المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب «تقييد المهمل وتمييز المشكل» لأبي علي الجياني - روايات الجامع الصحيح ونسخه «دراسة نظرية تطبيقية» - جـ ٢

[جمعة فتحي عبد الحليم]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثاني:أسباب الاختلافات

- ‌المجموعة الأولى: أسباب تفاوت الرواة في الروايات وترجيح بعضهم على بعض

- ‌النوع الأول: ما يرجع إلى ذات الراوي:

- ‌1 - الحفظ:

- ‌2 - الفقه:

- ‌3 - العلم بالعربية:

- ‌النوع الثاني: ما يرجع إلى أحوال الراوي مع شيخه:

- ‌1 - البلديَّة:

- ‌2 - القرابة:

- ‌3 - تقديم الشيخ للطالب وإيثاره بالرواية:

- ‌النوع الثالث: ما يرجع إلى أحوال التحمل:

- ‌1 - السن في حال التحمل:

- ‌2 - وجه التحمل:

- ‌3 - حال الشيخ عن التحمل:

- ‌4 - الصحبة والملازمة:

- ‌5 - عناية المحدث بكتابه:

- ‌المجموعة الثانية: أسباب الاختلافات التي تتعلق بالمروي وهو «الصحيح»:

- ‌1 - الاختلاف في النقل عن أصل البخاري نفسه:

- ‌2 - كثرة الرواة عن البخاري:

- ‌3 - ومن الأسباب التي تعود إلى العوامل البشرية:

- ‌أولًا: التصحيف والتحريف

- ‌ثانيًا: ومن الأسباب التي تؤدى إلى الاختلافات:بعض الأسباب التي تؤدي إلى وقوع الإدراج

- ‌ثالثًا: ومن أسباب الاختلافات:اختلاف العلماء في حكم تغيير جمل الثناء على الله عز وجل أو الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أو الترضي والترحم على العلماء

- ‌رابعًا: اختلاف العلماء في حكم جواز إصلاح الخطأ وتقويم اللحن

- ‌خامسًا: ومن هذه الأسباب - أيضًا - الاختلاف بين العلماء في التعبير في صيغ الأداء عن طريقة التحمل

- ‌سادسًا: ومن الأسباب التي أدت إلى كثير من الاختلافات أيضًا:اختلاف العلماء في حكم جواز الرِّواية بالمعنى

- ‌سابعًا: ومن الأسباب التي أدت إلى كثير من الاختلافات:إهمال البُخارِيّ نسبة بعض الراوة:

- ‌ثامنًا: ومن هذه الأسباب:أن يروى الحديث من طريقين ويكون في أحد الطريقين زيادة ليست في الرِّواية الأخرى فيروى الحديث مرة بدون الزيادة ومرة بها

- ‌تاسعًا: ومن أسباب الاختلاف بين الرُّواة:أن يكون الحديث محفوظًا عن أحد الرُّواة من وجهين

- ‌عاشرًا: ومن هذه الأسباب:اختلاف العلماء في جواز اختصار الحديث أو الاقتصار على بعضه دون الباقي

- ‌حادي عشر: ومن هذه الأسباب: اختلاف قراءات القرآن الكريم

- ‌ثاني عشر: ومن أسباب وقوع كثير من الاختلاف في ضبط الكلمات وإعرابها، وجودُ بعض الكلمات في العربية تحتمل أكثر من ضبط لغوي أو أكثر من وجه إعرابي

- ‌ثالث عشر: ومن أسباب وقوع كثير من الاختلافات في تقسيم الكتب والأبواب

- ‌رابع عشر: الاختلافات اللغوية الناشئة عن الاختلاف بين لغات العرب وأوجه الإعراب

- ‌الأمر الأول: الاختلافات الناشئة لاختلاف لغات العرب:

- ‌الأمر الثاني: الاختلافات الناشئة عن اختلاف العلماء في المذاهب أو المدارس النحوية:

- ‌الأمر الثالث: الاختلافات الناشئة لوجود أكثر من وجه إعرابي

- ‌الفصل الثالث:نتائج الوقوف على الاختلافات

- ‌أولًا: إزالة إشكالات وعلل في الإسناد

- ‌ثانيًا: ومن هذه النتائج الإسنادية:جعل بعض الرُّواة على شرط البُخارِيّ وهم ليسوا كذلك

- ‌ثالثًا: الوقوف على أسماء الرُّواة المهملين في الإسناد وخاصة شيوخ البُخارِيّ

- ‌رابعًا: ومن هذه النتائج إزالة التصحيف الواقع في الأسانيد

- ‌خامسًا: اختلاف العلماء في عدد كتب الجامع الصحيح وأبوابه وأحاديثه بناء على اختلاف النسخ

- ‌سادسًا: الوقوف على بعض الزيادات من الرواة

- ‌سابعًا: إزالة سوء الفهم في الترتيب والحذف والإثبات في الأبواب والأحاديث

- ‌ثامنًا: إزالة نسبة الوهم إلى بعض الشراح في عزو الأحاديث

- ‌تاسعًا: إيضاح فهم مراد البُخارِيّ وعلاقة الحديث بالترجمة التي سبقت له

- ‌عاشرًا: إزالة إشكالات في فقه متن الحديث

- ‌حادي عشر: إزالة تكرار حديث أو أثر أو باب في الصحيح

- ‌ثاني عشر: ثبوت أحاديث ومعلقات أو سقوطها من الصحيح

- ‌الفصل الرابع:وسائل توجيه الاختلافات

- ‌مراعاة صحة بعض الروايات، وشهرتها بين العلماء:

