معيدة، فمن قوله يمدح الفقيه أبا القاسم العزفي أمير سبتة:[الكامل]
أرأيت من رحلوا وزمّوا العيسا «1»
…
ولا نزلوا على الطلول حسيسا «2» ؟
أحسبت سوف يعود نسف ترابها
…
يوما بما يشفي لديك نسيسا؟
هل مؤنس «3» نارا بجانب طورها
…
لأنيسها؟ أم هل تحسّ حسيسا؟
مولده: قال ابن عبد الملك: أخبرني أنّ مولده بتلمسان سنة تسع وستمائة.
وفاته: في عام تسعين وستمائة بسبتة، على سنّ عالية، فسحت مدى الانتفاع به.
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الساحلي
المشهور بالطّويجن «4» ، من غرناطة.
حاله: من كتاب «عائد الصلة» : كان، رحمه الله، نسيج وحده في الأدب، نظما ونثرا، لا يشقّ فيهما غباره، كلام صافي الأديم، غزير المائية، أنيق الدّيباجة، موفور المادة، كثير الحلاوة، جامع بين الجزالة والرّقّة؛ إلى خطّ بديع، ومشاركة في فنون، وكرم نفس، واقتدار على كل محاولة. رحل بعد أن اشتهر فضله، وذاع أوجه، فشرّق، وجال في البلاد. ثم دخل إلى بلد السّودان، فاتصل بملكها، واستوطنها زمانا طويلا، بالغا فيها أقصى مبالغ المكنة، والحظوة، والشّهرة، والجلالة، واقتنى مالا دثرا، ثم آب إلى المغرب، وحوّم على وطنه، فصرفه القدر إلى مستقرّه من بلاد السودان، مستزيدا من المال. وأهدى إلى ملك المغرب هديّة تشتمل على طرف، فأثابه عليها مالا خطيرا، ومدحه بشعر بديع كتبناه عنه. وجرى ذكره في كتاب «التاج» بما نصّه «5» :
«جوّاب الآفاق، ومحالف الإباق «1» ، ومنفق سعد «2» الشّعر كل الإنفاق؛ رفع ببلده «3» للأدب راية لا تحجم، وأصبح فيها يسوّي ويلجم؛ فإن نسب، جرى ونظم نظم الجمان المحامد، وإن أبّن ورثى غبّر في وجوه السوابق وحثا. ولمّا اتّفق كساد سوقه، وضياق حقوقه، أخذ بالحزم، وأدخل على حروف علائه عوامل الجزم، يسقط على الدول سقوط الغيث، ويحلّ كناس الظّبا وغاب اللّيث، شيّع العجائب، وركّض النّجائب، فاستضاف بصرام، وشاهد البرابي والأهرام، ورمى بعزمته الشآم، فاحتلّ ثغوره المحوطة، ودخل دمشق، وتوجّه الغوطة، ثم عاجلها بالعراق، فحيّا بالسّلام مدينة السّلام، وأورد بالرّافدين رواحله، ورأى اليمن وسواحله، ثم عدل إلى الحقيقة عن المجاز، وتوجّه إلى شأنه الحجاز، فاستلم الرّكن والحجر، وزار القبر الكريم لمّا صدر، وتعرّف بمجتمع الوفود بملك السّود، فغمره بإرفاده، وصحبه إلى بلاده، فاستقرّ بأوّل أقاليم العرض، وأقصى ما يعمر من الأرض، فحلّ بها محلّ الحمر في الغار، والنور في سواد الأبصار؛ وتقيّد بالإحسان، وإن كان غريب الوجه واليد واللسان. وصدرت عنه رسائل أثناء إغرابه، تشهد بجلالة آدابه، وتعلّق الإحسان بأهدابه» .
