الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت (الباحث): ما ذكره القسطلاني مخالفًا بذلك ابن حجر وابن رشيد والباجي فيه نظر من حيث الواقع، فالرواة عن البخاري ومن بعده وقع بينهم بعض الاختلافات لا يمكن توجيهها إلا بإعمال هذه القاعدة، وهذه المواضع قليلة جدًّا كما ذكر ابن حجر، كما أنها لا تعني وجود تعارض يطعن في «الصحيح» ؛ لأنها متعلقة بالسياق العام وترتيب الكتاب، وليست من العلل التي تقدح في صحة الأحاديث، وترك بعض المواضع مبيضة في نسخة الإمام البخاري في موضع تراجم بعض الأبواب لما عرف من تأني الإمام البخاري - كما ذكر ابن رشيد - وحرصه على دقة الاستنباط للأحكام من الأحاديث، وهو أمر لا يعاب به فاعله، لاسيما مع ما عرف به الإمام من حسن النية، وجميل الفعلة فيما أنجزه من تراجم الكتاب وهو الغالب كما قدمت (1).
وبناء على ما سبق فإن من أسباب وجود اختلافات بين الروايات أن الرواة الأُوَل الذين نقلوا من أصل البخاري اجتهدوا في وضع بعض الأحاديث تحت بعض التراجم المبيضة. والله أعلم.
2 - كثرة الرواة عن البخاري:
لقد بذل البخاري رحمه الله قصارى جهده وعنايته في انتقاء أحاديث «الصحيح» ، واستغرق في تأليفه سنواتٍ كثيرةً، ثم عرضه على صفوة النقاد في عصره لهذا لم يكن غريبًا أن يعد هذا الكتاب أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، مما جعل جمهور الأمة الإسلامية في زمانه يحرصون على سماع هذا «الصحيح» عن مؤلفه، ثم ممن سمعه، ويكتبونه من أصله، ثم ما تفرع منه من النسخ المعتبرة.
(1)«إفادة النصيح» ص: 26 - 28.
وعرف عن البخاري رحمه الله كما جاء ذلك في تراجمه أنه كان يعقد مجالسَ لإملاء الحديث، ويكتب فيها عنه حتى كان له في بغداد وحدها ثلاثة من المستملين مما يدل على اجتماع ألوف من السامعين في مجالسه.
ولهذا فإن «الصحيح» قد تواتر نقله عن البخاري سماعًا وقراءة جيلًا بعد جيل من مختلف الأقطار، وثبتت كتابته أيضًا من نسخته الأصلية الخاصة، التي كانت تحت يد أشهر تلاميذه وهو الفربري.
ولذا يقول محمد بن يوسف الفربري: سمع كتاب «الصحيح» لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل، فما بقي أحد يُروَى عنه غيري.
وقد سبق ذكر الرواة الذين وقفت عليهم عن البخاري، ثم عن الطبقة التي تليه، ثم عن الطبقة التي تليهم وهكذا.
وهكذا تعددت الروايات لـ «الصحيح» وانتشرت في ربوع العالم الإسلامي، وتعددت لذلك نسخه الخطية؛ ولأجل كل ذلك حدث فروق بين النسخ الخطية لـ «الصحيح» في صور كثيرة من الاختلافات بعضها يتعلق بالسياق العام للكتاب، وبعضها يتعلق بالأسانيد، وبعضها يتعلق بالمتون وبعضها يتعلق بالكتب والتراجم الموضوعة للأبواب وغير ذلك.
وهذه الكثرة العددية كانت سببًا - نتيجة لاختلاف ضبط الرواة - لوجود كثير من الاختلافات بفعل العوارض التي تعرض للبشر من اختلافهم في الدقة والضبط والعناية وغير ذلك.
كما أن كثرة النسخ تؤدي إلى وقوع كثير من العيوب التي تنشأ من عامل الزمن والعوامل الطبيعية، وغير ذلك.
وهذه الفروق الموجودة لا تعد قادحة في سلامة عموم نصوص «الصحيح» ولا معارضة لثبوت تواتر مجموعه سماعًا ونقلًا عن البخاري