- ‌بعض الوسائل التي تساعد في الوصول إلى توجيه الاختلافات:

- ‌1 - النسخ من «الصحيح» التي قارنت بين هذه الروايات:

- ‌2 - الرجوع للكتب المتعلقة بـ «الصحيح»:

- ‌أ - شروح «الصحيح»:

- ‌ب - الكتب التي اهتمت بتقييد هذه الاختلافات وتوجيهها:

- ‌ج - كتب الأطراف:

- ‌د - الكتب المتعلقة بتمييز رجال الصحيح:

- ‌هـ - الكتب المؤلفة في العلل:

- ‌و- الكتب المؤلفة في المستخرجات:

- ‌ز - كتب السنة المسندة:

- ‌ي - الكتب التي اهتمت بضبط غريب الحديث:

- ‌خاتمة الباب الثاني

- ‌الباب الثالث«عناية الأمة بضبط الاختلافات»

- ‌الفَصْل الأول:عناية المشارقة بالصحيح

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: ترجمة اليُونِينِيّ

- ‌المبحث الثاني:نسخة اليُونِينِيّ (701) ه

- ‌المبحث الثالث:الطبعة السطانية

- ‌الفَصْل الثاني:عناية المغاربة بالصحيح

- ‌المبحث الأول:عناية المغاربة بصحيح البُخارِيّ

- ‌المبحث الثاني:نسخة أبي علي الصَّدفي (454 - 514) ه

- ‌المبحث الثالث:نسخة أبي عمران موسى ابن سعادة (522) ه

- ‌الفَصْل الثالث:أهم المصنفات التي تعتني بضبط الاختلافات

- ‌المبحث الأول:ضبط الاختلافات من خلال كتب الشروح

- ‌1 - كتاب «فتح الباري» بشرح صحيح البُخارِيّ لابن حجر العسقلاني (852) ه

- ‌الروايات التى روى الصحيح من خلالها:

- ‌منهج المؤلف في كتابه:

- ‌نماذج الكتاب:

- ‌طبعات الكتاب:

- ‌2 - كتاب «إرشاد الساري إلى صحيح البُخارِيّ»

- ‌روايات الكتاب:

- ‌قيمة الكتاب في الوقوف على الروايات:

- ‌ طبعات الكتاب:

- ‌«شرح صحيح البخاري»لابن بطال (449) ه

- ‌«التلخيص شرح الجامع الصحيح»للإمام النووي (676) ه

- ‌«الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري» للكرماني (786) ه

- ‌«فتح الباري شرح صحيح البخاري» لابن رجب الحنبلي (795) ه

- ‌«التوضيح لشرح الجامع الصحيح» لابن الملقن (804) ه

- ‌«عمدة القاري شرح صحيح البخاري» لبدر الدين العيني (855) ه

- ‌المبحث الثاني: كتب تقييد الألفاظ واختلاف الروايات والنسخ

- ‌كتاب «تقييد المهمل وتمييز المشكل» لأبي علي الجَيّانيّ

- ‌كتاب «مشارق الأنوار على صحاح الآثار» للقاضي عِياض

- ‌كتاب «مَطالِعُ الْأَنْوارِ عَلَى صِحاحِ الْآثارِ» لابن قُرْقُول 505 - 569 ه

- ‌خاتمة الباب الثالث

- ‌النتائج العامة للبحث

- ‌كيفية الوصول إلى نص «صحيح البخاري»

- ‌منهج الجمع بين أكثر من رواية من روايات «الصحيح»

- ‌قائمة المصادر والمراجع

الفصل: ‌كتاب «تقييد المهمل وتمييز المشكل» لأبي علي الجياني

‌كتاب «تقييد المهمل وتمييز المشكل» لأبي علي الجَيّانيّ

مؤلفه:

هو الحسين بن محمد بن أحمد أبو علي الغساني (1) الزهري (2) المعروف بالجَيّانيّ (3).

ولد أبو علي في ليلة الأحد لخمس خلون من المحرم سنة (427) هـ ونشأ بالأندلس فتتلمذ على أكابر علماء بلده، وكان من أهمهم في بداية طلبه للعلم حكم بن محمد بن حكم الجزامي أبو العاصي (447) هـ وكان ثقة عالي الإسناد متأخر الوفاة إذ توفي عن بضع وتسعين سنة، وعرف

(1) الغساني نسبة إلى قبيلة غسان، وهي يمنية من الأزد، نزلت الشام وسميت غسان بماء نزلته، واختلف في مكان هذا الماء فقيل باليمن بسد مأرب وقيل بالجحفة. «الأنساب» 4/ 195، «معجم البلدان» 1/ 203 - 204.

(2)

والزهري نسبة إلى مدينة صغيرة قرب قرطبة اسمها الزهراء كذا في «معجم البلدان» 3/ 161 - 162 وهي نسبة على غير قياس؛ لأن القياس في المنسوب إلى الزهراء أن يقال زهراوي كما جاء في ترجمة عمر بن عبيد الله بن يوسف الذهلي المعروف بالزهراوي وكذا في ترجمة خلف بن عباس الزهراوي أبي القاسم. ينظر «الصلة» لابن بشكوال 1/ 162، 379.

(3)

بالجيم المفتوحة والياء المشددة ثم ألف ونون نسبة إلى جيان وهي بلدة كبيرة بالأندلس «الأنساب» 2/ 135، «معجم البلدان» 2/ 195 ويبدو أن أبا علي كان يكره النسبة إليها فقد جاء في هامش النسخة الخطية من كتاب «الصلة» لابن بشكوال: قَال الحافظ أبو محمد بن موسي: سمعت الحافظ أبا علي يقول غير مرة: لا حلل من دعاني بالجَيَّانيّ .. «الصلة» 1/ 141 - هامش) ولذا فإنك تجد الحافظين ابن بشكوال وابن الأبار تجنبا نسبته إليه في كتبهم في الأغلب مع أنهما ذكراه مرات كثيرة، فالله أعلم.