نثره: فمن ذلك ما خاطب به أهل غرناطة بلده؛ وقد وصل إلى مرّاكش:
«سلام ليس دارين شعاره، وحلق الروض والنضير به صداره، وأنسى نجدا شمّه الزكي وعراره، جرّ ذيله على الشجر فتعطّر، وناجى غصن البان فاهتزّ لحديثه وتأطّر، وارتشف الندى من ثغور الشّقائق، وحيّا خدود الورد تحت أردية الحدائق، طربت له النّجدية المستهامة، فهجرت صباها ببطن تهامة، وحنّ ابن دهمان لصباه، وسلا به التّميمي عن ريّاه، وأنسى النّميري ما تضوّع برقيب من بطن نعماه، واستشرف السمر والبان، وتخلق بخلوقة الآس والظّيّان «4» ، حتى إذا راقت أنفاس تحيّاته ورقّت، وملكت نفائس النفوس واستشرقت، ولبست دارين في ملائها، ونظمت الجوزاء في عقد ثنائها، واشتغل بها الأعشى عن روضه ولها، وشهد ابن برد شهادة أطراف المساويك لها، خيّمت في ربع الجود بغرناطة ورقّت، وملأت دلوها إلى عقد ركبه، وأقبلت منابت شرقها عن غربه، لا عن عرفه؛ هناك تترى لها صدور المجالس تحمل صدورا، وترائب المعالي تحلّي عقودا نفيسة وجذورا، ومحاسن الشرف تحاسن
البروج في زهرها، والأفنية في إيوانها، والأندية في شعب بوّانها «1» ، لو رآها النعمان لهجر سديره، أو كسرى لنبذ إيوانه وسريره، أو سيف لقصّر عن غمدانه، أو حسّان لترك جلّق «2» لغسّانه:[الطويل]
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي
…
وأول أرض مسّ جلدي ترابها
فإذا قضيت من فرض السلام ختما، وقضت من فاره الثّناء حتما، ونفضت طيب عرارها على تلك الأنداء، واقتطفت أزاهر محامدها أهل الودّ القديم والإخاء، وعمّت من هنالك من الفضلاء، وتلت سور آلائها على منبر ثنائها، وقصّت وعطفت على من تحمل من الطلبة بشارتهم، وصدرت عن إشارتهم، وأنارت نجما حول هالتهم المنيرة ودارتهم، فهناك تقصّ أحاديث وجدي على تلك المناهج، لا إلى صلة عالج، وشوقي إلى تلك العليا، لا إلى عبلة، والجزا إلى ذلك الشريف الجليل، فسقى الله تلك المعاهد غيداقا «3» يهمي دعاؤها، ويغرق روضها إغراقا، حتى تتكلّل منه نحور زندها درّا، وترنو عيون أطراف نرجسها إلى أهلها سررا، وتتعانق قدود أغصانها طربا، وتعطف خصور مذانبها على أطراف كثبانها لعبا، وتضحك ثغور أقاحيها «4» عند رقص أدواحها عجبا، وتحمّر خدود وردها حياء، وتشرق حدائق وردها سناء، وتهدي إلى ألسنة صباها خبر طيبة «5» وإنباء، حتى تشتغل المطريّة عن روضتها المردودة، والمتكلّىء عن مشاويه المجودة، والبكري عن شقائق رياض روضته النديّة، والأخطل عن خلع بيعته الموشيّة. فما الخورنق «6» وسراد، والرّصافة وبغداد، وما لفّ النّيل في ملأته كرما إلى أفدين سقايته، وحارته غمدان عن محراب، وقصر وابرية البلقاء عن غوطة ونهر، بأحسن من تلك المشاهد التي تساوي في حسنها الغائب والشاهد. وما لمصر تفخر بنيلها، والألف منها في شنيلها «7» ، وإنما زيدت الشين هنالك ليعد بذلك:
[الوافر]
ويا لله من شوق حثيث
…
ومن وجد تنشّط بالصميم
إذا ما هاجه وجد حديث
…
صبا منها إلى عهد قديم
أجنح إنساني في كل جانحة، وأنطق لساني من كل جارحة، وأهيم وقلبي رهين الأنين، وصريع البين، تهفو «1» الرياح البليلة إذا ثارت، وتطير به أجنحة البروق الخافقة أينما طارت، وقد كنت أستنزل قربهم براحة الأجل، وأقول عسى وطن يدنيهم ولعلّ، وما أقدر الله أن يدني على الشّحط، ويبري جراح البين بعد اليأس والقنط، هذا شوقي يستعيره البركان لناره، ووجدي لا يجري قيس في مضماره، فما ظنّك وقد حمت حول المورد الخصر، ونسمت ريح المنبت الخضر، ونظرت إلى تلك المعاهد من أمم، وهمست باهتصار ثمار ذلك المجد اليانع والكرم، وإن المحبّ مع القرب لأعظم همّا، وأشدّ في مقاساة الغرام غمّا:[الوافر]
وأبرح ما يكون الشوق يوما
…
إذ دنت الدّيار من الديار
وقربت مسافة الدّوّار، لكن الدهر ذو غير، ومن ذا يحكم على القدر، وما ضرّه لو غفل قليلا، وشفى بلقاء الأحبّة غليلا، وسمح لنا بساعة اتفاق، ووصل ذلك الأمل القصير بباع، وروى مسافة أيام، كما طوى مراحل أعوام.
