الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكلّ الورى من كان أو هو كائن
…
صريع الرّدى إن لم «1» يكن «2» فكأن قد
فلا زال جارا للرسول محمد
…
بدار نعيم في رضى الله سرمد
وهذي القوافي قد وفيت بنظمها
…
فيا ليت شعري هل يصيخ «3» لمنشد
محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد ابن خميس بن نصر الأنصاري الخزرجي
«4»
ثاني الملوك الغالبين «5» من بني نصر، وأساس «6» أمرهم، وفحل جماعتهم.
أوّليّته: تقرّر بحول الله في اسم أبيه الآتي بعد حسب الترتيب المشترط.
حاله: من كتاب «طرفة العصر» من تأليفنا؛ كان هذا السلطان أوحد الملوك جلالة، وصرامة، وحزما. مهّد «7» الدولة، ووضع ألقاب خدمتها، وقرّر «8» مراتبها، واستجاد أبطالها. وأقام رسوم الملك فيها، واستدرّ جباياتها، مستظهرا على ذلك بسعة الذّرع، وأصالة السياسة، ورصانة العقل، وشدّة الأسر، ووفور الدّهاء، وطول الحنكة، وتملأ التجربة، مليح الصورة، تامّ الخلق، بعيد الهمّة، كريم الخلق، كثير الأناة. قام بالأمر بعد أبيه، وباشره مباشرة الوزير أيام حياته، فجرى على سنن أبيه، من اصطناع أجناسه، ومداراة عدوّه، وأجرى «9» صدقاته، وأربى عليه بخلال، منها براعة الخطّ، وحسن التوقيع، وإيثار العلماء، والأطباء «10» ، والعدلين، والحكماء، والكتّاب، والشعراء، وقرض الأبيات الحسنة «11» ، وكثرة الملح، وحرارة النّادرة.
وطما بحر من الفتنة لأول استقرار «12» أمره، وكثر «13» عليه المنتزون والثّوّار، وارتجّت الأندلس، وسط أكلب الكفّار، فصبر «14» لزلزالها رابط الجأش ثابت المركز، وبذل من الاحتيال والدّهاء المكنوفين بجميل الصبر، ما أظفره بخلوّ الجوّ «15» . وطال
عمره، وجدّ «1» صيته، واشتهر في البلاد «2» ذكره، وعظمت غزواته، وسيمرّ «3» من ذكره ما يدلّ على أجلّ من ذلك إن شاء الله.
شعره وتوقيعه: وقفت على كثير من شعره، وهو نمط منحطّ بالنسبة إلى أعلام الشعراء، ومستظرف «4» من الملوك والأمراء. من «5» ذلك، يخاطب وزيره «6» :
[المتقارب]
تذكّر عزيز ليال مضت
…
وإعطاءنا المال بالرّاحتين
وقد قصدتنا ملوك الجهات
…
ومالوا إلينا من العدوتين
وإذ «7» سأل السّلم منّا اللّعين
…
فلم يحظ إلّا بخفّي حنين
وتوقيعه يشذّ عن الإحصاء «8» ، وبأيدي الناس إلى هذا العهد كثير من ذلك؛ فمما كتب به على رقعة كان رافعها يسأل التصرّف في بعض الشهادات ويلحّ عليها:
[الوافر]
يموت على الشّهادة وهو حيّ
…
إلهي لا تمته على الشهاده
وأطال الخطّ عند إلهي إشعارا بالضّراعة عند الدعاء والجدّ. ويذكر أنه وقع بظهر رقعة لآخر اشتكى ضرر أحد الجند المنزلين في الدّور، ونبزه بالتّعرّض لزوجه:
«يخرج هذا النّازل «9» ، ولا يعوّض بشيء من المنازل» .
بنوه: ثلاثة؛ وليّ عهده أبو عبد الله المتقدّم الذّكر، وفرج المغتال أيام أخيه، ونصر الأمير بعد أخيه «10» .
بناته: أربع، عقد لهنّ، جمع أبرزهنّ إلى أزواجهنّ، من قرابتهنّ، تحت أحوال ملوكية، ودنيا عريضة، وهنّ: فاطمة، ومؤمنة، وشمس، وعائشة، منهنّ أمّ حفيدة إسماعيل الذي ابتزّ ملك بنيه عام ثلاثة عشر وسبعمائة.
