الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن أسباب وقوع الاختلافات كثيرة جدًا يصعب حصرها، ويمكن تقسيمها إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: ترجع إلى الرواة أنفسهم مما يؤدي إلى تفاوت رواياتهم.
المجموعة الثانية: ترجع إلى المروي عمومًا والصحيح خصوصًا.
المجموعة الأولى: أسباب تفاوت الرواة في الروايات وترجيح بعضهم على بعض
(1)
إن مجال اختلاف الرواة عند المحدثين يدور في اختلافهم في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر العلماء أوجهًا للتفاوت بين الرواة، ويقصدون بقولهم: الرواة. أي: الرواة الواردون في أسانيد الأحاديث.
ولكن اختلافهم في الرواية عن مصنف والتفصيل بين هذه الروايات لم أجد من خصه بذكر، ويمكن اعتبار أقوال المحدثين والأصولين في التفاوت بين الأخبار والرواة، والاستفادة به في مجال اختلاف الرواة في رواية المصنفات.
وهذه الأوجه منها ما يتعلق بالمُصنِّف وهو الإمام البخاري ويشمل ذلك طريقة تأليفه وتحديثه بالكتاب وإسماعه.
ومنه ما يتعلق بالرواة أنفسهم ويشتمل ذلك على ما يتعلق بركني القبول وهما العدالة والضبط:
فمن المعلوم أن مجموع صفات من تقبل روايته ينحصر في أمرين أساسين:
(1) ينظر «معرفة مدار الإسناد وبيان مكانته في علم علل الحديث» لمؤلفه محمد مجير الحسني 2/ 80 وما بعدها.
أولًا: أن يكون الراوي عدلًا:
ثانيًا: أن يكون الراوي ضابطًا لم يرويه.
فلابد من تحقق العدالة والضبط في كل راو على حدة، ورواة «الصحيح» عن البخاري تحملوا «الصحيح» بأوجه الرواية المعتبرة عند المحدثين القدامى فهم من حيث كونهم رواة ينطبق عليهم ما اشترطه العلماء لقبول رواية الراوي قبل البخاري رحمه الله تعالى.
وهذا القسم يشمل أغلب المرجحات ويشترك النسخ فيه مع الروايات الأخرى عند المحدثين قبل التدوين.
ولا يخفى أن هذه الأمور التي ستذكر هي أمر زائد على القدر المعين الذي اشترطه المحدثون لقبول الراوي عمومًا.
أولًا: العدالة:
للحكم على الراوي بالعدالة شروط هي: الإسلام، والعقل، والسلامة من الفسق، والسلامة من خوارم المروءة.
الترجيح بين الروايات بهذه الصفات التي ترجع إلى ذات الراوي قليل جدًا، وإنما أكثر اعتماد الحفاظ في الترجيح بين الروايات على الصفات التي تعود إلى ضبط الراوي:
والصفات التي تعود إلى عدالة الراوي هي:
1 -
حسن الاعتقاد:
وذلك يكون بسلامته التامة من البدع المحدثة، وقد فصل العلماء القول في رواية المبتدع، وانتهى القول الراجح إلى قبول رواية المبتدع بدعة غير مكفرة، ولم يكن ممن يستحل الكذب لنصرة بدعته، ولم يكن
داعية إليها، ولم يرو ما يؤيد بدعته (1).
2 -
الورع: وهي في الأصل: الكف عن المحارم والتحرج منها، ثم استعير للكف عن المباح والحلال (2).
وهو بمعناه الأصلي ركن في العدالة، لكنه في المعنى الذي استعير له، يزيد في عدالة القائم به، وإنما تقدم رواية الأورع؛ لأنه أشد احتياطًا فيما يروي، وأبعد عن التساهل فيما ينقل.
لكن هذا الوجه قلما يرجح به منفردًا، فلابد من مراعاة علم الراوي وضبطه مع ذلك (3).
ومن الصفات التي تعود إلى ذات الراوي صفات ذكرها بعض الأصوليين في الترجيح بين الأخبار، لكنها لا تُعدُّ أوجهًا معتبرة، ولا نجد المحدثين يفاضلون بها بين الرواة، منها: الذكورة، والحرية، والنسب.
فمثلًا اعتبر بعض العلماء أن الذكورة من مرجحات الروايات (4).
وذهب الجمهور إلى أن الذكورة والأنوثة لا يدخلان في الترجيح، ولا تأثير لهما في قوة الخبر، ولذلك نجد روايات لنساء عرفن بالضبط والدقة، فاعتمد العلماء على روايتهن مثل رواية كريمة المروزية (463) هـ، بل اعتبرت من أشهر الروايات، كما نجد رواية وزيرة التنوخية التي روى من طريقها: العيني والقسطلاني وابن حجر وغيرهم.