ص: 852

بالرحلة إلى المشرق، كما تحمل أيضًا عن حاتم بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي القرطبي (469) هـ وكان معروفًا أيضًا بالرحلة إلى بلاد المشرق وعمر أيضًا حتى ألحق الأحفاد بالأجداد، إذ توفي عن إحدى وتسعين سنة.

وبعد هذين الشيخين لازم الإمامَ الحافظ يوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي (463) هـ حافظ المغرب وأخذ عليه كثيرًا من الكتب ومن رأسها مؤلفاته.

وكان مع اهتمام أبي علي بعلوم الحديث، وإكثاره من السماع والتقييد والضبط كانت له عناية بعلوم اللغة العربية وآدابها، فأخذها عن العالم الأندلسي أبي مروان عبد الملك بن سراج القرطبي (489) هـ، وعن عبد الملك بن زيادة الله التميمي الطبني (469) هـ.

ولم تكن له رحمه الله تعالى رحلة إلى بلاد المشرق، كما هي دأب المحدثين في زمانه، إلا أنه تتلمذ على يد كثير ممن رحلوا إلى بلاد المشرق، ولم يأثر التاريخ له رحلة إلى المشرق، حتى لأداء فريضة الحج، وإلا لنقلها العلماء الذين التقى بهم، حيث كان الحج مكانًا لالتقاء الشيوخ بالتلاميذ، بل نص غير واحد على عدم خروجه من الأندلس.

ومع أنه لم تكن له رحلة إلى بلاد المشرق إلا أنه كان كثير الترحال في بلاد الأندلس، حيث كان يرحل إلى شاطبة وبلنسية وأشبيلية وبطليوس وطليطلة والمَرِيَّة وكلها من مدن الأندلس، حيث نزلها فسمع وأسمع والتقى بالشيوخ والتلاميذ.

وقد سمع أبو علي من كثيرين حتى أنه ألف كتابًا في أسماء شيوخه، وذكر ما رواه عنهم من كتب العلم لكنه لم يصل إلينا، وقد أكثر ابن خير في فهرسته وابن بشكوال في «الصلة» من النقل عنه.

أما تلاميذه والآخذين عنه فيكفي في الدلالة على كثرتهم قول القاضي

ص: 853

عِياض تلميذه: شيخ الأندلس في وقته وصاحب رحلتهم

رحل إليه الناس من الأقطار وحملوا عنه (1).

وقال ابن بشكوال تلميذه (578) هـ: ورحل الناس إليه وعولوا في الرِّواية عليه (2).

وقال ابن الأبار تلميذه: فكثر الراحلون إليه، وغصَّ مجلسُه (3).

كل ذلك جعل أبا علي الغساني يتبوأ مكانة علمية كبيرة في حياة شيوخه وبعد وفاتهم، وقد أثنى عليه من ترجم له من العلماء بعبارات هي من أعلى ما يقال في بيان المكانة العلمية لعَلَمٍ من العلماء فهذا تلميذه أبو محمد بن عطية (541) هـ يقول في «فهرسته» (4): الفقيه الإمام الحافظ

أحد من انتهت إليه الرياسة بالأندلس في علم الحديث وإتقانه والمعرفة بعلله ورجاله مع تعرُّفٍ في علم النحو والغريب والأدب والشعر. اهـ.

وقال القاضي عِياض تلميذه (544) هـ: الشيخ الحافظ

شيخ الأندلس في وقته، وصاحب رحلتهم وأضبط الناس لكتاب، وأتقنهم لرِواية، مع الحظ الوافر من الأدب والنسب والمعرفة بأسماء الرجال وسعة السماع. ا. هـ (5).

وقال ابن بشكوال: رئيس المحدثين بقرطبة

وكان من جهابذة المحدثين وكبار العلماء والمسندين (6).اهـ.

(1)«الغنية» ص: 201، 202.

(2)

«الصلة» 1/ 142.

(3)

«المعجم» ص: 78.

(4)

ص: 77 - 78.

(5)

«الغنية» ص: 201، و «الِإلمَاع» ص: 192 - 193.

(6)

1/ 141 - 142.

ص: 854

وقال الذَّهبي 748 هـ في «سير أعلام النبلاء» : الإمام الحافظ، المجود، الحجة، الناقد محدث الأندلس

كان من جهابذة الحفاظ، قوي العربية، بارع اللغة، مقدمًا في الآداب والشعر والنسب (1).اهـ.

وكذا في كتبه «التذكرة» و «العبر» و «تاريخ الإسلام» . كما ذكر بأعلى الصفات وأبلغ العبارات في الثناء والرفعة والتقدم على أهل زمانه في الفنون المختلفة، ورحلة العلماء إليه، والوقوف بين يديه، والاغتراف من علمه، والفوز بالسماع منه والرِّواية عنه أصح ما وجد في زمانه. وانظر في ذلك أقوال العلماء في كتبهم مثل: ابن عبد الهادي (744) هـ في «طبقات علماء الحديث» (2)، والصفدي (764) هـ في «الوافي بالوفيات» (3)، وابن فرحون المالكي (799) هـ في «الديباج المذهب» (4) وغيرهم.