وزيره «1» : كان وزيره، الوزير الجليل الفاضل، أبو سلطان «2» ، لتقارب الشّبه، زعموا في السّن والصورة، وفضل الذّات، ومتانة «3» الدين، وصحّة الطبع، وجمال الرّواء، أغنى وحسنت واسطته، ورفعت إليه الوسائل «4» ، وطرّزت باسمه الأوضاع، واتصلت «5» إلى أيامه أيام مستوزره، ثم صدرا من أيام وليّ عهده.
كتّابه: ولّي «6» له خطّة الكتابة والرياسة العليا في الإنشاء «7» جملة، منهم كاتب أبيه أبو بكر «8» بن أبي عمرو اللّوشي، ثم الأخوان أبوا «9» علي الحسن والحسين، ابنا محمد بن يوسف بن سعيد اللّوشي؛ سبق الحسن وتلاه الحسين، وكانا توأمين؛ ووفاتهما متقاربة. ثم كتب له الفقيه «10» أبو القاسم محمد بن محمد بن العابد الأنصاري، آخر الشيوخ، وبقية الصّدور والأدباء «11» ، أقام كاتبا مدة «12» إلى أن أبرمه انحطاطه في هوى نفسه، وإيثاره المعاقرة، حتى زعموا «13» أنه قاء ذات يوم بين يديه. فأخّره عن الرّتبة «14» ، وأقامه في عداد كتّابه «15» إلى أن توفي تحت رفده «16» . وتولّى الكتابة الوزير أبو عبد الله بن الحكيم «17» ، فاضطلع بها إلى آخر دولته.
قضاته: تولّى له خطّة القضاء قاضي أبيه الفقيه العدل «18» أبو بكر «19» بن محمد بن فتح الإشبيلي الملقّب بالأشبرون. تولّى قبل ذلك خطة السّوق، فلقي
سكران «1» أفرط في قحته، واشتدّ في عربدته «2» ، وحمل على الناس، فأفرجوا عنه؛ فاعترضه واشتدّ عليه حتى تمكّن منه بنفسه، واستنصر «3» في حدّه، وبالغ في نكاله؛ واشتهر ذلك عنه، فجمع له أمر الشرطة وخطّة السوق، ثم ولّي القضاء، فذهب أقصى مذاهب الصّرامة، إلى أن هلك؛ فولي «4» خطّة القضاء بعده الفقيه العدل أبو عبد الله محمد «5» بن هشام من أهل ألش، لحكاية «6» غبطت السلطان بدينه «7» ، ودلّته على محلّه من العدل والفضل، فاتّصلت أيام قضائه إلى أيام «8» مستقضيه، رحمه الله.
جهاده: وباشر «9» هذا السلطان الوقائع، فانجلت ظلماتها عن صبح نصره، وطرّزت مواقعها «10» بطراز جلادته وصبره؛ فمنها وقيعة المطران وغيرها، مما يضيق التأليف عن استقصائه. وفي «11» شهر المحرّم من عام خمسة وتسعين وستمائة، على تفئة «12» هلاك طاغية الروم، شانجه بن أذفونش، عاجل الكفّار «13» لحين دهشهم، فحشد أهل الأندلس، واستنفر المسلمين، فاغتنم الداعية، وتحرّك في جيش يجرّ الشّوك والشجر «14» ، ونازل مدينة قيجاطة وأخذ بكظمها، ففتحها الله على يديه، وتملّك بسببها جملة من الحصون التي «15» ترجع إليها؛ وكان الفتح في ذلك «16» عظيما، وأسكنها جيشا من المسلمين، وطائفة من الحامية، فأشرقت العدوّ بريقه.
وفي صائفة عام تسعة وتسعين وستمائة، نازل مدينة القبذاق «17» فدخل جفنها، واعتصم من تأخّر أجله بقصبتها، ذات القاهرة العظيمة الشأن، الشهيرة في البلدان، فأحيط بهم، فخذلوا وزلزل الله أقدامهم؛ فألقوا باليد، وكانوا أمنع من عقاب الجو؛ وتملّكها على حكمه، وهي من جلالة الوضع، وشهرة المنعة، وخصب السّاحة،