الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعهد منه بذلك، وأمر أن يكتب على قبره بهذه الأبيات «1» :[الطويل]
بنيت ولم «2» أسكن وحصّنت جاهدا
…
فلمّا أتى المقدور صيّره «3» قبري
ولم يك «4» حظّي غير ما أنت مبصر
…
بعينك ما بين الذّراع إلى الشّبر
فيا زائرا قبري أوصّيك جاهدا
…
عليك بتقوى الله في السّرّ والجهر
فلا «5» تحسنن بالدّهر ظنّا فإنما
…
من الحزم ألّا يستنام «6» إلى الدهر
أحمد بن محمد بن طلحة
«7»
من أهل جزيرة شقر، يكنى أبا جعفر، ويعرف بابن جدّه طلحة.
حاله: قال صاحب «القدح المعلّى» «8» : من بيت مشهور بجزيرة شقر من عمل بلنسية، كتب عن ولاة الأمر «9» من بني عبد المؤمن، ثم استكتبه ابن هود «10» ، حين تغلّب على الأندلس، وربما استوزره «11» ، وهو ممّن كان والدي يكثر مجالسته، وبينهما مزاورة، ولم أستفد منه إلّا ما كنت أحفظه من «12» مجالسته.
شعره: قال «13» : سمعته يوما «14» يقول، تقيمون القيامة بحبيب «15» ، والبحتري، والمتنبي، وفي عصركم من يهتدي إلى ما لم يهتد إليه المتقدّمون ولا المتأخّرون،
فانبرى إليه «1» شخص له همّة «2» وإقدام، فقال «3» : يا أبا جعفر، أين «4» برهان ذلك، فما أظنك تعني إلّا نفسك «5» ، فقال «6» : ما أعني إلّا نفسي، ولم لا، وأنا الذي أقول «7» :[السريع]
يا هل ترى أظرف «8» من يومنا
…
قلّد جيد الأفق طوق العقيق
وأنطق الورق بعيدانها
…
مطربة «9» كلّ قضيب وريق
والشّمس لا تشرب خمر النّدى
…
في الرّوض إلّا بكؤوس «10» الشّقيق
فلم ينصفوه في الاستحسان، وردّوه في الغيظ «11» كما كان، فقلت له: يا سيدي، هذا والله «12» السّحر الحلال، وما سمعت من شعراء عصرنا مثله، فبالله إلّا ما لازمتني وزدتني من هذا النمط، فقال لي: لله درّك، ودرّ أبيك من منصف ابن منصف. اسمع، وافتح أذنيك. ثم أنشد «13» :[الوافر]
أدرها فالسماء بدت عروسا
…
مضمّخة الملابس بالغوالي
وخدّ الأرض «14» خفّره «15» أصيل
…
وجفن «16» النّهر كحّل بالظّلال
وجيد الغصن يشرف «17» في لآل
…
تضيء بهنّ أكناف اللّيالي
فقلت: بالله أعد وزد، فأعاد والارتياح قد ملأ «18» عطفه، والتّيه قد رفع أنفه،
ثم قال «1» : [السريع]
لله نهر عندما زرته
…
عاين طرفي منه سحرا حلال
إذ «2» أصبح الطّلّ به ليلة
…
وجال «3» فيه «4» الغصن مثل «5» الخيال
فقلت: ما على هذا مزيد في الاستحسان «6» ، فعسى أن يكون المزيد في الإنشاد، فزاد ارتياحه وأنشد «7» :[الوافر]
ولمّا ماج بحر الليل بيني
…
وبينكم وقد جدّدت ذكرا
أراد لقاءكم «8» إنسان عيني
…
فمدّ له المنام عليه جسرا
فقلت «9» : إيه زادك الله إحسانا، فزاد «10» :[الوافر]
ولمّا أن رأى إنسان عيني
…
بصحن الخدّ منه غريق ماء
أقام له العذار عليه جسرا
…
كما مدّ الظلام على الضّياء
فقلت: فما تكرّر «11» ويطول، فإنه مملول، إلّا ما أوردته آنفا، فإنه كنسيم الحياة، وما إن يملّ، فبالله إلّا ما زدتني «12» ، وتفضّلت عليّ بالإعادة، فأعاد وأنشد:
[الكامل]
هات المدام إذا رأيت شبيهها
…
في الأفق يا فردا بغير شبيه
فالصّبح قد ذبح الظلام بنصله
…
فغدت حمائمه تخاصم فيه «13»
دخوله غرناطة: دخلها مع مخدومه المتوكل على الله ابن هود وفي جملته، إذ كان يصحبه في حركاته، ويباشر معه الحرب، وجرت عليه الهزائم، وله في ذلك كلّه شعر.
محنته: قالوا «1» : لم يقنع بما أجرى عليه أبو العباس الينشتي «2» من الإحسان، فكان يوغر صدره من الكلام فيه، فذكروا أن الينشتي قال يوما في مجلسه: رميت يوما بسهم من كذا، فبلغ إلى كذا؛ فقال ابن طلحة لشخص كان إلى جانبه: والله لو كان قوس قزح؛ فشعر أبو العباس إلى قوله ما يشبه ذلك، واستدعى الشخص، وعزم عليه، فأخبره بقوله، فأسرّها في نفسه، إلى أن قوّى الحقد عليه، من ما بلغه عنه من قوله يهجوه:[الوافر]
سمعنا بالموفّق فارتحلنا
…
وشافعنا له حسب وعلم
ورمت يدا أقبّلها وأخرى
…
أعيش بفضلها أبدا وأسمو
فأنشدنا لسان الحال عنه «3»
…
يد شلّا وأمر لا يتمّ
فزادت موجدته «4» عليه، وراعى أمره إلى أن بلغته أبيات قالها في شهر رمضان، وهو على حال الاستهتار:[الوافر]
يقول أخو الفضول وقد رآنا
…
على الإيمان يغلبنا المجون «5»
أتنتهكون «6» شهر الصّوم هلّا
…
حماه منكم عقل ودين؟
فقلت اصحب سوانا، نحن «7» قوم
…
زنادقة مذاهبنا فنون
ندين بكلّ دين غير دين الر
…
رعاع فما به أبدا ندين
فحيّ على الصّبوح «8» الدّهر ندعو
…
وإبليس يقول لنا أمين «9»
أيا «10» شهر الصيام إليك عنّا
…
إليك «11» ففيك أكفر ما نكون