مؤلفاته:

التأليف موهبة من الله ورزقًا يرزق به من يشاء، وأبو علي الغساني مع أن شهرته التي ملأت الآفاق إلا أنه لم يكن مكثرًا من التأليف، وإنما عرف عنه عدد قليل من الكتب من أهمها وأوسعها كتابه «تقييد المهمل» ، وله كتاب آخر اسمه «تسمية شيوخ أبي داود السجستاني في مصنفه» (5).

وله كتاب «التاريخ» ذكره ابن بشكوال في «الصلة» (6).

(1) 19/ 148 - 149.

(2)

4/ 7، 8.

(3)

13/ 32.

(4)

ص: 105.

(5)

طبع مرتين الأولى عام 1418 هـ بدار الكتب العلمية تحقيق بسيوني زغلول، والثانية بدار ابن حزم تحقيق جاسم بن محمد بن حمود الفجي.

(6)

1/ 151.

ص: 855

وله «ذيل الاستيعاب» . ينظر: الذَّهبي في «السير» (1)، والسهيلي في «الروض الأنف» (2) وهذا الكتاب من مصادر ابن الأثير في «أسد الغابة» كما صرح به في مقدمته، وله كتب أخرى.

وفاته:

وبعد هذه الرحلة الحافلة بالسماع والإسماع والضبط والتقييد والرِّواية والتصنيف، أصيب أبو علي رحمه الله قبل وفاته بثلاث سنوات بمرض مزمن، ذكر ابن الأبار أنه الفالج، فذهب إلى المَرِيَّة للاستشفاء بها ثم عاد منها إلى قرطبة، وقد كان لزم بيته في آخر عمره، وتوفي في قرطبة ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شعبان سنة (498) هـ ودفن يوم الجمعة، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة.

الكتاب

الكتاب الذي نتناوله من أهم الكتب التي ألفت لخدمة الصحيحين في ضبط المشكل من أسماء الرجال وكناهم وأنسابهم وتعيين الشيوخ الذين روى عنهم البُخارِيّ وأهمل أنسابهم وقبائلهم وبلدانهم، والتنبيه على الأوهام الواقعة في الصحيحين في الأسانيد وأسماء الرجال من قبل رواة الكتابين، وبيان الصواب في ذلك بأسلوب لم يسبق إليه.

ولقد قسم المؤلف كتابه هذا إلي أربعة أقسام وقدم له بمقدمة نفيسة ذكر فيها طرفًا من الأخبار التي تحث علي تقييد العلم وكتابته وضبطه، ثم ترجم للبخاري ومسلم وذكر بعضًا من أخبارهما الدالة على فضلهما وإشادة العلماء بمنزلتهما، وختم هذه المقدمة بذكر أسانيده إلى الكتابين.

(1) 19/ 149.

(2)

3/ 283.

ص: 856

الباعث على تأليف الكتاب:

- ذكر أبو علي أن الباعث له على تأليف الكتاب كان سؤالًا من أحد المهتمين بالعلم يحثه على تأليف كتاب يجمع فيه المؤتلف والمختلف وغيره من فنون الحديث قال أبو علي الغساني في المقدمة (1):

أما بعد، يرحمك الله فإنك سألتني أن أجمع لله ما اشتبه عليك مما يأتلف خطه ويختلف لفظه من أسماء الرُّواة وكناهم وأنسابهم من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين، ممن ذكر في الكتابين الصحيحين في السنن المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تصنيف أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البُخارِيّ الجعفي، وأبي الحسين مسلم ابن الحجاج النيسابوري القشيري رحمهما الله وأقيد ما التبس عليك

وأن أذكر الأوهام التي في الأسانيد التي العهدة في أكثرها على نقلة الكتابين، وأبين وجه الصواب في ذلك

فأجبتك إلى ذلك كله مستعينا بالله عز وجل على بيان ما رغبت فيه رجاء ثوابه

اهـ.

أقسام الكتاب:

وقد جعل المؤلف الكتاب أقسامًا أربعة وجعل كل قسم كتابًا مستقلًا.

فالقسم الأول سماه «تقييد المهمل وتمييز المشكل» وهو نوعان:

الأول: ضط المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب وتقييده بحيث يحفظه من الإشكال ويخرجه عن الإهمال.

الثاني: تمييز المشكل من المتشابه في الأسماء، وهم قوم تتفق أسماؤهم وأسماء آبائهم أو تشكل صورة الخط إما بزيادة حرف أو بتغيير

(1) ص: 3 - 4.

ص: 857

بعض الحروف وكذلك من تتفق كناهم ولا يعرفون إلا بها.

وهذا القسم يمثل النصف الأول من مجموع الكتاب تقريبًا حيث جاء في آخره (1): كمل «تقييد المهمل وتمييز المشكل» والحمد لله كما هو أصله، يتلوه «التنبيه على أوهام الواقعة في الصحيحن وإصلاحها» .

ويستنبط منه أن تسمية الكتاب بأقسامه الأربعة بـ «تقييد المهمل» فيها تجوز؛ فإنه عنوان القسم الأول منه فقط ومناسب لمحتوياته، وللأقسام الأخرى منه عناوين تدل على موضوعاتها، وإن كانت في الجملة تدخل في التقييد والتمييز.

القسم الثاني: كتاب: «التنبيه على الأوهام الواقعة في المسندين الصحيحين في الأسانيد وأسماء الرُّواة» . وهو محل العناية بالروايات وسنتكلم عنه بالتفصيل لاحقًا.

القسم الثالث: كتاب: «التعريف بشيوخ حدث عنهم البُخارِيّ وأهمل أنسابهم» .

