الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث:
نسخة أبي عمران موسى ابن سعادة (522) ه
ـ
اسمه ونسبه (1):
هو أبو عمران موسى بن سعادة، مولى سعيد بن نصر مولى الناصر عبد الرحمن ابن محمد الأموي.
كان من أهل بلنسية، وخرج منها لما تملكها الروم بعد الثمانين وأربعمائة إلى دانية، ثم استوطن مريسية.
وابن سعادة نُسب إليها غير واحد، منهم:
- موسى بن محمد بن سعادة ابن أخي هذا، وسمع أيضا من أبي علي الصَّدفي كثيرا، وسمع بالإسكندرية من أبي بكر الطرطوشي وغيره (2).
- القاضي أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة، ابن أخي صاحب النسخة أيضا، ولد سنة (496 هـ)، المرسي سكن شاطبة ودار سلفه ببلنسية، سمع أبا علي الصَّدفي أيضا واختص به وأكثر عنه، وإليه صارت دواوينه وأصوله العتاق، وأمهات كتبه الصحاح لصهر كان بينهما؛ حيث كان أبو علي صاهر عمه أبا موسى.
وصفه غير واحد بالتفنن في العلوم والمعارف والرسوخ في الفقه وأصوله والمشاركة في علم الحديث والأدب، وسمع منه أبو الحسن بن هذيل «جامع الترمذي» ، ومن تآليفه كتاب «شجرة الوهم المترقية إلى ذروة
(1) ينظر ترجمته في: «معجم أصحاب أبي علي الصَّدفي» ص: 196 - 198 (167)، و «نفح الطيب» ص: 221 (142)، و «التنويه والإشادة بمقام ابن سعادة» للشيخ عبد الحي الكتاني.
(2)
ينظر: «معجم أصحاب أبي علي» لابن الأبار ص: 198 (168).
الفهم» قال ابن الأبار: روى عنه جلة شيوخنا وأثنوا عليه.
حُكِي أنه كان عنده أصول حسان بخط عمه ابن عمران موسى بن سعادة مع الصحيحين بخط الصَّدفي في سفرين.
توفي في شاطبة آخر ذي الحجة سنة خمس وستين وخمسمائة، ودُفن في الروضة المنسوبة إلى أبي عمر بن عبد البر رحمهما الله تعالى (1).
ومنهم: الفقيه أبو القاسم محمد بن يوسف بن سعادة يوجد اسمه في سماع على نسخة ابن سعادة.
شيوخ ابن سعادة:
قال ابن الأبار في «معجم شيوخ أبي علي الصَّدفي» (2): سمع من أبي علي عامة روايته، ولازم مجلسه قديمًا وحديثًا، وكان صهره والقائم بمؤنه والمتولي لأشغاله دونه سعة يسار وكرم أصهار، ويتفرغ بذلك للإمتاع بما رواه
…
إلخ.
قال التلمساني في «نفح الطيب» (3) سمع صهره أبا علي بن سكرة الصَّدفي، وكانت بنته عند أبي علي، ولازمه وأكثر عنه، وروى عن أبي محمد مُفَوِّز الشاطبي، وأبي الحسن بن شفيع، قرأ عليهما «الموطأ» ، ورحل، وحج، وسمع «السنن» من الطرطوشي، وعُني بالرِّواية، وانتسخ
(1) ينظر ترجمته في «معجم ابن الأبار» ص: 183 - 185 (158)، «الوافي بالوفيات» 5/ 250 (2325)، «سير أعلام النبلاء» 20/ 508، «الديباج المذهب» 2/ 262 - 263 (80)، «بغية الوعاة» 1/ 277 (511)، «نفح الطيب» 2/ 158 - 160 (110)، «فهرس الفهارس» لعبد الحي الكتاني 2/ 1030 - 1032 (583)، «شذرات الذهب» لابن العماد 4/ 218.
(2)
ص: 196 (167).
(3)
2/ 221 (142).
صحيحي البُخارِيّ ومسلم بخطه، وسمعهما على صهره أبي علي، وكانا أصلين لا يكاد يوجد في الصحة مثلهما، حكى الفقيه أبو محمد عاشر بن محمد أنهما سُمعا على أبي علي نحو ستين مرة.
