الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهج الجمع بين أكثر من رواية من روايات «الصحيح»
الأصل في الوصول إلى نص المؤلف هو الرجوع إلى نسخته التي كان يروي منها، فإذا لم يتيسر ذلك كما هو الحال في «الجامع الصحيح» فينظر هل تعددت الروايات عن هذا المؤلف أم لا؟
فإن لم تتعدد فالأمر سهل وهين؛ حيث لا يوجد اختلاف على المؤلف، أما إذا تعدد الرواة عن هذا المؤلف، ثم تعدد الرواة عن هؤلاء الرواة وهكذا .. - وذلك كما هو الحال في «الجامع الصحيح» - فإنه يجب مراعاة الآتي عند إخراج النص الأصلي:
أولًا: تحديد الروايات التي سيتم الاعتماد عليها: وذلك بالوقوف على النسخ الخطية التي سيتم الاعتماد عليها، ويراعى أن تكون هذه الروايات مما عُرف أصحابها بالدقة والضبط والعناية بهذا الشأن.
وللوصول إلى ذلك يفضل القيام بعمل مسح شامل على مظان المخطوطات، لأهم المكتبات في مصر والعالم العربي، والمجموعات العالمية لبعض المستشرقين، وذلك بغرض الوصول إلى أصح الروايات.
ويكون ذلك بالقيام بفحص كل المخطوطات التي نسبت لـ «الصحيح» ، من خلال فريق متخصص، لدية الخبرة والإمكانيات التي تساعده على تمييز المخطوطات التي لها قيمة تاريخية عن غيرها.
ثانيًا: وضع رموز مناسبة يراعى فيها الاختصار والدلالة على صاحب الرواية.
ثالثًا: تمييز الزيادة والنقص أو الإبدال أو الاختلاف في الألفاظ أو الشكل أو الترتيب، سواء أكان ذلك في العناوين والكتب، أم في الأحاديث، وسواء أكان ذلك في الأحاديث المسندة، أم في المعلقات من الأسانيد أو المتون أو غير ذلك.
ويمكن فعل ذلك بأحد ثلاث طرق:
الأولى: تقسيم النص إلى: أصل وحاشية، فيوضع في الأصل الرواية المختارة، ثم في الحاشية اختلاف باقي الروايات زيادًة ونقصًا وغير ذلك، فيكون القدر المتفق عليه بين الروايات في صلب المتن دون تعليق، وذلك كما هو الحال في مناهج الطباعة الحديثة، ويمكن اعتبار طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر مثالًا لهذه الطريقة، حيث أخرجوا الطبعة السلطانية بعد فك الرموز والتعبير عنها بالألفاظ، وقد سبق الكلام على هذه الطبعة بالتفصيل.
الثانية: وضع النص بجميع زياداته في كل النسخ في نص واحد، مع الرمز على الكلمات أو الجمل المحذوفة في بعض الروايات لمن سقطت عندهم هذه الكلمات أو الجمل أو غير ذلك من أنواع الاختلاف، مع الإشارة في الحاشية لما يتعذر حكايته في المتن.
وهذه الطريقة تتميز بالاحتياط في جمع النص من جميع الروايات، وإن سقط من بعض الروايات بعض الألفاظ والكلمات - وذلك عكس الطريقة الثالثة كما سيأتي.
ويعد عمل الحافظ شرف الدين اليونيني مثالاً لهذه الطريقة.
الثالثة: هي الاقتصار على القدر المتفق عليه بين الروايات، ويعتمد في الترتيب أصح الروايات، ثم نضع في الحاشية الكلمات أو الجمل المختلف فيها معزوةً إلى أصحابها. وهذه الطريقة تختلف عن الأولى بعدم اختيار نسخة معينة في الأصل إلا في الترتيب، وهي عكس الثانية حيث لا يتم هنا الاقتصار إلا على القدر المتفق عليه بين الروايات التي سُيعتمد عليها في النص، وهذه الطريقة تمتاز عن غيرها بقدرتها على استيعاب أكبر عدد ممكن من الروايات.
رابعًا: اعتماد منهج في الدلالة على الزيادة والنقصان والتقديم والتأخير وتعدد الشكل في الكلمة الواحدة وغير ذلك، وقد سبق بيان منهج العلماء القدامى في كتابة الحديث؛ ومنهج القوم أولى بالاتباع ما دام فيه الدلالة الكافية على المراد.
ومما ينبغي مراعاته في ذلك الرجوع إلى كتب الشروح حيث اعتمد الشراح - وخاصة الإمام القسطلاني وابن حجر - على روايات في غاية الصحة، كما تناولوا توجيه هذه الروايات وإزالة الإشكالات التي بينها.
كما يجب الرجوع إلى الكتب التي لها عناية خاصة برجال «الصحيح» مثل: كتاب الكلاباذي (398) هـ وكتاب «تقييد المهمل» لأبي علي الجياني (498) هـ قسم رجال البخاري منه، كما يجب الرجوع إلى الكتب التي لها عناية بألفاظ الصحيح مثل كتاب «مشارق الأنوار» للقاضي عياض (544) هـ وغير ذلك من كتب الأطراف وخاصة «تحفة الأشراف» للمزي (742) هـ.
وهذا المنهج السابق يجعل «صحيح البخاري» كله في متناول يدك، بالإضافة إلى تمييز المتفق عليه بين الروايات والمختلف فيه ونسبة كل اختلاف إلى المروي عنه، بحيث تستطيع لو أردت أن تجمع كل رواية على حدة لفعلت.
أما أن تجمع كل الروايات في متن واحد مع عدم التمييز بينها، فهذا كمن يعمد إلى كتاب من الكتب، ويجمع فيها كل الزيادات والفروق بين النسخ ولا يميز بينها، وهو ما لا يليق بهذا الكتاب وهو أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى.
وكتاب «الجامع الصحيح» للبخاري يستحق الرجوع به إلى الرواة الأول عنه، فتميز رواية الفربري، عن رواية حماد بن شاكر، عن رواية إبراهيم بن معقل النسفي، وهكذا، وتجاهل هذه الفروق بين النسخ أوقع كثيرًا من الإشكالات الكبرى التي نجدها تزول بمجرد الرجوع إلى الروايات الأولى، والتي حدثت نتيجة لخلط المتأخرين بين الروايات.
ولعل الله يهيئ لهذا الكتاب جهة من الجهات المعنية بتحقيق التراث أو الحديث، وتخرج لنا عملًا متكاملًا بإسناده إلى فريق من المتخصصين في التراث وفي الحديث مع توفير الإمكانات اللازمة لجمع أكبر عدد ممكن من المخطوطات التي ترجع إلى الروايات الأولى، نسأل الله ذلك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وفي الختام أقول: إن هناك كثيرًا من النتائج التي تتبين للقارئ وتظهر في ثنايا البحث مما يغني عن إعادته هنا.
والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.