القسم الرابع: كتاب: «الألقاب» وجاء في آخره (2): آخر كتاب الألقاب وبتمامه تم جميع الديوان.

فظهر بذلك أن هذا الديوان أربعة كتب مستقلة، وقد طبعت قطع منه مستقلة ثم طبع كاملًا (3).

(1) ص: 562.

(2)

ص: 1150.

(3)

فقد طُبع كتاب «التنبيه على الأوهام الواقعة في الصحيحين من قبل الرُّواة» (قسم البُخَارِيّ) وهو رسالة ماجستير بجامعة الإمام بالرياض وباقي الكتاب رسائل هناك أقدمها سنة (1402) هـ.

والجزء الخاص بموضوعنا وهو التنبيه على الأوهام الواقعة - قسم البُخَارِيّ نشر في دار اللواء بالرياض سنة 1407 هـ بتحقيق محمد صادق آيدن الحامدي.

وطبع هذا القسم ضمن الكتاب كاملًا نشرته دار عالم الفوائد بالمملكة العربية السعودية في ثلاث مجلدات بتحقيق علي بن محمد العمران، ومحمد عزيز شمس، وكتبت له مقدمة نفيسة، عرفت بالمؤلف ومنهجه في الكتاب وقد استفدت منها كثيرًا في هذا المبحث.

ص: 858

وسأقتصر في كلامي على القسم الخاص باختلاف الروايات وهو قسم: التنبيه على الأوهام الواقعة في الصحيحين من قبل الرُّواة قسم البُخارِيّ:

- صرح المؤلف في مقدمته أن الحمل في هذه الأوهام على رواة الكتابين لا البُخارِيّ ومسلم ومن فوقهما إلا في مواضع يسيرة جدًا نبه على بعضها أبو مسعود الدمشقي وغيره من الأئمة، فرأى المؤلف ذكرها أيضًا لتتم الفائدة.

ومنهجه فيه أن يذكر أولًا الكتاب والباب وسند الحديث وطرفًا من متنه، ثم يذكر الخلاف بين الروايات المختلفة للبخاري في ذكر هذا السند، ثم يبين وجه الصواب في هذه الاختلافات.

وأبو علي أول من فكر - فيما أعلم - في دراسة الاختلافات التي وقعت في الصحيحين من قبل الرُّواة والمقارنة بينها ومحاولة الوصول إلى وجه الصواب فيها معتمدًا على الأدلة العلمية ونقول العلماء الثقات في هذا المجال.

ص: 859

روايات «صحيح البُخارِيّ» التي اعتمد عليها أبو علي في كتابه:

نعلم أن «صحيح البُخارِيّ» كانت له روايات ونسخ كثيرة حتى عصر أبي علي، واعتمد في كتابه هذا على الروايات التي وصلت إليه بالسند الصحيح، وهذه الروايات ذكرها أبو علي في مقدمة كتابه (1).

ويمكن حصر هذه الروايات التي وقعت له فيما يلي:

الرِّواية الأولى: رِواية أبي زيد المَرْوَزيّ (371) هـ عن الفَرَبْريّ (320) هـ عن البُخارِيّ.

وقد وقعت له من طريقين: الأول من طريق أبي الحسن القابسي (403) هـ أخذها عن شيخه أبي القاسم حاتم بن محمد بن عبد الله بن حاتم التميمي المعروف بابن الطرابلسي عن القابسي.

الثاني: من طريق أبي محمد الأصيلي (392) هـ أخذها عن شيخيه أبي شاكر عبد الواحد بن محمد بن موهب التُجِيْبيُّ المعروف بالقبري، والقاضي أبي القاسم سراج بن عبد الله بن سراج كلاهما عن الأصيلي، وكلاهما - الأصيلي والقابسي - عن أبي زيد المَرْوَزيّ عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ.

وقال أبو علي: عارضت كتابي من أوله إلى آخره بنسخة أبي محمد الأصيلي التي بخطه.

الرِّواية الثانية: رِواية أبي علي سعيد بن عثمان بن السكن (353) هـ عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ:

وقد وقعت له من رِواية أبي محمد عبد الله بن محمد بن أسد الجهني (395) هـ، رواها أبو علي عن شيخيه القاضي أبي عمر أحمد بن محمد بن يحيى المعروف بابن الحذاء والإمام أبو عمر يوسف بن عبد الله

(1) 1/ 59 - 67.

ص: 861

بن محمد بن عبد البر النمري، كلاهما عن ابن أسد الجهني عن ابن السكن عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ.

وقال أبو علي: وعارضت كتابي بنسخة أبي محمد بن أسد التي بخطه عن أبي علي بن السكن.

الرِّواية الثالثة: رِواية أبي ذر عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الهَرَويّ الحافظ (434) هـ عن شيوخه الثلاثة أبي محمد بن حمويه السَّرْخَسي (381) هـ، وأبو إسحاق إبراهيم المُسْتَمْلِيّ (376) هـ وأبو القيم محمد بن المكي الكُشْمِيهَني (389) هـ، ثلاثتهم عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ.

ورِواية أبي ذر هذه قال أبو علي أخبرني بها أبو العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري مناولة من يده إلى يدي وقال لي: سمعته مرارًا يقرأ على أبي ذر بمكة أولها في سنة ثمان وأربع مئة. اهـ.

الرِّواية الرابعة:

رِواية الأصيلي (392) هـ عن أبي أحمد محمد بن محمد بن يوسف بن مكي الجُرْجانيّ (374) هـ عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ.

رواها من طريق أبي شاكر عبد الواحد بن موهب التُّجيبي والقاضي أبو القاسم سراج بن عبد الله بن سراج، كلاهما عن الأصيلي به.

