الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو آثر قصوره لديه، وحضر غزوات أغزاها ببلاد الروم، فظهر منه في نكاية العدو وصدامه سهولة وغناء.
ولمّا اتصل به موت أخيه تعجّل الانصراف، ولحق بتلمسان، وداخل منها كبيرا من الموحّدين، يعرف بأبي هلال بباجة كما تقدم، فملّكه أبو هلال منها بجاية، ثم صعد تونس فملكها، فاستولى على ملك ابن أخيه وما ثمّ من ذمّه، وارتكب الوزر الأعظم فيمن قتل معه، وكان من أمره ما يأتي ذكره إن شاء الله.
إدبار أمره بهلاكه على يد الدّعيّ الذي قيّضه الله لهلاك حينه:
قالوا: واتّهم بعد استيلائه على الأمر فتى من أخصّاء فتيان المستنصر؛ اسمه نصير، بمال وذخيرة؛ وتوجّه إليه طلبه، ونال منه. وانتهز الفتى فرصة لحق فيها بالمغرب واستقرّ بحلال المراعمة من عرب دبّاب، وشارع الفساد عليه، بجملة جهده، حريصا على إفساد أمره، وعثر لقضاء الله وقدره بدعيّ من أهل بجاية يعرف بابن أبي عمارة.
حدّثني الشيخ المسنّ الحاج أبو عثمان اللّواتي من عدول المياسين، متأخر الحياة إلى هذا العهد؛ قال: خضت مع ابن أبي عمارة ببعض الدكاكين بتونس، وهو يتكهّن لنفسه ما آل إليه أمره، ويعدّ بعض ما جرى به القدر. وكان أشبه الخلق بأحد الصبية الذين ماتوا ذبحا، بالأمير أبي إسحاق، وهو الفضل، فلاحت لنصير وجه حيلته، فبكى حين رآه، وأخبره بشبهه بمولاه، ووعده الخلافة؛ فحرّك نفسا مهيّأة في عالم الغيب المحجوب إلى ما أبرزته المقادر، فوجده منقادا لهواه، فأخذ في تلقينه ألقاب الملك، وأسماء رجاله، وعوائده، وصفة قصوره، وأطلعه على إمارات جرت من المستنصر لأمراء العرب سرّا كان يعالجها نصير، وعرضه على العرب، بعد أن أظهر العويل، ولبس الحداد، وأركبه، وسار بين يديه حافيا، حزنا لما ألفاه عليه من المضيعة، وأسفا لما جرى عليه، فبايعته العرب النافرة، وأشادوا بذكره، وتقوّوا بما قرّره من إمارته؛ فعظم أمره، واتصل بأبي إسحاق نبأه فبرز إليه، بعد استدعاء ولده من بجاية، فالتقى الفريقان، وتمّت على الأمير أبي إسحاق الهزيمة، واستلحم الكثير ممّن كان معه؛ وهلك ولده، ولجأ أخوه الأمير أبو حفص لقلعة سنان، وفرّ هو لوجهه؛ حتى لحق ببجاية؛ وعاجله ابن أبي عمارة؛ فبعث جريدة من الجند لنظر أشياخ من الموحّدين، أغرت إليهم الإيقاع، فوصلت إلى بجاية، فظن من رآه من الفلّ المنهزم، فلم يعترضه معترض عن القصبة. وقبض على الأمير أبي إسحاق، فطوّقه الحمام، واحتزّ رأسه، وبعث إلى ابن أبي عمارة به، وقد دخل تونس، واستولى على ملكها،
وأقام سنين ثلاثة، أو نحوها في نعماء لا كفاء له، واضطلع بالأمر، وعاث في بيوت أمواله، وأجرى العظائم على نسائه ورجاله إلى أن فشا أمره، واستقال الوطن من تمرّته فيه؛ وراجع أرباب الدولة بصائرهم في شأنه، ونهد إليه الأمير أبو حفص طالبا بثأر أخيه، فاستولى، ودحض عاره، واستأصل شأفته، ومثل به؛ والملك لله الذي لا تزن الدنيا جناح بعوضة عنده.
وفي هذا قلت عند ذكر أبي حفص في الرجز المسمّى ب «نظم «1» الملوك» ، المشتمل على دول الإسلام أجمع، على اختلافها إلى عهدنا، فمنه في ذكر بني حفص:[الرجز]
أوّلهم يحيى بن عبد الواحد
…
وفضلهم ليس له من جاحد
وهو الذي استبدّ بالأمور
…
وحازها ببيعة الجمهور
وعظمت في صقعه آثاره
…
ونال ملكا عاليا مقداره
ثم تولّى ابنه المستنصر
…
وهو الذي علياه لا تنحصر
أصاب ملكا رئيسا أوطانه
…
وافق عزّا ساميا سلطانه
ودولة أموالها مجموعه
…
وطاعة أقوالها مسموعه
فلم تخف من عقدها انتكاثا
…
وعاث في أموالها عياثا
هبّت بنصر عزّه الرياح
…
وسقيت بسعده الرّماح
حتى إذا أدركه شرك الرّدى
…
وانتحب النّادي عليه والنّدى
قام ابنه الواثق بالتّدبير
…
ثم مضى في زمن يسير
سطا عليه العمّ إبراهيم
…
والملك في أربابه عقيم
وعن قريب سلب الإماره
…
عنه الدعيّ ابن أبي عماره
عجيبة من لعب الليالي
…
ما خطرت لعاقل ببال
واخترم السيف أبا إسحاقا
…
أبا هلال لقي المحاقا
واضطربت على الدّعي الأحوال
…
والحق لا يغلبه المحال
ثم أبو حفص سما عن قرب
…
وصيّر الدّعي رهين التّرب
ورجع الحق إلى أهليه
…
وبعده محمد يليه