لدّ إبليس، أفلا أشفقت من عذابي، وسمحت ولو بسلام أحبابي؟
أسلمتني إلى ذرع البيد، ومحالفة الذميل والوخيد «2» ، والتنقّل في المشارق والمغارب، والتمطّي في الصّهوات والغوارب. يا سابق البين دع محمله، وما بقي في الجسم ما يحمله، ويا بنات جديل، ما لكنّ وللذميل؟ ليت سقمي عقيم فلم يلد ذات البين، المشتّتة ما بين المحبين، ثم ما للزاجر الكاذب، وللغراب الناعب، تجعله نذير الجلا، ورائد الخلا، ما أبعد من زاجر، عن رأي الزّاجر، إنما فعل ما ترى، ذات الغارب والقرى، المحتالة في الأزمّة والبرى، المتردّدة بين التّأويب والسّرى؛ طالما باكرت النّوى، وصدعت صدع الثّوى، وتركت الهائم بين ربع محيل، ورسم مستحيل، يقفو الأثر نحوه، ويسأل الطّلل عن عهده، وإن أنصفت فما لعين معقودة، وإبل مطرودة، مالت عن الحوض والشّوط، وأسلمت إلى الحبل والعصا والسّوط، ولو خيّر النائي لأقام، ولو ترك القطا ليلا لنام، لكن الدهر أبو براقش «3» ،
وسهم بينه وبين بنيه غير طائش؛ فهو الذي شتّت الشّمل وصدعه، وما رفع سيف بعماده إلّا وضعه، ولا بلّ غليلا أحرقه بنار وجده ولا نفعه. فأقسم ما ذات خضاب وطوق، شاكية غرام وشوق، برزت في منصّتها، وترجمت عن قضيّتها، أو غربت عن بيتها، ونفضت شرارة زفرتها عن عينها، ميلا حكت الميلا والغريض، وعجماء ساجلت بسجعها القريض، وكصّت «1» الفود فكأنما نقرت العود، وردّدت العويل، كأنما سمعت النّقيل، نبّهت الواله فثاب، وناحت بأشواقها فأجاب. حتى إذا افترّ بريقها، استراب في أنّتها، فنادى يا حصيبة الساق، ما لك والأشواق؟ أباكية ودموعك راقية؟ ومحرّرة وأعطافك حالية؟ عطّلت الخوافي، وحلّيت القوادم، وخضّبت الأرجل، وحضرت المآتم. أمّا أنت، فنزيعة خمار، وحليفة أنوار وأشجار، تتردّدين بين منبر وسرير، وتتهادين بين روضة وغدير؛ أسرفت في الغناء، وإنما حكيت خرير الماء، وولعت بتكرير الراء، فقالت: أعد نظر البقير، ولأمر ما جدع أنفه قصير، أنا التي أغرقت في الرّزء، فكنّيت عن الكل بالجزء؛ كنت أربع بالفيافي ما ألافي، وآنس مع مقيلي، بكرته وأصيلي، تحتال من غدير إلى شرج «2» ، وتنتقل من سرير إلى سرج، آونة تلتقط الحبّ، وحينا تتعاطى الحبّ، وطورا تتراكض الفنن، وتارة تتجاذب الشّجن، حتى رماه الدهر بالشّتات، وطرقه بالآفات، فهأنا بعده دامية العين، دائمة الأين، أتعلّل بالأثر بعد العين؛ فإن صعدت مناري، ألهبت منقاري، أو نكأت أحشائي، خضّبت رجلي بدمائي، فأقسم لا خلعت طوق عهده، حتى أردي من بعده، بل ذات خفض وترف، وجمال باهر وشرف، بسط الدهر يدها، وقبض ولدها، فهي إذا عقدت التّمائم على تريب، أو لفّت العمائم على نجيب، حثّت المفؤود، وأدارت عين الحسود، حتى إذا أينعت فسالها، وقضى حملها وفصالها، عمر لحدها بوحيد كان عندها وسطى، وفريد أضحى في نحر عشيرتها سمطا، استحثّت له مهبّات النسيم الطّارق، وخافت عليه من خطرات اللّحظ الرّاشق، فحين هشّ للجياد، ووهب التمائم للنّجاد ونادى الصريم، يا الآل والحريم، فشدّ الأناة، واعتقل القناة، وبرز يختال في عيون لامه، ويتعرّف منه رمحه بألفه ولامه، فعارضه شثن «3» الكفّين، عاري الشعر والمنكبين، فأسلمه لحتفه، وترك حاشية ردائه على عطفه، فحين انبهم