(1)«معرفة مدار الإسناد» 2/ 109، وينظر:«نزهة النظر» لابن حجر 75 - 76.
(2)
ينظر: «التقييد والإيضاح» للعراقي ص: 273 الوجة (56)، «النهاية في غريب الحديث» 5/ 174.
(3)
«معرفة مدار الإسناد» لمحمد مجير الحسني 2/ 111، وانظر:«قواطع الأدلة» لأبي المظفر السمعاني 3/ 35.
(4)
انظر: «التقييد والإيضاح» للعراقي ص: 273 الوجه (63).
ثانيًا: التفاوت في الضبط:
يعد التفاوت في الضبط أصلًا لوقوع كثير من الاختلاف بين الرواة؛ ذلك لأن شروط الضبط: اليقظة والحفظ، أو ضبط الكتاب، والعلم بما يحيل الألفاظ عن معانيها في حال الرواية بالمعنى، وقد لا تجتمع في بعض الحالات، كما أن كل شرط منها على حدة قابل للتجزؤ والتفاوت.
قال الشافعي (204) هـ رحمه الله تعالى:
وأهل الحديث متباينون: فمنهم المعروف بعلم الحديث، بطلبه وسماعه من الأب والعم وذوي الرحم والصديق، وطول مجالسة أهل التنازع فيه، ومن كان هكذا مقدمًا في الحفظ، إن خالفه من يقصر عنه كان أولى أن يقبل حديثه ممن خالفه من أهل التقصير عنه، ويعتبر على أهل الحديث بأن إذا اشتركوا في الحديث عن الرجل بأن يستدل على حفظ أحدهم بموافقة أهل الحفظ، وعلى خلاف حفظه بخلاف حفظ أهل الحفظ له، وإذا اختلفت الرواية استدللنا على المحفوظ منها والغلط بهذا، ووجوه سواه تدل على الصدق والحفظ والغلط (1).
وأسباب اختلاف الرواة في الضبط يرجع إلى سببين إجماليين:
الأول: أمر يتعلق بالوَهْب من الله الوهاب، فالحفظ والضبط من نعم الله تعالى وفضله على خلقه، يتفضل بها على من يشاء من عباده.
الثاني: أمر يتعلق بالكسب والاجتهاد: وذلك أن تلقِّي الراوي عن شيخه يقع ضمن ظروف متعددة تحيط بكل من الشيخ والطالب، وهذه الظروف قد تكون شخصية، وقد تكون زمانية، وقد وتكون مكانية، وغير
(1)«الرسالة» ص: 381 - 383 (1045 - 1048).
ذلك مما يظهر آثارها في تفاوت الرواة (1).
ويعرف الضبط كما يرشد إليه كلام الشافعي السابق بعرض مرويات الراوي على مرويات الرواة الحفاظ، مما ينتج عنه موافقة أو مخالفة، وتظهر نسبة ما وافقهم فيه وما خالفهم، وكلما كانت نسبة المخالفة إلى الموافقة أقل كانت مرتبة الضبط أعلى (2).
فإن كانت موافقاته غالبة، ومخالفاته نادرة دل ذلك على ضبطه، فيقبل ما تفرد به - ومما لا تعرف فيه الموافقة والمخالفة - حملًا له على الغالب، وإن كانت مخالفاته غالبة أو كثيرة، وموافقاته نادرة أو قليلة دل على اختلال ضبطه، فلا يقبل ما تفرد به - مما لا تُعرَف فيه الموافقة والمخالفة - حملًا له على الغالب.
ومن الأمور التي يعرف بها معرفة ضبط الراوي فيما تفرد به: اعتبار روايات أصحابه عنه، فإن اتفقوا دل على ضبطه لذلك الحديث، وإن اختلفوا عليه وكانوا من الحفاظ الأثبات دل على عدم ضبطه له، وتحديثه به على أكثر من وجه.
قال عبد الرحمن بن مهدي (198) هـ رحمه الله تعالى: إنما يستدل على حفظ المحدث إذا لم يختلف عليه الحفاظ (3).
والضبط عند المحدثين نوعان: ضبط صدر، وضبط كتاب، وقد سبق تفصيلهما في التمهيد العام للبحث.
وكلا النوعين من الضبط يعرض له الخلل.
(1) ينظر: «معرفة مدار الحديث» 2/ 118 - 119.
(2)
«الرسالة» (371 - 463).
(3)
رواه الخطيب في «الكفاية» ص: 609.