الرِّواية الخامسة: رِواية أبي اسحاق إبراهيم بن معقل النَسَفْيّ عن البُخارِيّ.

أخبره بها أبو العاصي حكم بن محمد بن حكم الجذامي قال: نا أبو الفضل أحمد بن أبي عمران الهَرَويّ بمكة سنة اثنتين وثمانين وثلاث مائة قال لي: سمعت بعضه وأجاز لي سائره قال: نا أبو صالح خلف بن محمد بن إسماعيل البُخارِيّ، قال: نا إبراهيم بن معقل النَسَفْيّ قال: نا أبو عبد الله البُخارِيّ.

ص: 862

ثم ذكر أبو علي عن أبي الفضل صالح بن محمد شاذان الأصبهاني عن إبراهيم ابن معقل النَسَفْيّ أن البُخارِيّ أجاز له آخر الديوان من أول كتاب الأحكام إلى آخر ما رواه النَسَفْيّ من «الجامع» .

ثم ذكر ما فيها من نقص عن رِواية الفَرَبْريّ وقال: قد علمت على الموضع في كتابي

وهو تسع أوراق من كتابي. اهـ.

وقال أبو علي (1) في أول القسم الخاص بالاختلافات التي في «صحيح البُخارِيّ» وهو يذكر الروايات التي وقعت له قال: وانتقلت إلينا هذه الرِّواية على جهة الإجازة من قبل أبي صالح خلف بن محمد بن إسماعيل الخيام البُخارِيّ ومن قبل أبي الفضل صالح بن محمد شاذان الأصبهاني عنه. اهـ.

واستنادًا إلى هذه الروايات المعتبرة عند علماء الرِّواية حيث أن رِواية المَرْوَزيّ من أجل الروايات، ورِواية أبي ذر الهَرَويّ من أدقها وأتقنها.

أقول استنادًا إلى هذه الروايات تكلم أبو علي على الاختلافات، ورجح بينهما بالحجة والبرهان، وكان في ذلك رائدًا لم يسبق في هذا المجال واستطاع بوقوفه على هذه الروايات الوصول إلى وجه الصواب في هذه الاختلافات، ومؤيدًا لهذه الروايات بالنقول من علماء العلل والأنساب.

ونظرًا لأهمية هذا الكتاب ومادته التي لا تكاد توجد في مؤلف غيره اعتمد عليه كل من جاء بعده من الشراح والمؤلفين عند كلامهم في هذا الباب.

وعملُ أبي علي هذا في حقيقة الأمر دفاعًا عن «الصحيح» ببيان الأوهام والأخطاء الواقعة فيه من قبل الرُّواة، والتي يظن الكثير من الناس

(1) 2/ 566.

ص: 863

أنها من قبل البُخارِيّ أو من فوقه.

ومعلوم أن الصواب إذا وجد عند أحد الرُّواة لا يصح القطع بنسبة الخطأ إلى مؤلف الكتاب إلا إذا اتفق جميع الرُّواة على ذلك وهذا قليل ونادر.

ولذلك يمكن دخول هذا العمل في باب العلل.

أهمية الكتاب وقيمته وأثره في الكتب اللاحقة:

سبق القول أن عمل أبي علي هذا لم يسبق إليه؛ ولذلك نجد كثيرًا من العلماء قد أثنوا عليه، فقال القاضي عِياض: ألف كتابه على الصحيحين المسمى «تقييد المهمل وتمييز المشكل» وهو كبير الفائدة (1).

وقال ابن عطية: قرأت عليه رحمه الله كتابه الذي ألفه في الصحيحين وسماه «تقييد المهمل وتمييز المشكل» في أصله المجزأ على عشرة أجزاء، ولم يسبق أحد إلى مثله (2).

وقال ابن بشكوال: جمع كتابًا في رجال الصحيحين سماه «تقييد المهمل وتمييز المشكل» وهو كتاب مفيد أخذه الناس عنه، وسمعناه على القاضي أبي عبد الله ابن الحاج عنه. اهـ (3).

بل إنك تجد كثيرًا من العلماء تلقوا الكتاب، وتسابقوا إلي روايته عن المؤلف، وقد استفادوا منه، وأكثروا من النقل والاقتباس منه في الكتب التي ألفوها حول الصحيحين أو في موضوعات أخرى لها علاقة بمحتويات كتاب أبي علي.

(1)«الغنية» ص: 201.

(2)

«الفهرسة» لابن عطية ص: 77.

(3)

«الصلة» 1/ 143.

ص: 864

وخاصة الأقسام المتعلقة بالأوهام الواقعة في الصحيحين من قبل الرُّواة.

ومن أوائل من نقل واقتبس من كتاب أبي علي الإمام أبو عبد الله المازري (536) هـ شارح «صحيح مسلم» في كتابه المسمى بـ «المعلم بفوائد مسلم» (1).

ونقل القاضي عِياض (544) هـ في «إكمال المعلم» ما ذكره المازري في «المعلم» ونبه أحيانًا على أن الكلام لأبي علي (2).

وممن نقل عن أبي علي الغساني واستفاد منه ونسب أقواله إليه كل من ابن الصلاح في «صيانة صحيح مسلم» والنووي في «شرح مسلم» حيث نقلا عن كلامه في الأسانيد ووافقاه غالبًا وتعقباه أحيانًا بكلام مفيد.

ولم تكن الاستفادة من أبي علي في كتابه هذا مقتصرة على كلامه في الأسانيد، وإنما تعدى ذلك إلى رِواية الصحيحين من طريق أبي علي ونقل الفوائد المتعلقة بالروايات من مقدمة كتاب «تقييد المهمل» .