لشاكلته ما جرى برزت لترى: [الطويل]
فلم تلق فيها «1» غير خمس قوائم
…
وأشلاء لحم تحت ليث سخايل
يحطّ على أعطافه وترائبه
…
بكفّ حديد النّاب صلب المفاصل
أعظم من وجد إلى تلك الآفاق، التي أطلعت وجوه الحسن والإحسان، وسفرت عن كمال الشرف، وشرف الكمال عن كل وجه حسان، وأبرزت من ذوي الهمم المنيفة، والسّير الشريفة، ما أقرّ عين العلياء، وحلّى جيد الزمان، فتقوا للعلم أزهارا أربت على الروض المجود، وأداروا للأدب هالة استدارت حولها بدور السّعود، نظم الدهر محاسنهم حليّا في جيده ونحره، واستعار لهم الأفق ضياء شمسه وبدره، وأعرب بهم الفخر عن صميمه، وفسح لهم المجد عن مصدره، فهم إنسان عين الزمان، وملتقى طريقي الحسن والإحسان، نظمت الجوزاء مفاخرهم، ونثرت النّثرة مآثرهم، واجتلبت الشّعرى من أشعارهم، وطلع النور من أزرارهم، واجتمعت الثّريّا لمعاطاة أخبارهم، وودّ الدّلو لو كرع في حوضهم، والأسد لو ربض حول ربضهم، والنعايم لو غذّيت بنعيمهم، والمجرّة لو استمدّت من فيض كرمهم، عشق المسك محاسنهم فرقّ، وطرب الصبح لأخبارهم فخرق جبينه وشقّ، وحام النّسر حول حمامهم وحلّق، وقدّ الفخار جدار محامدهم وخلّق، إلى بلاغة أخرست لسان لبيد، وتركت عبد الحميد غير حميد، أهلّ ابن هلال لمحاسنهم وكبّر، وأعطى القارئ ما زجر به قلمه وسطّر، وأيس إياس من لحاقهم فأقصر لما قصّر.
ومنها: فما للوشي تألّق ناصعه، وتأنّق يانعه، بأحسن ممّا وشته أنفاسهم، ورسمته أطراسهم، فكم لهم من خريدة غذّاها العلم ببرّه، وفريدة حلّاها البيان بدرّه، واستضاءت المعارف بأنوارهم، وباهت الفضائل بسناء منارهم، وجلّيت المشكلات بأنوار عقولهم وأفكارهم، جلّوا عروس المجد وحلّوا، وحلّوا في ميدان السيادة ونشأوا، وزاحموا السّهى بالمناكب، واختطّوا التّرب فوق الكواكب، لزم محلّهم التّكبير، كما لزمت الياء التّصغير، وتقدّموا في رتبة الأفهام، كما تقدّمت همزة الاستفهام، ونزلوا من مراتب العلياء، منزلة حروف الاستعلاء، وما عسى أن أقول ودون النهاية مدى نازح، وما أغنى الشمس عن مدح المادح، وحسبي أن أصف ما أعانيه من الشوق، وما أجده من التّوق، وأعلّل نفسي بلقائهم، وأتعلّل بالنّسيم الوارد من تلقائهم، وإن جلاني الدهر عن ورود حوضهم، وأقعدني الزمان عن اجتناء روضهم، فما ذهب ودادي، ولا تغيّر اعتقادي، ولا جفّت أقلامي عن مدادهم ولا
مدادي، وأنا ابن جلا «1» في وجدهم، وطلّاع الثّنايا إلى كرم عهدهم، إن دعوا إلى ودّ صميم وجدوني، أضع العمامة عن ذوي عهد قديم عرفوني، ولو شرعوا نحوي قلم مكاتبتهم، وأسحّوا بالعلق الثّمين من مخاطبتهم، لكفّوا من قلبي العاني قيد إساره، وبلوا صدى وجدي المتحرّق بناره، ففي الكتابة بلغة الوطر، وقد يغني عن العين الأثر، والسلام الأثير الكريم الطيب الرّيا، الجميل المحيّا، يحضر محلّهم الأثير، وكبيرهم إذ ليس فيهم صغير، ويعود على من هناك من ذوي الودّ الصميم، والعهد القديم، من أخ برّ وصاحب حميم، ورحمة الله وبركاته» .