وقال ابن الأبار أيضا: وشارك في اللغة والأدب، وقد أخذ عنه بعض كتبهما ابن أخيه القاضي أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة (1)
وقال التلمساني: وكتب أيضا الغريبين للهروي وغير ذلك.
وكان أحد الأفاضل الصلحاء، والأجواد السمحاء، يؤم الناس في صلاة الفريضة، ويتولى القيام بمئونة صهره أبي علي وبما يحتاج إليه من دقيق الأشياء وجليلها، وإليه أوصى عند توجهه إلى غزوة قتندة التي فقد فيها سنة أربع عشرة وخمسمائة، وكانت له مشاركة في علم اللغة والأدب، وقد حدث عنه ابن أخيه القاضي أبو عبد الله محمد ابن يوسف بن سعادة بكتاب «أدب الكُتّاب» (2) لابن قتيبة، و «الفصيح» لثعلب (3)
عرف ابن سعادة أبو عمران بملازمته لأبي علي الصدفي، وعهد إليه أبو علي الصدفي قبل ذهابه إلى الغزوة التي استشهد فيها بابنته التي سماها فاطمة، أوصى بها إليه وعول في تنفيذ عُهُوده كلها عليه، فقام بها بعد مماته قيامه بشئونه حيال حياته، وكان من كلام أبي علي له عند وداعها وهي في
(1)«معجم شيوخ أبي علي الصَّدفي» ص: 197 - 198 (167).
(2)
ويقصد به «أدب الكاتب» كما هو عند المشارقة، وتسميته بـ «أدب الكتاب» معروفة عند المغاربة. ينظر: مقدمة كتاب «الاقتضاب شرح أدب الكتاب» للبطليوسي ويوجد كتاب آخر اسمه «أدب الكتاب» ولكنه لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي (335) هـ وهو غير كتاب ابن قتيبة.
(3)
«نفح الطيب» 2/ 221 (142).
حوْلَي إرضاعها سنوا بها سنة الاحترام، ولاتجمعوا لها بين اليتم والفطام (1).
وفاته: ذكر ابن الأبار وثيقة مؤرخة بصدر رجب من سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة تتضمن تنفيذ أبي عمران عهد أبي علي بإعتاق مملوكه مبشر الرومي الأصل، وإعطائه من صريح متروكه ما لا يأتلي في مثله أولو الفضل. ثم قال: ولم أقف لأبي عمران بعد هذا التاريخ على خبر، وأحسبه توفي بعقبه رحمه الله تعالى (2).
وعن هذه النسخة صارت نسخًا كثيرة في أقطار الأرض.
نسخة ابن سعادة:
هي تلك النسخة التي نسبت للحافظ أبي عمران موسى بن سعادة الأندلسي التي رواها عن شيخه وصهره أبي علي الصَّدفي عن أبي الوليد الباجي عن أبي ذر الهَرَويّ عن شيوخه الثلاثة عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ.
وهذه النسخة ظهرت منها بالمملكة المغربية نسخة مصورة بالتصوير الشمسي سنة 1347 هـ / 1928 م على يد الأستاذ لافي بروفنسال، ونشر منها المجلد الأول الموافق للخمس الثاني من الأصل، وكان الأستاذ بروفنسال مديرًا لمعهد الرباط آنذاك، وهي تبدأ من أول كتاب الحج حديث (1513)، وتنتهي بكتاب الجهاد، وهذا القسم المنشور من هذه الرِّواية كُتب له مقدمتان إحداهما بالفرنسية لبروفنسال والأخرى عربية كتبها محمد عبد الحي الكتاني، وقد طبعت هذه المقدمة منفردة بعد ذلك بعنوان:«التنويه والإشادة بمقام رِواية ابن سعادة» ، وقد منَّ الله تعالى عليَّ ووقفت على نسخة خطية من هذه المقدمة.
وجه إيثار هذه النسخة والرِّواية على غيرها:
لقد اعثمد كثير من الشراح للصحيح على هذه النسخة في متن الصحيح ومن هؤلاء الإمام ابن مرزوق التلمساني المتوفى سنة (842) هـ في شرحه «المتجر الربيح والمسعى الرجيح» كما جاء ذلك في أول شرحه (1).