حيث تجد في أول كتاب «مشارق الأنوار» للقاضي عِياض (3)، وشرح النووي على مسلم (4)، وشرحه على البُخارِيّ، و «فتح الباري» لابن حجر (5) وغيرها ذكر أسانيد المؤلفين إلى البُخارِيّ ومسلم، وروايات كتابيهما والكلام عليها، وكثير منه من طريق أبي علي الغساني من مقدمة «تقييد المهمل» كما يظهر ذلك بالمقارنة.

(1)«صيانة صحيح مسلم» (159)، و «شرح مسلم» للنووي 1/ 193.

(2)

«إكمال المعلم» 1/ 215، 238.

(3)

1/ 9 - 11.

(4)

1/ 11 - 12.

(5)

1/ 10 - 12.

ص: 865

وتجد أيضًا الإمام ابن الملقن (804) هـ في شرحه: «التوضيح لشرح الجامع الصحيح للبخاري» ينقل كثيرًا عن أبي علي الغساني في كلامه على الروايات والأسانيد وضبط الأسماء وغير ذلك.

وكذا كل شراح البُخارِيّ أمثال ابن حجر في «الفتح» والعيني في «عمدة القاري» والقَسْطَلّانِيّ في «إرشاد الساري» وغيرهم.

وبنى القاضي عِياض كتابه «مشارق الأنوار على صحاح الأخبار» على كتاب «تقييد المهمل» حيث اختصر أشياء منه وزاد وتعقب عليه أشياء وأضاف «الموطأ» إلى الصحيحين حتى أصبح أشمل وأجمع في بابه من كتاب أبي علي.

وكذا جاء ابن قرقول (569) هـ بعد القاضي عِياض وهذب واختصر وزاد عليه في كتابه «مطالع الأنوار» .

أضف إلى ذلك أنك تجد كثيرًا من الكتب التي تتكلم في الرجال وضبط الأسماء والكنى والأنساب تنقل نصوصًا عن أبي علي في الأقسام المتعلقة بالرجال أمثال كتاب «الأنساب» (1) للسمعاني (562) هـ، و «توضيح المشتبه» (2) لابن ناصر الدين (842) هـ، و «تبصير المشتبه» لابن حجر (852) هـ وغيرها.

حتى المؤلفون في كتب المصطلح مثل القاضي عِياض (544) هـ في «الِإلماع» (3) وابن الصلاح (634) هـ في «علوم الحديث» (4) والزركشي (794) هـ

(1) ينظر 1/ 286، 408، 4/ 59، 75، 5، 550.

(2)

ينظر مثلًا 1/ 185، 213، 4/ 5، 5/ 135.

(3)

ينظر 154، 155، 193.

(4)

ص: 520، 568، ت / عائشة بنت الشاطئ.

ص: 866

في «النكت» ، والبلقيني (805) هـ في «محاسن الاصطلاح» (1) وغير ذلك.

أضف إلى ذلك كتب الرجال مثل كتاب «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2)، و «طبقات الشافعية» للسبكي (3) وغيرها.

ونظرًا لأهمية الكتاب فقد قام بعض العلماء باختصار وتهذيب جزء منه، وهو الجزء الخاص بأوهام الرُّواة في «صحيح البُخارِيّ» حيث قام يوسف بن عبد الهادي الحنبلي المعروف بابن المبرد (909) هـ باختصاره وسماه الاختلاف بين رواة البُخارِيّ عن الفَرَبْريّ، وروايات عن إبراهيم بن معقل النَسَفْيّ، وهو كتاب مطبوع متداول وتوجد عندي نسخة خطية منه (4).

نموذج من الكتاب.

أقوال أبي علي في كتابه هذا لا يستغني عنها من أراد أن يتكلم في روايات ونسخ «الجامع الصحيح» ؛ ولذلك سننقل منه كثيرًا في الكلام على الروايات وبيان معالمها، وسأكتفي بسياق نموذج من الكتاب ليتبين لنا ترتيب الكتاب، وسأحاول اختيار النماذج التي تفي بالغرض، وليكن أول موضع تكلم عنه؛ لبيان جهده في هذا الجزء من الكتاب.

قال أبو علي في كتابه «تقييد المهمل» بعد المقدمة (5):

من ذلك في كتاب الإيمان في باب الصلاة من الإيمان.

(1) ص: 548، 550، 551.

(2)

ينظر 12/ 172.

(3)

ينظر 10/ 406، 411.

(4)

نشرته دار الوطن بالرياض 1420 هـ بتحقيق فتحي هلل، ونسخته الخطية موجودة في دار الكتب المصرية، وعندي منها مصورة.

(5)

2/ 567.

ص: 867

قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا عمرو بن خالد، قال: نا زهير، قال: نا أبو إسحاق، عن البراء، وذكر شأن تحويل القبلة.

قال الشيخ أبو علي: كان في نسخة أبى زيد المَرْوَزيّ: حَدَّثَنا عمر بن خالد، هكذا نقله عنه أبو الحسن القابسي وأبو الفرج عبدوس بن محمد الطليطلي، وذلك وهم، والصواب: عمرو - بفتح العين وسكون الميم - وهو عمرو بن خالد الحراني الجزري، وليس في شيوخ البُخارِيّ من يقال له: عمر بن خالد. اهـ. من «تقييد المهمل» .

التعليق على النص:

هذا النص يلاحظ عليه ما يلي:

1) أنه يسوق الحديث ويذكر قبله موضع وجوده في «الصحيح» ؛ حيث قال: من ذلك في كتاب الإيمان في باب الصلاة من الإيمان.

