الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن شعره في معنى الانقطاع والتسليم إلى الله تعالى، وهي لزوميّة، ولنختم بها، ختم الله لنا بالحسنى:[الطويل]
إلهي أنت الله ركني وملجئي
…
وما لي إلى خلق سواك ركون
رأيت بني الأيام عقبى سكونهم
…
حراك وفي عقبى الحراك سكون
رضى بالذي قدّرت تسليم عالم
…
بأنّ الذي لا بدّ منه يكون
وفاته: توفي بمدينة مالقة في حدود ثلاث وستمائة.
الحسين بن عتيق بن الحسين بن رشيق التغلبي
يكنى أبا علي، مرسيّ الأصل، سبتيّ الاستيطان، منتم إلى صاحب الثورة على المعتمد «1» .
حاله: كان نسيج وحده، وفريد دهره، إتقانا ومعرفة، ومشاركة في كثير من الفنون اللسانية والتعالميّة، متبحّرا في التاريخ، ريّانا من الأدب، شاعرا مفلقا، عجيب الاستنباط، قادرا على الاختراع والأوضاع، جهم المحيّا، موحش الشكل، يضمّ برداه طويّا لا كفاء له، تحرّف بالعدالة، وبرّز بمدينة سبتة، وكتب عن أميرها، وجرت بينه وبين الأديب أبي الحكم مالك بن المرحّل من الملاحات والمهاترات أشدّ ما يجري بين متناقضين، آلت به إلى الحكاية الشهيرة، وذلك أنه نظم قصيدة نصّها:[الكامل]
لكلاب سبتة في النّباح مدارك
…
وأشدّها دركا لذلك مالك «2»
شيخ تفانى في البطالة عمره
…
وأحال فكّيه الكلام الآفك
كلب له في كلّ عرض عضّة
…
وبكلّ محصنة لسان آفك
متهمّم «3» بذوي الخنا متزمّع
…
متهازل بذوي التّقى متضاحك
أحلى شمائله السّباب المفتري
…
وأعفّ سيرته الهجاء الماعك
وألذّ شيء عنده في محفل
…
لمز لأستار المحافل هاتك
يغشى مخاطره اللئيم تفكّها
…
ويعاف رؤيته الحليم النّاسك
لو أن شخصا يستحيل كلامه
…
خرءا «1» للاك الخرء منه لائك
فكأنه التمساح يقذف جوفه
…
من فيه ما فيه ولا يتماسك
أنفاسه وفساؤه من عنصر
…
وسعاله وضراطه متشارك
ما ضرفا من معدّ الله «2»
…
لو أسلمته نواجذ وضواحك
في شعره من جاهلية طبعه
…
أثقال أرض لم ينلها فاتك
صدر وقافية تعارضتا معا
…
في بيت عنس أو بعرس فارك
قد عمّ أهل الأرض بلعنه
…
فللأعنية في السماء ملائك
ولأعجب العجبين أنّ كلامه
…
لخلاله مسك يروح ورامك
إن سام مكرمة جثا متثاقلا
…
يرغو كما يرغو البعير البارك
ويدبّ في جنح الظلام إلى الخنا
…
عدوا كما يعدو الظّليم الراتك
نبذ الوقار لصبية يهجونه
…
فسياله فرش لهم وأرائك
يبدي لهم سوآته ليسوءهم
…
بمسالك لا يرتضيها سالك
والدهر باك لانقلاب صروفه
…
ظهرا لبطن وهو لاه ضاحك
واللسن تنصحه بأفصح منطق
…
لو كان ينجو بالنّصيحة هالك
تب يا ابن تسعين فقد جزت المدا
…
وارتاح للّقيا بسنّك مالك
أو ما ترى من حافديك نشابها
…
ابن يضاجع جدّه ويناسك
هيهات أيّة عشرة لهجت به
…
هنوات مملوك وطيّع مالك
يا ابن المرحّل لو شهدت مرحّلا
…
وقد انحنى بالرّحل منه الحارك
وطريد لوم لا يحلّ بمعشر
…
إلّا أمال قفاه صفع دالك
مركوب لهو لجاجة وركاكة
…
وأراك من ذاك اللجاج البارك
لرأيت للعين اللئيمة سحّة
…
وعلا بصفع عرك أذنك عارك
وشغلت عن ذمّ الأنام بشاغل
…
وثناك خصم من أبيك مماحك
قسما بمن سمك السماء مكانها
…
ولديه نفس رداء نفسك شائك
لأقول للمغرور منك بشيبة
…
بيضاء طيّ الصّحف منها حالك
لا تأمنن للذئب دفع مضرّة
…
فالذئب إن أعفيته بك فاتك
عار على الملك المنزّه أن يرى
…
في مثل هذا للملوك مسالك
فكلامه للدّين سمّ قاتل
…
ودنوّه للعرض داء ناهك
فعليه ثم على الذي يصغى له
…
ويل يعاجله وحتف واشك
وأتاه من مثواه آت مجهز
…
لدم الخناجر بالخناجر سافك
وهي طويلة، تشتمل من التعريض والصريح على كل غريب، واتخذ لها كنانة خشبية كأوعية الكتب، وكتب عليها:«رقاص معجّل، إلى مالك بن المرحّل» . وعمد إلى كلب، وجعلها في عنقه، وأوجعه خبطا حتى لا يأوي إلى أحد، ولا يستقرّ، وطرده بالزّقاق متكتّما بذلك. وذهب الكلب وخلفه من الناس أمّة، وقرىء مكتوب الكنانة، واحتمل إلى أبي الحكم، ونزعت من عنق الكلب، ودفعت إليه، فوقف منها على كل فاقرة «1» كفّت من طماحه، وغضّت عن عنان مجاراته، وتحدّث بها مدة، ولم يغب عنه أنها من حيل ابن رشيق، فعوّق سهام المراجعة، ثم أقصر مكبوحا، وفي أجوبته عن ذلك يقول:[المتقارب]
كلاب المزابل آذينني
…
بأبوالهنّ على باب داري
وقد كنت أوجعها بالعصا
…
ولكن عوت من وراء الجدار
واستدعاه بآخرة أمير المغرب السلطان أبو يعقوب، فاستكتبه، واستكتب أبا الحكم صدقة، فيقال إنه جرّ عليه خجلة كانت سبب وفاة أبي علي. ودخل الأندلس، وحطّ بها بألمريّة، وقد أصيب بأسر عياله، فتوسّل إلى واليها من قرابة السلطان الغالب بالله، بشعر مدحه فيه من قصيدة أولها:[الكامل]
ملقي النوى ملق لبعض نوالكا
…
فاشف المحبّ ولو بطيف خيالكا
ومنها:
لا تحسبنّي من فلان أو فلا
…
أنا من رجال الله ثم رجالكا
ومنها:
نصب العدوّ حبائلا لحبائبي
…
وعلقت في استخلاصها بحبالكا
وفي خاتمها:
وكفاك شرّ العين عيب واحد
…
لا عيب فيه سوى فلول نصالكا