إن رِواية ابن سعادة ونسخته اختصت بالترجيح والتقديم على غيرها من الروايات لموجبات:
1 -
صحة الأصل المأخوذة منه، فإنها نسخت من نسخة شيخه وصهره الحافظ أبي علي الصَّدفي التي طاف بها في الأمصار، وسمعها وقابلها على نسخ شيوخه بالعراق ومصر والشام والحجاز والأندلس، وقد سبق بيان ما امتازت به هذه النسخة.
2 -
إن أبا عمران موسى بن سعادة اعتنى بمقابلتها وتصحيحها من يوم أتم كتابتها أواخر القرن الخامس، وتكرر سماعه فيها ومقابلتها على شيخه الصَّدفي
قال الحافظ ابن الأبار: انتسخ «صحيح البُخارِيّ» ومسلم بخطه، وسمعها على صهره أبي علي نحو ستين مرة (2).
فإذا كان سماعه لها على أبي علي الصَّدفي وحده نحو ستين مرة، فانظر كم سمعها على غيره من مشايخه، وكم أسمعها للناس بعد وفاة مشايخه، وإذا علمنا أن أبي علي الصَّدفي إنما جلس بالأندلس بعد رجوعه
(1) وقد استفدت ذلك من رسالة دكتوراة في تحقيق أول هذا الشرح، وهي مسجلة في جامعة الجزائر للباحثة حفيظة بلميهوب وأشرف عليها الأستاذ الدكتور مصطفى أبو عمارة.
(2)
ينظر: «معجم أصحاب أبي علي» ص: 197.
من رحلته نحو أربع وعشرين سنة تقريبًا، وخوطب أثناءها بولاية القضاء بمرسية، فاختفى مدة في المرية فرارا منه، ثم وليه كرها ثم استعفي منه.
قال عِياض في «الغنية» : ولي القضاء بمرسية سنة خمس وخمسمائة فحمدت سيرته واشتدت في الحق شكيمته إلى أن استعفى فلم يُعف، فاختفى وغيب وجهه (عدة)(1) شهور إلى أن أعفي سنة ثمان وخمسمائة (2).
وفي ترجمة عِياض من «معجم أصحاب الصَّدفي» لابن الأبار: رحل إلى الصَّدفي بمرسية فقدمها من غرة صفر عام 508 هـ.
وبعد خروج الصَّدفي توفر على ما كان عليه من الإسماع والتفقه والنسخ، فقد كتب الصَّدفي بخطه «صحيح البُخارِيّ» في هذه المدة وأتمه سنة ثمان وخمسمائة، وسمع عليه صهره «الصحيح» في أثنائها هذه المرات العديدة في هذه المدة القصيرة، مع أنه لم يكن يؤخذ عنه الصحيح وحده.
قال عنه عِياض في «الغنية» : سمع عليه الناس كثيرًا، وسمع منه من في عداد شيوخه، ومن سمع منه قبل، وذكر أيضا أنه بعد إعفائه من القضاء، توفر على ما كان بسبيله من الإسماع والتفقه (3).
3 -
إن هذه النسخة اتخذها أهل الأندلس بعد الصَّدفي، وابن سعادة محراب تصحيحهم، ويعسوب روايتهم ودرايتهم، فتداولتها أيدي جماعة من الحفاظ الأعلام، وكبار علماء الأندلس في كل جيل، وكما سمع فيها موسى بن سعادة وابن أخيه على مشايخهم، سمع الناس عليهم فيها أيضا، فكان على أول جزء منها سماع حسين بن محمد بن علي الأنصاري على
(1) تحرفت في المطبوع إلى مدة.
(2)
«الغنية» ص: 194.
(3)
ينظر «الغنية» ص: 194.
محمد بن يوسف بن سعادة بالمسجد.
وسماع آخر بتاريخ (556 هـ) وبقي الناس يعارضون بها ويقابلون ويصححون، واتخذها الناس أيضا عمدة عددوا منها الفروع، حتى إنه في آخر القرن العاشر وأول الحادي عشر، انتسخ منها العالم الصالح أبو عبد الله محمد بن علي المري الأندلسي الفاسي المعروف بالجزولي نسخة للشيخ أبي المحاسن يوسف الفاسي وسميت بالشيخة.