2) أنه يذكر الأحاديث التي وجد فيها خلاف أو وهم وقع من قبل الرُّواة الذين وقعت روايتهم له والذين سبق ذكرهم، فهو لم يذكر كل أحاديث البُخارِيّ.

3) أنه يقتصر على الاختلافات التي يظن القارئ أن فيها وهمًا أو إشكالًا، أما الاختلافات التي لا تضر والتي هي بمثابة توضيح أو زيادة أو اختصار أو غير ذلك فهو خارج عن شرط كتابه، يتبين ذلك إذا تأملنا جميع المواضع التي ذكرها.

4) أنه يسوق الأحاديث داخل الكتب والأبواب بترتيب البُخارِيّ، فهو مثلا لا يقدم حديثًا جاء في كتاب الصلاة على حديث جاء في كتاب العلم أو الإيمان، ولا يؤخر حديثًا في باب العلم ويذكره بعد كتاب الزكاة مثلًا، وذلك أيضًا واضح من خلال ترتيب الكتاب.

5) أنه يبدأ أولًا بذكر الحديث على وجه الصواب عنده كما هو عند

ص: 868

البُخارِيّ في «صحيحه» مقتصرًا على السند بنصه، ويذكر في المتن جزءًا منه أو ما يدل عليه إن كان الحديث مشهورًا.

انظر مثلًا قوله في هذا الموضع: وذكر شأن تحويل القبلة، ويقول في الحديث الذي بعده وكثيرًا ما يفعل ذلك وهو حديث بردة: «ثلاثة لهم أجران

الحديث (1).

وأحيانًا يذكر الحديث كاملًا إذا كان صغيرًا (2).

6) أنه لم يقتصر على الأحاديث التي في «صحيح البُخارِيّ» فقط وإنما تعدى ذلك إلى ذكر المتابعات والشواهد كما فعل في الموضع الذي ذكره في باب درجات المجاهدين من كتاب الجهاد (2/ 627) حيث قال: ذكر في المتابعة: وقال محمد بن فليح عن أبيه قال: وفوقه عرش الرحمن .... إلخ (3).

7) وبعد أن يذكر الحديث بسنده وما يدل عليه أو بدايته على وجه الصواب عنده يذكر بعد ذلك ما خالف ذلك في النسخ الأخرى التي وقف عليها، وكثيرًا ما يؤيد الصواب بأدلة أخرى، وهذه الأدلة قد تكون نقولًا عن علماء آخرين (4) وهي في الأغلب الأعم تكون استنباطًا (5).

(1)«تقييد المهمل» 2/ 568.

(2)

ينظر مثلًا 2/ 648.

(3)

2/ 627.

(4)

أمثال الدارقطني، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي نصر الكلاباذي، وابن أبي حاتم، أو البُخَارِيّ نفسه. ينظر 2/ 621، 625، 632، 645، 693، 719 وغيرها كثير مما لا يسع المقام لذكره.

(5)

ينظر إلى قوله: وليس في شيوخ البُخَارِيّ من يقال له: عمر بن خالد.

وينظر أمثلة أخرى كثيرة مثل ص: 572 بعد أن حكى خلافًا في إسناد قَال: واتصال هذا الإسناد وصوابه أن يكون عن محمد

إلخ.

وينظر إلى قوله ص: 579: ولا يتصل السند إلا بذكر يحيى بن آدم وسقوطه وهم. اهـ.

ص: 869

وغالبًا ما يوفق في الترجيح ويقطع بوجه الصواب والتصريح بذكر الواهم إذا تيقن من ذلك (1)، وأحيانًا يحكي الخلاف ويقتصر عليه إذا كان الوجهان مما لا يتعارضان وغير ذلك.

8) أنه اقتصر على الأوهام الواقعة للرواة في الأسانيد فقط دون المتون والأبواب والكتب، ولو فعل ذلك لكان في غاية الحسن والتمام في بابه. ولعل السبب في ذلك أن من سأله تأليف الكتاب لم يطلب منه ذلك أو أنه اقتصر على ما يدخل العلة في الإسناد لدخوله في جملة الغرض الذي من أجله ألف جميع الكتاب؛ حيث تجد جميع الأقسام الأخرى في الكتاب تتحدث عن الرجال وضبطها والتمييز بينها والله أعلم.

9) كثيرًا ما يسوق بعض الأحاديث بإسناده أو يذكر الأقوال مسندة إلى قائليها، وكثيرًا ما ينقل كلام أبي مسعود الدمشقي والكلاباذي، وقد ينقل عن الدارقطني والبُخارِيّ في غير «الصحيح» وابن أبي حاتم.

10) أضاف إلى الروايات التي وقعت له رِواية عبدوس وهو أبو الفرج بن محمد الطليطلي، وهي رِواية لـ «الصحيح» عن أبي زيد المَرْوَزيّ عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ (2).

(1) ينظر في المثال الذي معنا قوله: وذلك وهم، والصواب عمرو بفتح العين وسكون الميم

إلخ.

وقال في ص: 572: واتصال هذا الإسناد وصوابه أن يكون عن محمد

إلخ، وفي ص: 578

وهو وهم والصواب سعد بسكون العين

، وقال في ص: 608: وقع في نسخة أبي محمد

وهو وهم وصوابه

إلخ، وقال في ص: 663: وهذا خطأ بين وإنما هو التبوذكي. وغير ذلك كثير.

(2)

ينظر مثلًا المثال الذي معنا وينظر أيضًا ص: 575، ص: 590، ص: 600، ص: 665، ص: 712 وغير ذلك.

ص: 870