الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتفاوت بين أوجه التحمل مبحثٌ كبير بين العلماء قديمًا وحديثًا، ولا مجال هنا لبسط القول فيه (1).
واعتبره كثير من الأصوليين مرجحًا من مرجحات التفاوت بين الروايات المختلفة (2).
3 - حال الشيخ عن التحمل:
وذلك بمراعاة حال الشيخ من قوة حفظه وتمام يقظته، فإذا تعرض الشيخ لنوع من اختلال الضبط، كالاختلاط مثلًا أو ضياع أصوله أو فقده لها، كاحتراقها مثلًا، إذا تعرض الشيخ لمثل ذلك عده العلماء مختلطًا، فيراعى من تحمل عنه حال ضبطه، ومن تحمل عنه حال اختلاطه.
ومن تتبع صنيع المحدثين يجد أنهم ردوا روايات لبعض الرواة، لروايتهم لها في حالة الاختلاط.
ويلتحق بذلك إذا كان الشيخ متساهلاً في الإسماع، أو يغلبه النعاس أو النوم، أو ينشغل عمن يقرأ عليه، فرواية من تحمل بهذه الصفة مرجوحة، تُرَجَّحُ عليها رواية من تحمَّل حال السلامة من ذلك.
4 - الصحبة والملازمة:
هذا الوجه من أكثر الوجوه التي عول عليها المحدثون ترجيح بعض الروايات على البعض الآخر.
واعتبار الصحبة والملازمة من أقوى المرجحات، لأن ذلك يحصل
(1)«الإلماع» للقاضي عياض ص: 72 - 124، و «الكفاية» للخطيب البغدادي ص: 408 - 507، و «علوم الحديث» ص: 128 - 180.
(2)
ينظر: في ذلك: «الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار» للحازمي 10 - 11، «الإحكام في أصول الأحكام» 3/ 271 - 274.
به زيادة الظن في معرفة أحوال المصحوب، ومجالسة المحدثين تزيد من الوقوف على مصطلحات الشيخ، وما يعتري الرواية من الخلل، والرجوع إلى الشيخ فيما يظهر فيه إشكال أو يحتاج إلى إيضاح.
ولعل الأصل في ذلك ما حدث مع أبي هريرة رضي الله عنه من كثرة روايته للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانفراده ببعض الأحاديث التي لا تروى إلا من خلاله، وذلك لشدة ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله، وقد أفصح بذلك أبو هريرة نفسه، عندما بلغه إنكار البعض عليه كثرة رواياته.
روى البخاري في كتاب: العلم، باب حفظ العلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وِإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشِبَعِ بَطْنِهِ وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ، وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ (1).
ويترتب على كثرة الملازمة كثرة المرويات والمسموعات من الشيخ فيروي العدد من الأحاديث لا يشاركه فيها غيره.
كما يؤدي ذلك إلى تكرار سماع التلميذ الأحاديث من الشيخ، وفي ذلك فوائد لا تعد ولا تحصى، منها حصول معارضة المسموع أو المروي، مما يفيد التثبت في الرواية.
ومن أهم ما يترتب على الملازمة أيضًا: وقوف التلميذ على ما استجد عن الشيخ من رأي أو رواية، وذلك له أهميته خاصة في ما يحتاج إلى اجتهاد ونقد.
ولذلك فضل العلماء كثيرًا من روايات «الصحيح» التي عرف عن
(1)«صحيح البخاري» (118، 119) وينظر: (2047، 2350، 3648، 7354).