وتفرعت عن الشيخة هذه عدة نسخ:
منها: نسخة الشيخ أبي محمد عبد القادر بن علي الفاسي التي كان عدد منها كثيرا من النسخ، وببيعها كان يتعيش.
ومنها نسخة الشيخ أبي عبد الله محمد ميارة شارح «المرشد» و «التحفة» وهي نسخة معتمدة تداولتها أيضا أيدي الأعلام، وقد انتقلت اليوم إلى مراكش، وهي التي كان اعتمد عليها أبو عبد الله محمد الفضيل بن الفاطمي الشبيهي الزرهوني شارح «الصحيح» المسمى بـ «الفجر الساطع» في نسخته العشارية التي انتسخها بخطه منها، وصححها وضطبها عشرات المرات.
ومنها نسخة الشيخ أبي عبد الله محمد بن الشيخ أبي العباس أحمد الصقلي الحسيني الفاسي التي منها عدد كثيرًا من النسخ، وببيعها كان أيضًا يتعيش.
وهذا الفرع المعروف بالشيخة الذي هو أصل هذه النسخ المعتمدة في المغرب، المرجوع إليها في التصحيح والضبط، موجودة بفاس إلى الآن عند أولاد ابن سليمان الغرناطيين، صار لهم من أولاد الشيخ أبي المحاسن، ولعله ينقصه الآن السفر الثالث الذي أوله كتاب الخلق.
وبهذا صارت النسخة السعادية في الدرجة الأولى من الصحة.
وحسب الكتابات المرقومة على هذه النسخة، فإن المحدثين تداولوها
بعد وفاة أبي عمران بن سعادة ابتداء من ابن أخيه محمد بن يوسف بن سعادة، وقد سمع هذا جميع «الصحيح» من النسخة ذاتها على أبي علي الصَّدفي، وتم ذلك في ربيع الآخر عام 510 هـ، وكتب عليها بخطه تصحيحات كثيرة.
ثم سمعها على محمد بن يوسف بن سعادة غير واحد:
أولا: حسين بن محمد بن علي الأنصاري: السفر الأول بالمسجد الجامع في مرسية 539 هـ.
ثانيا: ابن نوح: محمد بن أيوب بن محمد الغافقي: جميع الكتاب بتاريخ صفر عام 556 هـ.
ثالثا: ابن أبي العاص: أحمد بن محمد بن علي النفزي، في جماعة سمعوا سائر السفر الثاني.
وسوى هؤلاء يوجد على نفس الأصل خط أبي الخطاب بن واجب، أحمد بن محمد بن عمر وإجازة محمد بن يوسف بن سعادة له، وكذلك خط أخيه وخط ابن بقي: عبد الواحد بن محمد القيسي، وخط ابن عمرو عثمان بن محمد بن عيسى اللخمي (1).
ولهذه الاعتبارات اعتمد المغاربة نسخة ابن سعادة في رِواية «صحيح البُخارِيّ» غير أنه لا يعرف - بالضبط - بداية هذا الاختيار.
وأقدم ذكر لها لا يتعدى العقد الرابع من المائة الهجرية التاسعة، حيث تمت مقابلة نسخة من «الجامع الصحيح» بأصل ابن سعادة، قراءة على محمد بن يحيى السراج، بمسجد إمامته من زنقة حجامة بفاس، في مجالس عدة بين المغرب والعشاء، وهو يمسك أصل ابن سعادة، وكمل ذلك أواخر
(1)«التنويه والإشادة» المقدمة المنشورة مع السفر الثاني من نسخة ابن سعادة.
ربيع الثاني، عام 836 هـ / 1432 م.
ومن هذا التاريخ تنتقل إلى عام 838 هـ / 1434 م - 1435 م، حيث تمت فيه معارضة نسخة خامسة من «صحيح البُخارِيّ» بأصل ابن سعادة، وكان ذلك برسم خزانة الوزير علي بن يوسف الوطاسي.
وبعد هذا تأتي الإشارة إلى نفس الأصل بمناسبة مقابلة نسخة أخرى وتصحيحها عليه، بتاريخ رجب عام 846 هـ / 1442 م.
ومن هذا التاريخ تختفي المصادر التي تردد ذكر هذا الأصل إلى حوالي نهاية القرن العاشر الهجري، وهنا ينتظم الحديث عن نسخة ابن سعادة، ويتأكد وجودها بكاملها محفوظة في خزانة القرويين بفاس.