ولا خفاء ببراعة هذه الرسالة على طولها، وكثرة أصولها، وما اشتملت عليه من وصف وعارضة، وإشارة وإحالة، وحلاوة وجزالة.
شعره: ثبت لديّ من متأخّر شعره قوله من قصيدة، يمدح بها ملك المغرب «2» ، أمير المسلمين، عند دنوّ ركابه من ظاهر تلمسان ببابه أولها «3» :[الكامل]
خطرت كميّاس «4» القنا المتأطّر
…
ورنت بألحاظ الغزال الأعفر
ومن شعره في النسيب: [البسيط]
زارت وفي كلّ لحظ طرف محترس
…
وحول كلّ كناس كفّ مفترس
يشكو لها الجيد ما بالحلي من هدر
…
ويشتكي الزّند ما بالقلب من خرس
متى تلا خدّها الزّاهي الضّحى نطقت
…
سيوف ألحاظها من آية الحرس
في لحظها سحر فرعون ورقّتها
…
آيات موسى وقلبي موضع القبس
تخفي النّمومين من حلي ومبتسم
…
تحت الكتومين من شعر ومن غلس
وترسل اللّحظ نحوي ثم تهزأ بي
…
تقول بعد نفوذ الرّمية احترس
أشكو إليها فؤادا واجلا أبدا
…
في النّازعات وما تنفكّ من عبس
يا شقّة النّفس إنّ النّفس قد تلفت
…
إلّا بقيّة رجع الصّوت والنّفس
هذا فؤادي وجفني فيك قد جمعا
…
ضدّين فاعتبري إن شئت واقتبسي
ويا لطارق نوم منك أرّقني
…
ليلا ونبّهني للوجد ثم نسي
ما زال يشرب من ماء القلوب فلم
…
أبصرته ذابلا يشكو من اليبس
ملأت طرفي عن ورد تفتح في
…
رياض خدّيك صلّا غير مفترس
وقلت للّحظ والصّدغ احرسا فهما
…
ما بين مصم وفتّاك ومنتكس
وليلة جئتها سحرا أجوس بها
…
شبا العوالي وخيس الأخنف الشّرس
أستفهم الليل عن أمثال أنجمه
…
وأسأل «1» العيس عن سرب المها الأنس
وأهتك السّتر لا أخشى بوادره
…
ما بين منتهز طورا ومنتهس
بتنا نعاطي بها ممزوجة مزجت
…
حلو الفكاهة بين اللّين والشّرس
أنكحتها من أبيها وهي آيسة
…
فثار أبناؤها في ساعة العرس
نور ونار أضاءا في زجاجتها
…
فذاك خدّك يا ليلى وذا نفسي «2»
حتى إذا آب نور الفجر في وضح
…
معرّك جال بين الفجر والغلس
وهيمنت بالضنا تحت الصباح صبا
…
قد أنذرتها ببرد القلب واللّعس
قامت تجرّ فضول الريط آنسة
…
كريمة الذيل لم تجنح إلى دنس
تلوث فوق كثيب الرمل مطرفها
…
وتمسح النّوم عن أجفانها النّعس
فظلّ قلبي يقفوها بملتهب
…
طورا ودمعي يتلوها بمنبجس
دهر يلوّن لونيه كعادته
…
فالصبح في مأتم والليل في عرس
وإحسانه كثير، ومقداره كبير. ثم آب إلى بلاد السودان، وجرت عليه في طريقه محنة، ممّن يعترض الرفاق ويفسد السبيل، واستقرّ بها على حاله من الجاه والشّهرة، وقد اتخذ إماء للتسرّي من الزّنجيّات، ورزق من الجوالك أولادا كالخنافسة. ثم لم يلبث أن اتصلت الأخبار بوفاته بتنبكتو، وكان حيّا في أوائل تسعة وثلاثين وسبعمائة «3» .