الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو مع كل ذلك يسوق اختلاف الرُّواة في كل لفظة مع بيان وجه كل رِواية وبيان الوهم وسببه عندما تقتضي الحاجة لذلك.
نماذج الكتاب:
النموذج الأول: من كتاب العيدين، باب: من خالف الطريق إذا رجع.
قال البُخارِيّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. تَابَعَهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ فُلَيْحٍ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ (1).
قال ابن حجر في «الفتح» (2): قوله: (تابعه يونس بن محمد عن فليح وحديث جابر أصح).
كذا عند جمهور رواة البُخارِيّ من طريق الفَرَبْريّ، وهو مشكل لأن قوله:(أصح) يباين قوله: (تابعه) إذ لو تابعه لساواه فكيف تتجه الأصحية الدالة على عدم المساواة وذكر أبو على الجَيّانيّ (3) أنه سقط قوله: (وحديث جابر أصح) من رِواية إبراهيم بن معقل النَسَفْيّ عن البُخارِيّ فلا إشكال فيها.
قال: ووقع في رِواية ابن السكن: تابعه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة.
وفي هذا توجيه قوله (أصح) ويبقى الإشكال في قوله (تابعه) فإنه لم يتابعه بل خالفه، وقد أزال هذا الاشكال أبو نعيم في «المستخرج» فقال:
(1)«صحيح البُخَارِيّ» 2/ 23 (986).
(2)
2/ 473 - 474.
(3)
«تقييد المهمل» 2/ 593 - 597.
أخرجه البُخارِيّ عن محمد عن أبي تميلة وقال: تابعه يونس بن محمد عن فليح. وقال محمد بن الصلت: عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة، وحديث جابر أصح.
وبهذا جزم أبو مسعود في الأطراف، وكذا أشار إليه البرقاني.
وقال البيهقي: إنه وقع كذلك في بعض النسخ، وكأنها رِواية حماد بن شاكر عن البُخارِيّ.
ثم راجعت رِواية النَسَفْيّ فلم يذكر قوله: (وحديث جابر أصح). فسلم من الإشكال، وهو مقتضى قول الترمذي: رواه أبو تميلة ويونس بن محمد، عن فليح، عن سعيد عن جابر (1).
فعلى هذا يكون سقط من رِواية الفَرَبْريّ قوله: (وقال محمد بن الصلت عن فليح) فقط، وبقي ما عدا ذلك.
هذا على رِواية أبي على بن السكن، وقد وقع كذلك في نسختي من رِواية أبي ذر عن مشايخه.
وأما على رِواية الباقين فيكون سقط إسناد محمد بن الصلت كله.
وقال أبو على الصَّدفي في حاشية نسخته التي بخطه من البُخارِيّ: لا يظهر معناه من ظاهر الكتاب، وإنما هي إشارة إلى أن أبا تميلة ويونس المتابع له خولفا في سند الحديث، وروايتهما أصح، ومخالفهما - وهو محمد بن الصلت - رواه عن فليح شيخهما، فخالفهما في صحابيه فقال: عن أبي هريرة.
قلت: فيكون معنى قوله: (وحديث جابر أصح) أي من حديث من
(1)«جامع الترمذي» 2/ 425 (541) أبواب الصلاة، باب ما جاء في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى العيد
…
قال فيه عن أبي هريرة.
وقد اعترض أبو مسعود في الأطراف على قوله: تابعه يونس. اعتراضا آخر فقال: إنما رواه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة، لا جابر، وأجيب بمنع الحصر فإنه ثابت عن يونس بن محمد كما قال البُخارِيّ، أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس، وكذا هو في «مسنده» و «مصنفه» .
نعم رواه بن خزيمة (1) والحاكم (2) والبيهقي (3) من طريق أخرى عن يونس بن محمد، كما قال أبو مسعود. وكأنه اختلف عليه فيه، وكذا اختلف فيه على أبي تميلة، فأخرجه البيهقي من وجه آخر عنه فقال: عن أبي هريرة (4).
وأما رِواية محمد بن الصلت المشار إليها فوصلها الدارمي (5) وسمويه كلاهما عنه والترمذي (6) وابن السكن والعقيلى (7) كلهم من طريقه بلفظ: كان إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره.
(1)«صحيح بن خزيمه» 2/ 362 (1468) كتاب: الصلاة، باب: استحباب الرجوع من المصلى من غير الطريق الذي أتى فيه المصلى.
(2)
«المستدرك» 1/ 296 كتاب: العيدين.
(3)
«السنن الكبرى» 3/ 308 كتاب: صلاة العيدين، باب: الإتيان من طريق غير الطريق الذي غدا منها.
(4)
المرجع السابق.
(5)
«سنن الدارمي» 2/ 1004 (1654) كتاب: الصلاة، باب: الرجوع من المصلى من غير الطريق الذي خرج منه.
(6)
«سنن الترمذي» (541).
(7)
ذكره في «الضعفاء» 3/ 319 معلقًا دون إسناد.
وذكر أبو مسعود أن الهيثم بن جميل رواه عن فليح - كما قال بن الصلت - عن أبي هريرة.
والذي يغلب على الظن أن الاختلاف فيه من فليح، فلعل شيخه سمعه من جابر ومن أبي هريرة، ويقوى ذلك اختلاف اللفظين، وقد رجح البُخارِيّ أنه عن جابر وخالفه أبو مسعود والبيهقي فرجحا أنه عن أبي هريرة، ولم يظهر لي في ذلك ترجيح والله أعلم. اهـ
النموذج الثاني:
قال البُخارِيّ في كتاب بدء الخلق في أول باب منه بعد الحديث الثاني في الباب:
وَرَوَى عِيسَى، عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَقَامًا، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ، وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ (1).
قال ابن حجر (2):
قوله: (وَرَوَى عِيسَى، عَنْ رَقَبَةَ) كذا للأكثر وسقط منه رجل، فقال بن الفلكي: ينبغي أن يكون بين عيسى ورقبة أبو حمزة، وبذلك جزم أبو مسعود، وقال الطرقي: سقط أبو حمزة من كتاب الفَرَبْريّ، وثبت في رِواية حماد بن شاكر، فعنده عن البُخارِيّ: روى عيسى عن أبي حمزة عن رقبة، قال: وكذا قال بن رميح عن الفَرَبْريّ. قلت: وبذلك جزم أبو نعيم في «المستخرج» ، وهو يروي «الصحيح» عن الجُرْجانيّ عن الفَرَبْريّ.
(1)«صحيح البُخَارِيّ» 4/ 106 (3192).
(2)
فتح الباري 6/ 290.