وفي الوقت ذاته شهد نفس الأصل مبادرة علمية جعلته يتركز في الدراسات الحديثة بالمغرب عبر الفترات التالية، وذلك بكتابة نسخة جديدة منه من خط أبي عمران بن سعادة مباشرة، وتداول المعنيون بالأمر - إلى العقود الأخيرة - هذا الفرع المستجد بالانتساخ منه، والتصحيح به، والتعليق عليه، وإسماعه ودراسته (1).
قال عبد الحي الكتاني في «التنويه والإشادة» : وهي النسخة التي قال عنها ولده صاحب «مرآة المحاسن» : كانت قراءة الشيخ أبي المحاسن لـ «الصحيح» في نسخة نسخت له في خمسة أسفار من نسخة هذه التجزئة بخط الحافظ أبي عمران موسى ابن سعادة، وكان الفرع المذكور يسرد فيه شيخنا أبو العباس أحمد بن يوسف، ويمسك الأصل عمي شيخنا أبو محمد عبد الرحمن، وتعددت مقابلته مرات، ثم اشتهرت القراءة في الفرع المذكور، وصارت هذه النسخة تعرف في فاس بالشيخة، لتفرع أكثر نسخ
(1) مقالة «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية» 145 - 146.
فاس والمغرب منها، وكثرة تداول الأعلام لها، واعتمادهم عليها.
ومن هوامشها جمعت حواشي الشيخ أبي زيد عبد الرحمن بن محمد الفاسي على «الصحيح» ، جمعها من طرره عليها حفيد أخيه الشيخ أبو عبد الله بن عبد القادر الفاسي رحمه الله، وسماها «تشنيف المسامع» (1).
وقد صارت نسخة هذا الفرع تعرف في فاس بـ «الشيخة» ؛ نظرا لوفرة المنتسخات المغربية منها، مباشرة أو بواسطة، واعتبارا بكثرة تداول المحدثين لها واعتمادهم عليها.
ومن الجدير بالذكر أن النسخة «الشيخة» هذه لا تزال بقيد الوجود، وهي - بأسفارها الخمسة - في حوزة السفير المغربي السابق: السيد الحاج الفاطمي بن سليمان الأندلسي الغرناطي الأصل ثم الفاسي، ومنها مصورة بالخزانة العامة بالرباط في فيلم يحمل رقم 736.
أما النسخة الأصلية التي بخط ابن سعادة فقد بقي منها الآن أسفار، بينما كان السفر الأول قد ضاع قديما، وجدد بأمر السلطان العلوي محمد الرابع، بانتساخ آخر بدله من النسخة الشيخة، وكتبه بخطه محمد الهادي بن عبد النبي بن المجذوب الفاسي، حيث كمل في 12 ذي الحجة عام 1285 هـ / 1869 م. هذا السفر محفوظ بدوره بنفس الخزانة رقم د / 1332.
ثم كان مصير السفر الثالث الذي بخط ابن سعادة أن استعاره مستشرق معروف، ولعله كان يحاول تصويره نظير عمله في السفر الثاني، غير أنه توفي ولم يعد المخطوط إلى مكانه بالخزانة العامة بالرباط.
وقد قام المستشرق الفرنسي الأستاذ ليفي بروفنسال بنشر السفر الثاني من نسخة ابن سعادة منقولا بالتصوير الشمسي من خطه الأصلي مع
(1)«التنويه والإشادة» المقدمة المنشورة مع السفر الثاني من نسخة ابن سعادة
تصويره بمقدمة بالعربية باسم «التنويه والإشادة بمقام رِواية ابن سعادة» للمحدث المغربي محمد عبد الحي الكتاني، مع مقدمة أخرى بالفرنسية لنفس المستشرق ناشر هذا السفر في باريس عام 1347 هـ / 1928 م، في 177 ورقة عدا المقدمتين (1).
وما أجدر الأسفار الباقية من هذا الأصل بنشرها - هي الأخرى - بالتصوير، مع طبع النسخة بكاملها، طبعة علمية مصححة، وهو دين في ذمة المعنيين بالأمر من المغاربة (2).
(1) وعندي مصورة من هذا السفر المنشور بباريس.
(2)
مقالة «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية» 147 - 148.